بين سوريا وتركيا، إشكاليات في عمل المنظمات السورية الإنسانية المرخصة في تركيا
الملخص التنفيذي:
لم يكن لمنظمات المجتمع المدني في سوريا وجودٌ واضحٌ قبل عام 2011؛ إلا أن الأوضاع الإنسانية الناجمة عن العمليات العسكرية، واعتماد قرار مجلس الأمن الدولي 2642 عام 2014 الذي يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود ساهم في تحويل معظم الجهود الإغاثية التطوعية إلى شكل منظم، وبدأت العديد من المنظمات بالترخيص في دول الجوار، لإدارة العمليات الإنسانية وتنفيذ المشاريع في مناطق الشمال السوري.
تُعد تركيا مركزاً أساسياً لوجود المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني؛ نظراً لموقعها الجغرافي من جهة، وللتسهيلات التي قدمتها الحكومة لهذه المنظمات من حيث العمل والترخيص من جهة أخرى، ففي عام 2013 صدر قانون خاص بتنظيم مساعدات السوريين؛ على اعتبار أن هذه الأنشطة هي واجب إنساني. وخضعت أنشطة الجمعيات السورية غير الهادفة للربح لقانون الجمعيات رقم 5253 وأحكام التشريعات ذات الصلة.
ومع مرور السنوات وتعقد المشهد الإنساني، وتطور عمل هذه الجمعيات ظهرت مجموعة من الإشكاليات واجهت عمل تلك الجمعيات وعرقلتها في بعض الأحيان، حيث برزت إشكاليات عامة تمثلت في لنظرة السلبية من بعض الأطراف التركية تجاه عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، والريبة والشكوك حول عملها وعلاقتها بالمنظمات الأجنبية أو الأممية.
هذا وتعاني المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني من إشكالية في التوصيف، تسببت في حالة من الارتباك للعاملين فيها وللمتعاملين معها؛ فهي منظمات نشأت في ظروف استثنائية خارج أراضيها، واضطرت للترخيص في تركيا من أجل إدارة عملياتها الإنسانية في سوريا، ورغم أنها رُخّصت كمنظمات تركية إلا أنها لم تعامل كذلك، كما لم تعامل كما المنظمات الأجنبية، عدا عن إشكالية تعقيد المشهد الحالي وعدم فهم الكثير من الموظفين الأتراك لسياق ما حدث ويحدث في سوريا وكيفية نشأة وعمل تلك المنظمات، وتحديد عمل هذه المنظمات بالداخل السوري، واستبعاد غالبيتها من العمل مع اللاجئين لأسباب غير معروفة.
ومن جهة أخرى برزت مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية، كالتعقيدات في عملية استصدار أذونات العمل، لاسيما للموظفين الحاملين لبطاقة الحماية المؤقتة ، والاختلافات بين النصوص القانونية والتطبيق؛ وإشكالية الاستثناءات الغامضة التي تسببت في حالة من التشويش لدى المنظمات ولدى الموظفين الأتراك في الوقت ذاته، كما تشير التجربة لضرورة وجود معايير وتوجيهات واضحة لتصحيح بعض الإشكاليات القانونية ومعالجة بعض الإشكاليات، وتضييق الفجوة الملاحظة بين النصوص القانونية وتطبيقها على الأرض، لاسيما وأن الموظف التركي يملك عملياً وبحسب المشاهد صلاحية في تفسير القوانين والقرار.
ومع تطور عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، برزت الحاجة لوجود إشكال جديدة من التعاقد مع مزوّدي الخدمة والمتطوعين السوريين: وذلك لتبرير مبالغ الصرف المقدمة لهم أسوة بنظرائهم الأتراك، بالإضافة إلى الحاجة لوجود أشكال جديدة من التعاقدات الإدارية مع الموظفين السوريين تحت الحماية المؤقتة كالعقود الجزئية على سبيل المثال.
وبالإضافة إلى الإشكاليات العامة والبيروقراطية، ظهرت مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بالجوانب المالية، كضرورة إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية لتشمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، خاصة فيما يتعلق بضريبة الدخل أو ضرائب توريد المواد إلى سوريا.
هذا وتعاني هذه المنظمات من صعوبات في استخراج إذن جمع التبرعات في تركيا، نظراً للتعقيدات الإدارية المطلوبة ، حيث غالباً ما تأتي هذه الطلبات بالرفض، عدا عن قيام بعض البنوك بالضغط على المنظمات من أجل تجميد مبالغ مالية، والإشكاليات الملاحظة خلال التحويلات المالية إلى الداخل السوري مع مؤسسة PTT، سواء الإشكاليات البيروقراطية ، أو ارتفاع نسب التحويل إلى 1% مقتطعة من أية حوالة تذهب للداخل السوري مهما كان حجمها
وإلى جانب ذلك واجهت المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني الكثير من المشاكل خلال عملها الداخل السوري ضمن مناطق النفوذ التركي، فقد برزت مشكلة ضعف الآليات الناظمة لعمل المنظمات والتضارُب في الصلاحيات والرؤى والتطبيق، وهو ما يعود إلى اختلاف التبعيات الإدارية، وعدم وجود رؤية موحدة لإدارة المنطقة، وتحول المنطقة إلى بيئة لا تشجع المنظمات على العمل رغم الاحتياج الكبير.
وتظهر هذه الإشكالية بشكل واضح خلال استصدار أذونات الدخول لموظفي المنظمات، أو استصدار إذن عمل لتنفيذ بعض المشاريع في المنطقة رغم توقيع بروتوكولات شراكة مع بعض الجهات المركزية المعنية في الداخل، والتي تحولت إلى أداة للضغط بدل أن يكون أداة لتسهيل العمل، عدا عن وجود حالة من الارتباك والتضارب عند الجميع حتى عند الموظفين الأتراك؛ في نوع القوانين واللوائح والآليات التي يفترض تطبيقها في المنطقة، وهل تطبق القوانين التركية على هذه المنطقة أم القوانين السورية.
هذا وقد قدم هذا التقرير مجموعة من التوصيات الموجهة إلى كل من الجهات التركية والتي توصي بإعادة النظر في القوانين الناظمة لعمل الجمعيات السورية وتطويرها، والاجتماع الدوري بأعضائها والتعرف على مشاكل بهدف المساعدة بحلها، بالإضافة إلى مجموعة من التوصيات الموجهة للمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، التي تهدف إلى تعزيز التواصل والزيارات، وإنتاج الدراسات والتقارير الدورية بلغات مختلفة التي تسمح بالاطلاع على واقع العمل الإنساني ومشاكله.
المقدمة:
لم يكن لمنظمات المجتمع المدني في سوريا وجودٌ واضحٌ قبل عام 2011؛ فالمنظمات غير الحكومية كانت معدودة وتخضع لسيطرة الحكومة أو حزب البعث، ومع قيام نظام الأسد وحلفائه بقصف المدن واستهداف المدنيين والبنى التحتية والمراكز الخدمية بدأت الحاجة تتزايد لتقديم المساعدات للمتضررين والنازحين والمشردين، سواءٌ على النطاق الطبي أو الإغاثي والإنساني، لاسيما مع غياب الحكومة والفراغ الذي حصل نتيجة خروج بعض المناطق عن سيطرة نظام الأسد؛ فظهرت المبادرات والفرق التطوعية التي اعتمدت على جمع التبرعات من أجل مساعدة المتضررين والجرحى والنازحين[1].
وفي عام 2014 دخل الدعم الإنساني الدولي مسار العمليات الإنسانية في سوريا بعد الاعتماد على قرار مجلس الأمن الدولي 2642 الذي يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود؛ نظراً لعدم قدرة المنظمات الإنسانية الدولية على الوصول إلى المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، فاعتمدت هذه المنظمات الدولية على الفرق والتشكيلات المحلية في عملية الاستجابة، وكان على تلك الفرق أن تتحول إلى شكل له طابع تنظيمي وإداري داخلي، لتتحول لاحقاً إلى منظمات محلية مرخصة في عدد من الدول أخذت دور الوسيط التنفيذي الذي يقوم بتلبية الاحتياجات المحليّة وفقاً لمشاريع ممولة من الداعمين الدوليين[2].
دفع قرار مجلس الأمن 2642 بالعديد من المنظمات إلى الترخيص في العديد من دول الجوار -خاصة تركيا- لإدارة العمليات الإنسانية وتنفيذ المشاريع في مناطق الشمال السوري، وطورت هذه المنظمات سياسات عملها لتتناسب مع القواعد المتعارف عليها عالمياً، وتمكنت العديد من المنظمات التي فهمت احتياجات المرحلة وطوّرت من شكلها وأدواتها من تحقيق شراكات مع أكبر المنظمات العالمية، وحافظت على تلك الشراكات لسنوات وعلى المعايير المفروضة في تلك المشاريع، في حين تراجعت أدوار منظمات أخرى لم تملك المرونة والقدرة على التطوير.
ومن جهة أخرى فرضت ظروف العمل الاستثنائية في الشمال السوري احتياجات كبيرة اضطرت هذه المنظمات أن تحلّ محل الحكومة في تقديمها الخدمات الأساسية، بدل أن تكون جهة ترفد عمل الحكومة وتدعمه؛ فأصبحت تدير في بعض الأحيان العمل الطبي والتعليمي وتقدم الخدمات وتُنشئ البنى التحتية، في مشهدٍ جديدٍ غير مألوف في الدول المستقرة. وتمكنت من سدّ تلك الاحتياجات الأساسية في هذه المنطقة غير المستقرة، ومن الاستجابة لعمليات النزوح والتهجير والقصف المتكرر، والعمل على توجيه الدعم إلى القطاعات الأكثر احتياجاً قدر الإمكان، والتحول من كونها وسيطاً تنفيذياً إلى شريك مساهم في عملية تقييم الاحتياجات وتوجيه السياسات الإنسانية من خلال عمليات الضغط والمناصرة التي عملت بها.
تُعد تركيا مركزاً أساسياً لوجود المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني؛ نظراً لموقعها الجغرافي من جهة، وللتسهيلات التي قدمتها لهذه المنظمات من حيث العمل والترخيص من جهة أخرى، إلا أنّ تعقُّد المشهد السوري وازدياد التحديات الناتجة عن تفاقم الاحتياجات الإنسانية وتراجع التمويل خلق العديد من الإشكاليات التي أثّرت في عمل هذه المنظمات.
المنهجية:
يعتمد هذا التقرير المنهج الوصفي التحليلي؛ إذ نحاول من خلاله تحديد وتحليل بعض الإشكاليات والعوائق الإدارية والبيروقراطية والمالية التي تسهم في عرقلة عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني المرخصة في تركيا، وتضعف من قدرتها على تعزيز استقرار مناطق الشمال السوري؛ وذلك بهدف الإضاءة على بعض الفجوات، والعمل على سدّها وتجاوزها، بما يحقق أفضل استجابة ممكنة ويعزّز الجهود التي تبذلها هذه المنظمات في الاستجابة للاحتياجات.
وقد بُني هذا التقرير على مخرجات ورشة عمل عُقدت في 23 كانون الثاني عام 2023، وشارك فيها 12 من قادة قطاع العمل الإنساني المفتاحيين الذين يديرون منظمات مرخصة في تركيا، ويعملون في مختلف قطاعات العمل الإنساني في الداخل السوري[3]. وأُعدّ هذا التقرير بناءً على قاعدة “تشاتام هاوس”[4]، ومن دون التقيد بالترتيب الزمنيّ للعرض والمداخلات؛ إذ استُخدم التقسيم الموضوعيّ بقصد ترتيب الأفكار بطريقة سلسة وموضوعيّة تساعد القارئ -قدر المستطاع- على متابعة الموضوع.
يستعرض التقرير في قسمه الأول الإشكاليات التي تواجه عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني داخل تركيا، من خلال التركيز على مجموعة من الإشكاليات الإدارية والبيروقراطية والمالية ومشاكل عامة تؤثر بشكل مباشر في عمل المنظمات، ويستعرض القسم الثاني من التقرير مجموعة من الإشكاليات التي تواجه عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني داخل سوريا، والتي تعود إلى أسباب إدارية ومالية، ويقدم التقرير في قسمه الأخير مجموعة من النتائج والتوصيات.
تعريفات أساسية:
- المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني NGOs:
يُقصد بها: المنظمات المدنية غير الربحية المرخصة في تركيا، والتي أنشأها ويديرها سوريون، والمستقلة عن كل من الحكومة وقطاع الأعمال، وتنشط في العديد من القطاعات الإنسانية كالتعليم والصحة والإيواء والحماية وسبل العيش، وتقوم هذه المنظمات بإدارة عملياتها الإنسانية وتصميم مشاريعها من مكاتبها الرئيسة المتركزة في العديد من المحافظات التركية، خاصة المحافظات القريبة من الحدود السورية التركية، ويتم تنفيذ هذه المشاريع من خلال كوادرها الموجودة في الشمالي السوري الواقع تحت سيطرة قوى الثورة والمعارضة السورية، وقد تنفّذ بعض الأنشطة في تركيا حسب شكل العمل والترخيص.
- مناطق النفوذ التركي:
يُقصد بها: الشريط الشمالي الواقع تحت سيطرة المعارضة السورية، والذي تم تحريره وربطه مع بعضه بعد عمليات عسكرية، وتمتد هذه المناطق على مساحة قدرها 8400 كم2 تقريباً، ويقيم فيها قرابة 2.2 مليون نسمة وفقاً لتقديرات محلية[5].
تضم هذه المنطقة العديد من المدن والبلدات الرئيسة وتوابعها، مثل: عفرين واعزاز والباب وجرابلس والراعي ومارع، بالإضافة إلى منطقة عمليات نبع السلام، وتتم إدارة هذه المناطق من خلال 18 مجلساً محلياً مركزياً تم تعيينها من قبل الجهات التركية، تتبع لها مجالس بلدية فرعية[6]، وتخضع هذه المناطق للإشراف الأساسي من قبل منسقين تابعين لبعض المحافظات التركية المقابلة، كولاية هاتاي وغازي عنتاب وكلس وشانلي أورفا، كما أن فيها جهات تركية إدارية تابعة لبعض مديريات الصحة والتعليم، بالإضافة إلى بعض الهيئات التركية مثل الأفاد والهلال الأحمر و Ihh.
- مستشار الولاية التركية في مناطق النفوذ التركي (المنسق التركي):
هو معاون والي الولاية التي تتولى الإشراف على المنطقة، ويُعرف بالداخل السوري باسم ” الوالي التركي” أو “المنسق التركي”، وهو أعلى سلطة في المنطقة، يشرف على عمل المجالس المحلية وإدارة بعض الملفات، وفي مناطق النفوذ التركي عدة مستشارين يتبعون لولايات هاتاي وكلس وغازي عنتاب وشانلي أورفا.
- المنسقون الأتراك:
هم موظفون مدنيون أتراك يتم تعيينهم في كل منطقة من الولاية التي تشرف على تلك المنطقة (أورفا أو عينتاب أو كيلس أو هاتاي)، ويمتلك -عملياً- المنسق التركي رغم صفته الاستشارية صلاحيات فوق صلاحيات المجالس المحلية، وقد يكون في بعض المديريات منسق عام في تخصص معين يشرف ويتابع عمل المشرفين الفرعيين، كما هي الحال مع منسق شؤون الديانة.
- الأوتشا OCHA:
هو مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs”، وتُعرف اختصاراً بـ OCHA، وتُعد جزءاً من الأمانة العامة للأمم المتحدة، ومسؤولة عن جمع الجهات الإنسانية الفاعلة لضمان استجابة متماسكة لحالات الطوارئ. ويُقصد بمكتب الأوتشا في هذا التقرير: المكتب الموجود في غازي عنتاب والذي أُنشئ عام 2013 لإدارة العمليات الإنسانية في سوريا عبر الحدود[7].
وقد أَنشأ مكتب الأوتشا في عنتاب “القطاعات” أو ما يُعرف ضمن المهتمين باسم “الكلاسترات”، ويتخصص كل منها في مجال معين، مثل قطاع التعليم وقطاع الحماية وقطاع الصحة وقطاع المأوى؛ إذ يضم كل قطاع المنظمات العاملة في هذا المجال، وتقوم باجتماعات دورية لمتابعة الاحتياجات والعمل فيها.
- المديرية العامة لإدارة العلاقات مع المجتمع المدني “إدارة الجمعيات”:
تُعد المديرية العامة لإدارة العلاقات مع المجتمع المدني Sivil Toplumla İlişkiler Genel Müdürlüğü هيئة حكومية تم إنشاؤها بهدف المساهمة في تأصيل الديمقراطية التشاركية، من خلال دعم التنظيم الاجتماعي ورفع جودة حياة المجتمع[8].
- آفاد AFAD:
هي رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية، تأسست عام 2009، تعمل في إدارة التخطيط والحدّ من المخاطر، وفي الاستجابة للكوارث، ويتبع لها أقسام لإعادة التأهيل بعد الكوارث والطوارئ، بالإضافة إلى الإشراف على إدارة الدفاع المدني التركية وإدارة العلاقات الخارجية والمساعدات الإنسانية الدولية[9]، وقد بدأت العمل داخل سوريا عام 2012 وأصبحت مسؤولة عن إدارة العمليات الإنسانية فيها عام 2018.
- البريد التركي PTT:
هي المديرية العامة للبريد والبرق في تركيا T.C. Posta ve Telgraf Teşkilatı Genel Müdürlüğü، وهي شركة مساهمة ذات رأسمال تابع للخزينة التركية، وتتبع تنظيمياً للحكومة، بحيث تحدد وزارة النقل والبنى التحتية سياساتها واستراتيجياتها، وتقدم خدمات البريد والشحن والتحويلات المالية، بالإضافة إلى خدمات أخرى[10].
يتبع لهذه المؤسسة بنك PTT الذي تأسس عام 2004، وتعود ملكيته بشكل كامل لصندوق الثروة السيادية التركي، كما أن رأسماله وأرباحه تعود لخزينة الدولة التركية[11].
الإطار القانوني الناظم لعمل الجمعيات في تركيا:
نصّ الدستور التركي في المادة 33 منه على حرية تكوين الجمعيات، وأشار بشكل واضح إلى أنه يدعم حرية تكوين الجمعيات وممارسة عملها، وعدم تقييدها إلا ضمن أسباب واضحة[12]، ويحدد قانون الجمعيات التركية رقم 5253 الصادر عام 2004 مجموعة من القوانين واللوائح الناظمة لعمل المنظمات والجمعيات، والتي تشرح فيها الشروط اللازمة للترخيص والعمل داخل تركيا، والأنشطة المسموحة والمتاحة، وعلاقة هذه المنظمات مع المجتمع ومع الجهات الحكومية، والحقوق والمسؤوليات المترتبة على عاتق هذه المنظمات[13].
وتُقسم الجمعيات الخاضعة لهذا القانون إلى: جمعيات غير ربحية تشمل جمعيات النفع العام، وجمعيات يديرها أجانب، بالإضافة إلى الأحزاب والنقابات. ويسمح القانون للمنظمات الأجنبية غير الحكومية بإنشاء جمعية أو مؤسسة، وبفتح فروع لمنظمات أو مؤسسات أجنبية[14] بعد تحقيقها مجموعة من الشروط، وتخضع هذه المنظمات لمراقبة إدارة فرع خاص بها[15]، حيث تخضع هذه الجمعيات الأجنبية لإدارة فروع الجمعيات الأجنبية.
ويحدد هذا القانون أوصاف الجمعيات وأنواعها والأهداف المنوطة بها، وطريقة إدارتها، ونظام المراقبة الذي تخضع له ويتعلق بمراقبة البيانات والأنشطة، فضلاً عن آلية قبول الدعم من الخارج، كما يحدد لها مجال الأنشطة المسموحة والممنوعة والعقوبات المترتبة على مخالفة هذا القانون[16].
وقد صدر عام 2013 قانون خاص بتنظيم مساعدات السوريين؛ وذلك من خلال بعض المنظمات غير الحكومية التركية والأجنبية التي تقوم بأنشطة إغاثية للمواطنين السوريين الذين يحاولون الحفاظ على حياتهم خارج المخيمات على اعتبار أن هذه الأنشطة هي واجب إنساني. وفي تركيا تخضع أنشطة الجمعيات والمؤسسات الأجنبية والمنظمات غير الهادفة للربح والتي مقرّها في الخارج لإذن من وزارة الخارجية وفقاً للمادة 5 من قانون الجمعيات رقم 5253 وأحكام التشريعات ذات الصلة[17].
وعلى الرغم من أن غالبية المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني قد قام على ترخيصها سوريون، أو سوريون يحملون جنسيات أخرى؛ إلا أنها لم تُعرف كمنظمات أجنبية غير حكومية، ولم تُلحق بإدارة فروع الجمعيات الأجنبية، وإنما رُخصت كمنظمات تركية تتبع للإدارة نفسها التي تشرف على عمل الجمعيات التركية.
ومن الصعب معرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التوجه مع المنظمات السورية، فقد يكون ذلك ضمن محاولة من الحكومة التركية تسهيل إنشاء هذه المنظمات وتسريع عملية ترخيصها، وقد يكون لعدم انطباق الشروط المطبقة على المنظمات الأجنبية على حالة المنظمات السورية، وقد يكون لاعتبارات أخرى.
وتُنظم معظم المعاملات الخاصة بالجمعيات والمؤسسات من خلال موقع إلكتروني تابع لإدارة الجمعيات DERBİS، بهدف تقليص الإجراءات البيروقراطية، وتسهيل وظائف المواطنين، والاستعلام عن المعلومات الإحصائية والإبلاغ عنها في وقت قصير، وتسهيل تبادل البيانات والأرشفة الإلكترونية[18].
أولاً: إشكاليات عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني ضمن تركيا:
يمكن تقسم الإشكاليات التي تعاني منها المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني خلال عملها في تركيا إلى ثلاث مجموعات رئيسة، وهي:
- إشكاليات عامة.
- الإشكاليات المتعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية.
- الإشكاليات المتعلقة بالجوانب المالية.
1-1- إشكاليات عامة في عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني ضمن تركيا:
تبرز أنماط من الإشكاليات العامة التي تواجه عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، وتتعلق بالصورة الذهنية لهذه المنظمات لدى بعض الأطراف التركية، ويمكن أن نجملها فيما يلي:
1- 1- 1- النظرة السلبية لعمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني:
يسود انطباع عام بين العاملين في المنظمات السورية الإنسانية أن بعض الجهات التركية لا تنظر إليهم نظرة ندّية أو مساواة، وإنما تراها جهات مبتدئة استطاعت بشكل ما تحصيل حجم كبير من الدعم المالي ولا تعرف كيف تتصرف به، أو أن هذه المنظمات تملك حرية التصرف في هذا الدعم دون رقابة أو مساءلة؛ وهو أمر غير صحيح يعود إلى انطباعات خاطئة أو لعدم اطلاع هذه الجهات على سياق نشأة وعمل تلك المنظمات وإنجازاتها في السنوات السابقة، وهو ما أعاق قيام علاقة صحية مع هذه الجهات، وجعل الشراكات بين الطرفين محدودة وغير فعالة.
“هناك صورة لدى الطرف التركي أن المنظمات السورية عبارة عن “كيس مال”، وليست شريكاً يساعد في استقرار المنطقة وخدمة أهلها، وغالباً ما تتم معاملتنا بمنطق المحاسبة والمزاودة، وعندما نطالب بعض المسؤولين الأتراك بتقديم تسهيلات لعملنا يكون الرد عدائياً أو غامضاً”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
لقد استطاعت المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني تحقيق قفزات نوعية في عملها خلال السنوات العشر المنصرمة، وذلك بشهادة العديد من الجهات الدولية والمنظمات الأجنبية، وهو ما مكّنها من عقد شراكات استراتيجية مع هذه الجهات، ومكّنها من التأثير في سياسات الاستجابة وتقييم الاحتياج وتصميم المشاريع بما يحقق أفضل فائدة ممكنة للفئات المستهدفة، كما تمكنت العديد من هذه المنظمات من رفع قدراتها الداخلية وكفاءة كوادرها العاملة لتصبح قادرة على تنفيذ المشاريع الكبيرة وفق معايير عالية؛ إلا أنه ومع سجل التطور والنجاح الذي حققته لم تكن هذه المنظمات السورية قادرة على صياغة شراكات صحية مع جهات تركية تناسب حجمها وتطورها بسبب هذه النظرة السلبية، إذ ما زالت تراها منظمات لا تملك الخبرة أو القدرة على العمل.
كما يشير العاملون في المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني إلى أن ثمّة نظرة غير منطقية تجاه منظماتهم؛ إذ تحكمها الريبة والشكوك، خاصة إن كان لتلك المنظمات عمل أو تواصل مع منظمات أجنبية أو أممية، ومما أكد ذلك أن هناك عدداً من موظفيهم تمت إزالة ملفات تجنيسهم الاستثنائية، فقد وجدوا بعد اعتراضهم القانوني على القرار تقييمات أمنية سلبية تشير إلى عملهم في تلك المنظمات، وقد أدى هذا الرفض أو التجميد لملفات المرشحين من العاملين في المنظمات إلى عزوف عدداً من الموظفين عن قوننة عملهم (كاستصدار إذن عمل على ملاك المنظمة التي يعملون بها).
“لاتزال المنظمات السورية عاجزة عن تحقيق شراكات حقيقية مع المنظمات أو الجهات التركية، لاسيما وأن الأخيرة لا تنظر للمنظمات السورية نظرة مساواة أو شراكة؛ وإنما تراها منظمات دخيلة على المجتمع تملك التمويل، وهي نظرة لا نحسّ بها من طرف المنظمات المانحة التي تعتبرنا شركاء تسمع لمقترحاتنا وتأخذ بها”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
ورغم أن هذا الرفض لا يبدو سياسة عامة تجاه العاملين في تلك المنظمات إذ حصل بعض الموظفين فيها على الجنسية الاستثنائية؛ إلا أن هناك نسبة ملاحظة من حالات الرفض تخصّ العاملين في هذا القطاع، ويعلّلها البعض بأن عمل هؤلاء الموظفين وتردّدهم المستمر إلى داخل سوريا التي تُعد من مناطق الصراع يجعل دراسة ملفاتهم الأمنية أمراً معقداً ويستغرق وقتاً طويلاً.
1- 1- 2- غموض في توصيف المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني:
تعاني المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني من إشكالية في التوصيف، تسبب حالة من الارتباك للعاملين فيها وللمتعاملين معها، خاصة من الطرف التركي؛ فهي منظمات نشأت في ظروف استثنائية خارج أراضيها واضطرت للترخيص في تركيا من أجل إدارة عملياتها الإنسانية في سوريا.
فيرى بعضهم أن المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني هي منظمات تركية نظراً لترخيصها في تركيا، إلا أنهم يشتكون من أنهم لا يُعاملون كالمنظمات التركية رغم أنهم مرخصون كمنظمات تركية وليست أجنبية، حتى إن كان بعض مؤسّسيها والإداريين فيها من الحاصلين على الجنسية التركية؛ إذ يتم التعامل معهم كونهم منظمات مُدارة من قبل أجانب أو منظمات مُدارة من قبل لاجئين، مع العلم أنه لا يحق للاجئين تأسيس منظمة مجتمع مدني، وإنما يُتاح ذلك للمجنسين وحاملي الإقامات السياحية وإقامات العمل، وإن كان يُسمح لحاملي البطاقة المؤقتة العمل في تلك المنظمات بعد استصدار إذن العمل.
ويؤثّر غياب التوصيف الواضح لهذه المنظمات وللدور الذي يفترض أن تلعبه بشكل كبير على العاملين في تلك المنظمات، وعلى إحساسهم بالانتماء أولاً ثم قدرتهم على أداء المسؤولية المجتمعية تجاه الشريحة المعنيين بها، كما يؤثر ذلك بشكل كبير في الموظفين الأتراك الذين تتعامل معهم هذه المنظمات؛ نظراً لعدم قدرتهم على استيعاب نمط عمل هذه المنظمات وسياق تشكيلها الذي أوصلها لهذا الشكل المعقد.
1- 1- 3- عدم الإلمام بالسياق السوري ومتطلباته:
تعاني المنظمات السورية العاملة في الشأن السوري من عدم فهم الكثير من الموظفين الأتراك لسياق ما حدث ويحدث في سوريا وكيفية نشأة وعمل تلك المنظمات، وأسباب وجودها في دولة وعملها في دولة أخرى، بالإضافة إلى المشاريع التي تنفذها بالشراكة مع الجهات الأممية والمنظمات الأجنبية والكتل المالية التي تتحرك بها.
“استقبلنا في منظمتنا مدققاً مالياً تركياً موفداً من أنقرة ليدقق سير عمل الجمعية، وتفاجأنا بأنه لا يملك أدنى فكرة عما حدث في سوريا، وكيف وصلنا إلى هذه النقطة، وهو ما استدعى موظفينا لترك عملهم وقضاء وقت طويل في شرح السياق السياسي والإنساني الحاصل والشراكات والجهات التمويلية التي تدعمنا. إن التعامل مع مثل هؤلاء الموظفين الذين يتم فرزهم للتعاطي مع جهات سورية يتسبب في الكثير من الإشكاليات الإدارية والقانونية؛ فقد لا يملك الموظف الرغبة في الاستيضاح والاطلاع والمعرفة، وقد يبني قراراته على هوامش فهمه المحدود حول الموضوع الذي يفترض أن يدرك خلفياته بعمق”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
وتبرز هذه الإشكاليات التي تتعلق بعدم فهم السياق الذي تعمل فيه تلك المنظمات السورية بأوضح صورها في حالة عدم تفهُّم بعض الموظفين الأتراك -خاصة المسؤولين عن التدقيق المالي- لهوامش رواتب الموظفين في المنظمات الإنسانية السورية، خاصة أولئك الذين يعملون في ولاية غازي عنتاب التي تُعد مرتفعة نسبياً عن هوامش الرواتب المعروفة في المنطقة. فقد فرض العمل مع القطاع الإنساني الدولي وتدخلات المانح الأجنبي سلّماً معيناً متعارفاً عليه في إدارة العمليات الإنسانية، ويبرر في إطار استقطاب ذوي الخبرات الاستثنائية النادرة والضرورية لإتمام هذا النمط من الأعمال، وتمكينهم وربطهم مع أوطانهم والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال؛ إلا أن هذه التفاصيل تغيب عن موظفي التدقيق المالي رغم أن الموظفين الأتراك العاملين في المنظمات الإنسانية الأجنبية يتقاضون الهوامش ذاتها من الرواتب.
1- 1- 4-استبعاد المنظمات السورية من العمل مع اللاجئين:
تلاحظ المنظمات السورية استبعادها من العمل في المشاريع الموجهة للاجئين، ووجود العديد من القيود والعراقيل المباشرة وغير المباشرة، كما تلاحظ أن المشاريع المنفذة حالياً للتعامل مع احتياجات اللاجئين لم تُصمم وفقاً لاحتياجات الشريحة المستهدفة، ولم تكن للجهات المنفّذة القدرة على الوصول لتلك الشريحة، أو على تنفيذ تلك المشاريع ومراعاة الاختلافات والحساسيات الثقافية لدى الشريحة المستهدفة.
“شاركنا في منصة تشاورية تضم أكثر من 22 مؤسسة نسائية تركية في أنقرة وإسطنبول، وكنا مؤسستَين سوريتَين معهم فقط، وقد حاولت هذه المنصة تقديم بعض برامج التمكين للمؤسسات، وتقديم دورات مراقبة وتقييم، وهي أمور تجاوزناها منذ سنوات وقطعنا فيها أشواطاً طويلة؛ وهذا يدل على الفجوة في تحديد الاحتياجات والتعاطي معها نتيجة غياب المشاركة الحقيقية للمنظمات السورية”. إحدى قياديات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
ومن أوضح الأمثلة التي تعكس هذه الإشكالية هي مشاريع الاندماج المطبقة حالياً، التي لا تتعدى كونها مشاريع باتجاه واحد تتوجه نحو اللاجئ وتتغافل عن استهداف المجتمع المضيف؛ حيث إن غياب هذه المشاريع التي ترفع وعي المجتمعات المضيفة بوجود اللاجئين وثقافتهم وأثرهم في إغناء المجتمع تنعكس سلباً على الأفراد وعلى المؤسسات السورية كما تظهر من خلال احتكاكها مع الموظفين الأتراك.
“لا يحق لنا أن ننتقد عمل بعض المنظمات التركية مع اللاجئين، إلا أنه من واجبنا الإشارة إلى بعض جوانب الخلل والمساعدة في استدراكها وتطويرها بما يحقق أفضل منفعة ممكنة للطرفين”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
وتتلقى المنظمات العاملة في الشأن الإنساني الكثير من الشكاوى والانتقادات فيما يتعلق بدورات الاندماج التي ما تزال دون المأمول، بل إنها قد تسبب ردة فعل عكسية في بعض الأحيان نتيجة عدم تأهيل القائمين عليها أو اطلاعهم على ظروف أو خصائص الشريحة المستهدفة.
1- 2-الإشكاليات المتعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية:
تتنوع الإشكاليات المتعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية، وقد تعود لأسباب كثيرة، منها: غموض بعض المواد القانونية، أو ضعف خبرة المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني باللوائح التركية، أو قد تكون بسبب ثغرات قانونية موجودة في اللوائح، أو نتيجة عدم قدرة الموظف التركي على التعاطي مع حالة المنظمات السورية المعقدة، أو نتيجة تحديات جديدة ظهرت خلال التنفيذ ولم تُؤخذ بعين الحسبان.
ومن أبرز هذه الإشكاليات المتعلقة بالجوانب الإدارية والبيروقراطية:
1- 2- 1-مشاكل استصدار وتجديد أذونات العمل:
تعاني المنظمات العاملة في الشأن الإنساني السوري من إشكاليات واضحة في عملية استصدار أذونات العمل، لاسيما للموظفين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة؛ فبعد أن كان الحصول على جواب لتقديم الإذن يستغرق ما بين 10-20 يوماً أصبحت هذه الطلبات تستغرق بين 2-3 أشهر للوصول إلى قرار حولها.
كما ارتفعت أعداد أذونات العمل التي تقدمها هذه المنظمات وتأتي بالرفض، دون وجود منهجيات وآليات واضحة حول أسباب الرفض، في حين قد تأتي العديد من أذونات العمل المقبولة بمدة صلاحية أقصر من المطلوب ( 3 أشهر، 4 أشهر، 6 أشهر)، دون وجود معايير تفسر هذه النتيجة، خاصة عندما يكون وضع الموظف قانونياً لم يطرأ على حالته أي تغيير، وعندما يكون وضع المنظمة قانونياً أيضاً ولا توجد مشاكل تتعلق بترخيصها أو تتعلق بموظفيها[19].
“في كل عام أواجه مشاكل في تجديد أذونات العمل لنفس الموظفين الذين يعملون عندي من سنوات، في وقت يفترض أن يتم تجديد هذه الأذونات بشكل تلقائي وأوتوماتيكي. في بعض الأحيان يحصل الموظف على إذن عمل لمدة شهرين، في حين أن الطلب الخاص به يشير إلى طلبه لإذن العمل لمدة سنة، وبعد الاعتراض وإعادة التقديم قد يتم إعطاء إذن العمل لمدة 6 أشهر، دون توضيح أسباب الرفض الأول، أو أسباب المدة القصيرة في التقديم الثاني”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
وبينما تعاني المنظمات الإنسانية من مشاكل في استصدار أذونات العمل لموظفيها تصبح الأمور أكثر سلاسة عندما يتم تقديم تلك الأذونات عبر بعض المنظمات التركية الوسيطة التي تنفذ مشاريع قوننة الوجود السوري في تركيا بدعم من الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن لهذه المنظمات التركية الوسيطة الحصول بسهولة على أذونات العمل التي سبق ورُفضت من قبل المنظمة الأصلية، إلا أن هذه المنظمات وهذه البرامج غير متاحة دائماً.
تتفهم المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني الإشكاليات التي خلّفها وجود 3.6 مليون سوري تحت الحماية المؤقتة، بينهم ما يقارب مليون شخص في سنّ العمل مطالبون بالاعتماد على أنفسهم وتدبير أمورهم في ظل غياب المساعدات المقدمة لهم أو عدم كفايتها إن وجدت؛ إلا أنه يُتوقع من الحكومة التركية أن تنظر في إشكالية أذونات العمل وتعدّل بعض اللوائح والقوانين لتتلاءم مع احتياجات هذه الشريحة، وتلائم احتياجات المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، وهي التي خلقت سوق عمل استوعب العديد من الكفاءات ومكّنهم من الاستقرار والاعتماد على أنفسهم.
لقد تسببت القوانين الخاصة بتوظيف الأجانب أو السوريين بتغيير في سياسات المنظمات الإنسانية في عمليات التوظيف؛ فمع كثرة الطلبات المرفوضة لأذونات العمل لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة باتت المنظمات تفضّل توظيف حاملي الجنسية التركية وحرمان حاملي البطاقة المؤقتة من التوظيف والقبول.
“اضطررت في مؤسستي للاستغناء عن بعض الموظفين ذوي الكفاءة العالية بسبب الرفض المتتالي لأذونات العمل، والقبول بتوظيف موظفين أقل كفاءة لأنهم يحملون الجنسية التركية نتيجة سياسات التوظيف المفروضة. لقد أسهمت منظمات المجتمع المدني التي تجاوبت مع هذه السياسات والتعقيدات بزيادة ضعف المجتمعات المحلية وإفقارها وحرمانها من فرص عمل، في وقت كان يتوقع منها تمكين الكوادر المحلية والاستفادة من خبراتها”. إحدى قياديات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
1- 2- 2- الاختلافات بين النصوص القانونية والتطبيق؛ إشكالية الاستثناءات الغامضة:
قدّمت الحكومة التركية في السنوات الأولى من بداية الأزمة الإنسانية السورية بعض التسهيلات والاستثناءات الشفهية، خاصة ما يتعلق بإنشاء الشركات والمنظمات والجمعيات المعنية بالعمل مع السوريين، سواءٌ داخل سوريا أو في تركيا، في محاولةٍ لاحتواء المعاناة ومساعدة السوريين على الوقوف على أقدامهم؛ إلا أن هذه الاستثناءات لم تدم طويلاً، كما لم يتم الإشارة رسمياً إلى إيقاف العمل بها.
وقد أدى غياب النصوص القانونية الواضحة وعدم اليقين فيما يتعلق بالاستثناءات إلى حالة من التشويش لدى المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني ولدى الموظفين الأتراك في الوقت ذاته، وهو ما خلق حاجة واضحة عند هذه المنظمات لوجود معايير وتوجيهات واضحة لتصحيح بعض الإشكاليات القانونية أو الأخطاء الموجودة في عمليات التقديم، وهو أمر يقع على جانب الحكومة التركية مسؤولية تداركه وحلّه.
“نحن كمنظمة إنسانية مرخصة منذ سنوات نتأثر بشكل مباشر بالإشكاليات القانونية وحالة عدم الوضوح التي خلقتها الاستثناءات، لا نعرف في بعض الأحيان ما المطلوب منا، وهذا يؤثر بشكل مباشر على استقرار مؤسساتنا وخططنا الداخلية، ومستقبل وجودنا في هذه البلاد”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
ويعتقد العديد من القائمين على المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني أن الانتقال من حالة الاستثناء الشفهية إلى التطبيق الواضح للقانون بات أمراً ملحّاً، ويمكن من خلال اللوائح توضيح تلك الاستثناءات بشكل لا يدع مجالاً للبس، خاصة مع دخول الوجود السوري في تركيا عامه الثاني عشر، وازياد المشاكل التي يعاني منها ويندرج كثير منها تحت إشكاليات قانونية؛ حيث إن هذه الفجوات القانونية كانت السبب وراء بعض الإشكاليات التي تعاني منها هذه المنظمات السورية من جهة ، كما أنها كانت سبباً في استغلال الكثير من العاملين في سوق العمل لعدم قدرتهم على قوننة عملهم، أو ادعاء أرباب العمل بعدم قدرتهم أو عدم معرفتهم بالقانون الناظم لعمل السوريين من جهة أخرى.
تبرز هنا الحاجة لتطوير القوانين الحالية الناظمة لعمل المنظمات الإنسانية، والقوانين الخاصة بدخول السوريين في سوق العمل التي تؤثر بشكل مباشر في حاملي بطاقة الحماية المؤقتة. وقد شكّلت هذه المنظمات سوق عمل يمكن أن يستوعب أعداداً منهم ويعينهم على الحياة الكريمة والاعتماد على أنفسهم؛ حيث تتحمل هذه المنظمات مسؤولية المناصرة والضغط لتحسين أوضاعهم، لاسيما وأن الظروف هي التي أجبرتهم على اللجوء، وهم لا يملكون خيار السفر والانتقال إلى بلد آخر.
“كيف يمكنني ألا أطالب باستثناءات فيما يتعلق بأذونات العمل للسوريين في كلس على سبيل المثال وقد فاق عددهم عدد الأتراك في تلك المنطقة؟ كيف يمكن أن أطبّق القانون الذي ينصّ على توظيف 10 أتراك مقابل أجنبي واحد، أو حتى الاستثناء الذي ينصّ على توظيف 5 أتراك مقابل واحد في مثل هذه الظروف؟ طالما أن وجود السوريين استثنائي في هذه البلاد فهم يحتاجون إلى نظرة استثنائية تتعامل مع احتياجاتهم حتى لا يتحولوا إلى جياع أو سارقين أو مجرمين”. إحدى قياديات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
وتلاحظ المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني غياب التسهيلات المقدمة من الدوائر الحكومية لعملها في الآونة الأخيرة، وعدم استقرار السياسات الناظمة لهذه الدوائر؛ فتارة تلاحظ هذه المنظمات تسهيلات في أمورها، وتارة تلاحظ المزيد من التشديد والعوائق البيروقراطية، وقد تعود هذه الإشكاليات إلى غياب التواصل الفعال بين الطرفين المعنيين، أو غياب الاطلاع على التحديثات الطارئة على القوانين، أو إشكاليات في تعامل بعض الموظفين الأتراك مع الجهات الأجنبية -خاصة السورية- نتيجة عدم فهمهم سياق عملهم من جهة، أو تأثرهم ببعض الإشاعات من جهة أخرى.
كما تلاحظ المنظمات العاملة في الشأن الإنساني فجوة واضحة بين النصوص القانونية وتطبيقها على الأرض، لاسيما وأن الموظف يملك عملياً وبحسب المشاهد صلاحية في تفسير القوانين والقرار، وقد يرفض بعض الأوراق في حين قد يقبلها موظف أخر دون اعتراض، وهو ما قد يعود إلى وجود إشكاليات في فهم بعض النصوص، خاصة مع غياب الملحقات التفسيرية لها، لذا يعتمد الموظفون الأتراك في كثير من الأحيان على تقديراتهم وتفسيراتهم الخاصة، وهو ما يتسبب بهذه الإشكالية.
“يعاني المُراجع للدوائر الرسمية الحكومية من إشكالية مضاعفة تتعلق بمزاجية الموظف؛ فقد تتوقف معاملة ما نتيجة رفض أحد الموظفين لها وعرقلته إياها، في حين يقبل موظف آخر نفس المعاملة المرفوضة، وهي مشكلة يعاني منها الجميع، أتراكاً وأجانب؛ إلا أن المشكلة تصبح مضاعفة عندما يكون المُراجع سورياً، حتى لو كان مجنساً، فعندما يلاحظ بعض الموظفين لكنة في استخدام اللغة يتعاملون مع المُراجع بشكل سيئ مستغلين ضعف قدراته اللغوية”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا
يواجه العديد من الموظفين الأتراك العاملين في دوائر الحكومية إشكاليات في فهم متطلبات الوجود السوري، خاصة حالة المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني المرخصة في تركيا وتدير أموالاً كبيرة تصرفها في مشاريع تُنفذ خارج تركيا، وكيفية تحرُّك هذه الأموال ودور الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، وهو ما قد يثير ريبة بعض الموظفين، خاصة عند تعاملهم مع هذه المنظمات وعدم إدراكهم سياقات عملها.
ويرى البعض أن هذه الإشكالية لا تتعلق بالنص القانوني، وإنما تتعلق بآليات التطبيق المباشر من قبل الموظفين الذين تأثروا بشكل ما باختلاف أنماط العلاقة بين المجتمعين التركي والسوري، خاصة ما يتعلق بحملات التحريض والتجييش والمعلومات المغلوطة التي أسهمت بعض الأطراف بنشرها لأهداف انتخابية سياسية، والتي أدت إلى تغيُّر المزاج العام من مزاج مرحِّب بوجود السوريين تحت مسمى الأخوة والضيوف إلى شكل من التبرُّم والانزعاج وتحميل مسؤولية كل الأزمات الداخلية والاقتصادية لهذه الشريحة، مما انعكست آثاره على جميع شرائح المجتمع بمَن فيهم الموظفون[20].
1- 2- 3- إشكالية التعاقد مع مزوّدي الخدمة والمتطوعين:
يُقصد بمزوّد الخدمة هنا: شخص أو جهة غير مرخصة تؤدي عملاً محدداً لصالح المنظمة، كالتعاقد مع مبرمج أو مستشار أو باحث، وتعاني المنظمات بإشكالية بيروقراطية في التعاقد مع هذه الفئة، خاصة في تبرير مبالغ الصرف المقدمة لها مقابل عملها؛ إذ بالإمكان تسديد أتعاب مزوّد الخدمة إن كان حاملاً للجنسية التركية من خلال ما يُعرف باسم “قسيمة المصروف – gider pusulası” ودفع الضريبة الخاصة بها، أما إن كان مزوّد الخدمة سورياً أو أجنبياً فالمنظمة غير قادرة على إعطائه هذه القسيمة، فهي غير قادرة على تبرير مبالغ الصرف المقدمة له.
ويشير بعض القائمين على المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني إلى وجود حالة غموض والتباس في هذا الموضوع، وقد يتطلب الأمر عملية معقدة للتعاقد مع مزوّدي الخدمة الأجانب أو حملة بطاقة الحماية المؤقتة، وذلك بعد أن تقوم المنظمة بتقديم طلب على مؤسسة العمل التركية İŞKUR، وتقديم طلب بالحاجة إلى بعض الخبرات، ويُفترض أن تنتظر المنظمة الرد الذي يشير إلى عدم توافر هذه الخبرات التركية حتى تتمكن من الحصول على استثناء للتعاقد مع الشخص المطلوب؛ إلا أن هذه الطريقة قد لا تكون الطريقة الأنسب، وقد تواجه المنظمة إشكالية مع إدارة الضرائب التي قد تعدّ هذه الخطوة غير نظامية.
وفي السياق ذاته تعاني المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني من إشكاليةٍ في التعاقد مع المتطوعين في تركيا، وهم أشخاص يقومون بمهام محددة ضمن مشروع لمدة زمنية محددة (مثل توزيع مساعدات وسلل غذائية)، خاصة فيما يتعلق باستصدار أذونات وموافقات لهم، ويمكن أن تواجه المنظمة إشكاليات قانونية لعدم وجود آلية واضحة تنطبق عليها أو تأمين يغطي عملهم خلال فترة التطوع، وذلك في حال تهاونت هذه المنظمات في استخراج تلك الأذونات؛ وهو أمر يتطلب التواصل مع الجهات المعنية واقتراح حلول لهذه الإشكاليات.
1- 2- 4- الحاجة لأشكال جديدة من التعاقدات الإدارية مع الموظفين:
تواجه المنظمات مشاكل في بعض أنماط التعاقدات مع الموظفين؛ فمن المعروف أن عمل المنظمات هو عمل يرتبط بمشاريع محددة، ولكل مشروع طاقم وكادر يشرف عليه، وبالنظر إلى أن طواقم إدارة المشاريع هم من موظفي المنظمة التي تريد هذه المنظمة المحافظة عليهم تواجه المنظمات مشكلة بعد انتهاء المشروع؛ فهي تحتاج لهذا الموظف ولبقائه ضمن كوادرها وتُسند إليه مهام أخرى تختلف من حيث الوقت والجهد مع ما ورد في عقده الأساسي (كالتعاقد بدوام جزئي مثلاً).
وتشير المنظمات إلى أن هذه المشكلة محلولة في حال كان الموظف تركياً؛ إذ يمكن إبرام عقد عمل جزئي يضبط ساعات عمل هؤلاء الموظفين ورواتبهم المستحقة، لكن هذا الخيار غير متاح للسوريين تحت الحماية المؤقتة الذين لا يتيح لهم إذن العمل سوى خيار العمل بدوام كامل؛ ولذا فإن أي تغيير في صيغة العمل يعني إلغاء إذن العمل الأساسي والتقديم على إذن جديد قد يستغرق 3 أشهر حتى تصدر نتيجته.
1- 3-الإشكاليات المتعلقة بالجوانب المالية:
تُعد المواضيع المالية من أكثر المواضيع حساسية التي تؤثر في عمل المنظمات الإنسانية العاملة في الشأن السوري وسمعتها، لاسيما وأن هذه المنظمات تخضع لعدة أشكال من الرقابة المالية، كالرقابة التي يطلبها المانح، خاصة المانح الدولي، والرقابة التي قد تأتي من جهات تفتيش دولية (طرف ثالث) للتأكد من سلامة العمل ومطابقته للمعايير وللتقارير، بالإضافة إلى الرقابة الدورية التي تفرضها الحكومة التركية عبر اتحاد الجمعيات التركية بشكل سنوي.
ومن جهة أخرى تحتاج هذه المنظمات بعض التسهيلات المالية، خاصة التي بإمكانها المساعدة في تخفيف النفقات وترشيد الموارد وتوجيهها للفئات المستهدفة، ومن أبرز الإشكاليات التي تتعلق بالجوانب المالية:
1- 3- 1- غياب الإعفاءات الضريبية:
وفقاً لما ذُكر خلال ورشة النقاش فإن الحكومة التركية تُعفي موظفي المنظمات الدولية من ضريبة الدخل، رغم أن رواتبهم مرتفعة جداً وتُصرف بالعملات الأجنبية، في حين أنها تطالب موظفي المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني بدفع هذه الضرائب، رغم أن رواتب هؤلاء الموظفين أقل بكثير من نظرائهم في المنظمات الدولية ويُعدّون من الفئات الأكثر احتياجاً، خاصة حاملي بطاقة الحماية المؤقتة، وإلى جانب ذلك تُطالب المنظمات بدفع ضريبة القيمة المضافة على المواد التي يتم شراؤها وشحنها إلى سوريا، في حين أن المنظمات الدولية وحتى الشركات الربحية معفاة من دفع هذه الضريبة عند توريد أي مواد إلى سوريا.
لا يمكن القول بأن موضوع الإعفاء من الضرائب يعود إلى حالة من التمييز بين حملة الجنسيات المختلفة، خاصة مع اتساع رقعة القوانين والاتفاقيات الضريبية للدول، حيث أن هذا الموضوع يحتاج إلى المزيد من الاطلاع والدراسة، فقد يكون إعفاء الموظفين الأجانب في المؤسسات الإنسانية من ضريبة الدخل تجنباً لحدوث حالة “الازدواج الضريبي” لكونهم يعملون في غير دولتهم الأم، وحتى لا يدفعوا ضريبة الدخل بشكل مضاعف يتم إعفاؤهم من دفع الضريبة في بلد العمل على أن يدفعوها في بلادهم الأصلية[21]، ونفس الأمر قد ينطبق على ضريبة القيمة المضافة على المواد والتي قد تعود إلى الأنظمة والقوانين الحاكمة للبلد الذي تم تسجيل الشركة فيه.
1- 3- 2- إشكالية استخراج إذن جمع التبرعات:
يشير القانون الناظم للجمعيات إلى أن جميع الجمعيات المرخصة – باستثناء جمعيات النفع العام – مطالبة باستصدار إذن قبل جمع التبرعات في تركيا لضمان ضبط عمل المنظمات؛ إلا أن هذا القانون محدود أيضاً بمجموعة من القوانين والموافقات الأخرى التي تجعل من الأمر عملية معقدة.
وتشير تجارب المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني إلى وجود العديد من التعقيدات والطلبات الصعبة المطلوبة للحصول على إذن جمع التبرعات، كضرورة توضيح تفاصيل المشروع الذي سيتم تنفيذه بهذه الأموال والمدة والمناطق التي ستُوزع فيها المساعدات، والفئات المستهدفة ومعلومات عنها، في حين أن العديد من المشاريع التي تنفذها المنظمات – كحملات الشتاء أو الإيواء أو دعم التعليم – قد لا تكون واضحة المعالم ما لم يتم تحديد حجم الدعم المقدم أولاً.
وتُعد هذه الأذونات ضرورية لعمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، خاصة فيما يتعلق بجمع التبرعات والمبالغ الصغيرة، وأمراً مهماً وملحّاً لتنشيط مشاركة المجتمع المدني السوري والعربي في الشأن العام وتنمية فكرة المسؤولية المجتمعية وخلق حالة الارتباط والتكافل بين السوريين في تركيا وداخل سوريا؛ إلا أن هذه التعقيدات البيروقراطية أسهمت بحرمان العديد من المنظمات من موارد إضافية، فضلاً عن تعرُّض بعضها لغرامات نتيجة غياب إذن جمع التبرعات، في حين أن استصدار مثل هذه الأذونات في أوروبا -على سبيل المثال- أمر غير مطلوب؛ فما دامت المنظمة مرخصة فبإمكانها إطلاق حملات إلكترونية وافتراضية.
وتشير بعض المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني إلى أن سبب الإشكالية الحالية التي واجهتها تعود إلى ربط عمل الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بدائرة الهجرة، وهو أمر غير منطقي وغير مبرر، لاسيما وأن هذه المنظمات قد طابقت الشروط والمعايير وتخضع لمراقبة إدارة الجمعيات، وبالتالي فإن ربطها مع جهة غير متخصصة بعملها ولا تدرك السياقات والمتطلبات هو من الأمور البيروقراطية المعرقلة[22].
“نحن منظمة مجتمع مدني ومقرنا في إسطنبول قدمنا طلباً لمنحنا إذناً لجمع تبرعات ضمن تركيا لمساعدة السوريين داخل سوريا، إلا أنه جاء بالرفض، وقد كان سبب الرفض يعود إلى رد دائرة الهجرة في إسطنبول على الطلب المحول لها من إدارة الجمعيات بنصّ يشير إلى أن سبب الرفض يعود إلى أن “الحماية المؤقتة مغلقة في إسطنبول”، وعندما راجعنا دائرة الهجرة أشاروا إلى أن هذا هو المستند القانوني الوحيد الذي يملكونه، وأنهم غير راغبين بمنح إذن لجمع التبرعات للسوريين فيها”. أحد قيادات قطاعات العمل الإنساني في سوريا وتركيا
1- 3- 3- ضغوطات خلال التعامل مع بعض البنوك:
تتعرض المنظمات الإنسانية لضغوطات أثناء تعاملها مع البنوك التي تطلب منها في بعض الأحيان تجميد مبالغ مالية لعدة أشهر تحت بند الخدمة المجتمعية، دون اعتبار لكون هذا المال الخاص بالجمعية ليس مالاً استثمارياً ولا تملك حق التصرف به، وأنه مال مشروط مخصص لتنفيذ مشروع معين في زمان ومكان معينين، وتم إيداعه في البنك مرفقاً بالعقد المخصص له.
“يطالبنا البنك في بعض الأحيان بتجميد مبالغ مالية تحت ذرائع مختلفة، ونتعرض للضغوطات العديدة في هذا المجال، دون أن تفهم إدارة البنك أنني كمنظمة مجتمع مدني ملزمة بتنفيذ مشروع محدد أمام المانح في وقت معين لا أستطيع أن أجمد أي مبلغ في البنك تحت أي اسم؛ فالمال هنا مال مشروط ولا أملك كمنظمة حرية التعديل أو التأخير أو التصرف به ولو بشكل مؤقت”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
1- 3- 4- إشكاليات التحويلات المالية إلى الداخل السوري:
أدخلت الحكومة التركية نظام البريد التركي “PTT” إلى مناطق الشمال السوري الخاضعة لإشرافها عام 2017[23]، وبدأت المراكز الموجودة هناك تدير عملية الحوالات المالية التي قدمت خدمة مهمة للمنظمات الإنسانية؛ إلا أن هذه الخدمة رغم مضي سنوات على إنشائها لم تتطور، بل ما زالت المنطقة تعاني من ضعف الخدمات وقلة عدد المراكز في الداخل، مما يتسبب بازدحام كبير كامل أيام الأسبوع ونقص في الكاش في تلك المراكز.
وإلى جانب ذلك يتبدل الموظفون في مؤسسة البريد PTT بشكل دوري، وهو ما يعني الدخول في دوامة بيروقراطية جديدة وإشكاليات حتى يفهم الموظف النظام الجديد والسياق الحاكم لعمله، إلى جانب كون العديد من الموظفين المعتمدين للعمل في الداخل من الأقل كفاءة مقارنة بالموظفين العاملين في المجال ذاته في تركيا.
ومن جهة أخرى تحتاج المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني إلى إرسال العديد من الحوالات بشكل دوري عبر نظام الحوالات المالية التابع لمؤسسة البريد PTT، سواء لتغطية رواتب الموظفين في الداخل أو المشتريات أو كفالات الأيتام وغيرها، أو لتحويل الكتل المالية المطلوبة لتنفيذ المشاريع، ورغم أن هذه الأموال موثقة في السيستم الخاص بإدارة الجمعيات المعروف بنظام DERBİS وفق العديد من الإجراءات والإثباتات التي توضح سياق المشاريع المنفذة فإن النظام الجديد الذي فرضته مؤسسة البريد مؤخراً -ويتعلق بتحويل المبالغ التي تزيد عن 100 ألف ليرة تركية- يزيد من العمليات البيروقراطية، فلا تستطيع الجهة التي تريد التحويل (المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني في هذه الحالة) إرسال الأموال إلى المستفيدين مباشرة، وإنما يتوجب عليها إنشاء حساب خاص ضمن مؤسسة البريد تملك الأخيرة حق إدارته فقط، وتقوم المنظمات بإصدار توجيهات لهيئة البريد التي تدير حسابها، وتكرار العديد من العمليات الإدارية شهرياً وتعود للمشروع نفسه، وهو أمر مرهق لتلك المنظمات، لاسيما وأن هذه الأموال والتحويلات ومواطن صرفها مفصلة أساساً على السيستم الخاص بإدارة الجمعيات، وبالإمكان الاختصار من الوقت والجهد.
ومن جهة أخرى ظهرت إشكالية كبيرة يمكن أن تؤثر في عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني بعد أن فرضت مؤسسة PTT نسبة إدارية مرتفعة جراء عمليات التحويل إلى داخل سوريا، وتبلغ هذه النسبة 1% نسبة مقتطعة من أية حوالة تذهب للداخل السوري مهما كان حجمها[24]، وبالتالي فإن هذه النسبة أصبحت عبئاً إضافياً من الصعب جداً تبريره ضمن المشاريع، وأصبحت المنظمات مجبرة على قبولها لعدم وجود خيارات بديلة رغم أن هذه الأموال ستوجه لمشاريع إنسانية يفترض أن تكون فيها النسب الإدارية في حدودها الدنيا.
يفهم القائمون على المنظمات أن هذه النسبة الإدارية ستُصرف على رواتب الموظفين في الفروع الخمسة التابعة لمؤسسة البريد وعلى إنشاء النظام الخاص بهم، إلا أن هذه النسبة مرتفعة جداً مع ما تتقاضاه شركات تحويل الأموال التي تقتطع بين 0.3 – 0.5%، لاسيما وأن هذه النسبة لم تترافق مع تحسين في الخدمات أو زيادة في عدد الفروع.
ويتساءل بعض القائمين على المنظمات حول أن فروع البريد التركي تظهر على أنها فروع تابعة لمحافظة كلّس مثلاً، وبالتالي فإن القيام بأية تحويلات مالية داخل تركيا لا يتطلب دفع أي نسب إدارية، في حين أصبحت التحويلات إلى داخل سوريا تستدعي دفع تلك النسب التي تُعد أعلى بكثير مما تتقاضاه شركات تحويل الأموال.
“في العام الماضي دخل إلى الشمال السوري كتلة مالية عبر مشاريع الكروس بوردر تُقدر بـ 400 مليون دولار، تم تحويل غالبيتها عبر مراكز الـPTT، ولو افترضنا أن 300 مليون دولار هي حجم الأموال التي تم تحويلها عبر هذه المراكز، وأن نفس الحجم سيدخل هذا العام فهذا يعني أن النسبة الإدارية التي سيقتطعها الـPTT تقارب 3 مليون دولار سنوياً. ولو افترضنا أن الكلفة التشغيلية لـ 5 مراكز كل منها يحوي 10 موظفين تُقدر بـ 70 ألف دولار شهرياً تشمل رواتب الموظفين والكلف الأخرى، فهذا يعني أن الكلفة التشغيلية السنوية لا تتجاوز 850 ألف دولار سنوياً على أبعد تقدير، وبالتالي فإن نسبة الربح التي يتلقاها الـ PTT مرتفعة جداً وغير مبررة، خاصة وأننا نتحدث عن عمل في المجال الإنساني”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
وإلى جانب ذلك لا تتمكن المنظمات الإنسانية من صرف الحوالات المرسلة إلى الداخل السوري إلا بعد خمسة أيام عمل على إنهاء عملية التحويل، ويتسبب هذا التأخير بالكثير من المشكلات، خاصة مع تذبذب سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار.
إلى جانب وجود مخاوف أخرى تتعلق بخصوصية وأمان المنظمات، منها اعتماد الإيميل معرّفاً أساسياً لعملية التحويل، في حين يفترض أن يكون التوقيع هو الناظم لعمليات التحويل.
ثانياً: إشكاليات عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني في مناطق النفوذ التركي:
تعاني المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني من العديد من الإشكاليات البيروقراطية التي تصعّب عملها داخل سوريا وتدخلها في الكثير من المتاهات الإدارية، مع أن هذه المنظمات تتحرك بمشاريع خدمية وإنسانية يفترض أن تكون من مهام الحكومات والجهات المسيطرة، وتتشارك المسؤولية وتخفف العبء عن هذه الجهات انطلاقاً من ظروف نشأتها وسياقات عملها السابقة من جهة، وقدرتها على الضغط على المانحين والحصول على دعم من شأنه دعم استقرار المنطقة.
ومن أبرز الإشكاليات التي تواجه هذه المنظمات:
2- 1- ضعف الآليات الناظمة لعمل المنظمات في الداخل السوري والتضارُب في الصلاحيات والرؤى والتطبيق:
تواجه المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني الكثير من العراقيل والإشكاليات الإدارية خلال عملها في مناطق الشمال السوري – خاصة في مناطق النفوذ التركي- وذلك يعود إلى اختلاف التبعيات الإدارية، وعدم وجود رؤية موحدة لإدارة المنطقة، وهو ما تسبب في تعقيد إجراءات العمل في تلك المناطق وتضارب بعض الصلاحيات والقوانين بشكل لا يشجع المنظمات على العمل في المنطقة.
وتظهر هذه الإشكالية بشكل واضح خلال استصدار أذونات الدخول لموظفي المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني من المعابر التركية؛ حيث إن بعض الأذونات يتم رفضها من معبر ما بحجة وجود إشكالات أمنية حول بعض الأسماء، في حين تتم الموافقة على الأسماء نفسها بعد تقديمها لمعبر آخر.
تظهر المشكلة ذاتها عند استصدار إذن عمل لتنفيذ بعض المشاريع في المنطقة، لاسيما وأن المجالس المحلية والمنسقين الأتراك تختلف تعاملاتهم والتسهيلات المقدمة من طرفهم، وهو ما أدى إلى عزوف المنظمات عن العمل في بعض المناطق نتيجة هذه التعقيدات البيروقراطية؛ فبعد استصدار تصريحات العمل من الولايات التركية المشرفة على المنطقة، وتوقيع بروتوكولات شراكة مع بعض الجهات المركزية المعنية في الداخل كالتربية أو آفاد أو غيرها من الجهات التركية قد تأتي بعض طلبات العمل بالرفض من قبل المنسقين المسؤولين عن المنطقة لأسباب غير مفهومة، وهو ما يدفع المنظمة لإلغاء المشروع أو نقله إلى مناطق تقدم تسهيلات، مما يحرم المنطقة الأساسية من هذه الخدمات[25].
“رغم أننا منظمة وقّعت على بروتوكول تعاون مع منظمة آفاد إلا أننا غير قادرين على العمل في مختلف المناطق الشمال السوري، وذلك بسبب اختلاف سياسات مسؤولي آفاد المنتدبين في كل منطقة؛ فبعضهم يقدّم تسهيلات حقيقية، وبعضهم يعرقل العمل رغم وجود بروتوكول واضح مع منظمته ووجود إذن من الوالي الذي تتبع له المنطقة، وبالتالي كل الإجراءات الإدارية تصبح دون جدوى في حال لم يكن المسؤول الفرعي متعاوناً أو متفهماً”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
الإشكالية هنا – من وجهة نظر المنظمات- في عدم وجود سياسة ناظمة واضحة وثابتة لإدارة المنطقة؛ فبعد تحرير مناطق الشمال السوري من تنظيم “داعش” استلمت إدارة المنطقة جهة تابعة لرئاسة الجمهورية، ثم تم تغيير نمط الإدارة وتم تقسيم المنطقة إدارياً وإعطاء صلاحيات إدارتها للولايات المعنية وولاتها، ثم تغيرت هذه السياسة بعد تكليف مؤسسة آفاد عام 2018 بإدارة العمليات الإنسانية، ثم تم تحويل ملفات الصحة والتعليم إلى مسؤولين يتبعون إلى مديريتَي الصحة والتربية التركية، وهو ما تسبب بحالة من الخلط والتضارب في الصلاحيات وفي آليات التطبيق أيضاً.
ورغم الوجود الكبير لمنظمة آفاد من الناحية الإشرافية إلا أنها غير موجودة في الكلاسترات التابعة لمكتب الأوتشا، وبالتالي فهي بعيدة عن منظومة العمل الإنساني تحت الإشراف الأممي، وبعيدة عن سياق عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني والمنظومة التي تحكم عملها وأولوياتها.
“نواجه مع مؤسسة آفاد بعض الإشكاليات المتعلقة بعمليات الإيواء وبناء القرى الصغيرة نتيجة الاختلاف في المصالح والأولويات؛ فنحن نهدف في مشاريعنا إلى نقل الناس من المخيمات إلى شقق أفضل وتراعي كرامة أصحابها، في حين تسعى آفاد إلى بناء مساكن جديدة تتعلق بمشروع العودة الطوعية وتريد منا الاشتراك معها في هذه الرؤية”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
وترى المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني أن هناك مشكلة قانونية حقيقية في إدارة هذه المنطقة قد تكون من الأسباب الرئيسة في الإشكاليات الحاصلة، وهي تخلق حالة من الارتباك والتضارب حتى عند الموظفين الأتراك؛ فمن غير الواضح ما هي القوانين واللوائح والآليات التي يفترض تطبيقها في المنطقة، لاسيما في إدارة عمل المنظمات على سبيل المثال، وهل تنطبق القوانين التركية على هذه المنطقة أم تنطبق القوانين التركية على عمل المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني داخل سوريا لأنها مرخصة في تركيا؟
تُظهر التجارب أن محاولة استنساخ النظام التركي وتطبيق قوانينه في مناطق الشمال السوري تسببت في العديد من الإشكاليات، خاصة مع عدم مراعاة هذه القوانين لخصوصية المنطقة واحتياجات سكانها ومصالحهم، كما حدث حينما فرضت المجالس المحلية امتحانات إضافية للشهادة الثانوية وتسبب هذا الموضوع في تشويش وتأخير صدور النتائج وارتفاع معدلات الرسوب[26]، بالإضافة إلى حرمان الطلاب من التسجيل في الجامعات، والقرار الذي صدر عن فرع جامعة غازي عنتاب بتجميد قيود الطلاب الذين قبلتهم في السنوات الماضية ما لم يقدموا شهادة امتحان الثانوية وفق النموذج المحلي، وهو ما تسبب في العديد من الإشكاليات واستدعى تدخل الكثير من الجهات لإقناع الجامعة بالتراجع عن قرارها[27].
“من اللافت أن الموظفين في أنقرة يرون أن الولاة الأتراك في الشمال السوري (معاون الوالي التركي) مجرد استشاريين مهمتهم التوجيه وتسهيل العمل وفقاً للوائح القانونية الموجودة لديهم، في حين أن هؤلاء الولاة “الاستشاريين” يعملون في مكاتب فارهة داخل سوريا تكاد تتجاوز في مساحتها وفخامتها الموجودة فيها مكاتب الولاة في عنتاب وكلس، ويمتلكون صلاحيات واسعة على الأرض تجعلهم أصحاب قرار وليسوا مجرد استشاريين”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
2- 2- بروتوكولات التعاون من وسيلة للشراكة إلى أداة للضغط:
تطالب المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني والتي تسعى للعمل في مناطق النفوذ التركي بتوقيع بروتوكولات شراكة مع بعض الجهات التي تدير المنطقة أو تشرف عليها، إلا أن هذا البروتوكول بدل أن يكون أداة لتسهيل عمل هذه المنظمات أصبح وسيلة ضغط ومساومة؛ حيث يقتضي الحصول عليها تلبية خدمة معينة للطرف التركي تخدم مصالحه، كما يتم استغلال حاجة تلك المنظمات لتوقيع هذا البروتوكول مقابل إحراجها بتقديم بعض التبرعات والمساعدات لدعم عمل تلك الجهات التركية.
“تتغافل بعض الجهات التركية الشريكة العاملة في الشمال السوري عن دور هذه المنظمات السورية في عملية تعزيز الاستقرار والاستجابة للاحتياجات في الشمال السوري، وعن سجل نجاح هذه المنظمات وقدرتها على التأثير، وتتعامل معنا وكأن مصالح الطرفين مختلفة، وكأننا جهات غير وطنية مرتهنة للداعم والمانحين وأنهم الحريصون على مصالح الناس”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
وتشتكي عدد من المنظمات الإنسانية من المساومة والمطالب الإضافية تتزامن مع توقيع أي ورقة أو الحصول على إذن عمل أو إذن معبر، حيث إن عدم تلبية هذه المطالب قد يعرقل عمل تلك المنظمات، وعلى الرغم من أن المطالب التي توردها الجهات التركية تصبّ في معظم الأحيان في الصالح العام كتأمين مقاعد وحواسيب ووقود لبعض المؤسسات إلا هذا لا ينفي وجود موظفين يطلبون مبالغ مالية نقداً، ويرفضون تقديم أي إثباتات على تلقيها مقابل تيسيرهم للأعمال، وبقاء هذا النمط من العلاقة قد يفسح المجال لتفشي الفساد والرشاوى.
وتدرك المنظمات العاملة في الشأن الإنساني أن من واجبها المشاركة في دعم المنظمات والجهات التركية المشرفة لسد كامل الاحتياجات؛ إلا أن هذا الدعم يحتاج لآليات واضحة وقانونية، ويحتاج أيضاً لتفهم تلك الجهات المشرفة لسياق عمل المنظمات السورية التي لا تملك الحرية والهوامش لصرف مصاريف إضافية خارج نطاق المشروع الذي تنوي تنفيذه، لاسيما وأنها مُساءلة مالياً تجاه الداعم والحكومة التركية في آن معاً.
“حينما أتقدم للحصول على أذونات للعمل من الأطراف التركية المعنية لتنفيذ مشروع في مجال التعليم -على سبيل المثال- لا أستطيع كمنظمة مجتمع مدني أن أتصرف بأية مصاريف جانبية خارج إطار المشروع المطلوب، ومن غير المنطقي أن يُطلب مني تقديم سلال إغاثية للمعلمين المضربين عن العمل لاحتواء مشكلتهم، أو طاولات أو لابتوبات مقابل حصولي على بروتوكول يسمح لي بتنفيذ المشروع؛ لأن هذه المطالب تأتي من طرف يملك السلطة أولاً، ويُعد تدخلاً بشكل العمل الذي تقوم به المنظمات ثانياً، وفيه حالة من التلاعب القانوني والمالي الذي قد تتعرض المنظمة للمساءلة تجاهه، لاسيما وأن المنظمات السورية تتعرض لرقابة مالية شديدة من قبل المانح وأمام الحكومة التركية لتبرير كافة أشكال المصاريف المدفوعة”. مداخلة مدير في إحدى منظمات المجتمع المدني
كما يبدو واضحاً أن معايير العمل الإنساني الذي يحكم عمل المنظمات الإنسانية في الشمال السوري غير واضحة، خاصة من قبل الجهات التركية المشرفة على هذا الموضوع؛ فمن غير الواضح ما هي الاحتياجات المطلوبة الدورية ولا آليات التعاطي معها ولا الجهات المعنية بتلك الاستجابات ولا آليات الرقابة والشفافية المتبعة، ولا طريقة توثيق هذه الاستجابات مالياً وقانونياً، وهو ما يخلق إشكاليات كبيرة للمنظمات السورية أمام الجهات الداعمة وأمام الجهات التركية، ومما يزيد الأمر تعقيداً هو تعاطي بعض المنظمات الناشئة أو الجهات غير المرخصة مع هذه المطالب، وهو ما يجعل الأمر أشبه بعُرف، ويصبح الاعتراض عليه أمراً غير مقبول يفترض أن يُطبق على الجميع.
ثالثاً: النتائج والتوصيات:
تُعد المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني والمرخصة في تركيا جزءاً مؤثراً من الوجود السوري في تركيا؛ فهي قادرة على إيصال مشاكل السوريين للجهات الحكومية التركية من جهة، وقادرة على التعاطي مع هذه الشريحة نظراً لمعرفتها العميقة بالخصائص الاجتماعية والثقافية والظروف التي تعيشها من جهة أخرى، كما أن هذه المنظمات قادرة على تطوير حلول فعالة للإشكاليات التي يعاني منها النظام الإداري والقانوني الناظم لوجودها ووجود السوريين، لاسيما وأن تجربة تركيا في استقبال التدفقات الجماعية من المهاجرين واللاجئين جديدة وأن نظامها القانوني لم يُبنَ على اعتبار وجودهم.
ومن جهة أخرى تُعد هذه المنظمات من الفاعلين الرئيسيين في إدارة مناطق الشمال السوري وتعزيز استقراره؛ نظراً لخبرتها الطويلة في العمل في تلك المناطق، وقبولها من قبل المجتمعات المحلية، ولعلاقاتها الواسعة مع العديد من الشركاء المحليين والمتبرعين العرب والدوليين، ولعملها الحالي مع منظومة الإنسانية الدولية والمنظمات الأجنبية ذات الصلة، والذي يجعلها عنصراً فاعلاً في تعزيز استقرار المنطقة وتأمين احتياجاتها وتنفيذ المشاريع الخدمية والإنسانية المطلوبة.
ويتساءل العديد من القائمين على المنظمات الإنسانية عن دورهم المستقبلي في تحقيق استقرار السوريين داخل سوريا وفي تركيا؛ إذ يبدو هذا الدور غامضاً في الوقت الحالي، لاسيما مع القيود المفروضة على عملهم بين السوريين في تركيا، ومع تهميش دورهم المفترض في هذا المجال من طرف، وتحميلهم مسؤولية حل بعض الإشكاليات أو المشاركة في مواجهة بعض التحديات من طرف آخر؛ حيث إن هذا التناقض في التعامل يسبب خسارة المنظمات لدورها وضعف تأثيرها في الحاضنة التي تعمل معها.
وتملك هذه المنظمات هوامش عمل وتحرُّك من خلال جهود المناصرة التي بإمكانها تسليط الضوء على جوانب الخلل في بعض القوانين وتطويرها واقتراح حلول لها، وانطلاقاً من إحساس هذه المنظمات بالمسؤولية التي تتحملها تتقدم بمجموعة من الاقتراحات والتوصيات، أهمها:
توصيات إلى الحكومة التركية والمؤسسات التركية المعنية:
- إعادة النظر في اللوائح الخاصة بعمل الجمعيات السورية المعنية بالشأن الإنساني في تركيا، وتطوير تلك اللوائح بما يعالج الإشكاليات الحاصلة ويخفف الثغرات الموجودة، ويساعد تلك المنظمات على العمل بوصفها شريكاً حقيقياً قادراً على تعزيز الاستقرار وإدارة وجود السوريين في مناطق وجوده.
- وضع معايير واضحة لتقديم أذونات العمل توضح الشروط المطلوبة من المنظمة ومن الموظف لاستيفائها، وتسريع عملية النظر في الطلبات المقدمة، خاصة للموظفين القدامى في المنظمة ذاتها، وتوضيح أسباب الرفض أو إعطاء الإذن لفترات قصيرة بشكل مفصل حتى تتدارك هذه المنظمات والموظفين الإشكاليات التي يعانون منها.
- النظر في إمكانية منح أذونات عمل طويلة الأمد (أكثر من سنة) للتخفيف من الإجراءات البيروقراطية التي تواجه المنظمات والجهات الحكومية التركية المسؤولة عن استصدار هذه الأذونات.
- توضيح الإشكاليات الإدارية والأوراق الناقصة التي قد تعيق عمل المنظمة أو استصدار موظفيها للأوراق المطلوبة من خلال دراسة أسباب رفض بعض الطلبات المقدمة.
- النظر في إمكانية تطوير القوانين الناظمة لوجود السوريين تحت الحماية المؤقتة داخل تركيا وعملهم، خاصة ما يتعلق بالموظفين العاملين في المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، وإجراء المزيد من الدراسات المشتركة السورية التركية التي تدرس النظام القانوني الحالي وتعمل على تطويره، بما يحقق أفضل فائدة ممكنة على الأطراف كافة.
- النظر في إمكانية عمل السوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة دون إذن عمل، واستخراج السيغورتا -التأمين الخاص بالعمل – فقط أسوة بالأتراك، ويمكن أن تكون بحدها الأدنى حتى لا يعزف أرباب العمل عن تشغيل السوريين، وهو ما سيتيح لهم العمل بدوام كامل أو جزئي أو حتى كساعات دون أن يتعرضوا للاستغلال.
- إعادة النظر ببعض الاستثناءات المقدمة مثل طلب وجود موظف تركي مقابل كل 5 موظفين سوريين، أو السماح لحاملي الإقامات السياحية من السوريين وغيرهم بتجاوز المدة المسموحة لهم بالبقاء خارج تركيا، وإصدار تعاميم واضحة تؤكد أو تنفي بقاء العمل بهذه الاستثناءات يمكن الاستناد عليها.
- إعادة النظر في ربط شؤون المنظمات الإنسانية العاملة بدائرة الهجرة كون مؤسسيها أجانب، أو إحداث قسم خاص ضمن دائرة الهجرة يكون معنيّاً بالتواصل مع هذه المنظمات وتسهيل عملها.
- إيجاد آلية أكثر مرونة لتسهيل استصدار أذونات جمع التبرعات تسهّل للمنظمات ذات الوضع القانوني والمالي النظامي إمكانية الحصول على هذا الإذن بأسرع وقت ممكن.
- إعادة النظر في قرار منع المجالس المحلية السورية من توقيع بروتوكولات شراكة مع المنظمات العاملة على الأرض؛ لأن ذلك يضعف قدراتها ويصعّب عليها عملية إدارة المنطقة مستقبلاً، كما أنه يتسبب بإشكاليات في عمليات التنسيق.
- المطالبة باعتماد القرارات الصادرة عن الجهات المركزية في المجالس الفرعية، بمعنى آخر: أن يُغني إذن العمل الممنوح من الولاية عن استصدار أي أذونات أو موافقات أخرى.
- إيجاد إدارة مركزية تركية في كل قطاع يدير المواضيع الخاصة بالشمال السوري، ويجتمع دورياً مع الجهات التركية والسورية العاملة في هذا القطاع بهدف حل المشاكل وتطوير منظومة الإدارة.
- إنشاء مكتب تنسيقي سوري تركي – على غرار الكلاسترات – في تخصصات متنوعة (التعليم والصحة والإيواء والمياه والحماية) يقوم بالتنسيق وإخراج نشرات دورية توضح الاحتياجات اللازمة في هذه المناطق، وتساعد المنظمات على تغطية هذه الاحتياجات بشكل مرحلي، وتمنع حدوث تضارب في تلبية هذه الاحتياجات، وتقطع الطريق على أي محاولات للفساد والرشوة.
- النظر في إمكانية ربط النظام الخاص بإدارة الجمعيات مع بعض أنظمة البنوك، والسماح بمشاركة المعلومات من أجل التخفيف من الأعمال الإدارية.
- إيجاد توصيف قانوني متوافق عليه للمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني يوضح شكلها ودورها وحدود عملها، وهل تُعد منظمات تركية أم أجنبية، لاسيما إن تم ترخيصها عن طريق حاملين للجنسية التركية وأجانب أو تم تجنيس معظم العاملين فيها.
- الضغط من أجل إنشاء لوائح قانونية تفصيلية توضح للموظفين الأتراك هذا التوصيف ومساحات العمل المتاحة لها داخل تركيا وخارجها، وتحلّ بعض الإشكاليات المتعلقة ببعض المشاكل البيروقراطية الناشئة عن عدم وضوح هذا التوصيف.
- العمل المشترك على إيجاد قانون ناظم لعمل المنظمات في الشمال السوري – السورية والتركية- وتوضيح اللوائح التفصيلية التي من شأنها تسهيل عمل المنظمات وضبطها والحد من تجاوزاتها.
- تنظيم اجتماعات دورية بين المنظمات الإنسانية والـ PTTبهدف تطوير نظام العمل، بما يحقق الفائدة والمنفعة للطرفين، ويتجاوب مع بعض المواد الإشكالية التي تقلق المنظمات التي تحوّل الكتل المالية الأكبر.
- إعادة النظر في النسب الإدارية المقتطعة من التحويلات المالية وتحويلها إلى نسب تتعلق بالشرائح، بمعنى آخر: تحديد نسب خاصة تختلف باختلاف حجم المبلغ المحول.
- التوجيه إلى الجهات التركية المشرفة لتفعيل دور المجالس المحلية، وإعطاؤها مساحات أوسع وصلاحيات إدارية تسمح لها ببناء الخبرات ومراكمة الإنجازات.
توصيات إلى المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني:
- ضرورة التواصل الدوري بين المنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني ومؤسسة العمل والتأمينات الاجتماعية التركية؛ وذلك للنظر في مشاكل المنظمات والشركات السورية، والعمل على تسهيل عملها وحل الإشكاليات وإيضاح بعض الجوانب، خاصة ما يتعلق بإمكانية التعاقد الجزئي مع الأجانب والتعاقد مع المتطوعين.
- إيجاد مكتب استشاري عربي- تركي من شأنه تقديم المساعدات والاستشارات للمنظمات والشركات الأجنبية، ومساعداتها على حل مشاكلها وتحسين وضعها القانوني.
- إصدار نشرة دورية خاصة بالعمل الإنساني السوري بثلاث لغات: تركية وإنكليزية وعربية تستعرض واقع العمل الإنساني السوري والصعوبات التي يواجها ويعمل على تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة حوله.
- الضغط من أجل إشراك منظمة آفاد ضمن الكلاسترات التابعة للأمم المتحدة، بهدف الاطلاع على سير عملية الاستجابة الإنسانية، والمشاركة في توجيه الدعم نحو القطاعات الأكثر احتياجاً.
- مدير عام إحدى المنظمات الإنسانية السورية العاملة في مجالات: الإغاثة، والتعليم، والصحة، والإيواء وسبل العيش، والتعافي المبكر، والمياه والإصحاح، والحماية داخل سوريا، كما تقدم بعض المشاريع في تركيا.
- مدير عام إحدى المنظمات الإنسانية السورية العاملة في مجالات: الإغاثة، والصحة، والإيواء وسبل العيش، والتعافي المبكر، والمياه والإصحاح، والحماية داخل سوريا
- مسؤول العلاقات لإحدى المنظمات الإنسانية السورية العاملة في مجالات: الإغاثة، والتعليم، والإيواء وسبل العيش، والتعافي المبكر، والمياه والإصحاح، والحماية داخل سوريا.
- المديرة الإقليمية لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مجالات: الإغاثة، والتعليم، والحماية داخل سوريا وفي لبنان.
- منسقة العلاقات العامة في إحدى المنظمات الإنسانية السورية العاملة في مجالات: الإغاثة، والتعليم، والصحة، والحماية وسبل العيش، بالإضافة إلى مشاريع مع اللاجئين.
- مدير تنفيذي لإحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مجالات: الإغاثة، والتعليم، والخدمات داخل سوريا.
- مدير عام مؤسسة قانونية تعمل مع المنظمات الإنسانية في تركيا.
- مدير إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في مجالات: الإغاثة والتعليم داخل سوريا.
- مديرة إحدى المنظمات الإنسانية العاملة في تمكين المرأة داخل سوريا.
- المدير التنفيذي لإحدى الشبكات الإنسانية التي تضم .45 منظمة سورية مرخصة في تركيا تعمل في شتى مجالات العمل الإنسانية، وتتركز أنشطتها في سوريا أو تركيا أو في كليهما معاً..
- مدير إحدى الشركات السورية المرخصة في تركيا.
- مسؤول إداري في منظمة تُعنى بالخدمات وعمليات الإنقاذ داخل سوريا.
مديرة الوحدة المجتعية في مركز الحوار السوري، بكالوريوس في الهندسة من جامعة دمشق، دبلوم في التخطيط العمراني وإعادة الإعمار المستدام، عملت في مجال الإعلام المكتوب والمسموع لعدة سنوات، نشرت العديد من الأوراق والتقارير البحثية في مواضيع سياسية واجتماعية، وخاصة ما يتعلق بأوضاع اللاجئين وقضايا المرأة