الأبحاث والدراساتالإصداراتالقوى الدولية الفاعلة في الملف السوريوحدة تحليل السياسات

عن استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وأبرز تداعياتها على المشهد السوري

تقرير تحليلي صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

دخلت الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها الرابع، بالتزامن مع توقف مسار المفاوضات بين الطرفين وغياب فرص تحقيق إنجاز عسكري حاسم لصالح أحدهما، لاسيما بعد تقلُّص جبهات القتال وانحسارها على الرقعة الشرقية من أوكرانيا منذ دخول الحرب شهرها الثاني نيسان/ أبريل الماضي[1].

هذا المشهد القائم في أوكرانيا حالياً يحمل معه بطبيعة الحال استمرار التوتر السياسي بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين من جهة أخرى، كما يُبقي الباب مفتوحاً أمام تغيرات نسبية في التوازنات القائمة حالياً في المشهد السوري؛ حيث يشكّل انشغال موسكو في حربها على أوكرانيا فرصة للفاعلين الآخرين في الملف السوري لتحقيق اختراقات عسكرية وسياسية قد تحسّن من أوراقهم التفاوضية، دون الانجرار نحو انفجار شامل للأوضاع[2].

تهدف هذه الإحاطة التحليلية الموجزة إلى محاولة توقُّع التداعيات المحتملة لاستمرار الحرب الأوكرانية على المشهد السوري، من خلال رسم صورة موجزة للتطورات الميدانية في الحرب الأوكرانية وانعكاساتها السياسية والاقتصادية على الصعيدين الدولي والإقليمي، بما في ذلك التغيرات التي طرأت على توازنات روسيا مع القوى الإقليمية الأخرى المؤثرة والفاعلة في الملف السوري، مثل تركيا و”إسرائيل” وإيران، وصولاً إلى توقع التداعيات المحتملة لاستمرار الحرب على المشهد السوري.

أولاً: الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها الرابع: فقدان زخم الهجوم ومكاسب روسية محدودة

بدأت القوات الروسية منذ أواخر شهر آذار من العام الحالي تنفيذ انسحابات عسكرية من محيط العاصمة الأوكرانية كييف ومناطق وسط أوكرانيا باتجاه شرق البلاد[3]، وعلى الرغم من إعلان الكرملين أن هدف “العملية العسكرية الخاصة” التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا كان منذ البداية السيطرة على شرق أوكرانيا فإن هذه التصريحات جاءت فيما يبدو لتغطية الفشل الذريع الذي تعرضت له القوات الروسية في محاولة الاستيلاء على العاصمة كييف[4]، ومع هذا التطور حققت أوكرانيا مكسباً مهماً في الدفاع عن وجودها ضد روسيا؛ إلا أنه لم يكن كافياً لإنهاء الحرب. كما أن روسيا حققت مكسباً استراتيجياً وعسكرياً مهماً بتأمين الطريق البري بين جزيرة القرم التي سيطرت عليها في 2014 وروسيا، مروراً بقوات الانفصاليين الذين تدعمهم في إقليم دونباس[5].

بشكل عام: ما زال استمرار الحرب شاهداً على سوء الأداء العسكري والاستخباراتي للقوات الروسية على غير ما هو متوقع؛ ولعل ذلك يرجع أولاً: إلى صلابة المقاومة التي أبدتها القوات الأوكرانية، التي نجحت من خلاله في استجرار الدعم الكبير العسكري والسياسي والمادي من الولايات المتحدة وحلفائها، وثانياً: إلى جملةٍ من الأخطاء الاستراتيجية واللوجستية الروسية  المبنية على توقعات وتقديرات خاطئة[6]، إضافة إلى انخفاض معنويات الجنود الروس وانعدام الرغبة في القتال، والاعتماد على قوات ثانوية وعناصر تم تجنيدهم حديثاً[7]؛  كل ذلك أدى في نهاية المطاف إلى تكبُّد خسائر فادحة دفعت روسيا إلى تغيير خططها والتقليل من طموحاتها في أوكرانيا.

وقد لعبت الأسلحة المتطورة التي سلمتها الدول الغربية إلى القوات الأوكرانية دوراً مهماً في مرحلة الدفاع ضد موجة الهجمات الروسية الأولى، ثم أسهمت بعد ذلك في تطوير كفاءة القوات الأوكرانية في مرحلة الهجوم واستعادة المناطق التي سيطرت عليها روسيا[8]، وقد ازدادت وتيرة الدعم العسكري والمادي بالتزامن مع تحقيق القوات الأوكرانية نجاحاتها ضد القوات الروسية، وصولاً إلى حزمة المساعدات الأمريكية الأخيرة التي قُدرت بـ 40 مليار دولار، والتي تعكس قناعة الولايات المتحدة الأمريكية بأن أمد الحرب سيطول[9].

على الصعيد الدولي: رغم نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل جبهة موحدة رافضة للحرب الروسية في أوكرانيا، ونجاحها كذلك في عزل موسكو سياسياً واقتصادياً وثقافياً عن طريق العقوبات؛ فإن عوامل أزمات الطاقة والغذاء ومعدلات التضخم الآخذة في الارتفاع بسبب الحرب والعقوبات تهدد تماسك هذه الجبهة، لاسيما مع نجاح الاقتصاد الروسي في التماسك وتجاوز صدمة العقوبات غير المسبوقة عليه[10].

سياسياً: لا يبدو أن هناك أفقاً قريباً للتوصل إلى حل ينهي الحرب، دون أن يحقق أحد الطرفين إنجازاً عسكرياً مهماً يسمح له بفرض شروطه على طاولة التفاوض المغلقة حالياً؛ ففي حين تريد الولايات المتحدة الأمريكية استثمار الفرصة القائمة حالياً للإمعان في هزيمة روسياً عسكرياً وسياسياً، مع محاولة الإدارة الأمريكية إخفاء هذه الرغبة[11]؛ فإنّ آخرين من السياسيين المخضرمين ينادون بوجوب التوقف عند هذه المرحلة وضرورة ذهاب أوكرانيا إلى طاولة التفاوض في الوقت الحالي[12]، حيث إن إذلال روسيا في أوكرانيا قد يدفع “بوتين المهزوم واليائس” إلى القيام بتصعيد عسكري نووي قد يجرّ العالم إلى حرب أكبر، كما أن استمرار الحرب يعني مزيداً من أزمات الطاقة والغذاء حول العالم.

ثانياً: كيف يؤثر استمرار الحرب في أوكرانيا على المشهد السوري:

يمكن القول: إن المشهد السوري يمثل حالياً ساحة خلفية للمناورات والضغط من قبل الفاعلين المؤثرين في الملفَّين الأوكراني والسوري؛ حيث إن استمرار الاستنزاف العسكري والاقتصادي لروسيا في أوكرانيا قد يفتح الباب أمام توازنات جديدة في سوريا إذا استطاعت الأطراف الأخرى استغلال هذه الفرصة وتحقيق اختراقات محدودة، سواءٌ عن طريق عقد التفاهمات أو فرضها بالقوة، وفيما يلي نستعرض أهم التأثيرات المحتملة على عدة ملفات مرتبطة بالعلاقات بين الفاعلين في الملفَّين الأوكراني والسوري:

1- أثر الحرب على التنسيق الروسي التركي في سوريا:

وجدت تركيا نفسها منذ اليوم الأول للحرب في موقف صعب يتطلب منها إبداء قدرٍ عالٍ من التوزان والانضباط في المواقف والتصريحات، وقد استطاعت أن تنجح في ذلك إلى حد كبير؛ مما جعلها تنتقل من خانة تجنُّب غضب أحد الطرفين الروسي أو الغربي إلى خانة استثمار الفرصة لتحقيق بعض المكاسب الجزئية في الملف السوري وفي ملفات أخرى.

وقد كثّفت أنقرة في الشهرين الماضيين من وتيرة استهدافها نقاط “قسد” وقياديّيها في مناطق شمال شرق سوريا[13]، وشملت الاستهدافات مناطق مثل تل تمر وعين عيسى، ورغم أن هذا النوع من الضربات كانت تركيا قد لجأت إليه في وقت متأخر من العام الماضي[14]؛ إلا أن الحرب الروسية الأوكرانية والموقف التركي منها شكّلا فيما يبدو عاملاً مهماً في انتزاع تغاضٍ روسي عن زيادة وتيرة هذه العمليات، وقد توسعت هذه العمليات كثيراً في الآونة الأخيرة، وامتدت كذلك لتشمل مناطق شمال غرب العراق في عملية عسكرية تركية ضد أهداف محددة لحزب العمال الكردستاني[15].

هذا النوع من ضربات الاستنزاف الذي لجأت إليه أنقرة في مناطق شمال شرق سوريا حفّز الأجواء للانتقال نحو تنفيذ عملية عسكرية برية شاملة لم تزل تركيا تعلن عن نيتها  القيام بها[16]؛ إلا أن ثمّة جملة من التحديات تحول بينها وبين ذلك، أولها: غياب التوافق التركي – الأمريكي والتركي – الروسي على العملية[17]، وثانيها: معادلة الابتزاز والمقايضة التي نجحت روسيا في فرضها على “قسد”، والتي تقوم من خلالها روسيا بتقديم الحماية لـ”قسد” ومنع العملية التركية ضدها في مقابل تقديم “قسد” تنازلات عديدة تتعلق بالتطبيع مع نظام الأسد، وإمدادات النفط وتسليم المواقع للقوات الروسية شمال شرق سوريا[18].

إلا أن هذه الثنائية التي حالت دون قيام تركيا بعمليتها العسكرية ضد “قسد” مهددة حالياً بالانهيار، في ظل عدد من التطورات المحلية والدولية؛ فقد زادت تركيا الحديث عن ضرورة القضاء على ما تعدّه مخاطراً أمنية تهدد حدودها الجنوبية، وعن فرض منطقة آمنة تعيد إليها اللاجئين السوريين، وتُنهي هذه المشكلة التي تؤرّق الحزب الحاكم وتهدّد آماله بالفوز في الانتخابات القادمة في ظل استثمار المعارضة هذه الورقة داخلياً بشكل كبير[19].

من ناحية أخرى قد تستفيد تركيا من تحرُّك الناتو لضمّ كلٍّ من السويد وفنلندا إلى الحلف، ورغبة البلدين الأخيرين في تسريع عملية الانضمام في ظل التوترات الأمنية الكبيرة التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا؛ إذ تملك أنقرة حق الفيتو في عرقلة الانضمام، والذي يبدو أنه لن يستمر حتى نهاية الخط، ولكن إلى حد تحقيق بعض المكاسب من مختلف الأطراف في أوروبا والناتو، حيث تتهم تركيا كلّاً من فنلندا والسويد بدعم واستقبال حزب العمال الكردستاني المصنَّف إرهابياً، وتطلب إيقاف هذا الدعم في مقابل تراجعها عن الاعتراض على انضمام البلدين للناتو[20]، كما تسعى كذلك إلى رفع الحظر المفروض عليها من قبل بعض الدول الأوربية على توريد الصناعات الدفاعية؛ وهذا حصل بالفعل من قبل بريطانيا[21].

وفي النهاية تسعى تركيا إلى ضوء أخضر أمريكي لتنفيذ العملية العسكرية التي تتحدث عنها في مناطق شمال شرق سوريا؛ الأمر الذي يبدو أنه صعب التحقيق في هذه الفترة، في ظل الرفض الأمريكي الصريح لهذه التحركات التركية[22].

من جهتها تعارض روسيا كذلك التحركات التركية؛ ولعل مرافقة الطائرات العسكرية الروسية لدوريات “قسد” والتعزيزات التي استقدمتها كذلك إلى مدينة القامشلي عقب تصريحات أردوغان حول المنطقة الآمنة[23] تمثل رسالة ميدانية / سياسية تُظهر الرفض الروسي للرغبة التركية، وتحاول فيها روسيا كذلك نفي الأحاديث التي تتردد حول انسحابات روسية من سوريا وتخفيف أعداد قواتها فيها بالترامن مع الخسائر التي تتعرض لها في أوكرانيا[24]؛ إلا أن ذلك لا يعني إلغاء إمكانية قيام تركيا بالعملية العسكرية، ولكنه يعني تأجيل حدوثها فقط حتى نضوج التوافقات التركية مع الأطراف الرافضة، وبناءً على ما ستؤول إليه الأمور كذلك في كل من الحرب الروسية الأوكرانية وقضية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، وقد تشمل صفقة التوافقات الروسية التركية إعادة فتح المجال الجوي لروسيا، أو انتزاع موقف تركي لصالح روسيا في الاصطفافات الدولية الحاصلة بعد الحرب في أوكرانيا.

2- أثر الحرب على التنسيق الروسي “الإسرائيلي” في سوريا وهجمات الأخيرة ضد النفوذ الإيراني:

شهدت الفترات الأولى من الحرب الروسية في أوكرانيا معركة “عضّ أصابع” بين روسيا “وإسرائيل”؛ فقد سعت موسكو إلى ثني “إسرائيل” عن الوقوف إلى جانب أوكرانيا بشكل كامل، من خلال ابتزازها بالتنسيق الجوي القائم بينهما في الأجواء السورية، الأمر الذي تجاوبت معه “إسرائيل” في بداية الأمر، فاكتفت بإدانة الغزو على مضض ورفضت الاشتراك في حملة العقوبات الاقتصادية ضد موسكو، واستقبلت كذلك عدداً من رؤوس الأموال الروسية الفارّين من العقوبات، مما جرّ على “إسرائيل” توتراً في العلاقة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين[25].

من جهة أخرى استغلت “إسرائيل” بشكل كبير موقفها هذا بالاستمرار في استهداف نقاط الميلشيات الإيرانية في مختلف المناطق السورية؛ إلا أنها لم تستطع الحفاظ على موقف الحياد الكامل، وبالتالي نيل الرضى الروسي الكامل عن موقفها من الحرب الروسية في أوكرانيا؛ مما هدّد استمرار التنسيق الجوي في سماء سوريا بين الطرفين، ولعل نقل القنوات الإعلامية الروسية أنباء الضربات “الإسرائيلة” في سوريا ووصفها بأنها “عدوان” والحديث عن تصدّي القوات السورية لها يمثّل رسالة إلى “إسرائيل”، مفادها أن موسكو تطلب منها المزيد من المواقف في الحرب على أوكرانيا حتى يستمر التنسيق معها في سوريا[26]، كما أن الأنباء التي تتحدث عن إخلاء بعض المواقع الروسية لصالح الميلشيات الإيرانية يُعد كذلك مؤشراً على تراجع هذا التنسيق ومروره بمرحلة صعبة، قد يصل إلى حد السماح لقوات النظام باستخدام أنظمة S-300  ضد الطائرات “الإسرائيلية”، وهو أمر نقلت حدوثه بعض وسائل الإعلام[27]؛ إلا أن الجانب الروسي نفى ذلك[28].

3- أثر الحرب على المشهدالعام في سوريا:

أعادت الحرب الروسية في أوكرانيا سوريا مجدداً إلى واجهة الأحداث والاهتمام؛ إلا أن هذا الاهتمام لم يتعدَّ حتى الآن دائرة عقد الموافقات والمفارقات بين الحرب الروسية في أوكرانيا والتدخل العسكري الروسي في سوريا، من حيث توحش آلة الحرب الروسية ضد المدنيين، و”خرطوم الأباطيل” الذي تبثه ماكينة الدعاية الروسية في الملفَّين[29]، وتسليط الضوء على الخطأ الاستراتيجي الذي قام به المجتمع الدولي المتمثل بالسكوت عن الجرائم والانتهاكات الروسية في سوريا، فهي التي جرّأت موسكو على مزيد من الخطوات والتحركات الدولية.

من ناحية أخرى فعلى الرغم من كون موسكو المستفيد الأول من جهود التطبيع العربي مع نظام الأسد، والذي قصّت شريطه كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين[30]؛ فإن الحرب الروسية الأوكرانية أسهمت بطريقة أو بأخرى في عرقلة هذه المساعي جزئياً، فقد عزّزت مخاوف نظام الأسد من انشغال روسيا في أوكرانيا من ارتمائه في حضن النظام الإيراني وارتهانه السياسي والعسكري له، وهو الثمن الذي كانت الأطراف المطبّعة تطلبه من النظام لإعادة العلاقات معه، وقد تكون الزيارة التي قام بها رأس النظام إلى إيران مؤشراً على ذلك، كما لا يستبعد أن تكون هذه الزيارة قد جاءت بتنسيق مع الجانب الروسي الذي استبق زيارة “الأسد” هذه بزيارة قام بها “لافروف” إلى طهران[31]، وقد تمت ترجمة ذلك ميدانياً من خلال تسلُّم الميلشيات الإيرانية وميليشات “حزب الله” عدداً من النقاط الروسية التي تم إخلاؤها تحت ضغط الاحتياج في الحرب الروسية الأوكرانية.

يمكن القول: إن أنباء استلام المليشيات الإيرانية بعض النقاط التابعة للقوات الروسية، وزيارة الأسد إلى طهران، وتفاقم عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود السورية باتجاه دول الجوار -الأردن تحديداً- تُعدّ مؤشرات واضحة على التطورات التي تعرقل مسيرة  التطبيع العربي مع نظام الأسد؛ إذ أعربت الأردن عن تخوفها من تعرُّض حدودها للتهديدات الأمنية جرّاء تمركز الميليشات الإيرانية بالقرب منها، وإدارة عملية تهريب المخدرات نحو الداخل الأردني انطلاقاً من تلك النقاط[32]، ما يعني إثبات وجهة النظر القائلة بأن النظام لن يقدم التنازلات المطلوبة منه في العلاقات مع إيران، بل على العكس؛ إذ إن تصرفات النظام هذه تعكس رغبته في إجهاض تلك الآمال.

خاتمة:

تدخل الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها الرابع مع انسداد عسكري على الأرض وتعثُّر سياسي على طاولة المفاوضات؛ مما يعني استمرار مسلسل التوتر والنزاع بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل العالم كله يترقب ما ستؤول إليه نتائج هذه الحرب.

بدوره يبقى تثبيت الوضع الراهن في سوريا بشكل عام هو الخيار الذي مالت إليه جميع الأطراف في سوريا منذ ابتداء الحرب في أوكرانيا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة استمرار الحال على ذلك بعد دخول الحرب شهرها الرابع؛ فقد تشكل احتمالية انشغال روسيا بشكل أكبر في أوكرانيا وتعرضها لمزيد من الاستنزاف العسكري والاقتصادي فرصة سانحة لتغيير بعض خطوط السيطرة على الأرض بالنسبة لتركيا على سبيل المثال، في حين أنه من الممكن كذلك أن تتحرك المليشيات الإيرانية في محاولة لملء الفراغ الروسي المحتمل.

من جهة أخرى يمثل الوضع الراهن بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة السورية فرصة جيدة لتثبيت عوامل الاستقرار في مناطق شمال غرب سوريا، وتطوير آليات الحوكمة والإدارة، مستفيدة من هوامش الانشغال الروسي وحوافز التوسع التركي[33]، فقد كانت مناطق شمال غرب سوريا مهددة  بشكل أكبر بمخاطر انهيار اتفاق موسكو بين تركيا وأنقرة، وعودة العمليات العسكرية إليها، وبالتالي تكرار سياسة قضم المناطق وتهجير أهلها التي كانت قوات نظام الأسد تقوم بها مدعومة بالطيران الروسي، في حين أن فرص استمرار اتفاق موسكو الذي دخل عامه الثالث باتت أكبر بكثير[34]؛ مما يعني -كما أسلفنا- وجود فرصة سانحة لقوى الثورة والمعارضة تتيح لها ترتيب صفوفها بشكل أكبر، وتثبيت عوامل الاستقرار والحوكمة الرشيدة في المناطق التي تسيطر عليها.

لمشاركة التقرير: https://sydialogue.org/35qt


[2] سبق أن أصدر مركز الحوار السوري تقريراً تحليلياً عن تداعيات الحرب الأوكرانية المحتملة على المشهد في سوريا خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وقد تحققت عدد من التوقعات التي خرجت بها الورقة في الفترة الماضية، للمزيد يُنظر:
محمد سالم وسامر إيبش وعامر العبدالله، عن خلفيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها المحتملة على المشهد في سوريا، مركز الحوار السوري، 27/3/2022.
[3] منذ ذلك الوقت اقتصرت العمليات الروسية على السيطرة على مدن وبلدات إقليم دونباس، وعلى الشريط الساحلي لبحر آزوف ومدينة ماريوبول في شرق وجنوب أوكرانيا، وهي المناطق التي تتحدث روسيا عن أحقيتها فيها بحكم عاملَي القومية واللغة، كما أنها تشكّل ممرّاً بريّاً مباشراً بين روسيا وجزيرة القرم، كما كانت كذلك الذريعة المباشرة لبوتين لإطلاق شرارة الحرب والهجوم على أوكرانيا.
يُنظر: عن خلفيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها المحتملة على المشهد في سوريا، مرجع سابق.
[6] جوناثان بيل، روسيا وأوكرانيا: ما هي أخطاء روسيا العسكرية؟ bbc، 19/3/2022.
[9] Mark F. Cancian, What Does $40 Billion in Aid to Ukraine Buy?, CSIS, 23/5/2022.
[17] أمين العاصي، خطط تركيا في شمال سورية: تنفيذ ينتظر توافقات دولية، العربي الجديد، 26/5/2022.
[25] عن خلفيات الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيراتها المحتملة على المشهد في سوريا، مرجع سابق.
[30] محمد سالم، وعلي فياض، وسامر إيبش، جهود إعادة تأهيل النظام عربياً؛ تأملات في المحركات والأسباب والمآلات، مركز الحوار السوري، 10/1/2022.
[33] هناك دعوة لاستغلال هذه الهوامش وإشعال الجبهات مجدداً ضد قوات نظام الأسد؛ إلا أن هذا السيناريو يتطلب دراسة حقيقية من جهة مآلاته ومناسبته في الوقت الحالي، مع استحضار الظروف الدولية ومواقف الفاعلين في الملف السوري، خصوصاً تركيا؛ خصوصاً ما فرضتها ظروف الحرب الروسية في أوكرانيا لم تكن فيما مضى.
ولا يخفى أن فتح فصائل الجيش الوطني السوري جبهات مع النظام وحلفائه يؤثّر بشدة وبشكل مباشر في الحاضنة الشعبية واستقرار الوضع العام، وقد أصدر مركز الحوار السوري سلسلة حول صلة الكيانات المسلحة بالحاضنة الشعبية درسَ فيها تلك الصلة في ضوء تجارب مقارنة؛ يُنظر التقرير النهائي: سبل استعادة الثقة بين الحاضنة الشعبية وقوى الثورة والمعارضة، مركز الحوار السوري، 15/6/2022.

مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى