الإصداراتوحدة الهوية المشتركة والتوافق

صورة المثقف لدى السوريين: بين استصحاب الانطباعات المسبقة ورهان التغيير

مقدمة:

تناولت كتابات كثيرة صفات المثقف ومعاييره، على الرغم من نسبية الكلمة واختلافها حسب المكان والزمان؛ ولكن يمكننا الوقوف على مجموعة من الصفات تتشارك فيها للمثقف، منها: تحمُّل المسؤولية، وعدم ممالأة السلطة، والتعمق في التخصص، والإخلاص. وفي المفهوم العام أيضاً يمكن اعتبار المثقف ذلك الشخص الذي يحلّل الوضع الاجتماعي، ويسعى لتجاوز العقبات التي تعترض تحقيق نظام اجتماعي أفضل وأكثر إنسانية.

يُعد المثقف ممثّلاً للقوى الاجتماعية التي تعمل على تطوير المجتمع من خلال تطوير أفكاره ومفاهيمه؛ لأنه يمتلك مستوى من الثقافة يؤهّله للنظرة الشاملة والالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه، ولأنه مبدع يومياً في تحقيق التطوير والتحسين، بالإضافة إلى المثقف المتخصص في مجال معين كالأدب أو السياسة[1].

بالتركيز على السياق العربي يمكن تحديد أنماط عديدة؛ حيث يُجمل   بعض الكتّاب المثقفين العرب في أنماط خمسة؛ بين مَن يلتزم بواجبه النقدي ورسالته، ومَن يساير الضغوط، حتى مَن يهاجر ويطلع على ثقافات أخرى دون تضييعه ثقافته الأولى[2].

بالانتقال إلى الحالة السورية قبل الثورة وإبانها نجح نظام الأسد البائد في جذب غالبية المثقفين إلى جانبه في المجالات الأدبية والفنية والدينية والأكاديمية، ولكن من دون أن يظهر لهم تأثير كبير، وهو ما يُعد أمراً طبيعياً في ظل بيئة دكتاتورية تربط كل شي بالمستبد؛ فمنذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا انقسم المثقفون فئتَين؛ فئة انجذبت إليه وسخّرت إمكانياتها لخدمته مقابل فوائد ومصالح شخصية وذاتية، وفئة أخرى عارضت بصمت دون استفزازه، ومع ذلك كان في داخل هذه الفئة المعارضة مَن اقتنعوا بخطاب السلطة الذي حمل شعارات الحداثة والعلمانية، وقادوا جهوداً لتقريب اليسار منها[3].

في مقابل هذه السيطرة السلطوية على المثقفين برز جزء من المثقفين السوريين ممن ناصروا الثورة ومطالبها، غير أنه غالباً ما وُصفت علاقتهم بالشعب بالضعيفة، على الرغم من توفر وسائل التواصل الاجتماعي التي تُعد حالياً من أهم أدوات الحشد والتأثير، الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة عن أسباب هذا الضعف في العلاقة بين الطرفين.

في هذا السياق برزت كتابات بحثية عديدة تحلّل الأسباب والعوامل التي أسهمت في وصول العلاقة بين الطرفين إلى هذا المستوى المتدني؛ إلا أنها إجمالاً مثّلت نظرة المثقفين وأخذت رؤيتهم فيما يتعلق بأسباب تراجع علاقتهم مع الحاضنة[4]، فيما تندر بالمقابل الدراسات البحثية السورية التي توضح وجهة نظر عموم الناس بخصوص ضعف علاقتهم مع المثقف.

لسدّ هذه الثغرة تأتي هذه الورقة البحثية لتجيب عن السؤال التالي: كيف تنظر الحاضنة لعلاقتها مع المثقفين وللمثقفين ذاتهم؟ ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية، وهي:

  • من هو المثقف النموذجي “المعياري” الذي يمكن أن يثق به السوريون؟
  • ما هي العوامل التي تؤثر في نظرة الشعب السوري إلى المثقفين؟
  • مَن هم المثقفون الذين يعجب بهم السوريون داخلياً وخارجياً وتاريخياً وحاضراً؟ وما هي الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك؟
  • ما هي الأدوات التي يستخدمها الشعب السوري في التعبير عن آرائهم ومواقفهم تجاه المثقفين؟

تسعى الدراسة إلى تقديم فهم أعمق لكيفية تفاعل عامة الشعب السوري مع المثقفين، وكيفية تأثير هذا التفاعل في تطور المجتمع والثقافة من وجهة نظر عموم الناس؛ لأن الفهم الكامل للعلاقة بين الشعب والمثقف يمكن أن يسهم في تطوير استراتيجيات فعالة لتعزيز الحوار والتفاهم بين الطرفين، كما أنه يمنح المثقفين فهماً أعمق لنظرة الناس إليهم، بما يمكّنهم من تعزيز علاقتهم بهم.

اعتمدت هذه الورقة منهجية نوعية؛ ففهم نظرة الناس إلى المثقفين تتطلب عمقاً وتحليلاً للأسباب والعوامل التي تؤثر في تلك النظرة، فاعتمدت الدراسة على بيانات أصلية جُمعت من خلال إجراء 22 مقابلة شبه هيكلية في بيئات متنوعة، شملت تبادل الرسائل عبر WhatsApp، ومكالمات Zoom، واجتماعات حضورية؛ إذ تم اختيار الشخصيات التي أُجريت مقابلتها وفقاً لأسلوب “العينة الميسرة”، وهو الأسلوب الذي يقوم على اختيار العينة بناءً على سهولة الوصول إلى الأفراد المتاحين والمتطوعين للمشاركة في البحث، بدلاً من اختيار المشاركين بشكل عشوائي من بين جميع أفراد المجتمع[5].  كما رُوعي التنوع قدر الإمكان عبر تضمين سوريين من خلفيات متنوعة تشمل القوميات المختلفة والطوائف المتعددة والطبقات الاجتماعية المتنوعة، بهدف ضمان تمثيل واسع للطيف السكاني السوري بما يشمل تنوعه الثقافي والاجتماعي. إضافة إلى ذلك تم العمل على اختيار عينة من السوريين المقيمين داخل سورياً ومن أولئك الذين يعيشون في بلاد المهجر؛ بما يساعد على فهم تأثيرات الظروف المختلفة في الموضوع الذي نبحثه (الملحق).

ولضمان جودة البيانات التي تم جمعها من خلال المقابلات تم تدريب فريق البحث قبل إجراء المقابلات، مع التركيز على أهم وأفضل الممارسات المعترف بها في الأدبيات العلمية، بما في ذلك: كيفية صياغة الأسئلة بطريقة غير متحيزة، وبناء علاقة ثقة مع المبحوثين، والاستماع الفعّال.

على مستوى الدراسات السابقة: هناك العديد من الدراسات في اللغات العربية والأجنبية تناولت موضوع المثقفين فيما يتعلق بالمثقفين في سياق الثورات؛ وهي تُظهر اتفاقاً عاماً على أنهم لم يكن لهم دورٌ مباشرٌ في إشعال الثورة، ومع ذلك يُلاحظ أن عددًا قليلًا فقط من المثقفين شاركوا في الثورة وانحازوا للمعارضة، بينما اكتفى الغالب منهم بالصمت أو امتنعوا عن التعبير عن آرائهم خوفًا من العواقب[6].

تشير بعض الدراسات إلى أن هذه التغيرات أدت إلى عزل المثقفين عن المجتمع وتأثيرهم الاجتماعي، ويرجع السبب في ذلك إلى التحولات الأيديولوجية في القرن الماضي؛ فقد كانت الأيديولوجيات تربط المثقف بالطبقات الاجتماعية وتعكس علاقته بالشارع، ولكن مع مرور الوقت وحلول ما بعد الحداثة أصبح التركيز على انفصال المثقف عن المجتمع، وتركز على الجودة الثقافية والإبداعية بدلاً من الارتباط بالمجتمع[7].

في الحالة السورية تناولت بعض الأبحاث شخصيات كانت واعدة بدأت مشوارها بالدفاع عن قضايا اجتماعية معينة لكنها فقدت شعبيتها بعد تأييدها الواضح لنظام الأسد البائد الذي ارتكب آلاف الجرائم بحق السوريين، وأصبحت عرضة للانتقاد بسبب هذا الموقف[8].

عموماً تشير الدراسات السابقة إلى افتقار المكتبة العربية والأجنبية إلى دراسة بحثية تقف على وجهة نظر عامة الناس تجاه المثقف وعلاقتها معه، وهو ما ستسعى الدراسة إلى بحثه وتوضيحه.

جاءت الدراسة في مطلبَين: يناقش الأول الجانب السلوكي والموضوعي للمثقف، عبر إيضاح أبرز الصفات السلوكية والموضوعية التي يجب أن يتحلى بها، ويستعرض الثاني العوامل التي تؤثر في نظرة الناس للمثقف، سواءٌ تلك الشخصية أو الموضوعية أو تلك المرتبطة بالمثقف نفسه.

المطلب الأول: الصورة الذهنية لما يجب أن يكون عليه المثقف السوري؛ سلوكياً وموضوعياً:

أشارت المقابلات إلى صورة ذهنية معينة للمثقف من حيث السلوك والصفات الموضوعية يجب أن يحققها ليحظى بثقة الناس، وقد تكون هذه الصفات السلوكية والموضوعية محل نقاش واختلاف بين الناس؛ ولكن أظهرت المقابلات التي أُجريت توافقاً بين غالبية المشاركين حول أبرزها.

أولاً: المثقف سلوكياً؛ السلوك قبل الفكر:

يأتي السلوك في مقدمة القضايا التي يهتم بها الناس عند حديثهم عن المثقف؛ فقبل أن يهتم الناس بالأفكار والمواضيع التي يطرحها المثقف يولون أهمية أكبر لسلوكه وتصرفاته ومواقفه، خصوصاً في الفضاء العام؛ فغالباً ما يكون التركيز على السلوك في المقام الأول، لتأتي الأفكار والمواضيع التي يطرحها المثقفون في المقام الثاني.

فيما يلي نستعرض ست نقاط رئيسة تُظهر أوجه السلوك التي تركز عليها الحاضنة في بناء نظرتها للمثقفين، وذلك على النحو الآتي:

1- التواضع مفتاح لقلوب الناس:

تبرز صفة التواضع عموماً كأحد أهم العوامل التي يحتاجها الأفراد لنجاحهم في التأثير؛ وتعد هذه الصفة من أهم الأدوات التي يمكن للمثقف الاستناد إليها في تعامله مع الآخرين[9]، لأنها تساعده على اعترافهم به وتنمية شعورهم بالأهمية[10]، وهذا ما يجعل الأشخاص المتواضعين فكرياً أكثر قبولاً عند الناس العاديين[11] الذين عادة ينظرون بإيجابية إليهم، وهو ما يدفعهم للاستماع لهم والإعجاب بهم.

أولى جميع المشاركين في الحالة السوري أهمية كبيرة لقضية التواضع؛ إذ كانت هذه المفردة بارزة بشكل واضح في وصف المثقف كما يجب أن يكون، فيرى كثير من المشاركين أن الوسيلة التي يمكن للمثقف من خلالها التواصل مع الناس هي أن يظهر تواضعاً في حديثه، فألصق المشاركون دوماً بين المثقف الجيد وصفة “التواضع”، والمثقف السيئ وصفة “التعجرف” و”التكبر” في التعامل مع الناس.

على سبيل المثال: يقول المشارك (16): “أحب الإنسان المثقف المتواضع الذي يخالط جميع الطبقات الاجتماعية، بما فيها الناس البسطاء، مراعياً ألا يظلمهم بتكبّره وغروره”[12]، وفي السياق ذاته تقول المشاركة (19): “لا يحاول التفاخر أو الظهور أمام الآخرين بأنه شخص مثقف …..، فهو لا يؤكد بنفسه أنه حقاً مثقف، بل يمكنك أن تدرك ذلك من خلال حديثه”[13]، وهو ما وافقتها عليه المشاركة (4) بقولها: “الصفات التي أراها وأحبها في المثقف أن يكون متواضعاً”[14].

لعل صفة التواضع على أهميتها في مختلف المجتمعات، إلا أنها في السياق السوري تأخذ بُعداً أكبر بسبب ما عاناه السوريون إبان حكم الأسد البائد من تعجرف المثقفين وتكبرهم[15]، أو على الأقل ظهورهم بهذا المظهر[16]، وهو ما ولّد على ما يبدو ردة فعل عكسية جعلت غالبية الأفراد تؤكد صفة التواضع.

2- الانفتاح وتقبُّل النقد:

 يعد الانفتاح على الآراء المختلفة وتقبل النقد عموماً فضيلتان فكريتان إلى جانب كونهما فضيلتَين أخلاقيتَين؛ حيث إنهما تشيران إلى رغبة الإنسان في تتبع الحقيقة والاندفاع نحوها[17]، بمعنى آخر: التسامح وقبول الانتقاد في حد ذاتهما ليسا الفضيلة التي يجب أن يسعى إليهما المثقف، ولكن ذلك يُظهر أن المثقف يبحث عن الحقيقة، لا عن مكاسبه الشخصية، وهذا مرتبط بشكل جوهري بصفة “الصدق”، التي تعطي دلالة على أن ولاء المثقف الوحيد هو للحقيقة وليس لآرائه الشخصية[18].

على هذا النحو كان “الانفتاح وتقبُّل النقد” الصفة الثانية التي يجب على المثقفين أن يتحلوا بها بحسب غالبية المشاركين؛ حيث عبّر العديد من المشاركين عن رأيهم بأنه ينبغي على المثقفين الانفتاح على الأفكار الجديدة والتعامل مع أفراد جدد، كما يتوجب عليهم دائماً تقبُّل النقد بروح بنّاءة، وأن ذلك جزء من التقدم والتطور، حتى في حالة عدم فهم الآخرين للنقاط التي يطرحونها.

تحدث المشارك (1) عن المفاهيم الخاطئة التي يعتقدها جزء من المجتمع في نظرتهم للمثقف، فقال: “من المفاهيم الخاطئة الاعتقاد بأن المثقف لا يرتكب أخطاءً على الإطلاق؛ نحن بشر، وينبغي لنا أن نكون مدركين بأن الخطأ قد يحدث. ينبغي للإنسان السعي دائماً للصواب والحقيقة. إن الاعتراف بالخطأ ليس عيباً، بل يعكس حالة من الرقي والتحضر”[19]. وهذا ما أيده فيه المشارك رقم (13) بقوله: “من المهم أن يكون لدى المثقف تقبُّل النقد في حال أشير له بأنه على خطأ، أرغب في أن يكون لديه دور في تصحيح تلك الأخطاء، ونتشارك معا بشكل إيجابي في تبادل الأفكار وتصحيح الأخطاء، حتى ولو كان مستواه الثقافي أعلى مني”[20].

3- المبدئية وعدم التقلُّب[21]:

يُنظر إلى المثقف أنه الشخص الذي يمتلك وعياً عميقاً واستقلالية فكرية، وهو لا يستخدم معرفته وثقافته وسيلة للوصول إلى مناصب السلطة أو النفوذ، بمعنى آخر: المثقف الحقيقي يبقى متمسكاً بأفكاره مؤمناً بها، ولا يتقلب ويتحول بحسب السياق من أجل الحصول على منافع شخصية أو سياسية؛ لذا فإن الصفة التي يمكن استخلاصها هنا هي التمسك بالقيم بغضّ النظر عن الثمن[22] .

بالانتقال إلى حضور التمسك بالقيم في نظرة العينة إلى سلوك المثقف فقد أشار بعض المشاركين إلى الصفة السلبية المقابلة لها للدلالة عليها؛ فرأى بعضهم أن من أبرز الصفات السلبية التي يمكن أن يتسم بها سلوك المثقف تغييره مواقفه وآراءه بحسب مصالحه الشخصية، ولذا فمن المفترض أن يكون المثقف مخلصاً صادقاً وصاحب مبدأ؛ مما يعكس الرؤية الشائعة حول دور المثقف في تمثيل القيم والمبادئ بصدق والتزام.

يقول المشارك (4): “لا يعجبني أبداً ولا يمكنني متابعته، أشعر أنه متملقٌ بشكل كبير. هناك الكثير ممن يخالفونني الرأي ويعتبروه مثقفاً، وهنالك أيضاً أشخاص يتفقون معي في الرأي. أراه شخصاً ساذجاً متملقاً بآرائه، يتحدث كثيراً وينظّر بالكلام. اليوم يكون مؤيداً لك وغداً ينتقدك، متغير الآراء. هذا ليس مثقفاً وهذه ليست بثقافة؛ هذا تملُّق”[23].

وفي السياق ذاته يقول المشارك (20): “في منطقتنا يوجد مهندس؛ هذا الشخص كان من بداية الثورة متقلب، لديه أكثر من وجه؛ عندما دخل الجيش الحر وقف في صفه، وعندما دخلت “قسد” غيّر مساره ووقف معهم، أما حالياً فهو في صف النظام، لذلك وضعت إشارة حمراء عليه”[24].

4- الإنسانية والموقف الأخلاقي:

يمتلك المثقفون القدرة على كشف “أكاذيب” الحكومات، وتحليل الأفعال وفقاً لأسبابها ودوافعها والنوايا المخفية غالباً، إلا أن المجاهرة بذلك تتطلب مناخاً من الحرية والشفافية؛ لذا يُمارس هذا الدور غالباً في العالم الغربي لأن المثقفين يمتلكون السلطة التي تأتي من الحرية السياسية، ومع توفر الوقت والمرافق والتدريب يمكن البحث عن الحقيقة المخبأة خلف ستار التشويه والتمثيل السياسي. ومن جانب آخر ونظراً للامتيازات الفريدة التي يتمتع المثقفون بها في تلك المجتمعات فإن مسؤولياتهم أعمق بكثير من “مسؤولية الناس” في اتخاذ المواقف الأخلاقية’[25]. ومن الواضح جداً أن هذا السلوك لا ينطبق على السياقات الاستبدادية كالسياق السوري؛ حيث تغيب الحريات، ولكن يمكن القول: إن ذلك لا يمنع من تحميل المسؤولية أيضاً، خاصة في القضايا الكبرى.

بناءً عليه يمكن القول: إن ما يميز المثقف هو أخلاقه في طرحه ومواقفه، وهو ما يمكن تسميته بـ “إنسانية المثقف وموقفه الأخلاقي”، على سبيل المثال: ذُكرت عدة شخصيات مؤيدة لنظام الأسد البائد، وكان الانتقاد الرئيس لهم أنهم لم يقفوا مع الشعب، وهذا الرأي ينطبق _في المقابل_ على بعض الشخصيات المؤيدة للمعارضة والثورة.

أحد المشاركين شرح بوضوح لماذا يشعر بأن هناك رابطًا بين المثقفين والسياسة في السياق السوري: “في الحالة السورية مَن لا ينتقد بشار الأسد ونظام الحكم فهو ليس مثقَّفاً. نحن أمام قضية أخلاقية، إذا كنا نتحدث عن سوريا فلنتحدث عن السوريين. إذا لم تنتقد نظام الأسد فأنت لا تحترم المعرفة لديك، أو ربما لا تكون مثقَّفاً بل مجرد آلة، …. إذا كنت تفكر هكذا فأنت تسير على نظام معين، ولكن إذا خرجت وتسعى حقاً لتوسيع مداركك ستشعر بأن هذا النظام مخالف وضد تطلعات كل من يسعى للثقافة والمعرفة. هذا موضوع حساس للغاية بالنسبة لي، لا أستطيع أن أرى شخصاً لا ينتقد هذا النظام الفاسد والمجرم. لست أطلب من كل شخص الصراحة، ولكن على الأقل قل رأيك، فإذا سألك تواصل معه وقل له بصدق”[26].

وأضاف المشارك (16) متحدثاً عن جانب مهم جداّ وهو الجانب الديني باعتباره يهم شريحة كبيرة من الشارع السوري قائلاً: “يُعتبر مثقفاً دينياً، ولكنه أظهر خللاً خلال الثورة بإساءته للعقيدة الإسلامية، مما أثر سلباً على ثقة الناس به وبثقافته”[27].

بشكل عام كان هذا الموضوع شائعاً جداً بين المشاركين، حتى لو لم يتم ذكره مباشرة؛ حيث تظهر العلاقة الوثيقة بين الجانب الأخلاقي والثقافي بغض النظر عن تخصص المثقف، سواء كان ذلك في حالة الممثل أو الشخصية الدينية أو السياسي، فلكي يتمتع الشخص بصفة المثقف لا يكفي أن يمتلك معلومات، بل يجب أن تكون قراراته وأخلاقه في مواجهة الناس هي العناصر الأساسية؛ وهذا قد يكون دليلاً على الربط بين الثقافة/المعرفة والسياسة عند جزء من السوريين.

5- التأثير ضمن المجتمع:

على نطاق واسع يقدم البعض افتراضاً مفاده أن يكون للمثقف دور عام محدد في المجتمع لا يمكن تجاوزه؛ فالمثقف ليس مصدراً للمعرفة فحسب، بل عضواً فعالاً في مجتمعه[28]، فهو “فرد موهوب بالفطرة، وقادر على تمثيل فلسفة أو رأي للجمهور، وتجسيده وتوضيحه، بالإضافة إلى أنه يفعل ذلك للجمهور”[29]. وإلى جانب ذلك يُفترض بالمثقف أن يحمل مسؤولية تجاه شعبه وأمته، ويقدم الأفكار والحلول المختلفة لكل الصعاب من أجل المجتمع وحريته واستقلاله وتقدمه؛ فكون المرء متعلماً يتجاوز مجرد تجميع المعرفة، إلى أن تكون منظوراً ثرياً وعميقاً يشجّعنا على التفكر[30].

فدور المثقف هو تعزيز الحرية والمعرفة الإنسانية، وهذا يعني غالباً تحدّي القيم الاجتماعية وتقديم وجهة نظر خارجية؛ فعلى الرغم من بعدهم عن المؤسسات يجب على المثقفين التفاعل مع الجمهور لمناقشة القضايا الاجتماعية. هذا التوازن بين الالتزام الشخصي والمشاركة العامة ضروري، حيث يجمع بين الشغف الفردي والتأثير الجماعي[31].

والسبب لأهمية ارتباط التخصص للمثقف مع هموم الشعب عند استعراض المفهوم حول الفرق بين “الدور الخاص” و “الدور العام” للمثقف يُظهر المثقف آراءه ومواقفه الشخصية التي تعبر عن دوره الفردي أو “دوره الخاص”، ولكن عندما يندمج في الحياة العامة يتعين عليه التفاعل مع القضايا ذات الاهتمام العام، التي تتعلق بالمجتمع، وهو دوره العام؛ لذا يجب على المثقف تحقيق توازن متناغم بين الدورَين[32].

على هذا النحو جاءت الصفة الخامسة التي ذكر المشاركون أنها تركز على فائدة المثقفين للناس؛ فالمثقف لا يكتفي فقط بتوليد الأفكار والمعلومات ونقلها للآخرين، وإنما يفترض أن تكون معلوماته وأفكاره مفيدة وتعود بالنفع على الناس، ليس ذلك فحسب، بل يمتد ذلك إلى تقديم الدعم الأخلاقي والإنساني حيثما كان ذلك مستطاعاً.

أشار العديد من المشاركين إلى ضرورة أن يكون المثقف مؤثراً ضمن مجتمعه، لا يستسلم للأفكار الخاطئة المنتشرة، بل يسعى لتغييرها؛ لذا كان من بين المفردات التي تكررت عدة مرات مفردة “التأثير”، قال المشارك (15): “يجب أن يكون لدى المثقف رسالة، وهي أن يكون له تأثير إيجابي للمجتمع، تأثير إيجابي للناس من حوله. أن يكون حاملاً قضية”[33]، وعبّرت مشاركة أخرى عن هذا المعنى أيضاً، حيث قالت: “يعحبني المثقف الذي يغيّر من وجهات الناس؛ أي أنني أرى الناس على خطأ وأقوّم الناس”[34]، ولخّص المشارك (16) أهمية التأثير لدى المثقف بجملة واحدة: “أحب المثقف الذي يستطيع أن يخرج الكنز الذي يملكه”[35].

ومن الأمثلة التي ذكرها المشاركون حول إمكانية أن يكون المثقف مفيداً لمجتمعه ما أورده أحد المشاركين (19) بقوله: “يمكن لمثقف لدية رؤية في الاقتصاد أن يحاول المساعدة في إنشاء مشاريع صغيرة من خلال تقديم المشورة والرأي بخصوصها، أن يساعد السكان المحليين على أن يصبحوا مستقلين ويكسبوا ما يكفي من المال للعيش. هذا يتطلب كلاً من المعرفة والإرادة لمساعدة الناس. هذا هو النوع المثالي من المثقف[36] “.

هذا يعني أن دور المثقف لا يقتصر على التأمل والتفكير فقط، بل يشمل أيضاً العمل الفعلي على أرض الواقع لإحداث فرق حقيقي؛ فالمثقف الفاعل يربط بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، مستفيداً من خبراته ومهاراته لتطوير حلول مبتكرة تسهم في حل مشكلات المجتمع. بفضل هذا النهج يمكن أن يكون المثقف جسراً بين الفكرة والتنفيذ، بين الحلم والواقع، مما يجعله عنصراً أساسياً في دفع عجلة التنمية والتغيير الاجتماعي. لذا يُنظر إلى المثقف بوصفه قائداً فكرياً واجتماعياً يسهم بفاعلية في تحسين حياة الناس، ويعزّز من قدرات المجتمع على مواجهة التحديات وتحقيق أهدافه.

6- تكييف الخطاب، واختيار اللغة المناسبة:

تكييف خطاب المثقف إلى جماهير مختلفة يُعد أمراً حيوياً، وهذا التكييف يتضمن عدة جوانب رئيسة، مثل: مراعاة العوامل الديموغرافية، مثل العمر والجنس والمهنة، لتصميم المحتوى والإشارات بشكل لائق ومناسب، وإظهار التعاطف مع قيم ومواقف الجمهور لإيجاد رابطة وتأثير أكبر، وتعديل الخطاب بناءً على مستوى خبرة الجمهور، مع ضمان تطابق المحتوى مع فهمهم، من خلال مراقبة ردود فعل الجمهور وإجراء التعديلات في الوقت الحقيقي؛ بما يُمكّن المتحدث من ضمان التواصل الفعّال والمشاركة الناجحة.

توافقاً مع ما سبق يرى غالبية مَن تمت مقابلتهم أن على المثقف أن يختار اللغة التي تناسب الناس، بحيث يمتلك المرونة التي تجعله ينوّع المفردات بحسب الفئة التي يخاطبها وبما يسّهل على الناس فهمها. على سبيل المثال: رأى البعض أنه يفترض بالمثقف استخدام اللغة العامية التي عادة تكون مناسبة لبعض الفئات، لاسيما وأن اللغة الفصحى التي قد تكون صعبة الفهم في بعض المصطلحات التي تتضمنها.

يقول المشارك (21): “سابقاً كان الناس يشعرون بالاستياء عند التحدث مع سياسي شيوعي لاستخدامه مصطلحات معقدة مثل: “البروليتاريا” و”برجوازي”، بدلاً من استخدام مثل هذه المصطلحات الصعبة يمكن أن يستخدم مفردات بسيطة ومفهومة للناس، مثل: طبقة العمال…، يجدر بالمثقف إظهار احترامه للآخرين من خلال التفاعل بطريقة محترمة ومبسطة”[37]. حول الفكرة ذاتها يقول المشارك (18): “يُفترض بالمثقف عندما يرغب في توصيل فكرة ما أن يعرف مستوى الشخص الذي يخاطبه ويتحدث معه بأسلوب بسيط”[38]، بعبارة أخرى: “يجب على المثقف أن يكون قريباً من الشعب أكثر، وأن ينزل إلى مستواهم”[39].

لعل التوصية من المشاركين تتقاطع حتى مع وصايا المثقفين أنفسهم لبعضهم بعضاً، وهذا ما يشير إلى أهمية سلوك التناغم واستخدام اللغة المناسبة للخطاب؛ فالمثقف كشخص يمثل وجهة نظر معينة يجب عليه أن يقدم تمثيلات واضحة لجمهوره[40].

خلاصة:

ذُكرت عدة صفات للمثقف في الآراء المقدمة من أفراد العيّنة الذين تمّت مقابلتهم، من أبرز هذه الصفات: أن المثقف يجب أن يكون متواضعاً ومتصلاً بالناس الذين يمثّلهم، كما ينبغي أن يكون واسع المعرفة، وأن يكون قادراً على حل المشكلات وابتكار طرق جديدة في التفكير، بالإضافة إلى كونه محايداً ومنفتح الذهن، كما تم التأكيد أيضاً على أهمية الأمانة؛ فيجب أن يكون المثقف صادقاً مع نفسه ومع الناس. إلى جانب ذلك يجب أن يكون المثقف مهتماً بمساعدة مجتمعه مشاركاً في قضاياه. وأخيراً فإن المثقف المثالي هو مَن يتعلم باستمرار، يفهم الحياة ويكون قادراً على إنتاج الأفكار الجديدة التي تفيد المجتمع.

ثانياً: المثقف موضوعياً:

نعني “المثقف الموضوعي”: الفرد الذي يمتلك فهماً عميقاً وشاملاً في مجالات متنوعة، بحيث لا يقتصر دوره على امتلاك معرفة واسعة في تخصصات متعددة، بل يشمل أيضاً القدرة على تقديم تحليلات دقيقة وموضوعية بعيداً عن الانحياز الشخصي.

 يعبر هذا المفهوم عن كيفية تحقيق المثقف الموضوعي توازناً بين اتساع المعرفة وقدرته على تقديم رؤى تحليلية منهجية، مع مراعاة القيم الثقافية والاجتماعية المتنوعة.

فيما يلي نستعرض أربع نقاط رئيسة موضوعية تركز عليها الحاضنة في بناء نظرتها للمثقفين، وذلك على النحو التالي:

1- شيءٌ عن كل شيءٍ:

من الطبيعي أن يمتلك المثقف معرفة أوسع وأعمق في مجالات معينة مقارنة بالأفراد العاديين نتيجة لعوامل عديدة، كتعليمه المتقدم واهتمامه بالقراءة والبحث؛ لذا فإنه عندما يناقش في موضوع معين يمكن له تقديم رؤى أكثر تفصيلًا وتحليلًا وعلمية، مما يساعده على فهم الأمور بشكل أعمق وإيجاد حلول مبتكرة.

يساعد الاتساعُ المعرفي المثقفَ على فهم التحديات المجتمعية والعالمية بشكل أفضل، حتى يمكنه تقديم مساهمات أكثر قيمة وفعالية في حل هذه التحديات، كما يعزز قدرته على التفكير النقدي وتقديم وجهات نظر متعددة حول قضايا معقدة، وأخيراً يساعده في تحسين القدرة على التواصل والتفاعل مع مختلف الثقافات والأفكار.

يقول المشارك (1): ‎”أحب أن يتميز الشخص بأن يكون منفتحاً على جميع الأمور، وأن يكون لديه إلمام بكل المجالات. يكون اهتمامه بوطنه أو منطقته أكبر مما يهتم بمصلحته الشخصية”[41]، كذلك يرى المشارك (18) أن: “مفهوم الثقافة مجالها واسع، فمثلاً عندما نتحدث عن اختصاص أكاديمي فالطبيب والمهندس والمدرس وغيرهم مثقفين ليس فقط باختصاصهم، بل وفي الكثير من أمور الحياة … نجد أيضاً الناس الذين يهتمون بالسياسة يهتمون بالأدب، ومنهم من يهتم بالتاريخ، وهكذا…. إذاً الشخص المثقف لديه ثقافة شاملة، ويستطيع تقديم شيء في كل مجال”[42].

وقال المشارك (17) في حديثه عن هذا الجانب: “المثقف هو دائماً يملك معلومات أوسع مما تملكه عامة الناس. عندما يناقش في موضوع معين يكون لديه معلومات كافية وشاملة؛ إذ يكون قد درس وتعمق في تفاصيل أكثر من الأفراد العاديين”[43].

بناءً على ذلك يمكن القول: إن الاتساع في المعرفة لدى المثقفين برأي المشاركين لا يُعد أمراً سلبياً، بل على العكس يمكن أن يكون مفيداً بشكل كبير في تحقيق التقدم والتطور في المجتمعات.

2- الربط بالعلوم الإنسانية:

من بين المجالات الأكثر إشارة عند حديثنا عن المثقف كانت الفلسفة والسياسة والاقتصاد، ويرجع السبب إلى التعريف الذي أوردنا سابقاً الذي أوضح أن المثقف هو الشخص الذي ينخرط بشكل واع في الحياة العامة ويتبنى قضايا تهم الجمهور، وتلك المجالات التي تتناول قضايا الحياة وتسعى لإشراك الناس فيها.

على هذا النحو جاء تصوُّر المشاركين عن المجالات التي يتحدث فيها المثقف؛ حيث تم التركيز على هذه الجوانب الثلاثة، واتفق الأغلبية على أن المثقف ليس محدود المعرفة، وإنما يجب أن يكون لديه إلمام بمواضيع شتى، ويمتلك خبرة ومعرفة واسعة ومتنوعة، واتفق الغالبية على الوضع الاقتصادي والتحدث بالوضع الاقتصادي للشعب، فهم رأوا أن المثقف هو صانع الوعي في المجتمع، وهو مشارك في تشكيل الرأي العام وتوجيه بوصلة المجتمع نحو أهدافه وتطلعاته في مستقبل أفضل[44].

بناءً عليه فإن إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها المثقف هي “امتلاك قدرات فنية محددة، ليس فقط في نطاق محدد من نشاطهم ومبادراتهم، ولكن أيضاً في مجالات أخرى، أي الاستعداد للتنوع في مختلف المجالات، وهذا يُعَدُّ أمراً ذا أهمية بالغة[45].

على النحو ذاته قام المشاركون بتحميل المسؤولية على المثقف؛ حيث يجب على المثقفين أداء دورهم الأساسي بفعالية.

3- المثقف المنهجي:

من أهم صفات المثقف أنه يمتلك طريقة لتحليل الأمور، سواء كانت مشكلات اجتماعية أو سياسية، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون هذا التحليل وفقاً لمبادئ معينة بعيداً عن “العاطفة”، ويتعين تجنُّب الانجراف نحو “الشعبوية” التي تستغل العواطف بشكل سلبي؛ إذ يعتمد الخطاب الشعبوي على إثارة العواطف لصالح “نحن” مقابل “الآخرين”. هذا النهج يمكن أن يؤثر سلباً في الجماهير، بغضّ النظر عن توجهاتهم السياسية، ويشير إلى خطورة تطبيقه، سواءٌ كان يسارياً أو يمينياً.

خلال المقابلات تم ذكر كلمة “العاطفة” عدة مرات بشكل سلبي تجاه المثقف والشعب؛ إذ كان بعض المشاركين يُعجبون بالمثقفين الذين يستخدمون منهجاً مهنياً عند تناول المواضيع، بينما كان بعض المثقفين السيئين يستخدمون العاطفة لتحريض الناس بناءً على أسس عنصرية وطائفية. على سبيل المثال: كان المشارك (٧) حريصاً جداً على موضوع المنهجية عند مدحه وذمه فئات معينة من المثقفين، فقال: “تشعر بأنهم يبالغون أو لديهم تكلّف، وتشعر بأن الكلام معهم غير طبيعي أو مصطنع[46]“، وقال مشارك آخر: “من فيديو واحد أعجبتني طريقة المنهجية التي تحدث فيها”[47].

بناءً على النقاط التي أثارها المشاركون ندرك أن لكل تخصص منهجيته الخاصة، مما يجعلنا نفهم خطورة الخطاب الشعبوي، أو بالأحرى الخطاب العاطفي، كما تم الإشارة إليه. على الرغم من عدم جدواه وعدم قدرته على حل المشاكل فإنه يُستخدم وسيلة للتحريض ضد الآخر؛ لذا يجب على السوريين تجنُّب هذا النوع من الخطابات[48].

4- تجنُّب مصادمة المجتمع وهويته:

للمثقفين المعاصرين دور بارز في مجتمعاتهم، ويبدو غربياً من حيث تمتعهم بحساسية غير عادية تجاه الجوانب الأعمق، التي غالباً ما تكون روحانية أو مقدسة في ثقافتهم ومجتمعهم، فلا يقتصر المثقفون على قبول الأمور كما هي، بل يتفكرون بعمق في المعاني والقيم الأساسية، كما أنهم يتسمون بتفكير غير عادي؛ فهم ينخرطون في تأملات واسعة حول طبيعة عالمهم والقوانين التي تحكمه؛ مما يعني أنهم يتعمقون في فهم محيطهم المباشر والبُنى الاجتماعية الأوسع[49].

تناول المشاركون في المقابلات أهمية مراعاة القيم الدينية والاجتماعية؛ فالعديد منهم قد أشادوا وانتقدوا بعض المثقفين بسبب مواقفهم تجاه بعض القضايا، على سبيل المثال: تم انتقاد بعض الشخصيات التي نشرت أفكاراً تتعارض مع معتقداتهم، وهو ما يكشف أنه عندما يخاطب المثقف الشعب _حتى إذا كان غير متدين_ فينبغي عليه ألا يهاجم معتقدات الشعب.

وعبّر المشارك (20) _وهو من خلفية عشائرية_ عن تحفظاته على بعض السياسات التي مُورست في منطقته، فقال: “في عام 2020 قامت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بفرض منهاج تعليمي، وكان هذا المنهاج يتناقض مع عقيدتنا؛ نظراً لكوننا أبناء عشائر. قرّر رجل أن يقف أمام هذا القرار ورفض المنهاج بشكل كامل، وأعلن أنه مستعد لإغلاق مدارس دير الزور تماماً وإيقاف المعلمين عن التدريس، استمر في هذا الموقف الثابت حتى الآن، على الرغم من التهديدات بالاعتقال له ولعائلته، بهدف تغيير رأيه، إلا أنه ظل ثابتاً في هذا الموضوع[50]“.

لا يقتصر هذا المبدأ على المجموعات، بل يظهر حتى على بعض الشخصيات مثل ما ذكرت المشاركة (٩) قائلةً: “شِعره رائع وله اسم كبير، ولكن بما أنه يوجه كل شعره لموضوع المرأة ويجسد المرأة سطحياً في قصصه صراحةً لست من المعجبين به”[51].

يمكن تفسير السبب وراء هذا النزوع لدى المشاركين بأن الشعب السوري بجميع طوائفه يتسم بالتديُّن؛ فالسوريون من مختلف الأطياف والطوائف يرون أنفسهم متدينين، مع تفاوت بين الطوائف[52]؛ ولذا يمكن استنتاج أنه عند طرح قضية معينة يجب على المثفف أن يأخذ في اعتباره تفاصيل الناس وتنوعهم، وهو أمر يتعلق بشكل خاص بالشعب السوري ويختلف من بلد إلى آخر.

ومن الجدير ذكره أن هذه النقطة تبدو كأنها لا ترتبط بوجهة نظر الشخصيات التي قابلناها فحسب، وإنما ثمة آراء من المثقفين السوريين أنفسهم ترى أن إصرار المثقفين العرب الذين ظهروا في القرن العشرين على الانفصال عن الشعب اجتماعياً وثقافياً من خلال تبنّي هذه الفئة قيماً أجنبية عن الشعب جعل جماعة المثقفين تفشل في “مشروع الحداثة”، إلى جانب إيجاد فجوة بينها وبين الشعب[53].

رسم توضيحي 1: يظهر خلاصة لأبرز السمات السلوكية والموضوعية التي تشكل الصورة الذهنية للحاضنة عن المثقف في سوريا

خلاصة:

في سياق تقييم المثقفين غالباً ما يُركز النقاش على الجوانب الموضوعية، مثل المعرفة العلمية والخبرة الأكاديمية؛ ومع ذلك تشير الدراسات والملاحظات إلى أن الجانب السلوكي قد يكون له تأثير أكبر في تقييم المثقفين. في هذا السياق من الضروري التطرق إلى مسألة ما إذا كان من الأهمية بمكان أن تكون الخصائص السلوكية أكثر أهمية من الجوانب الموضوعية.

تُظهر الأمثلة على المثقفين الجيدين والسيئين أن الجانب السلوكي كان أهم من الجانب الموضوعي بالنسبة إلى المشاركين؛ فقد ركّزت إجاباتهم عن سلوك المثقفين عليها سواءٌ أُعجبوا بهم أم لا، وهذا ما قاله المشارك (4): “أهم صفة بالنسبة لي يجب أن تتواجد بالمثقف هو الصدق”[54]، وأكد ذلك المشارك (5): “أنصح المثقف أن يكون أهم شيء في الحياة هو الصدق”[55].

في الدراسات حول المثقفين يتم الحديث عن أنه لا يجب تقييد تعريف المثقف، بل ينبغي تقييم صورته وتصرفاته، فهناك العديد من التعريفات، ولكن لم يتم التركيز بما يكفي على الصورة والتوقيع والتدخل والأداء الفعلي والشعور بالمصلحة والاستعداد للمخاطرة والإرادة للتعبير عن قضايا مثل الاستعمار أو الالتزامات أو الصراعات الاجتماعية[56].

وهذا يتوافق مع إجابات المشاركين في أن تعريف المثقف لا يقتصر على معرفته العلمية، وإنما يشمل أيضاً تصرفاته ومواقفه، وكيفية تعامله مع الناس. وهذا يُبرز أهمية أن يكون المثقف متواضعاً ومنفتحاً على الأفكار، صادقاً وذا أخلاق عالية، فلن يقبل الناس تأثيره ما لم يتحلَّ بتلك الصفات، كما شدّد المشاركون على أن أهمية السلوك تبرز أكثر من الجانب الموضوعي، سواء كان في دوره العام أو الخاص.

المطلب الثاني: العوامل الأخرى المؤثرة في موقف الحاضنة من المثقف:

على الرغم من أهمية العوامل السلوكية والموضوعية في نظرة الحاضنة للمثقف فقد برزت مجموعة من العوامل الأخرى في سوريا لتشكّل مزيجاً متكاملاً وذا أثر واضح في تشكيل النظرة وتحديد الموقف؛ حيث تنقسم هذه العوامل على أربع نقاط رئيسة: ذات صلة بالروابط الشخصية، وطبيعة المثقف، والعوامل الذاتية الشخصية للفرد، والمواضيع الشائعة في العقل الجماعي.

أولاً: المثقفون الأقرباء:

كانت فكرة المثقف القريب حاضرة لدى العينة؛ إذ رأى غالبية المشاركين أُناساً من أقاربهم وأصدقائهم أمثلة على المثقفين الجيدين، مثلاً: الزوجة والأب والابن والعم. تكلمت المشاركة (4) عن هذه النقطة قائلة: “ليس بالضرورة أن يكون المثقف شخصاً معروفاً. ابن خالتي مثلاً ثقتي فيه عمياء وحديثه ممتع ومجالسته رائعة، وأشعر بحماس شديد عند التحدث إليه”[57]. وفي السياق ذاته كان هذا رأي المشاركة (1): “موضوع المثقف موضوع شخصي نوعاً ما؛ لأنه كان لديّ مثال حيّ أمامي، كنت قد أخذته قدوةً لي؛ إنه والدي الذي كان شخصاً مثقفاً جداً”[58].

يمكن فهم ما سبق على أنه يشير إلى أن كل البشر _بغض النظر عن مدى تعلمهم أو مستواهم التعليمي_ يمارسون نشاطاً فكرياً ما، فلا يمكن وصف أي شخص بأنه “غير مثقف” تماماً لأن الجميع يسهمون بطرق مختلفة في العمليات الفكرية، وهذا يعني أنه يمكننا الحديث عن المثقفين، ولكن لا يمكننا الحديث عن غير المثقفين لأنهم غير موجودين، ولا يوجد أي نشاط إنساني يمكن استبعاد مشاركة أي شكل من أشكال المشاركة الفكرية فيه؛ ففي النهاية يُطلب النشاط الفكري في جميع الميادين بغضّ النظر عن حجمها أو أهميتها[59].

انطلاقاً من التفسير السابق يمكن معرفة السبب في أن المشاركين في السياق السوري يرون أصدقاءهم وأقاربهم مثقفين، وهو أن النشاط الفكري مطلوب في جميع الميادين، بغضّ النظر عن طبيعة النشاطات كبيرة أو صغيرة، وبهذا الشكل يتضح كيف أن كل الأنشطة البشرية تتطلب نوعاً من النشاط الفكري، مما يدعم فكرة أن الجميع يُعتبرون مثقفين بدرجة أو بأخرى. وتغدو الفكرة التقليدية التي تقول إن المثقفين هم فقط أولئك الذين يتميزون بالتفكير العميق أو القدرة على الاستدلال اختزالاً مخلّاً؛ فالنشاط الفكري لا يمكن تقييمه فقط بناءً على صفاته الفردية، بل يجب أن نراه في سياق العلاقات الاجتماعية والأدوار التي يشغلها هؤلاء الأفراد في المجتمع[60].

بناءً على ما سبق: ما يميز المثقفين هو قدرتهم على بناء روابط عاطفية ودعم وجهات نظر معينة لفهم العالم، وليس فقط من خلال تقديم أفكارهم؛ فهذا يوضح أن المثقفين ليسوا فقط الأشخاص المشهورين، بل يمكن أن يكونوا من مختلف الطبقات والمجالات.

ثانياً: الفنّانون و”رجال الدِّين”:

من ضمن العوامل المؤثرة في العلاقة ما بين المثقفين والحاضنة هي تخصص المثقف بذاته، فنلاحظ أن الشخصيات التي حظيت بإعجاب المشاركين وتلك التي تم انتقادهم كانت في الغالب “رجال دين” وفنانين.

على صعيد الفنانين أثارت مواقفهم بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 جدلاً ضمن المجتمع السوري، وذلك بسبب ما يمتلكونه من حضور وتأثير في المجال العام[61]؛ إذ إن “فئة كبيرة من الفنانين السينمائيين المسرحيين والمخرجين خذلوا الناس.. وأنا أشعر بالأسف لهذا، لأنه لدينا أُناس خذلت شعوبها، وجزء كبير منهم هم الفنانون؛ بسبب قربهم لفئة كبيرة من الشعب، فئة متوسطة الثقافة تصلها الثقافة والخبرات الحياتية عن طريق الفنان، شيء مؤسف ومحزن عندما يكون لديك تطلع ونظرة معينة لهذا الشخص ويخذلك تماماً..”[62].

تشير بعض الدراسات إلى الدور الاجتماعي المهم الذي تقوم به الدراما السورية، من حيث تحفيز التفكير وإثارة النقاشات حول مواضيع مهمة، على سبيل المثال: علّق أحد المشاركين قائلاً: “وسّعت الدراما السورية آفاق تفكيري، ووجّهت اهتمامي نحو العديد من المواضيع الحرجة، سواء أثارت التفكير أو أثّرت على المشاعر فإن هذه الدراما تسلّط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة”. ووفقاً لمشارك آخر فإن الدراما هي “مرآة للواقع”، وأضاف: “يتغير الفرد بطريقة أو بأخرى من خلال الدراما، وفي بعض الأحيان يمكن أن تغير الدراما بلداً بأكمله. إنها أكثر أهمية وتأثيراً مما نعتقد” [63].

من هذا المنطلق، ولأهمية الدراما وتأثيرها المباشر في المجتمع نظر نظام الأسد البائد إليها بصفتها وسيلة لتعزيز النفوذ الثقافي لسوريا داخلياً ودولياً؛ ولذا كان يتدخل لتشجيع الإنتاج التلفزيوني ودعم الصناعة عبر التدخل في قرارات الرقابة، ويُظهر هذا الدعم رغبته في تقديم نفسه راعياً للطبقة الإبداعية في سوريا، وربما خدم غرضين سياسيين استراتيجيين، هما: زرع صورة مواتية لنفسه بين النخب الثقافية، واستخدام التلفزيون وسيلة لتعزيز أجندته السلطوية والحفاظ على السيطرة على السرد الإعلامي في سوريا[64].

لذا فإنّ من الطبيعي أن يكون حضور الدراما والممثلين قوياً داخل المجتمع السوري؛ حيث إنها حظيت بدعم سياسي من قبل نظام الأسد، فكان الممثلون من الشخصيات القليلة التي تحظى بالشهرة والحضور الجماهيري، وكان غالبية هؤلاء أداة للنظام البائد الناعمة للتسويق له ولروايته.

إلى جانب الممثلين والفنانين كانت هنالك فئة أخرى نظر إليها المشاركون على أنها فئة مثقفة، ولها حضور وتأثير داخل المجتمع السوري، وهي: “رجال الدين”؛ لأنهم -بحسب أحد المشاركين- من أوائل الناس الذين يجب أن يناصروا الحق، وأن يكون وقوفهم إلى جانب المظلومين، ولكن -والحديث للمشارك- ظهرت فئة منهم أساءت لنفسها وللدين نفسه عندما ناصروا الظالم والقاتل ووقفوا في صفه، وهذا كان له دور مباشر في ضعف الثقة ب”رجال الدين”[65].

لطالما كان بإمكان “رجال الدين” تغيير مجرى التاريخ بأكمله، وليس فقط مصير المجتمعات والشعوب؛ نظراً لقدرتهم على توجيه الرأي العام، فعلى الرغم من صدور القرارات من الجهات العليا فغالباً ما تتأخر تأثيراتها في الوصول إلى العامة. في المقابل يتمتع “رجال الدين” بتواصل مباشر مع الناس، مما يمنحهم القدرة على نشر أفكار مضادة لأية قرارات أو توجهات جديدة، بحيث تنفر الناس منها فور وصولها ولا تجد لها قبولاً بينهم[66].

لقد ركّز قسم كبير من المستجيبين على رجال الدين بشكل أساسي؛ لأنهم يتميزون بالقدرة على السيطرة على الناس من خلال الشخصية الفذّة والأخّاذة، وهذه الشخصية بما تحوزه من قدرات الإلقاء المتمثلة في استخدام المصطلحات التي تفهمها كل طبقة على حدة في بعض الأحيان، إلى جانب القدرة على الإقناع، تسمح لها الطبيعة البشرية بالتفوق والهيمنة، ويذعن لها باقي الأفراد، خاصة العامة وكثير من الطبقات المجتمع.

في سوريا تاريخياً أسهمت هذه الطبقة في تأسيس تجمعات مؤثرة من أهميها: جمعية العلماء التي كانت مارست ضغطاً على صانعي القرار من أجل تعزيز القيم الأخلاقية والمحافظة على الهوية الدينية. أكثر من ذلك، اعتمد السياسيون على العلماء خلال سنوات الثلاثينيات لكسب الدعم في الأحياء الشعبية.[67]

أما على صعيد “الأقليات” في سوريا فكان ل”رجال دين” الطائفة العلوية تأثير ديني واجتماعي على أتباعهم، حتى بين العلويين الذين ينتمون إلى حزب البعث، وهو حزب علماني يساري، فعلى سبيل المثال: يُذكر أن ضابطاً بعثياً اقترح على صلاح جديد نشر كتب الطائفية السرية لتفنيد الشائعات والاتهامات التي وُجهت إليهم، فردّ صلاح جديد بقوله: “إذا فعلنا ذلك سيسحقنا المشايخ”، فقال الضابط: “أنت ثائر وتخشى من المشايخ؟ كيف يمكننا أن نقاتل الإمبراطورية ونحن نجبن عن مواجهة رجال الدين؟”.[68]

ينطبق الأمر ذاته على الطائفة الدرزية؛ حيث إنه في مختلف الاستحقاقات التي مرت بها المحافظة؛ ابتداءً بالاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المحافظة ضد نظام الأسد البائد، مروراً بالتهدئة ومنع التصادم بين درعا والسويداء من جهة، وبين العائلات في المحافظة وعشائر البدو من جهة ثانية[69]، وانتهاءً بالتوافقات بين السويداء والحكم الجديد في سوريا[70]؛ كان ل”مشايخ العقل” دورهم الثابت والراسخ في الشأن العام والتأثير في الحاضنة.

ثالثاً: العامل الشخصي وتأثيره في نظرة الناس للمثقف:

للعامل الشخصي _بما يحمله من جوانب ذاتية وتجريبية خاصة_ دورٌ أساسيّ في تقييم الأفراد للمثقفين؛ إذ تبرز القيم التي يحملها الإنسان والمعتقدات والتجارب الشخصية ضمن أهم العوامل التي تؤثر في تشكيل الآراء والتصورات حول المثقف.

على سبيل المثال قالت المشاركة (11): “أخي مدير مدرسة متواضع، هذه ‎الصفات التي أراها مهمة، متواضع ولديه إيمان بالله، ويساعد الناس. لديّ أيضاً (رئيس بلدية) هو أيضاً رجل متواضع يحب الناس وعنده إيمان بالله… يحب أن يساعد الناس وهو شخص محترم جداً … وأنا شخصياً أي شخص لديه إيمان بالله أحبه وأحترمه وأقدره كيف ما كان”[71].

 وقال آخر: “بالنسبة لي يكون إنسان إسلامي أهم من أن يكون قومي أو وطني. أنا بالنسبة لي مبدئي الأساسي هو الإسلام، تأتي بعدها الانتماءات القومية، وفي النهاية كل إنسان منا يحب وطنه، يحب المكان الذي ولد فيه والذي عاش فيه، يحب الناس من حوله. سيدنا محمد صلى عليه وسلم عندما هاجر ظل قلبه معلقاً بمكة”[72].

يمكن تفسير ذلك بالعودة إلى مفاهيم “التمثيل” و”المبادئ”؛ حيث إن المثقف -بغض النظر عن صحة ذلك- يحظى بتأييد الناس الذي يمثل أفكارهم ومبادئهم، فمن الطبيعي أن يشعر المشاركون بالانجذاب نحو أولئك الذين يؤمنون بأفكارهم ويمثلونهم؛ لذلك نجد أن الشخص العلماني الذي يتبنى العلمانية من خلال مفاهيمه وقيمه يتأثر عادة بالمثقف العلماني، بينما يتأثر الشخص المتدين عادة بالمثقف المتدين، والعكس صحيح، وهنا تتجلى فكرة “التمثيل”؛ حيث يصبح من الصعب تصوُّر شخص يعارض العادات العربية والإسلامية “يمثل” الشعب السوري، الذي يتكون أساساً من العرب والمسلمين.

رابعاً: المواضيع التي تهمّ الشعب السوري:

أجمع المستجيبون على أن أهم المواضيع التي تشغل تفكير الشعب السوري بشكل رئيس هو الوضع المعيشي، سواءٌ بالنسبة للسوريين الذين يعيشون داخل الأراضي السورية أو في الدول المجاورة؛ لأنهم يواجهون تحديات اقتصادية صعبة، وهو أمر لا يخفى على أحد.

 لذا أكد المستجيبون أنه إذا لم يتم معالجة هذه المسألة فإن أي حديث عن مواضيع أخرى لن يكون فعّالاً ما دام الشعب يعاني، وتم تأكيد أهمية هذه المسألة واعتراف الجميع بها، على سبيل المثال: ذُكرت عدة مواضيع مثل حقوق المرأة وحب الوطن بشكل متكرر، ولكن برأي المستجيبين لا يمكن للمتلقي السوري الذي يعيش في وضع معيشي صعب أن يهتم بهذه المواضيع ما لم يتم حل مشاكله الأساسية، وعليه يمكن تفسير ذلك بأنه يجب أن تكون أولويات المثقف مرتبطة بمصالح الشعب وتحسين وضعهم.

قال المشارك (4): “حالياً همّ الشعب والشارع السوري هو الوضع المعيشي والصحي فقط. أنا لا أقول أنه يريد العيش برفاهية ويشتري البيوت والسيارات ويأكل في المطاعم ويسافر، لكنه يريد فقط لقمة العيش وإطعام أولاده فقط”[73].

إضافة إلى ذلك كان ثمّة اتفاق على أن أولويات السوريين تختلف حسب المكان؛ فالسوريون المقيمون في تركيا قد يجعلون الأولوية لوضع الهجرة، بينما قد يرى آخرون أن السوريين المقيمين في أوروبا يجب أن يشاركوا في الحياة السياسية ويتطلعوا للأمور السياسية في البلد الذي يعيشون فيه.

ذكرت المشاركة (22) ذلك بالقول: “أنت تجلس مع فقير يتكلم عن أمور معينة؛ فالمثقف يجب عليه أن يتكلم ويناقش أمور الواقع الاقتصادي، من: زيادة رواتب وتحسين فرص العمل، ومعالجة أزمة البطالة، بالإضافة إلى تحسين واقع التعليم والصحة”[74]، وقال المشارك (6): “سوريا أصبحت مثل المستنقع؛ مبدئياً كيف يستطيع الإنسان أن يخرج نفسه من هذا المستنقع حتى ولو أنه هو بنفس البلد!”[75].

يبدو أن ما ذكره المشاركون يتقاطع بصورة كاملة مع “هرم ماسلو”؛ حيث إن الإنسان من الطبيعي أن يركز بداية على حاجاته الأساسية، مثل الطعام والشراب والمأوى، وعندما تُلبى هذه الاحتياجات الأساسية ينتقل الفرد إلى المستوى التالي في الهرم، وهو ما يشمل احتياجاتٍ أكثر تعقيداً ونفسياً، مثل الأمان والاستقرار. بمجرد تحقيق الإشباع في هذه الطبقة يسعى الإنسان إلى الارتقاء إلى المستويات العليا من الهرم، التي تشمل الاحتياجات الاجتماعية والعاطفية، مثل الانتماء والحب[76].

من جانب آخر تُظهر الدراسات علاقة واضحة بين الظروف الاقتصادية واهتمام الناس بالثقافة، كما يتضح من حالات متعددة في أوروبا، على سبيل المثال: خلال الأزمات الاقتصادية يميل تمويل الأنشطة الثقافية إلى الانخفاض، مما يؤثر مباشرة في حيوية المؤسسات الثقافية ونشاطاتها. في هولندا على سبيل المثال أدت التخفيضات الكبيرة في الميزانية خلال الأزمة المالية إلى تقليص عدد الأوركسترات وفرق الرقص، بالإضافة إلى خفض التمويل للمتاحف، مما يوضح كيف يمكن أن تؤدي القيود المالية إلى تقليل المشاركة الثقافية. وفي منطقة فالتشيا في رومانيا أثّرت الصعوبات الاقتصادية بشكل كبير في الأندية الثقافية المحلية والمكتبات العامة، مما أسهم في انخفاض الانخراط الثقافي. وتتماشى هذه النتائج مع الأبحاث الأوسع التي تشير إلى أن استقاء الثقافة يتراجع في أوقات الأزمات الاقتصادية، إذ يعيد كل من الحكومات والأفراد تخصيص الموارد نحو الاحتياجات الاقتصادية الأكثر إلحاحاً[77].

خامساً: السياق السياسي في سوريا وأثره في النظرة للمثقفين:

قبل استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا كانت العلاقة متشابكة للغاية بين المثقفين والسياسة؛ حيث تجسدت بدور المثقفين في تقديم الدعم للأفكار السياسية المختلفة، خاصة اليسارية والقومية، فكانت الثقافة والسياسة مرتبطة بشكل وثيق، مما جعل المثقفين ملتصقين بقضايا مواطنيهم وسياسات عصرهم. بعد استيلاء البعث على السلطة عام 1963 قامت سياساته على فرض سلطة قمعية وتكميم الأفواه واحتكار المعلومة والمجال العام ككل، فكان ذلك من الأسباب الرئيسة لضعف العلاقة بين الشعب والمثقفين.

عبّرت إحدى المشاركات (1) عن السياق العام في سوريا، فقالت: “المثقف الذي خارج سوريا يتحدث عن الأمور الحاصلة داخلها، أما الأشخاص المقيمين في سوريا فيصعب عليهم التحدث بحرية؛ يعني هنا يصبح الشخص ضعيفاً لأن النظام لن يسمح بحدوث ذلك”[78]. كذلك قال مشارك آخر (15): “في الواقع لقد حاول النظام  تشويه العلاقة بين الشعب والمثقفين، ولقد رأينا كيف أنه حاول اغتيال الشخصيات المدنية المؤثرة. كانت مشكلتنا الأساسية هي عدم وجود بديل لأفكار القيادة التي تنظم الناس حولها. ولكن للأسف قام النظام بتحطيم الصورة الروحية للمثقفين”[79].

عموماً سعى البعث منذ استيلائه على السلطة لتشظية أية جبهة يمكن أن تشكل خطراً على السلطة، بما فيها المثقفون، فزادت حملات الاعتقال والقمع، وانقسم المثقفون جناحَين؛ أول: توجّه للانضمام إلى السلطة والتحوّل إلى جزء منها، وثان: حافظ على معارضته للديكتاتورية ولكن بصمت أو بمواربة[80]، ومن خلال نهج نظام الأسد البائد في تقييد حرية التعبير ومنع طرح أية مسألة تتعارض مع توجهاته فقد انعكس ذلك سلباً على علاقة الشعب السوري بالمثقفين.

لذا لم يكن للمثقف أن يبادر لمناقشة أية قضية تهمّ أهله وشعبه إذا لم تكون السلطة موافقة على ذلك، وفي الغالب كان توجه الأخيرة إلى منعه، بما يُظهر شريحة المثقفين وكأنها منفصلة عن سياقها وقضايا شعبها. يؤكد أحد المشاركين (16) ذلك بقوله: “على الرغم من أهمية قضية التعويض عن الأراضي التي غمرها سد الفرات، ومضى عليها ما يزيد عن خمسين سنة، لم يكن يسمح للمثقفين من أبناء المنطقة بمناقشة هذه القضية، مع أنها تمثل قضية اجتماعية مهمة جداً لأبناء المنطقة”[81].

أشار أحد المشاركين (15) إلى قمع المثقفين في سوريا بقوله: “الشخص المثقف للأسف كان دائماً مستهدفاً من النظام إذ كان لديه تأثير إعلامي يتم تهميشه باستمرار، لأن النظام يعتبر المثقفين من أكثر الفئات التي تهدد سلطته، كما هو حال غالبية الأنظمة الديكتاتورية”[82].

تشير التجارب المقارنة إلى الحالة ذاتها؛ فقد شهدت الثورة الفرنسية عام 1789 على سبيل المثال تأثيراً كبيراً من قبل المثقفين الثوريين الذين لعبوا دوراً حاسماً في تشكيل الأحداث التي أدت إلى إسقاط النظام الملكي. لعب فلاسفة مثل فولتير، وروسو، ومونتيسكيو، وديدرو، دوراً محورياً في إلهام الجماهير بأفكارهم عن الحرية والمساواة والأخوة. حاولوا تحدّي سلطة النظام الملكي ودعوا إلى إصلاحات حكومية تستند إلى العقد الاجتماعي وتقسيم السلطات، وهذا يوضح لماذا تخشى الأنظمة الديكتاتورية من المثقفين؛ فقد كانوا عبر التاريخ من المحفزين للتغيير، وكانوا مؤثرين في العديد من الثورات بسبب دورهم الحاسم في تشكيل الرأي العام وإشعال نيران التغيير والثورة. يمكن لأفكارهم الثورية أن تلهم الشعب وتحرّك الجماهير للتمرد ضد النظام القائم، مما يشكل تهديداً مباشراً للاستقرار السياسي وسلطة الحكم؛ ولذا ترى السلطات المثقفين خطراً يجب التصدي له، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اعتقالهم أو قمع حريتهم في التعبير[83].

بناءً عليه يمكننا القول: إن سوريا لم تخلُ من المثقفين؛ إلا أن عدم توفر البيئة المناسبة لهم للتعبير عن أنفسهم بحرية تامة، جعل الغالبية تتماهى من السلطة باستثناء قلة قليلة. لذا تتحمل السلطة الوزر الأكبر في ضعف علاقة المثقف مع الشعب بما فرضته على الأول من توجهات وآراء تتماهى مع مصالحها أكثر من المصلحة. إلا أن ذلك لا ينفي وجود قلة من المثقفين لم تغب يوماً عن كل الأحداث التي مرّت بوطنها وشعبها[84].

سادساً: دور وسائل الإعلام الاجتماعي:

استطاعت وسائل التواصل الحديثة في وقت قصير نسبياً العمل على ترسيخ أساليب جديدة للتواصل البشري، بحيث باتت الوسائل التواصلية التقليدية منها لا تلقى الاهتمام الحقيقي، خاصة عند جيل الشباب؛ فوسائل التواصل الاجتماعي الجديدة _مثل: منصة إكس، وفيسبوك، ويوتيوب، تيك توك، وأنستغرام …إلخ_ تحقق إمكانيات كبيرة للتعبير والتفكير ومشاركة المشاعر مع الآخرين.

في الحالة السورية كان هنالك تفاوت واضح في آراء المشاركين حول أهمية وسائل التواصل الاجتماعي للمثقفين؛ فبعض الأفراد شدّدوا على ضرورة وجود المثقف على منصات التواصل الاجتماعي لتعزيز التواصل مع الشعب، خاصةً مع الأجيال الجديدة. وأضاف آخرون أن المثقف يمكنه المشاركة بالمحتوى والمعلومات والتفاعل مع الجمهور، مما يتيح له فهم آرائهم ونقل أصواتهم؛ نظراً لأن هذه المنصات تحمل أصوات الناس. بالإضافة أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في تمكين الشعب، حيث يمكنهم محاسبة المثقفين في حال ارتكابهم أخطاء أو انحرافات.

في هذا السياق قال المشارك (1): “يجب على المثقف أن يكون قريباً من الشعب، وأن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يصل إلى فئات واسعة من المجتمع بواسطتها، ويكون قادراً على تحليلات شاملة ومفيدة تساعده في رؤية المستقبل. دوره هنا أساسي؛ حيث يستخدم اللغة المناسبة لتبسيط الأفكار وتوجيه التيار الثقافي بشكل أوسع وأعم. علاوة على ذلك يجب على المثقف أن يعمل على تنمية الوعي الثقافي لدى الناس، وليس فقط التركيز على توجيه أولاده. ينبغي أن يساهم في بناء مجتمعه ثقافياً وفكرياً، ويجب توجيه الدعم للجهات الثقافية بشكل كبير؛ لأنه من خلالها يمكن تحقيق النجاح والاستفادة الحقيقية في هذا المجال، وإلا فلن يكون هناك عائد مالي ملموس”[85].

ومع تأكيد غالبية المشاركين أن وسائل التواصل الاجتماعي من الأدوات التي قد تسهم في تعزيز التواصل بين المثقف والشعب؛ فقد أكدوا أن لهذه الوسائل في الوقت ذاته جوانب سلبية يفترض تجنبها على العلاقة بين الطرفين، تقول المشاركة (٣): ” يمكننا النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي كأداة؛ فهي تجعل المثقفين يظهرون في أفضل حالاتهم، لأن أي شخص يمكنه الرد دون تدخل أو قيود. يمكنك أيضاً تقييد من يعلق على مشاركاتك، ولكن حتى الأصدقاء والأشخاص المقربين لك من المتابعين لديك يمكنهم الآن التعبير عن آرائهم بسهولة. يمكنهم محاولة تصحيح أخطائك والتعليق على ما تقولينه، وبذلك تستطيعين مراجعة أفكارك وتقييمها. ومن الجانب السلبي يمكن لأي شخص، حتى الأشخاص غير المثقفين، أن يتحدث ويحاول نقاش المثقفين وتوضيح أفكارهم، مما يخلق توتراً بين المثقف والعامة”[86].

وقالت المشاركة (13): “تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً لأنها توجه الناس. الآن أصبح الكثير منهم يقضي وقته وراء الحواسيب والهواتف الذكية، مسبباً الفساد في العالم، سواءٌ كنت تفعلينها بالقيام بأعمال شريرة أو بالعمل الصالح، وأنت تجعلين الناس تتأجج بكلمة، وتثيرين الفتنة بكلمة، وتقيمين “القيامة” بكلمة. عندما تقولين كلمة الحق فأنت تحثّين الناس على الوقوف مع الحق، وتقفين معهم في وجه الظلم، وتجعلينهم يقاومون الظلم”[87].

في السياق ذاته شدّد البعض على ضرورة أن يستخدم المثقف وسائل التواصل الاجتماع بشكل صحيح؛ فربطوا هذا الرأي بالنقطة التي تم تأكيدها سابقاً من حيث يتعين على المثقف مراعاة معتقدات الشعب السوري[88]، فقال المشارك (9) : “العكس تماماً؛ تزيد وسائل التواصل الاجتماعي الفجوة بين المثقفين والشعب، لأنها تدفع المثقف لأن يسير وفقاً لما يرغب به الأفراد. فوسائل التواصل الاجتماعي تسهل انتشار الأفكار السطحية والمحتوى الرديء، مما يجعل الأفراد ينغمسون فيها بدلاً من التفكير العميق؛ هذا يؤدي إلى تشتت الاهتمامات وتناقص القدرة على التفكير النقدي واستيعاب المعرفة العميقة”[89].

خاتمة:

تكشف الدراسة عن مجموعة من العوامل تشكّل نظرة الحاضنة تجاه المثقفين في سوريا، وإذ تتوافق في جوانب عديدة مع الحالة العامة فإن الدراسة كشفت من خلال التقاطعات بين آراء المستجيبين للمقابلات عن سمات ذات أثر خاص في الحالة السورية، وهو ما يساعد في تعزيز دور المثقفين في المجتمع السوري، ويسهم في تلافي الفجوات في العلاقة.

من أبرز هذه العوامل تبرز أهمية التواضع والقرب من الناس؛ إذ يُتوقع من المثقفين أن يكونوا متواضعين ويسهل الوصول إليهم، وأن يتفاعلوا مع الناس؛ وهذا يتناقض مع المثقفين الذين يُنظر إليهم على أنهم منعزلون أو متكبرون. كذلك شدّد المستجيبون على ضرورة معالجة القضايا الأكثر إلحاحاً، خاصة في أوقات الأزمات. كما ظهر بوضوح الفارق في نظرة الأفراد للمثقفين الذين دعموا نظام الأسد البائد وأولئك الذين عارضوه؛ فغالباً يتم استبعاد المثقفين الذين دافعوا عن النظام البائد من الاعتبار بأنهم مثقفون حقيقيون، بغض النظر عن مستواهم التعليمي أو معرفتهم، كما تتجلى أهمية النزاهة والثبات على المبادئ ويُعتبران قيمتان عاليتان، وأن يكون المثقف قدوة في السلوك والتفكير، ويسهم في تطوير الآخرين روحياً وأخلاقياً وفكرياً.

وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات الرئيسة، من أبرزها:

  • أصبحت الأنشطة الثقافية والانخراط الفكري ثانوية مقارنة بالحاجات الأساسية للبقاء؛ ولذا يتم انتقاد ابتعاد المثقفين والمؤسسات الثقافية عن الهموم الحقيقية للناس.
  • أهمية مراعاة قيم المجتمع وهويته؛ فمع التسليم بأن من أدوار المثقف نقد الوضع الراهن لصالح المجتمع فإنه يجب أن يتم ذلك ضمن حدود معينة، حتى لا ينفّر المثقف شريحة واسعة من الجمهور المستهدف.
  • أهمية أن يكون المثقف مطلعاً ومنفتحاً على الأفكار الجديدة، وأن يتحلى بالمرونة؛ بما تعنيه من ضرورة تعديل المثقفين أساليب تواصلهم حسب الجمهور، كما يجب أن يكونوا منفتحين على النقد والتعلّم المستمر.
  • يشكّل التكبّر حاجزاً كبيراً بين المثقف والشعب السوري، حتى ولو كان المثقف على حق؛ لذا فمن الضروري أن يراعي المثقف هذه النقطة.
  • مع زيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي بدلاً من قراءة الكتب أو الصحف على المثقف أن يواكب هذه التطورات، وأن يكون لديه وجود على هذه المنصات طالما أن المحتوى الذي يقدمه ذو قيمة علمية. كما ينبغي عليه محاولة التواصل المباشر مع الناس؛ لأن التواصل وجهاً لوجه هو الطريقة الأكثر فعالية لبناء العلاقات.
  • الاعتماد على المنهجية في الطرح، على عكس الطرح الشعبوي أو العاطفي، يما يسهّل عملية الفهم على الناس ويجعلهم أكثر تقبلاً له.
  • التمسك بالمبادئ وعدم التقلب؛ فيجب أن يكون المثقف صاحب مبدأ لا يتغير من أجل إرضاء الجمهور أو كسب ودهم. والتطور في الفكر والشخصية أمر مطلوب وطبيعي، ولكن بعض المثقفين استغلوا الفرصة ليتنازلوا عن الأفكار من أجل المنفعة الشخصية وليس لأجل مبدئهم.
  • ترتيب الأولويات: قد يظن البعض أن المواضيع _مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والنسوية_ أمور مهمة للغاية، ولكن لا يمكن للسوري الذي يعاني من ضائقة الحياة اليومية أن يولي اهتماماً كبيراً لها؛ لذا يجب على المثقف أن يجد طريقة لحل مشاكل الشعب، وأن يكون مشغولاً بمساعدتهم قدر الإمكان قبل أن يطرح مواضيع أخرى. بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون للسوري الذي يعيش في الغرب ويتمتع برفاهية نسبية طرح خاص به.
  • الاستفادة الفعّالة من المثقفين نظراً لاختصاصهم في مجالاتهم، وهي فرصة لتعزيز معرفتهم في تخصصاتهم؛ ولكن هذا لا يعني الموافقة العمياء دون التفكير النقدي، بل يجب الاستفادة من فضولهم للتعلم واحترام تخصصهم.

ملحق: الصفات العامة للعيِّنة:

رقم المشارك
العمر
الحالة التعليمية
مكان الإقامة
الأصل
1
36
جامعية /هندسة عمارة
إسطنبول
الأب من اللاذقية والأم من دمشق
2
30
جامعية /هندسة مدنية
غانا
طرطوس -نشأت في دمشق
3
38
ماجستير في الطرق التعليمية
كندا
دمشق
4
35
بدأت دراسة أدب فرنسي ولم تكمل
ريف جبلة
ريف جبلة
5
36
ماجستير فن الإعلام في ألمانيا
ألمانيا
الأب كردي والأم شركسية
6
43
خريجه علوم طبية
تركيا
حماه
7
29
لم تكمل تعليمها
ريف حلب الشمالي
ريف إدلب
8
ماجستير في العلاقات الدولية
السويداء
السويداء
9
31
أدب إنكليزي
إسطنبول
حلب
10
41
دكتوراه في الصيرفة والتمويل الإسلامي
تركيا
درعا
11
35
لم تذكر أنها متعلمة
ريف درعا
ريف درعا
12
35
للصف الثامن
إدلب
إدلب
13
43
تدرس في الجامعه حالياً _ أدب عربي
مدينة الباب
حمص
14
38
طالب دكتوراه في قسم الجغرافيا
دمشق
طرطوس
15
39
جامعي
تركيا – عنتاب
سوريا – حلب
16
31
جامعي
تركيا – عنتاب
سوريا – ريف حلب – منبج
17
27
بكالوريا
تركيا – أضنة
سوريا – ريف حماة – كرناز
18
40
جامعي
تركيا – عنتاب
سوريا – حلب
19
37
جامعي
تركيا – عنتاب
سوريا – درعا
20
37
متوسط
سوريا – الرقة
سوريا – دير الزور
21
45
متوسط
سوريا – السويداء
سوريا – السويداء
22
27
بكالوريا
الشمال السوري
سوريا – حمص

[1] أحمد كمال. “ثقافة أم استثقاف ظاهرة بدأت تتعاظم.” الجزيرة، 9 مارس 2017، شوهد في: 27/09/2024
[2]  سعاد حكيم، خمسة أنواع من المثقفين، الخليج أونلاين، 2013، شوهد في 30/05/2024.
[3] روزا ياسين حسن، أين المثقفون السوريون من الثورة؟”  جدلية، 2 مارس 2012، شوهد في 20/4/2025.
[4]ينظر على سبيل المثال: برهان غليون، في النخبة والشعب، دار بترا للنشر والتوزيع، سوريا- دمشق-  الطبعة الأولى، 2010، ص21 وما بعدها، د.أحمد قربي، أولويات المثقّفين السوريين في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد.. استعادة الثقة المُمهّدة للفاعليّة، مركز الحوار السوري، 1/1/2025، شوهد في: 22/4/2025، فوزي مهنا، المثقف السوري والمسؤولية الأخلاقية (خيانة المثقف)، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 13/10/2020، شوهد في: 23/4/2025.
[5]Chittaranjan Andrade, The Inconvenient Truth About Convenience and Purposive Samples, Indian Journal of Psychological Medicine, 43(1), 2021, pp. 86-88.
[6] Ali, Adnan. Syrian Intellectuals: A Problem of Fear, or a Crisis of Consciousness. Arab Center for Research & Policy Studies.
[7]  برهان غليون، في النخبة والشعب، مرجع سابق، ص21.
[8] Asaad Al-Saleh.  Failing the masses: Buthaina Shabaan and the public intellectual crisis.  Journal of International Women’s Studies 13.5, 2012, pp.195-211.
[9] في تقرير نشرته مجلة “رينكون دي لا بسيكلوخيا” التي كتبت عن “رؤية تشيخوف”، كان تشيخوف يوصي المثقف بالتواضع، حيث قال: “لا يمتلك المثقفون صفة الغرور المفرط، فلا يثير اهتمامهم أسماء المشاهير أو الاعتراف بهم في الطرقات، ولا يتباهون بالقدرة على الدخول إلى أماكن لا يُسمح فيها بدخول العاديين”.
ينظر: عبد الله عمران. “التواضع والحس الجمالي وعدم التذمر.. صفات المثقف كما يصورها أنطون تشيخوف.” الجزيرة، 8 كانون الثاني 2020، شوهد في: 31/05/2024.
[10]Dale Carnegie, How to Win Friends and Influence People, Good Press, 2023.
[11]Benjamin R. Meagher, Joseph C. Leman, Caitlyn A. Heidenga, Michala R. Ringquist & Wade C. Rowatt, Intellectual humility in conversation: Distinct behavioral indicators of self and peer ratings, The Journal of Positive Psychology, 16(3), 2021,pp.417-429.
[12] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 16، بتاريخ 2/12/2023.
[13]مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 19، بتاريخ 18/12/2023.
[14] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 4، بتاريخ 2/12/2023.
[15] ليلاس سويدان، هل خان المثقف السوري دوره في المجتمع؟، الهدهد: صحيفة إلكترونية عربية بأربع لغات عالمية، 27/4/2025، شوهد في: 27/4/2025.
[16]  بسام يوسف، مثقف متكبّر/ ثقافة متعالية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 17/8/2022، شوهد في: 26/4/2025.
[17]Heather Battaly, Must the Intellectual Virtues Be Reliable? INPC Session, 2004. p5.
[18] Adam Carter & Emma Gordon, Must the Intellectual Virtues Be Reliable? INPC Session, p214
[19] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 1، بتاريخ 2/12/2023.
[20] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 13، بتاريخ 18/12/2023
[21]  على الرغم من أن هذه سمة عامة أكدتها آراء غالبية المشاركين إلا أن هنالك اتجاهاً مخالفاً رأى أن المثقف يجب أن يكون محايدًا بمعنى أنه لا يتبنى مواقف مبدئية وجذرية بوصفها تؤدي لإضعاف الموضوعية والميل نحو مناصرة ما يعتنقه بشكل تحيزي.
[22]Edward Said, Representations of the Intellectual, Vintage, 2012. p11.
د. برهان غليون، في النخبة والشعب، مرجع سابق، ص44.
[23]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 4، مصدر سابق.
[24]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 20، بتاريخ 8/12/2023.  ويشار أن هذه المقابلة كانت قبل إسقاط نظام الأسد البائد.
[25]Noam Chomsky, A Special Supplement: The Responsibility of Intellectuals, The New York Review of Books, 23, 1967. p15
[26]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 19، 09/12/2023.
[27] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 16، مصدر سابق.
[28] نستعرض هنا مثالاً على مثقف مشهور يُعد من أعظم الكتّاب على مر العصور وفقًا لـ والتر موس في ورقته “حكمة أنطون تشيخوف”، يصف المثقف بأن حياته كانت جولة مستمرة من إغاثة المجاعة، ومحاربة الأوبئة، وبناء المدارس والطرق العامة، وتأسيس المكتبات، والمساعدة في تنظيم مكتبات علم الأحياء البحرية، وتقديم آلاف العلاجات الطبية المجانية للفلاحين المحتاجين، وزرع الحدائق، ومساعدة الكتّاب الناشئين في النشر، وجمع التبرعات لأسباب تستحق الدعم، والمئات من الجهود الأخرى المصممة لمساعدة إخوانه وتحسين الجودة العامة للحياة من حوله.
نرى في هذا المثقف صفتَين تميزانه من غيره إلى جانب اختصاصه المعرفي، وهما: مساعدة الناس وتواضعه، اللتان ساعدتاه في كسب قلوب الناس، وهذا بالضبط كيف يجب على المثقف النموذجي أن يتصرف. نحصل على هذه الانطباعات من المشاركين بسبب التأكيد الذي يضعونه على هاتين الصفتين، ويمكننا أن نرى أن هذا صحيح تاريخياً.
Walter Moss. The Wisdom of Anton Chekhov. The Wisdom Page, 2010
[29]Edward Said, Representations of the Intellectual, Vintage, 2012. p12
[30] عبد الله عمران. التواضع والحس الجمالي وعدم التذمر.. صفات المثقف كما يصورها أنطون تشيخوف، الجزيرة، 8/1/2020، شوهد في: 23/4/2025.
[32]Edward Said, Representations of the Intellectual, Vintage, 2012.
[33]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 15، بتاريخ 29/11/2023.
[34]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 12، بتاريخ 7/12/2023.
[35]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع16، مصدر سابق.
[36] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 19، مصدر سابق.
[37]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 21، بتاريخ 19/12/2024.
[38]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 18، بتاريخ 19/12/2023.
[39]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 15، مصدر سابق.
[40]Edward Said, Representations of the Intellectual, Vintage, 2012.
[41]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 1، 2/12/2023.
[42]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 18، مصدر سابق.
[43]    مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 17، بتاريخ 02/12/2023.
[44]     المصدر السابق.
يتقاطع ذلك مع التعريف الذي يقسم المثقفين نوعين: المثقفون العضويون والتقليديون، فالمثقف العضوي يحتفظ بعلاقة وثيقة مع عالم أو تجربة الطبقة التي يمثلها ويقوم بوضع رؤية للتحرر متداخلة في تجربة طبقته، فهو الفرد الذي ينتمي ويسعى لدعم قضايا وآراء الجماهير الكبيرة، بينما لا يمتلك المثقف التقليدي ارتباطاً قوياً بتجارب الطبقة التي يمثلها، ويميل إلى اتباع ونقل الأفكار والقيم التقليدية دون أن يكون لديه رؤية تحررية مضمونة في تجربته الشخصية. ويمكن القول هنا أيضاً إن هذه الرؤية “ماركسية” صرفة في تحليل الأمور، ومع ذلك يمكن استخلاص بعض النقاط المفيدة؛ فالفكرة الرئيسة هي أنه من المهم أن يسعى المثقف لدعم ونقل صوت الناس الذين يمثلهم. يُنظر:
Antonio Gramsci, Prison Notebooks Volume 2, Columbia University Press, 2011.
[45]المرجع السابق.
[46]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 7، بتاريخ 06/12/2023.
[47]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 3، بتاريخ 02/12/2023.
[48] Toril Aalberg, Frank Esser, Carsten Reinemann, Jesper Stromback, and Claes de Vreese, Us and Them: How Populist Parties Get Their Message Across, LSE European Politics and Policy (EUROPP) Blog, 2016, accessed on: 30/5/2024.
[49] Edward Shils, “The Intellectuals and the Powers: Some Perspectives for Comparative Analysis,” Comparative Studies in Society and History, Vol. 1 (19 8-59), p5.
[50]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 20، مصدر سابق.
[51]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 9، بتاريخ 17/12/2023.
[52] حسام السعد، أنماط التدين السوري والقضايا المدنية والسياسية، اليوم التالي، 2022، ص24.
[53] د.برهان غليون، مجتمع النخبة، معهد الإنماء العربي، الطبعة الأولى، 1986، ص10-11.
[54]     مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 4، مصدر سابق.
[55]     مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 5، 2 /12/2023.
[56]  Edward Said, Representations of the Intellectual, Vintage, 2012. p13
[57] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 4، مصدر سابق.
[58]      مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 1، مصدر سابق.
[59] Antonio Gramsci, The Prison Notebooks: Selections, International Publishers, New York, 1971,  p. 9.
[60]Peter Ives, Language and Hegemony in Gramsci, Pluto Press, London, 2004: p 74
[61] “أهم خاصية يجب أن تتوفر في العمل الفني هي قدرته على خلق “الوهم” لدى المشاهد، لدفع الأخير لمتابعة المشاهدة وخلق عملية التأثير المطلوبة، ومن هذه النقطة يتحول الممثل من إنسان يتفاعل مع الأحداث الجارية حوله ولديه حياته الخاصة المنفصلة عن أعماله الفنية والشخصيات التي يؤديها إلى شخصية وهمية يتوقع منها المجتمع تصرفات ومواقف محددة”.  يُنظر: يامن مغربي، “لماذا انقسم الفنانون في سوريا.” الجريدة المطبوعة، فن وثقافة، 2023، شوهد في: 30/05/2024.
[62]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع ٦، تاريخ 05/12/2023.
[63] Fanack, Syrian Drama Regains its Shine, Fanack, 2023, accessed on: 30/5/2024.
[64] James Reilly, Fragile Nation, Shattered Land: The Modern History of Syria, Bloomsbury Publishing, 2018. p148-49
[65]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 3، مصدر سابق.
[66] صلاح الدين حفافصة، “لماذا يملك رجال الدين سطوة وتأثير على الناس؟“، الجزيرة نت، 23 ديسمبر 2018، شوهد في: 30/05/2024.
[67] على سبيل المثال: من خلال التأثير والضغط تمكنت الجمعية من إقناع الحكومة بإدخال أوقات الصلاة الخمس في المدارس العامة في عامي ١٩٥٤-١٩٥٥، ومنع عرض الخمور في دور السينما في عام ١٩٥٥. يُنظر:
Thomas Pierret., Religion and State in Syria: The Sunni Ulama from Coup to Revolution, Cambridge University Press, 2013. p168-174
[68] Goldsmith, Leon, The ‘Alawi Shaykhs of Religion: A Brief Introduction. Sociology of Islam. 2018. p199
[69]ضياء عودة، “مشيخة العقل الثلاثية على خط احتجاجات السويداء.. ما الذي تغير؟” قناة الحرة، 24 أغسطس 2023، شوهد في: 31/05/2024.
[71]   مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 11، 17/12/2023
[72]    مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع1، مصدر سابق.
[73]        مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 4، مصدر سابق.
[74]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 6، مصدر سابق.
[75] مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 19، بتاريخ 22/12/2023.
[76]Saul McLeod, Maslow’s Hierarchy of Needs, Simply Psychology, 1(1), 2007 ,  pp. 1-18.
[77] Maria Moldoveanu, & Ioan-Franc Valeriu. THE IMPACT OF THE ECONOMIC CRISIS ON CULTURE. Review of General Management.  2011: 14. 15-35.
[78]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 1، بتاريخ 2/12/2023
[79]    مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 15، مصدر سابق.
[80] روزا ياسين حسن، مرجع سابق.
[81]    هذه واحدة من الأمثلة، ولكن يمكن سحبها على طوال فترة السبعينيات عندما شدَّ حزب البعث قبضته على السلطة، وقد وصلت هذه القمع إلى ذروتها خلال الثمانينيات بعد الحملة القمعية خلال الأحداث الشهيرة في حماة.
مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 16، مصدر سابق.
[82]     مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 15، مصدر سابق.
[83] Sanjeev Kumar, “Impact of Intellectuals and Philosophers in the French Revolution of 1789,” 2020.
[84]  على سبيل المثال: ينظر بيان المثقفين السوريين إبان مذبحة تل الزعتر في أواخر سبعينات القرن الماضي، وبيان الـ 99 الشهير الذي جاء كإعلان لانطلاق ربيع دمشق عام 2000.
ينظر: ليلاس سويدان، “هل خان المثقف السوري دوره في المجتمع؟…الأحداث أيقظت السؤال الغائب“، القبس،  شوهد في : 9/12/2024
[85]  مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 1، مصدر سابق.
[86]مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 3، مصدر سابق.
[87]مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 13، مصدر سابق.
[88]  تُراجع فقرة “تجنُّب مصادمة المجتمع وهويته” من هذه الدراسة.
[89]       مقابلة عبر الزووم أجراها فريق البحث مع 9، مصدر سابق.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

باحث و متخصص في تحليل البيانات، يحمل درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة إدنبرة، ودرجة الماجستير في علوم البيانات الاجتماعية التطبيقية من جامعة إكستر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى