مقالات الرأي

هل من جديد في توجهات المبعوث الأممي ضمن إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن؟

استمر المبعوث الأممي “بيدرسون” في تقديم إحاطاته الدورية أمام مجلس الأمن الدولي؛ مستعرضاً خلالها أبزر التطورات في الملف السوري، مع التركيز على مهمته المتمثلة -من حيث المبدأ – بتيسير تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015م؛ وفي هذا السياق جاءت يوم أمس الاثنين الموافق 24/7/2023 إحاطة جديدة للمبعوث الدولي.

مع التطورات الأخيرة التي شهدها الملف السوري بعد كارثة “زلزال القرن” والخطوات العربية المنفتحة على نظام الأسد، وكان أبرزها إعادته إلى جامعة الدول العربية في قمة جدة الأخيرة؛ فإن هذه الإحاطة وتحليلها تكتسب أهمية خاصة، وذلك أن سؤالاً رئيساً يبرز في هذا السياق، وهو: ما هي المضامين الرئيسة التي كشف عنها المبعوث الأممي في إحاطته الأخيرة؟ وهل ثمة توجهات جديدة يمكن استشرافها من النقاط الرئيسة التي تتضمنها؟

نعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل لا تنفصل البتة عن قراءة وتحليل مجمل التوجهات التي عكستها المؤسسات الأممية عبر الإحاطات المتتالية منذ القرار 2254 أمام مجلس الأمن، وكنا في مركز الحوار السوري قد سلطنا الضوء  من خلال ورقة: “عندما تخضع المؤسسات الأممية لتوازنات الواقع” على توجهات المبعوث الدولي “ديمستورا- بيدرسون” حيال تيسير العملية السياسية ومجاراتهما رؤية حلفاء نظام الأسد حيالها، بما يضفي نوعاً من الشرعية الأممية للتفسير المنحرف لهذا القرار، عبر منهجية التحليل الموضوعي لسبع إحاطات دورية سنوية لهما؛ لتتجلى أهمية هذا المقال بكونه استمراراً لتحليل المواقف وتحديد التغيرات واستشراف المآلات.

بالانطلاق من مضمون الإحاطة يظهر بشكل عام محافظة المبعوث الدولي على نهجه السابق من حيث التركيز على مجموعة مواضيع وإغفال مواضيع أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها؛ إذ انصبّ اهتمام المبعوث الدولي -كما جرت العادة- على نقاط يمكن تقسيمها ضمن ثلاث فئات رئيسية: الأولى سياسية، والثاني إنسانية، والثالثة حول تطورات الأوضاع الميدانية.

على الصعيد السياسي: كانت أبرز هذه النقاط هي الترويج مجدداً لمقاربة خطوة مقابل خطوة، والتشديد على أنها -وفق تفسير المبعوث الأممي- تمثل آلية تطبيق القرار 2254، وتسهم في تحقيق بيئة آمنة ومحايدة صالحة لعودة اللاجئين، كذلك ركزت الإحاطة على الاستناد إلى مسار أستانة بوصفه داعماً للجهود الأممية، وعلى الإشادة بدعم الجهود من الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً، بما يشير إلى أن “السياق الدبلوماسي الجديد”-أي الخطوات العربية المنفتحة على دمشق- يمكن أن تشكل “نقطة فارقة”،  مع إشارته ضمن الإحاطة ذاتها لاحقاً إلى أن النشاط الدبلوماسي لم يُترجم لخطوات عملية على أرض الواقع.

كذلك ركّز المبعوث الدولي في غير موضع على أهمية استمرار عمل اللجنة الدستورية بتيسير من الأمم المتحدة، كما عدّها جوهر القرار 2254، وعبّر عن خيبة أمله جراء “استمرار خلافات حول مكان عقد الاجتماعات بسبب قضايا لا علاقة لها بسوريا؛ لكنها حالت حتى الآن دون إعادة انعقاد اجتماعات اللجنة”.

وأخيراً ركّز المبعوث على متطلبات البيئة الآمنة وملف اللاجئين، مشيراً إلى أن الظروف غير مواتية لعودتهم رغم الاهتمام الإقليمي بذلك، وأن “الحكومة السورية” مطالبة ببذل مزيد من الجهد لمعالجة مخاوف الحماية الحقيقية والمستمرة؛ وهو ما يعني استمرار الترويج لفكرة إمكانية فصل إعادة اللاجئين عن الحل السياسي الشامل، وإمكانية حصول ذلك بوجود نظام الأسد شريطة اتخاذ تدابير جدية، كما أرفق تلك المطالبة لنظام الأسد بالتأكيد على استمراره في مطالبة المانحين بدعم سبل العيش والتعافي المبكر.

أما على صعيد القضايا الإنسانية: فقد تطرّق المبعوث الدولي للحديث عن إدخال المساعدات، وتعبيره عن أسفه لفشل مجلس الأمن في استصدار قرار جديد لإدخال المساعدات عبر الحدود، مع انتقاده الفيتو الروسي بشكل ضمني، وقد توسّع المبعوث الدولي في الحديث عن الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الصرف وتأثيرات ذلك على السوريين، وسبق ذلك بالترحيب بالتخفيف من العقوبات والتماهي نسبياً مع فكرة نظام الأسد باستهداف العقوبات الغربية للسوريين.

كذلك تطرّق المبعوث الدولي لقضية المختفين والمفقودين؛ مشيراً إلى استمرار معاناتهم وإلى أهمية القرار الاممي الأخير بإنشاء مؤسسة معنية بالمفقودين واعتبارها “بارقة أمل”، واستمر بالحديث عن أنماط عديدة من الانتهاكات؛ كتجنيد الأطفال، واعتقال العائدين، وممارسة التعذيب؛ ولكن دون الإشارة إلى مسؤولية محددة، إلا أنه أشار بوضوح إلى ضرورة مكافحة الإرهاب وضرورة مكافحته “بمقاربة تعاونية”.

أخيراً تطرق المبعوث الأممي إلى التطورات الميدانية: فأشار إلى وجود خمسة جيوش في سوريا، وإلى استمرار اختلاف مناطق السيطرة، وتحدث عن تصاعد الاحتكاكات بينها؛ في إشارة إلى أنها القوى الحقيقة المتصارعة في سوريا، وقد ذكر بشكل صريح الغارات الجوية “الإسرائيلية” وهجمات الطائرات المسيرة التركية أو الأمريكية؛ إلا أنه تجنّب ذكر الغارات الجوية الروسية في إدلب، وهو ما يعكس استمراراً في نهج غضّ الطرف عن انتهاكات روسيا ومجازرها.

أما لجهة القضايا المغفلة فهي عديدة كما جرت العادة في إحاطات المبعوث الدولي؛ فقد تم إغفال الحديث عن الانتقال السياسي، ومُساءلة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتسييس إدخال المساعدات، واتجار نظام الأسد بالكبتاغون، والتغيير الديمغرافي، وتمدُّد المليشيات الإيرانية، واستمرار تعنُّت نظام الأسد وحلفائه في عرقلة المسار الأممي.

بناءً على ما سبق: لم تُظهر الإحاطة الحالية وجود قضايا جوهرية جديدة تم طرحها، مع وجود ملاحظتَين جديرتَين بالتوقف عندهما؛ الأولى: التركيز على الدور الإقليمي بوصفه فاعلاً أساسياً، وهو ما يكشف عن توافق الانفتاح الإقليمي على نظام الأسد وتناغمه مع طريقة تفكير المؤسسة الأممية من حيث التعاون مع نظام الأسد واستجداء حلول من خلاله، مع عدم التركيز على المعارضة السورية التي اقتصر ذكرها على استمرار التعاون مع هيئة التفاوض في مقابل استجداء نظام الأسد في أكثر من موضع.

أما النقطة الثانية فهي حديثه عن مسار سوري -سوري ولثلاث مرات؛ جاءت واحدة منها فقط خالية من أي تقييد، في حين اتبعت في موضعين بعبارة “بتيسير من الأمم المتحدة”، وهو ما يرجح عدم وجود تغيير في فكرة الرعاية الأممية لمسار التفاوض لصالح فكرة الحوار السوري- السوري بما يتوافق ومقاربة نظام الأسد، التي تعني الحوار تحت مظلته مع قسم من “المعارضة الوطنية” فقط، ومحاكمة قوى الثورة والمعارضة الأخرى بدعوى أنها تنظيمات “إرهابية”. وعليه فإننا نعتقد أيضاً أن لا جديد يُذكر في هذا السياق، لاسيما وأن بيدرسون نفسه دعا لاستئناف اللجنة الدستورية في جنيف؛ إلا أن ذلك لا ينفي استمرار المخاوف المشروعة للسوريين من إمكانية تحول خطاب المبادرة الأممية لتأييد وجهات نظر نظام الأسد.

تُظهر الإحاطة الحالية استمراراً في النهج العام للإحاطات السابقة، مع دمج التطورات الأخيرة التي تتوافق في طرح المبعوث الأممي، وهو ما يمكن اعتباره حالة غير مفاجئة تبعاً لطبيعة المؤسسة التي يمثلها، وهي -أي: الأمم المتحدة- لا تغير نهجها بين عشية وضحاها؛ إلا أن مكامن الخطورة التي يجب على قوى الثورة والمعارضة أن تكون شديدة الحساسية تجاهها تتمثل في إمكانية تحويل وجهات النظر الأممية “اللينة” اتجاه نظام الأسد إلى خطوات واقعية وملموسة إذا ما وجدت تغييرات دولية تسمح بذلك، وهي حالة غير مستبعدة  ولا أدل على ذلك من مجمل  الانحرافات  السابقة في مسار الحل السياسي السوري.

باحث مساعد في وحدة التوافق والهوية المشتركة يحمل إجازة في الحقوق وحاصل على شهادة الماجستير في القانون العام، ناشط في المجتمع المدني والمجال الحقوقي وقدم عدداً من البرامج التدريبية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى