التطورات الأخيرة في مسار التطبيع مع نظام الأسد وجهود النشطاء والمنظمات السورية في الولايات المتحدة حياله
تقرير محتوى لندوة حوارية أقامها مركز الحوار السوري من إعداد وحدة تحليل السياسات
مقدمة:
عرفَ المشهد السياسي في سوريا مؤخراً العديد من الجهود العربية المتتالية للتطبيع مع نظام الأسد؛ إذ قامت عدد من الدول العربية بإعادة العلاقات الدبلوماسية معه بمستويات مختلفة، مثل الإمارات والبحرين[1] ومصر[2] والسودان[3] والأردن، وقد زادت الأردن مؤخراً من نشاطها وتحركها لتعويم النظام عربياً وإقليمياً ودولياً[4]، في ظل تغاضي الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه الجهود، والتي كانت قد هددت سابقاً بتطبيق عقوبات شاملة على أي طرف يحاول التعامل مع النظام وخرق طوق العزلة الذي فرضه عليه قانون العقوبات الأمريكية “قانون قيصر”.
ونظراً للجهد الذي قام به النشطاء السوريون في الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً، والذي نجح في نهاية المطاف بإنفاذ قانون قيصر[5]؛ فإنه من المهم اليوم الحديث عن فرص نجاح النشطاء والمنظمات السورية في الولايات المتحدة الأمريكية في القيام بعمل ما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية للحدّ من جهود التطبيع مع نظام الأسد التي تقودها عدد من الأنظمة العربية في المنطقة، وإعادة الملف السوري إلى دائرة الاهتمام عند الإدارة الأمريكية الحالية بعد الجمود الذي شهده في الآونة الأخيرة.
وللحديث عن هذا الموضوع استضاف مركز الحوار السوري في ندوة خاصة عدداً من النشطاء والخبراء في المنظمات السورية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهم الأستاذ “أيمن عبد النور”[6] والدكتور “محمد بكر غبيس”[7]، والأستاذ “قتيبة إدلبي”[8]، بحضور عدد من الباحثين والمهتمين في هذا الشأن، ونستعرض في هذا التقرير أبرز مجريات الندوة وآراء الخبراء ومداخلات الحضور وأسئلتهم، ولا تعبر الآراء الواردة في التقرير بالضرورة عما يتبناه مركز الحوار السوري.
أولاً: رؤية إدارة بايدن الحالية للملف السوري ونتائج اللقاءات السورية الأمريكية الأخيرة:
افتتح الأستاذ “أيمن عبد النور” حديثه بتوصيف بانورامي لعمل الجالية والمنظمات السورية في الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية القانونية تبعاً لطبيعة التراخيص المستخرجة، والتي تحدد بدورها طبيعة النشاطات والتحركات التي تستطيع هذه المنظمات القيام بها؛ فأوضحَ اقتصار جهود الجالية السورية قبل عام 2016 على ندوات التثقيف والتوعية والمناصرة للقضية السورية للعاملين في المجتمع المدني والجهات الأمريكية المختلفة، إلا أنه وبعد العام 2016م استطاعت هذه المنظمات الحصول على أنماط جديدة من التراخيص القانونية تفتح لها العمل في مساحات سياسية مختلفة، وتتيح لها التأثير في السياسيين الأمريكيين؛ مثل إقامة اللقاءات مع السياسيين الفاعلين في الولايات المتحدة، وجمع التبرعات بشكل علني، والتأثير في المجتمع المدني ومراكز الأبحاث وأصحاب القرار السياسي، وهي مماثلة للتراخيص التي تحصل عليها أكبر اللوبيات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ مما أعطى الجالية السورية قوة وقدرة أكبر على التأثير.
بعد ذلك تحدث الأستاذ أيمن عن وضع الرئيس الأمريكي بايدن مع إدارته الحالية؛ فبيَّن أن بايدن يواجه الآن صعوبات في إقرار بعض السياسات حتى داخل حزبه، فهو لا يواجه حالياً خصوم حزبه التاريخيين من الجمهوريين فقط، ولكنه يواجه كذلك بعض التكتلات اليسارية الأيديولوجية داخل حزبه، والتي تتبنى مبادئ رئيسية تعيق بعض تحركات الرئيس الأمريكي، ومن هذه المبادئ نقطتان رئيسيتان تسهمان بشكل أو بآخر في رسم سياسيات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية بشكل عام، ومنها بطبيعة الحال موقفها من الملف السوري؛ النقطة الرئيسية الأولى التي تتبناها هذه التكتلات هي تخفيف الوجود العسكري الأمريكي خارج الولايات المتحدة الأمريكية وتقليص انخراطها في النزاعات العسكرية الخارجية، والنقطة الثانية: تتمثل في معارضة استخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح لتنفيذ السياسات الخارجية. مما يعني أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الملف السوري حالياً متأثرة إلى حدّ كبير بهذه التجاذبات داخل الإدارة الأمريكية، بحسب رأي الأستاذ أيمن عبد النور.
وفي السياق ذاته أوضح الأستاذ أيمن أن النشطاء السوريين حاولوا عقد بعض اللقاءات مع ممثلين في الكونغرس الأمريكي لهذه الكتل اليسارية، وأن هذه اللقاءات وإن لم تفلح تماماً في تغيير وجهات نظرهم عن النظام السوري؛ إلا أنها تسهم في تحريك الملف والتمهيد للقاءات أخرى يستطيع فيها النشطاء إقناع هؤلاء السياسيين بضرورة ونفع العقوبات الاقتصادية في التأثير على نظام الأسد الذي يختلف عن غيره من الأنظمة العسكرية الأخرى التي يعارض هؤلاء إنزال العقوبات الاقتصادية عليهم، وقد بيَّن كذلك الأستاذ أيمن أن لقاءات النشطاء السوريين مع أعضاء الحزب الديمقراطي لا يتم الإعلان عنها بسبب التباينات في الموقف من السياسيات الخارجية الأمريكية داخل الحزب الديمقراطي نفسه.
من جهة أخرى أوضح الأستاذ أيمن عبد النور أن الموقف الأمريكي من الملف السوري يختلف باختلاف مناطق النفوذ الثلاث في سوريا؛ بين مناطق “قسد” التابعة للنفوذ الأمريكي، ومناطق شمال غرب سوريا التابعة لقوى الثورة والمعارضة والنفوذ التركي، وبقية أجزاء سوريا الخاضعة لسيطرة النظام وحلفائه وتتبع للنفوذ الروسي، إلا أنه ومع هذا الاختلاف فإن المطالب الأمريكية والرؤية النهائية للحل السياسي في سوريا الذي ترغب به الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال كما هو بحسب رأي الأستاذ أيمن عبد النور؛ فالولايات المتحدة لا تزال تطالب بانتقال سياسي حسب القرار 2254، وتمانع تطبيع العلاقات مع النظام إقليمياً ودولياً، وتسعى لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وتقديمهم للعدالة، ولكن الذي تغير -حسب رأي الأستاذ أيمن- نتيجة ضغط تلك الكتل اليسارية داخل الحزب الديمقراطي هو الموقف من الدول التي تسعى للتطبيع مع نظام الأسد والتغاضي عنها نوعاً ما.
وختم الأستاذ أيمن عبد النور مداخلته بتأكيد أن مشروع الغاز العربي الذي تسعى الأردن لتمريره ليكون بوابة للتطبيع مع نظام الأسد لم يمرّ حتى الآن، ولم تتم الموافقة عليه بعد من قبل الولايات المتحدة أو البنك الدولي، وأن ثمة حديثاً عن عدم الموافقة عليه مستقبلاً، كذلك بحسب رأيه.
ثانياً: التحالف الأمريكي من أجل سوريا .. فرص وتحديات:
بدأ الدكتور محمد بكر غبيس مداخلته بالتعريف بمنظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة”[9]، وهي منظمة أمريكية يقوم عليها مواطنون سوريون تهتم بالشأن السوري وتقوم بالعديد من النشاطات لدعم الثورة السورية في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوضح أن هذه المنظمة هي من أنواع المنظمات التي تمتلك التراخيص القانونية التي تتيح لها التحرك في المساحات السياسية المؤثرة، مثل اللقاءات مع أعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكية، وأضاف: أنه من الضروري للنشطاء السوريين في أمريكا فهم آليات وديناميكيات العمل السياسي هناك من أجل التأثير والدفع لإقرار السياسات التي تصب في مصلحة القضية السورية، وأن “قانون قيصر” جاء نتيجة لهذه التحركات الصحيحة من قبل الناشطين، مثل اللقاءات الدورية مع أعضاء الكونغرس ورؤساء الأحزاب وصنّاع القرار، وأكد ضرورة الاستمرار في العمل وفق الطرق القانونية المتاحة.
بعد ذلك تحدث الدكتور محمد بكر غبيس عن التحالف الجديد الذي تم الاتفاق عليه، وهو “التحالف الأمريكي من أجل سوريا”[10]، وذكر كذلك أسماء المنظمات والجمعيات التي انضمت إلى هذا التحالف، وهي: منظمة مواطنون من أجل أمريكا آمنة، ومجموعة “كيلا باك”، والمجلس السوري الأمريكي، وباك من أجل سوريا حرة، وأمريكيون من أجل سوريا حرة، والمنتدى السوري، وأوضح أن هذا التحالف ليس انصهاراً واندماجاً كاملاً بين المنظمات المتحالفة فيه؛ بل هو تحالف من أجل تنسيق الجهود وترتيب الأولويات وتوحيد الخطاب بين هذه المنظمات تجاه صناع القرار والسياسيين في أمريكا.
وأضاف الدكتور محمد بكر أن أولويات العمل السياسي للنشطاء السوريين في أمريكا تتركز في عدة محاور، منها: مجال الإعلام والعمل على بثّ الخطاب المناصر لمصالح الثورة في الإعلام الأمريكي، ومحور اللقاءات مع السياسيين؛ سواءٌ من الإدارة الأمريكية أو من أعضاء الكونغرس الأمريكي، وأوضح أنه تم بالفعل عقد بعض اللقاءات المهمة، مثل اللقاء مع “كاميلا هاريس” نائب الرئيس الأمريكي وكان لقاء موفقاً إلى حد ما حسب تعبيره، كذلك فقد تم عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس تزامناً مع تصاعد الأحداث في درعا البلد قبل شهرين وأسهمت في تسليط الضوء على الوضع هناك.
وأضاف الدكتور محمد بكر أن ملف “قسد” شمال شرق سوريا هو من أهم المواضيع التي ينبغي الاهتمام بها من قبل الناشطين السوريين في أمريكا، وأن هذا الملف يحتاج إلى مبادرة خلّاقة ومبدعة -حسب تعبيره- تسهم في تقريب وجهات النظر بين “قسد” والأطياف السورية الأخرى، وأن مهمة الجالية السورية في أمريكا حيال هذا الملف تتمثل في مدّ الجسور للتقارب مع “قسد” وكسبها إلى صف الثورة السورية، حسب وجهة نظره.
ثم ختم الدكتور محمد بكر مداخلته بنقطتين مهمتين: فأوضح ابتداءً أن جهود النشطاء والمنظمات السورية في أمريكا هو في نهاية المطاف مرتبط بنجاحات النشطاء وأطياف الثورة المختلفة في الداخل السوري وعلى الأرض؛ إذ إن نجاحات العاملين على الأرض وسلوكهم الموافق للقيم الإنسانية والبعيدة عن الأخطاء والتجاوزات يسهم في تبييض صورة الثورة خارجياً، ويسهّل على النشطاء في الخارج حشد الدعم اللازم للثورة وإقناع صنّاع القرار بعدالة القضية السورية وضرورة دعمها، مما يعني أن على المنظمات والأفراد الذين يعملون في الداخل تحمل المسؤولية والاهتمام بالصورة التي تعكسها تصرفاتهم وسلوكياتهم.
والنقطة الثانية التي أشار إليها الدكتور محمد بكر هي: أن أهمية إقامة العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية تنبع من أهميتها السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم، ودورها الأهم عالمياً في فرض السياسيات في مختلف المجالات، وأن إقامة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية لا يعني عدم وجود الخلافات الأيديولوجية والسياسية مع النظام الأمريكي والسياسات الخارجية الأمريكية، وأن المجتمع المدني الأمريكي يتمتع بمستوى عالٍ من النضج السياسي، وأن التعامل معه والتأثير فيه سيجلب العديد من المصالح للثورة السورية، وحذّر بالتالي من خطورة الانجرار وراء “البروباغندا” المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وأنها ستضرّ بمصالح الثورة، حسب تعبيره.
ثالثاً: نظرة أخرى على موقف الإدارة الأمريكية:
وفي مداخلته رأى الأستاذ قتيبة إدلبي أن السوريين حالياً في موقف دفاعي للحفاظ على مكتسبات الثورة في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، وأوضح أن إدارة الملف السوري تكاد تكون محصورة بيد شخص واحد، وهو “بريت ماكغورك” منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي؛ حيث إن الرئيس الأمريكي بايدن لديه وجهة نظر فيما يتعلق بالملف السوري حسب تعبير الأستاذ قتيبة، وهي أن ما أفسد عمل الإدارة الأمريكية أثناء فترة رئاسة أوباما هو كثرة الأصوات التي تدعو للتدخل الإنساني داخل الإدارة، وبالتالي فإن حصر آلية اتخاذ القرار من خلال شخص واحد ومكتب واحد هو أمر ضروري للغاية، وأوضح الأستاذ قتيبة أنه يكاد لا يستطيع أي أحد التأثير في الملف السوري خارج هذه الدائرة، حتى ولو كان وزير الخارجية أو وزير الدفاع بحسب تعبيره.
ثم أوضح الأستاذ قتيبة أن وجهة نظر “ماكغورك” حول الملف السوري تتلخص في أن دعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً يسهم في إطالة أمد الأزمة، وأنه يجب تطبيق سياسة “الموت الرحيم” تجاه قوى الثورة والمعارضة حسب تعبيره؛ وذلك من خلال إيقاف الدعم المقدم للمعارضة سياسياً وعسكرياً، وإتاحة المجال أمام روسيا وإيران والنظام لاستعادة زمام المبادرة والسيطرة على الأرض دون التفريط بالمصالح الأمريكية، وبذلك تنتهي الأزمة السورية ضمن الفترة الزمنية لإدارة بايدن، وهو ما يفسر قوله إن الناشطين السوريين وقوى الثورة والمعارضة في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم يقفون في موقف الدفاع عن مكتسبات الثورة مثل “قانون قيصر”، حسب تعبيره.
ودعا الأستاذ قتيبة ناشطي المعارضة السورية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكثيف جهود العمل من أجل القضية السورية وصولاً إلى تحقيق نتائج إيجابية وملموسة.
وأضاف الأستاذ قتيبة: إن الإدارة الأمريكية الحالية وتبعاً لسياسية “الموت الرحيم” تجاه قوى الثورة والمعارضة التي يتبناها “ماكغورك” قد تتجه نحو إلغاء قانون العقوبات الأمريكية “قيصر”، واعتبر أن “قانون قيصر” وإن كان ذا تأثير محدود في الضغط على النظام إلا أنه حال بينه وبين مساعي التطبيع التي بدأتها عدد من الدول العربية، ولذلك ينبغي على النشطاء والمنظمات السورية في الولايات المتحدة الأمريكية عدم التفريط بهذا المكتسب، والحيلولة دون إلغائه من قبل الإدارة الأمريكية.
وفي سياق آخر قال الأستاذ قتيبة: إن الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا لن يبقى، وإن الإدارة الأمريكية في طريقها للانسحاب العسكري من المنطقة، وإن الوعود الشخصية التي تقدمها شخصيات في الإدارة الأمريكية لـ”قسد” ومفادها أنها لن تنسحب من المنطقة لا يمكن التعويل عليها كثيراً؛ فالإدارة الأمريكية ستفضّل الانسحاب من منطقة شمال شرق سوريا وإتاحة الفرصة لعقد صفقة ما بين “قسد” ونظام الأسد تحقق شيئاً من الاستقرار لإدارة المنطقة[11]، وأوضح كذلك أنه بهذا الاعتبار تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى حفظ مصالحها في المنطقة عن طريق دعم منظمات المجتمع المدني وحصر المساعدات الإنسانية ودعم إعادة الاستقرار فيها دون غيرها من المناطق السورية، بحجة وجود “هيئة تحرير الشام – هتش” في منطقة الشمال الغربي، حسب رأيه.
وختم الأستاذ قتيبة مداخلته بالحديث عما ينبغي على الناشطين والمنظمات السورية والائتلاف الوطني المعارض كذلك العمل عليه تجاه هذه التوجهات التي تسعى الإدارة الأمريكية الحالية لتطبيقها؛ إذ يرى أن كل الجهود ينبغي أن تصبّ الآن في محاولة فضح وتعرية الفشل الأخلاقي للإدارة الأمريكية في موقفها من الملف السوري ونظام الأسد، وذلك عن طريق الضغط الإعلامي والتأثير في الرأي العام عن طريق الحديث المستمر عن الجرائم ضد الإنسانية التي يقوم بها نظام الأسد والموقف الأمريكي من هذه الجرائم، ورأى كذلك أن هذا الضغط الإعلامي هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للتأثير في قرارات الإدارة الأمريكية؛ لأنها تخشى من ضغط الرأي العام وقنوات الإعلام بشكل عام، إضافة إلى ذلك أكد الأستاذ قتيبة ضرورة قيام الائتلاف الوطني المعارض باتخاذ مواقف حقيقية تعطيه الثقل المطلوب على الأرض؛ لأن جميع الأطراف في سوريا تُؤخذ على محمل الجدية لأنها تمتلك أوراق ضغط حقيقية على الأرض، سواء نظام الأسد أو “هتش” أو الإدارة الذاتية “قسد”، وبالتالي فإذا أراد الائتلاف أن يتسلح بعدد من أوراق القوة فينبغي عليه إيجاد ثقل مناسب له على الأرض في سوريا، حسب تعبيره.
رابعاً: مداخلات الحضور وتعقيبات الضيوف:
بدأ عضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المداخلات بطرح عدد من الأسئلة على الأستاذ أيمن عبد النور، والتي أجاب عنها في تعقيبه الختامي، ثم تساءل ناشط صحفي عن طبيعة العلاقات بين الكتل والمنظمات المختلفة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعن التنافس فيما بينها، وتساءل عن سبب غياب الشفافية في الحديث عن النشاطات والأعمال التي قاموا بها، كما تساءل عن هوامش العمل المتاحة حالياً وأفضل ما يمكن أن يقوم به السوريون للدفاع عن مكتسبات الثورة ومصالحها.
من جهته أوضح الأستاذ أيمن عبد النور في تعقيبه نهاية الندوة أن العلاقة بين الأجسام والمنظمات السورية المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية علاقة تكاملية وليست تنافسية بسبب اختلاف أنواع تراخيصها القانونية، وأن هذا النوع من العلاقات هو سبب نجاح أكبر اللوبيات السياسية في الولايات المتحدة، واعتبر أنه لا يوجد غياب للشفافية في نشاطات وجهود هذه الأطراف، وأن جميع أخبارها معلنة وظاهرة للعلن في المنصات التابعة لها.
وأضاف الأستاذ أيمن بعد ذلك في جوابه عن أهم ما ينبغي القيام به حالياً من أجل الثورة: أن العمل الحقيقي والإيجابي على الأرض هو الذي يسهّل عمل الجالية السورية في حشد الدعم والتأييد للثورة، وأنه طالما لا يوجد خطوات حقيقية وإيجابية في مجال الحوكمة والشفافية واحترام حقوق الإنسان وغيرها من الخطوات الإيجابية في الداخل السوري؛ فإن الجالية السورية في أمريكا لا يمكن لها أن تقوم بأي شيء لدعم الثورة السورية، واعتبر أن الإعلام لا يصنع الأحداث ولا يغير المواقف، وأن الجالية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية مهمتها تسليط الضوء على ما هو إيجابي وجيد من ممارسات المعارضة والنخب السورية، وتأمين المنابر لها لعرض قضيتها والدفاع عنها وحشد التأييد لها من الإدارة الأمريكية، وختم كلامه بتأكيد أن الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مصالحها ولا تتعامل كمنظمة خيرية، وبالتالي فهي تدعم مَن يحقق لها هذه المصالح، وعلى رأسها أمنها القومي وحفظ الاستقرار في المنطقة، حسب تعبيره.
من جهة أخرى تحدثت أكاديمية مختصة بالعلوم السياسية في الندوة عن نوع من أنواع الخطأ التي قامت به المعارضة السورية حسب رأيها؛ إذ اعتبرت أن تحركات المعارضة عموماً كانت تتجه للتعامل مع الدول والأطراف الخارجية أكثر من سعيها واهتمامها للتوجه نحو الداخل الممثل بالحاضنة الشعبية والأطراف الثورية الأخرى، وأن هذه السياسة عادت على الثورة بالضرر؛ فقد بدأت تغيب شعارات الثورة ومبادئها وثوابتها في سبيل البحث عن العلاقات الأمثل مع الخارج، ورأت أن ما ينبغي الاهتمام به الآن أكثر من غيره هو صبّ الجهود على الحوار الداخلي وترتيب الصفوف أكثر من التعويل على الموقف الأمريكي وانتظار توجهاته الجديدة.
وفي سياق آخر اعتبر عضو في الائتلاف الوطني السوري أنه لا يمكن الحديث عن حوار داخلي مع “قسد”؛ وذلك لأنها لا تعتبر نفسها أساساً جزءاً من مكونات الثورة السورية، ولأنها تملك أجندات انفصالية خاصة بها تسعى لتحقيقها، حتى ولو كان من خلال بوابة التعامل مع نظام الأسد والتنسيق معه والقبول به، وبالتالي فإن الحديث عن “قسد” ينبغي أن يكون في دائرة المفاوضات كأي جهة خارجية أخرى على أساس المصالح وتحقيق المكتسبات، كما اعتبر أنه من الطبيعي ألا يكون للائتلاف السوري سلطة فعلية على الأرض؛ وذلك لأنه ائتلاف مكون من جماعات معارضة متعددة ولم ينبثق عن حالة عسكرية فاعلة على الأرض، فليس المطلوب من الائتلاف أكثر من فتح المكاتب في مناطق الداخل السوري، وفي الوقت ذاته يُطلب الانتقال إلى تنفيذ سياسات حوكمة فعلية وإدارة قادرة على التواجد على الأرض من خلال تفعيل دور الحكومة المؤقتة، حسب تعبيره.
من جهة أخرى بيّنتْ سيدة عضو في اللجنة الدستورية أن توجهات الإدارة الأمريكية غير الراغبة بإسقاط النظام وتدعو إلى “تغيير سلوكه” فقط كانت واضحة منذ فترة، وقد صرحت بها الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة؛ إلا أن أطياف المعارضة المختلفة كان تؤوّل هذه التصريحات وتتعلق بآمال غير صحيحة حسب تعبيرها، مما أدى إلى ضياع العديد من الهوامش الممكنة للعمل التي كانت في السابق، وبالتالي فإن على المعارضة الآن الكفّ عن التعلق بالآمال الوهمية، والبحث عن الهوامش الممكنة حالياً للعمل والبدء بها قبل فوات الأوان، ومن ذلك: التأكيد على الفشل الأخلاقي لنظام الأسد، والاستمرار في توثيق انتهاكاته لإدانته ومنع مساعي التطبيع معه مستقبلاً، حسب رأيها.
وحول المؤثرات الخارجية على رؤية الإدارة الأمريكية للملف السوري حالياً رأى باحث في مركز دراسات أن مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران والدور الروسي في سوريا يؤثران بشكل كبير على الإدارة الأمريكية، وأن الحديث عن حصر رؤية الإدارة الأمريكية للحل في سوريا في مكتب واحد وبيد شخص واحد فقط دون الأخذ بعين الاعتبار هذه المؤثرات يُعد أمراً غير دقيق إلى حد ما؛ ففي المحصلة تتعامل الإدارة الأمريكية مع الملف السوري كورقة من ضمن الأوراق التي تمسك بها في سياساتها مع ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها، مثل الموقف من روسيا وإيران.
وبناءً على ذلك رأى الباحث أن التوجه الأمريكي حالياً يحاول أن يعطي مكتسبات معينة للروس في سوريا، في مقابل أن تضغط الأخيرة على إيران من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، وتتمثل هذه المكتسبات في تخفيف العقوبات عن نظام الأسد والتغاضي عن مساعي التطبيع الذي تقودها بعض الدول العربية، وأضاف: إن التسريبات تشير إلى أن روسيا طلبت من “إسرائيل” التوسط لدى أمريكا من أجل تخفيف العقوبات عن نظام الأسد، وبالتالي السماح للشركات الروسية بالعمل في سوريا بقدر أكبر من الحرية، وأن “إسرائيل” توافق على هذا الطلب مقابل إتاحة روسيا المجال لها لتنفيذ ضرباتها في سوريا ضد المصالح الإيرانية، وبالتالي فإن هذه التطورات الأمريكية حيال الملف السوري هي بمثابة الجزرة التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لروسيا في مقابل مكاسب متعلقة بالملف النووي الإيراني، و أن الولايات المتحدة الأمريكية تغطي دوافعها الحقيقية هذه بالحديث عن عدم إطالة أمد الأزمة وإيقاف الحرب، حسب تعبيره.
وفي السياق ذاته رأى الباحث أن روسيا كذلك ترغب في عقد هذه الصفقة؛ إذ إنها تدرك أن عودة إيران للاتفاق النووي دون تأطير واضح لتحركاتها في سوريا سيسبب لها متاعب ويعرقل مصالحها في سوريا، خصوصاً في مجال الطاقة، ولذلك تقدم روسيا نفسها للولايات المتحدة الأمريكية كضامن للحل السياسي في سوريا، لاسيما في مناطق شرق الفرات، وقد نجحت فعلياً في إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، وتستعد لأن تكون البديل في حال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً من مناطق شمال شرق سوريا، حسب تعبيره.
وفي مداخلته الختامية أجاب الدكتور محمد بكر غبيس عن بعض الأسئلة والتعليقات، ورأى أن الكلام عن أن الإدارة الأمريكية تتبع سياسة الموت الرحيم تجاه الثورة السورية هو أمر غير دقيق، وأن الملف السوري أكبر من أن يُدار من قبل شخص واحد، كما أنه دعا إلى عدم التشاؤم والانهزام رغم أن ملف الثورة السورية حالياً يشهد انخفاضاً ملحوظاً على صعيد الاهتمام الدولي، واعتبر أن أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن هو العمل على تحسين صورة الثورة، وإيجاد حلول للوضع الفصائلي والأمني المتردي في مناطق شمال غرب سوريا، وأنه ينبغي توحيد جميع الجهود العسكرية والسياسية، وإيجاد المكون الثوري الذي يصدّر نفسه كممثل إيجابي للثورة وبديل قادر على إدارة المنطقة والحفاظ على استقرارها، وبالتالي يستطيع الحصول على ثقة الدول الفاعلة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يخص التعامل مع “قسد” أوضح الدكتور محمد بكر أن التوقف عند اعتبار “قسد” عدواً للثورة السورية دون تقديم البديل والاستراتيجية المناسبة للتعامل معها لا يخدم مصالح الثورة، وأن الدعوة إلى إيجاد مقاربة سياسية مع “قسد” تخدم مصالح الثورة نابع من ضرورة التعامل معها ككيان سياسي وأمر واقع موجود، حسب تعبيره[12].
وفي مداخلته الختامية في الندوة لخّص الأستاذ قتيبة جوابه عن التعليقات والأسئلة المختلفة في عدة محاور؛ فأكّد أن الحديث عن عدم التشاؤم لا ينبغي أن يتحول إلى تفاؤل مفرط وغير منضبط، وأنه من حق جميع السوريين معرفة الواقع السياسي لقوى الثورة والمعارضة كما هو، بمصاعبه والعوائق التي أمامه، مما يعينهم على بناء خيارات سياسية أكثر واقعية، وأضاف أن كلامه عن تبني منسق الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي “ماكغورك” سياسة “الموت الرحيم” تجاه المعارضة هو ليس مجرد تحليل فقط، بقدر ما هو واقع مبني على معلومات ومعرفة بتوجهاته التي أعلن عنها في أكثر من مناسبة، وأضاف كذلك أن دعوته للعمل في المجال الإعلامي من أجل التأثير على موقف الإدارة الأمريكية لا يعني فقط العمل في المجالات الإعلامية التقليدية كالصحافة والتلفزيون، وإنما استخدام الوسائل الإعلامية المتخصصة التي تستطيع التأثير في الناخبين الأمريكيين المهتمين بالشأن الدولي، للضغط على الإدارة الأمريكية لاتخاذ المواقف الداعمة للثورة ضد نظام الأسد، وختم كلامه بتأكيد على ما ورد في تعليقات بقية الضيوف من أن الناشطين السوريين والمنظمات العاملة من أجل القضية السورية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها التأثير دون وجود التغطية السياسية اللازمة لها، والتي تتمثل في سياسات الحوكمة والإدارة المنضبطة في مناطق قوى الثورة والمعارضة، بعيداً عن مظاهر الفصائلية والنزاع والممارسات الخارجة عن حقوق الإنسان وغيرها من الممارسات التي تسهم في إضعاف المواقف الداعمة دولياً.
لمشاركة الورقة: https://sydialogue.org/3zxa
التقرير الموضوعي للندوة الحوارية: “قانون قيصر: الأسباب والتوقعات والمآلات”، 25/12/2019
تقرير تقدير موقف ” الاقتصاد السوري على شفير الانهيار: الأسباب، والسياسات، وتداعيات قانون “قيصر” “، 28/06/2020
التقرير الموضوعي لندوة ” قانون قيصر بعد عام من إقراره: النتائج والسيناريوهات المتوقعة لإعادة الإعمار “، 13/02/2021.
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد