أنشطة وتحولات جماعات الغلو والتطرفالأبحاث والدراساتالإصداراتوحدة تحليل السياسات

الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” ودوافعه الفكرية، قراءة في نتاجه الإعلامي والشرعي في مرحلة ما بعد البغدادي

ملخص تنفيذي:

تأتي أهمية متابعة رصد الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” من كونه أحد الأدوات المهمة التي يستخدمها للحشد والدعاية لفكره وممارساته ومخاطبة أتباعه، وقد كان لتراجع التنظيم نتيجة الحملات التي شنّها التحالف الدولي عليه الأثر الأكبر في تراجع موارده وقدراته، خاصة في مرحلة ما بعد زعيمه البغدادي؛ الأمر الذي انعكس أيضاً على قدراته الإعلامية التي أصبحت هزيلة مقارنة بالسابق، لاسيما من ناحية الوسائل والأدوات؛ لكنّ المضمون بقي صلباً ومتسقاً مع السرديات السابقة للتنظيم.

يركز المحتوى الإعلامي للتنظيم على محاولة حشد أتباعه وتثبيتهم وترغيبهم بالتنظيم وتنفيرهم من منافسيه، فيركز على تخوين كل مخالفيه وإسقاط شرعيتهم، وعلى خطاب المظلومية الذي يميز مرحلة “الاستضعاف” التي يمرّ بها حالياً وعمل عليها سابقاً قبل “التمكين” في ذروة صعوده، وفي سبيل حشده الموارد البشرية التي تُعد عموده الفقري يتنوع خطابه بين الترغيب والترهيب والتوجيهات العامة، كما يحاول رفع معنويات مقاتليه وأنصاره من خلال الاحتفاء بالتقارير الاستخباراتية والإعلامية التي تتحدث عن إمكانية عودته، يترافق هذا مع استمرار وارتفاع نبرة التحريض على العنف والكراهية والتكفير، كما يحضّ أتباعه على ما يعزز رفده بالموارد البشرية الموجودة في خزانات ومصانع فكره (السجون)، من خلال تكرار الدعوة لاقتحام السجون و”تحرير السجناء”.

ويتأثر الخطاب الإعلامي للتنظيم بالمماحكات الفكرية والصراعات الداخلية بين أجنحته، كالصراع بين الشرعيين والمتنفذين العسكريين والأمنيين من النواة الصلبة للتنظيم من جهة، وبين الشرعيين أنفسهم من جهة أخرى؛ وهو ما أسهم في زيادة الانشقاقات والصراعات الداخلية، وانعكس إعلامياً بمزيد من تصليب الخطاب الإعلامي وتطرفه في الهجوم على المخالفين والمنشقين.

مقدمة:

شكّل الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” في ذروة قوته بين عامَي 2014 و2015 وحتى أفول التنظيم نسبياً وتبدد مساحات سيطرته تماماً عام 2019م؛ أداة مهمة وخطيرة في الترويج لسردية التنظيم ورؤيته للأحداث، وإيصال رسائله الأيديولوجية إلى عموم الناس، كما شكّل كذلك مادة جذّابة لتجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين والمناصرين والمتعاطفين بمختلف جنسياتهم وأعمارهم وتوجههاتهم، وقد تناولت العديد من الدراسات والأبحاث الخطاب الإعلامي للتنظيم في تلك الفترة بمختلف أشكاله المرئية والمسموعة والمقروءة، في محاولةٍ لتفكيك هذه المنظومة الأيديولوجية والرسائل التحريضية التي يبثها عبر منابره الإعلامية المختلفة.

ونظراً للدور الخطير الذي لعبته الوسائل الإعلامية للتنظيم في تصدير خطابه الأيديولوجي المحمَّل بمشاعر الكراهية والعنف، وتمرير أفكار الغلو والتطرف، وتجنيد المقاتلين وضمان استمرار هجرتهم إليه، وتحريض المؤيدين للقيام بالعمليات الإرهابية، وغير ذلك من الأهداف التي سعى التنظيم إلى تحقيقها عبر وسائله الإعلامية؛ فإنه من الأهمية بمكان تناول الخطاب الإعلامي الحالي للتنظيم في مرحلته الجديدة بعد انحسار نفوذه وانتقاله من حالة “التمكين” – حسب السردية الخاصة به – إلى حالة “الاستضعاف”، واتباعه نهجاً مختلفاً من أساليب حرب العصابات و”التنكيل بالعدو” دون السيطرة المباشرة على الأرض والمدن؛ مما يعني تخلّيه – ولو إعلامياً على الأقل – عن الحرص على إظهاره صور “تحكيم الشريعة” المتمثلة في “إقامة الحدود وجباية الزكاة” وغيرها من الصور التي كان يحرص على إبرازها  في مناطق سيطرته.

لا يعني هذا بطبيعة الحال تراجع التنظيم على المستوى الأيديولوجي عن رؤيته الخاصة لتطبيق الشريعة؛ فهو لا يخفي أبداً رغبته بإعادة نموذج حكمه القديم وبسط سيطرته على المدن “لإقامة شرع الله فيها”، ويرى أن المدن التي كانت تحت سيطرته خرجت من “أمن الشريعة إلى ظلام الجاهلية”[1]، ولكنه يتحرك الآن وفق مقتضيات الضرورة التي ألجأته إليها الحرب العنيفة عليه، ويبرر لهذا النموذج الجديد بالتبريرات الشرعية اللازمة[2]، مع استحضار أن انحيازه إلى الصحراء واستراتيجيته الجديدة هي في حد ذاتها “استرتيجية شرعية”؛ فبحسب رأيه “قد أفلح المجاهدون يوم أقاموا الشريعة في المدن، ولم يرضوا بكل الأوهام التي أرادت ثنيهم عن إقامة حكم الله، كما أفلحوا اليوم في البوادي وميادين العسرة بثباتهم على الإيمان والجهاد وإبقاء جذوته مشتعلة تحرق الكافرين وتستنزف طاقاتهم”[3].

تحاول هذه الورقة تحديد العناصر الرئيسة التي يرتكز عليها الخطاب الإعلامي الحالي لتنظيم “داعش”، ومعرفة التوجهات التكتيكية والاستراتيجية الخاصة به، وتبيين الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلاله؛ وذلك بدراسة أبرز الوسائط الإعلامية التي يصدر بها التنظيم أفكاره وآراءه، والمتمثلة بصحيفة “النبأ” الأسبوعية[4] وبالكلمات الصوتية “لأبي حمزة القرشي”[5] المتحدث الرسمي باسم التنظيم، وذلك ضمن النطاق الزمني الذي يبدأ من كلمة “القرشي” تحت عنوان “دمَّر الله عليهم وللكافرين أمثالها” في تاريخ 27 يناير / كانون الثاني عام 2020م، والتي تم تفريغها في العدد 219 من صحيفة “النبأ” الصادر في 29 يناير / كانون الثاني من العام نفسه وحتى وقتنا الحالي.

تتضمن الورقة فصلَين أساسيين: يركّز الفصل الأول على رصد وتحليل الخطاب الإعلامي، فيما يتضمن الفصل الثاني استقصاء الخلافات الفكرية والشرعية داخل التنظيم وأثرها في خطابه الإعلامي الحالي، باعتبار أن الفكر والأيديولوجيا هي المحرك الأساسي للخطاب الإعلامي.

الفصل الأول: قراءة في الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش”؛ أهم المضامين والعناوين الرئيسة:

 على الرغم من الأهمية الخاصة التي يوليها تنظيم “داعش” للماكينة الإعلامية الخاصة به إلا أن خطابه الإعلامي الحالي يُعد هزيلاً للغاية إذا ما قُورن بقدراته السابقة في ذروة تمدده وقوته، وذلك من حيث الانتشار والشكل والمضمون؛ إذ فقدَ التنظيم غزارة الإنتاج والنشر مع توقف نشاط العديد من أذرعه الإعلامية السابقة، كما غابت المشاهد “الهوليوودية” التي تم إخراجها بدقة وعناية فائقة في السابق عن إصداراته ومقاطعه المرئية الحالية، وخفتت كذلك قوة المحتوى الأيديولوجي والرسائل السياسية الداخلية والخارجية التي كان التنظيم يشحن بها جميع مخرجاته الإعلامية، وذلك بعد الخسائر التي مُني بها التنظيم عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، والتضييق الشديد والملاحقة المستمرة للمروّجين والمناصرين له في مواقع التواصل والشبكة الإلكترونية.

ويمكن تصنيف الأفكار والرسائل التي يحرص التنظيم على تصديرها من خلال وسائله الإعلامية الحالية إلى عدد من العناوين الرئيسة التي تندرج تحتها العديد من الشواهد والأمثلة:

  • تخوين المخالفين وإسقاط شرعيتهم.
  • تفنيد الاتهامات الموجهة للتنظيم وادعاء المظلومية.
  • رسائل الخطاب الداخلي للمقاتلين والأتباع.
  • الاحتفاء بالتقارير الصحفية والاستخباراتية التي تتحدث عن قوة التنظيم واحتمالية عودته.
  • تقديم سردية التنظيم ورواية تجربته في العراق وسوريا.
  • التحريض على العنف وبثّ خطاب الكراهية والتكفير.
  • مجاراة الأحداث والتعليق عليها.
  • التركيز على نشاط التنظيم في “ولاية غرب إفريقيا”.
  • الدعوة لاقتحام السجون وتحرير أسرى التنظيم.

وسنتناول فيما يلي كل واحد من هذه العناوين الرئيسة بالتفصيل والتحليل.

تخوين المخالفين وإسقاط شرعيتهم[6]:

لا يكاد الخطاب الإعلامي للتنظيم – بأي شكل من أشكاله – يخلو من اتهامات التكفير والتخوين والهجوم  على العديد من الجهات التي احتكّ أو يحتكّ معها في مساحات عمله ونشاطه وكانت في أحيان سابقة تتوافق مع رؤاه بشكل أو آخر، أمثال “تنظيم القاعدة” و”طالبان” و”هيئة تحرير الشام – هتش”، أو الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى مثل “تنظيم الإخوان المسلمين” و”حماس”، إضافة إلى الهيئات الشرعية والعُلمائية الإسلامية المختلفة؛ في توجهٍ لاحتكار الحق الديني وتثبيت شرعيته في مقابل إسقاط شرعية تلك الجهات أمام مناصريه وعموم المتابعين، وينطلق التنظيم في خطابه الإعلامي  هذا ضد تلك الجهات المختلفة من موقف العداء المطلق والتضاد التام في المشروع والرؤية، مما يخلق بطبيعة الحال حالة من التصادم الدائم تصل في كثير من الأحيان إلى حالة الاقتتال العسكري المباشر، كما هو الحال مع “طالبان” في أفغانستان و”تنظيم القاعدة” في إفريقيا و”هتش” في سوريا، فضلاً عن فصائل قوى الثورة والمعارضة السورية، ويشكل هذا الموقف الصلب والتكفير المباشر والصريح لهذا الجماعات والجهات الأرضية التي تنطلق منها عمليات التنظيم العسكرية والأمنية ضدها، حيث لا يرى فرقاً بين قتالها وقتال “التحالف الصليبي” أو الأنظمة والحكومات المحلية الأخرى، بل يرى – على مستوى الخطاب- أن قتالها هو الأولى من ناحية الوقت والجهد بناءً على قاعدة أن “قتال المرتدين أولى من قتال الكافرين”، وبذلك يعطي لنفسه شرعية استباحة دماء وأموال تلك الجماعات وتطبيق “أحكام الردة” عليها، ويلعب “الشرعيون” الدور الأكبر في صياغة هذا الخطاب وتوجيهه بحسب أولويات التنظيم.

 ويتخذ التنظيم من حجج الامتناع عن”تطبيق الشريعة الإسلامية” أو المشاركة في الحياة السياسية أو مجرد مخالفته وانتقاده ذرائع لتكفير تلك الجماعات والجهات، وإطلاق مسميات “الصحوات” و”المرتدين” عليها، وفي الأسطر القليلة القادمة نحاول أن نرصد موقف التنظيم من مختلف الجماعات والفصائل وانعكاسات هذا الموقف على واقع العلاقات معها.

“هيئة تحرير الشام – هتش”: ينظر تنظيم “داعش” إلى “هتش” وزعيمها “الجولاني” بوصفهم خنجراً غُرز في ظهره أثناء وجوده في سوريا بوقوفهم إلى جانب “الصحوات” ومساندتهم “للمرتدين” ضده[7]، حيث يعتبر أنه تعرض “للخيانة” من قبل “الجولاني” و”جبهة النصرة” الذين كانوا في الأساس مبعوثين من قبله إلى سوريا مع بداية الثورة فيها، ويرى التنظيم قائدها “الجولاني” عميلاً “لدول الطاغوت” موظفاً “لتفتيت الجهاد وكسر شوكة المجاهدين”[8]، ولا يتوانى في إطلاق أشنع تهم الخيانة والعمالة ضده، كما أنه يكفّر “هتش” كذلك لامتناعها عن إقامة الدين تحت حجج “عدم التمكين”[9]، ومن المفارقات أن التنظيم يعيب على “هتش” بعض الممارسات التي تقوم بها الآن وكانت هي بدورها تتهم “داعش” بها، مثل تحريم الخروج عليهم وتشكيل فصائل جديدة في إشارة لخلافات “هتش” مع غرفة عمليات “فاثبتوا” و “وحرّض المؤمنين” في إدلب، وكذلك “عدم الامتثال للقضاء أمام المحاكم الشرعية” وغيرها من الاتهامات[10]، كذلك فإن التنظيم يكفّر “هتش” بسبب سعيها لإقامة علاقات مع الدول الغربية ومحاولتها تبييض صورتها، وتناول التنظيم كلام شرعي “هتش” مع صحيفة “لوموند السويسرية ” الذي تحدث فيه عن الفرق بين حكمهم في إدلب وحكم “داعش” في الرقة، وقد عدّ التنظيم هذه التصريحات تبريرات لجرائم “التحالف الصليبي” في الرقة[11].

طالبان: يطلق تنظيم “داعش” على حركة طالبان لقب “ميليشيا طالبان المرتدة”؛ وذلك لعدة أسباب من وجهة نظره، أولها: بسبب “تعطيل إقامة الشريعة” مع أنها قادرة على فعل ذلك، إذ يرى التنظيم أن “امتناعها عن إقامة الدين بحجة عدم التمكين مجرد كذبة يكذبها الواقع”[12]، كما يهاجم التنظيم الحركة ودخولها في مسار المفاوضات مع الحكومة الأفغانية بوساطة أمريكية، وأن هذا المسار هو “تنازل قدمته الحركة للولايات المتحدة الأمريكية” قبل انسحاب الأخيرة من أفغانستان، وأنه تحول في موقف الحركة من “القتال ضد العدو الصليبي حتى إخراجه من البلاد إلى ارتضائه وسيطاً للمفاوضات مع الأطراف المحلية للفوز بحصة في الحكم”، وأنه كذلك حسم للجدلية المعروفة في أدبيات الحركات الجهادية “بقتال العدو البعيد أو العدو القريب” في اتجاه قتال العدو المشترك وهو “تنظيم الدولة الإسلامية”، بالتعاون مع العدوين القريب (الحكومة الأفغانية) والبعيد (الولايات المتحدة) معاً[13]، كما ادّعى التنظيم أن سيطرة “طالبان” مؤخراً على أفغانستان هو نوع من أنواع محاربة “التنظيم” فكرياً؛ حيث إن قادة “التحالف الصليبي” أدركوا ضرورة إبراز نموذج جديد فكرياً وشرعياً يستطيع الوقوف ضد منهج التنظيم حسب تعبيرهم[14]، وبطبيعة الحال فإن هذا الموقف الصلب ضد “حركة طالبان” جعلت منها هدفاً مباشراً لعمليات التنظيم وهجماته العسكرية والأمنية.

تنظيم القاعدة: مع اعتبار تنظيم القاعدة يُعد ولو من الناحية الشكلية التنظيم الأمّ “لداعش”، إلا أنه كذلك تعرض لحملات التكفير والتخوين من قبل “داعش”، وتعود أسباب هذا التكفير إلى بداية الخلاف بين التنظيمين إثر توسع “داعش” في سوريا ثم عدم رضا “القاعدة” عن قيام “داعش” بإعلان “الخلافة الإسلامية”، ويرى أن قتال “القاعدة” للتنظيم في اليمن جاء نتيجة اختراقها أمنياً وتحريكها من قبل الجواسيس والعملاء التابعين للدول الغربية[15]، وكذلك قتال “القاعدة” للتنظيم في إفريقيا ومواجهة انتشاره هناك، كما يتهم التنظيم قيادات “القاعدة” بتقديم التنازلات والتخلي عن مبادئ الشريعة تحت مسمى “التراجعات الصامتة”؛ حيث أصبحت “القاعدة” اليوم لا فرق بينها وبين غيرها من الحركات الإسلامية التي كانت تنتقد مواقفها من الديمقراطية والتعاون مع الدول مثل “حماس” و”الإخوان المسلمين” حسب تعبير التنظيم[16]، ولا يفرق التنظيم بين أي فرع من فروع “القاعدة” المختلفة؛ فهو لا يميز بين ” هتش” وخصومها التابعين “للقاعدة” الذين تقوم “هتش” بملاحقتهم والتضييق عليهم في إدلب، أمثال “أنصار التوحيد” وبقية الفصائل المنضوية تحت غرفة عمليات “وحرض المؤمنين”، ويطلق عليهم جميعاً صفة “الردة”[17].

الإخوان المسلمون وحركات “الإسلام السياسي” بشكل عام: يطلق التنظيم على “حركة الإخوان المسلمين” لقب “الإخوان المرتدين”، ويُكفّر بوضوح مباشر حركات “الإسلام السياسي” التي تؤمن بمسارات الديمقراطية والانتخابات والبرلمانات، فضلاً عن تكفيره مَن يشارك في هذه المسارات من عامة الشعب[18]، وهو يكفّر “الإخوان المسلمين” لأنهم حسب رؤيته لم يصلوا إلى تبنّي الموقف الصحيح من أفراد وعناصر الجيش المصري وهو أنهم “كفار مرتدون”[19]، وكذلك يهاجم “الإخوان المسلمين” عندما يعلّقون على أخبار عملياته ضد الجيش المصري في سيناء لتفضيلهم النهج السلمي في معارضة الحكومة المصرية بدلاً من النهج العسكري “وطريق الجهاد”[20]، إضافة إلى تكفيرهم بسبب علاقاتهم مع الدول والحكومات الأخرى مثل قطر وتركيا[21].

“حماس”:  يهاجم التنظيم حركة “حماس” ويكفّرها بسبب امتناعها عن إقامة الشريعة رغم قدرتها على القيام بذلك حسب رأيه[22]، إضافة إلى ذلك يرى “داعش” أن “حماس” حصل لديها “انقلاب في معيار التوحيد”؛ حيث أصبح “معيار التوحيد عندهم معارضة اليهود المغتصبين لأرض فلسطين”، ولذلك فحكمهم على أي شخص أو جهة يكون بحسب قربه أو بعده عن هذا المعيار، ولذلك يطلقون على “قاسم سليماني” لقب “شهيد القدس”[23]، إضافة إلى أن التنظيم يهاجم “حماس” بسبب علاقتها بإيران[24].

وكذلك فإن التنظيم يسقط شرعية جميع العلماء والهيئات الشرعية التي لا تعترف به وتخالفه، ويطلق عليهم أوصاف “الردة” وأنهم “علماء السلطان والطاغوت”؛ فعلى سبيل المثال؛ هاجم المتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي” مَن أسماهم “علماء الطاغوت” واتهمهم بتشويه صورة “الدولة الإسلامية” وتضليل الناس وصدّهم عن سبيل الله حسب ادعاء “القرشي”[25]، كما يعتبرهم التنظيم أداة بيد الحكومات توظّفها لإصدار الفتاوى التي توافق مصالحها[26]، ويحذر عامة الناس من الاستماع إليهم واتباعهم بحجة أنهم “ضالون عن الحق”، والتنظيم هنا لا يقصد “حصرهم بأولياء الطواغيت الحاكمين وموظفيهم، بل تعميم هذا الوصف على كل مَن ادّعى العلم أو تصدّر للكلام فيه، وهو ضالّ مُضلّ يحرف  كلام الله تعالى عن مواضعه”، ثم أخذ يسرد بعد ذلك عدداً من الأمور التي أوجبت وصفهم بهذه الأوصاف[27]، ومن هنا يمكن أن نفهم سبب تعريض “داعش” بعدد من الشرعيين “وطلاب العلم” الذين كانوا معه فيما سبق ثم انشقوا عنه وبدؤوا بانتقاده والهجوم عليه[28]؛ حيث إن هؤلاء لا ينتمون بالطبع إلى الهيئات الشرعية الرسمية الموالية للأنظمة والحكومات المحلية، ولكنهم يملكون سلطة شرعية وروحية على عناصر التنظيم، مما يجعل من مهاجتمهم وإسقاطهم أولوية لديه، ويتمثل هذا الإسقاط بوصفهم بأوصاف “الانتكاس” و”الفرار من أرض الجهاد” وغيرها من أوصاف الإسقاط المختلفة.

نفي الاتهامات الموجهة للتنظيم وادّعاء المظلومية:

يحرص التنظيم في خطابه الإعلامي على الظهور بمظهر المجني عليه من قبل مخالفيه وأعدائه، كما يحرص على الحديث عن الحملات الواسعة التي يقوم بها خصومه لتشويه صورته وكيل الاتهامات الباطلة إليه حسب تعبيره؛ فيزعم أنه لا يكفّر خصومه ولا عموم الناس، وأنه لا يستبيح دماءهم وأموالهم بغير حق كما يدّعون، ولكنه يكفّر مَن يقع في ناقض صريح من نواقض الإسلام حسب تعبيره، والمفارقة هنا أن التنظيم عند تنزيله نواقض الإسلام على عموم الناس والجماعات المختلفة لا يكاد يُخرج أحداً من هؤلاء خارج دائرة التكفير إلا أتباعه ومناصريه.

 ويتحدث التنظيم كذلك عن وسائل أخرى تقوم بها الجهات الدولية لتشويه صورته؛ فعلى سبيل المثال: بعد حادثة شحنة المخدرات الضخمة التي كشفتها أجهزة الأمن الإيطالية واتهام “داعش” بالوقوف وراءها[29] استغرب التنظيم هذه الاتهامات، وقام باستثمار هذه الحادثة للحديث عن حرب التشويه والتضليل التي تقوم بها أجهزة الإعلام العالمية “الصليبية” ضده[30]، لاسيما بعد أن تحدثت العديد من التقارير العالمية عن وقوف النظام السوري وراء شحنة المخدرات تلك[31].

وتجدر الإشاره هنا إلى تحوُّل مهمّ في سياسة التنظيم الإعلامية؛ حيث يقوم التنظيم بنفي التهم الموجهة إليه باستهداف المدنيين والأبرياء بالسيارات المفخخة في مناطق سيطرة فصائل الجيش الحرّ شمال سوريا، معتبراً تلك الاتهامات مجرد محاولات يائسة للتغطية على فشل “فصائل الصحوات” في حماية المناطق التي تسيطر عليها، والتي كانت تنعم فيما سبق بالأمن تحت حكم الشريعة وحكم “الدولة الإسلامية” حسب تعبير التنظيم[32]، ويبالغ التنظيم في تبرئة نفسه مبيناً أن جنوده يحرصون على تنفيذ “هجماتهم المشروعة” ضد القوات التركية أو عناصر الجيش الوطني في الأوقات والأماكن التي لا يتعرض فيها الأبرياء للأذى[33]، في الوقت الذي لم يكن فيه التنظيم يعبأ كثيراً بالاتهامات الموجهة إليه باستهداف المدنيين، بل كان يسارع إلى تبنّيها والاحتفاء بها[34].

ومن الممكن أن نفهم توجه التنظيم هذا المتمثل في تبرئة نفسه من استهداف المدنيين أو في تخلّيه الفعلي عن هذا النهج في هذه المرحلة الحالية ضمن محاولاته لاستعادة الشعبية ضمن الحواضن المجتمعية السنّيّة في سوريا والعراق، وعدم القيام بأعمال وتصرفات تستعدي هذه الحواضن التي لحق بها ضرر كبير جرّاء سيطرة “داعش” على مدنها وقراها، سواء من سلوكيات التنظيم نفسه أو نتيجة القصف والمعارك التي أدت إلى إجلائه عن تلك المدن والقرى.

وسياسة ادّعاء المظلومية ونفي التهم الموجهة للتنظيم تُعد سمة تخفت أو تبرز بحسب ضعف التنظيم وقوته؛ وذلك أن الخطاب الإعلامي الحالي لـ “داعش” يشبه من هذه الناحية الخطاب الإعلامي له في تلك الفترة التي سبقت تمكنه وإعلانه الخلافة في سوريا والعراق، حيث اتبع التنظيم في كلا الفترتين أساليب التقية والتورية وادعاء المظلومية وتبرئة نفسه من الجرائم المنسوبة إليه، ومن أبرز الأمثلة على هذا الأسلوب في الفترات السابقة الكلمة الصوتية للمتحدث السابق باسم التنظيم “العدناني” والتي كانت بعنوان “لك الله أيتها الدولة المظلومة”[35]؛ حيث كان “داعش” يخفي نواياه الحقيقية وتكفيره فصائل الجيش الحر، ويتحدث عن حملة التشويه والتضليل التي يقوم بها الإعلام ضده، بشكل مشابه إلى حد كبير للخطاب الحالي للتنظيم من حيث ادعاء المظلومية وتبرئه نفسه ونفي التهم الموجهة إليه.

رسائل الترغيب والترهيب والتوجيهات العامة للمقاتلين والأتباع:

يستثمر “داعش” الخطاب الإعلامي الخاص به في تضمين الرسائل الداخلية الموجهة للمقاتلين والأتباع، ويعتمد فيها أسلوبَي الترغيب والترهيب لتحفيزهم للقتال ومدّهم بالروح المعنوية اللازمة للحفاظ عليهم ضمن صفوفه، وتحذيرهم من مغبّة الانسحاب “والانتكاس” والخروج من عباءة التنظيم.

يسوّق “داعش” بشكل أساسي لتكذيب الرواية التي تدّعي القضاء عليه وإنهاء وجوده أكثر من مرة، في محاولةٍ لرفع معنويات مقاتليه وأتباعه، ويستلهم من قصة عودته في العراق وصعوده على يد زعيمه “أبو بكر البغدادي” “الدروس والعبر” بإمكان عودته مجدداً[36]، وقدرته على الاستمرار رغم مقتل قادته وانحسار مناطق سيطرته أكثر من مرة[37]، وهو بذلك يغرس في نفوس أتباعه ومقاتليه الشعار الذي يتبناه وهو “باقية”، ويحفّزهم على القتال والصبر ويعدهم بالعاقبة والنصر، وفي سبيل تحفيز مقاتليه أيضاً يستثمر “داعش” بعض التصريحات الصادرة عن الجهات والأنظمة التي تقاتله، والتي فيها عبارات توحي باليأس والتخبط في تسويق الهزيمة النفسية لأعدائه وقرب انهيارهم[38]، كذلك يستخدم التنظيم أساليب أخرى لتحفيز المقاتلين ورفع هممهم؛ مثل الحوارات مع القادة والعاملين[39]، وتعظيم بعض حكايات “المجاهدين والمهاجرين ممن تركوا الدنيا ونعيمها” والتحقوا بصفوف التنظيم، إضافة إلى تحويل “الشهداء” إلى رموز وقدوات يدعو أتباعه للتأسّي والاقتداء بهم[40].

والمقابل يعالج التنظيم مشكلة فرار مقاتليه وهجرتهم العكسية من المناطق التي يسيطر عليها إلى بلدانهم ومناطقهم الأصلية، خصوصاً بعد الهزائم التي مُني بها وضياع قوته ونفوذه، واصفاً هؤلاء بأوصاف “الكفر والردة والسقوط في الفتنة وبيع دينهم مقابل دنياهم”، مشبّهاً إياهم “بالمنافقين الذين يعبدون الله على شرط”[41]، ويتهمهم “بضعف الإيمان وحب الدنيا وكراهية الموت والخوف على الأهل والأبناء والاغترار بالمطامع الدنيوية”[42]، ثم يحذر هؤلاء من عاقبة ترك التنظيم الدنيوية – غير ما نالوه من الخسارة في دينهم- مثل التعرض للأسر والقتل أثناء الفرار، أو التحول للقتال تحت راية “الطواغيت”، أو العودة للعيش في حياة الذل والخنوع، وغير ذلك من المآلات السيئة كما يصفها التنظيم[43]. وفي كل ما سبق نجد أن “داعش” يستخدم أساليب الترهيب المختلفة الدينية والدنيوية لردع عناصره وتخويفهم من مغبة الفرار وترك التنظيم، وهو أمر لجأ إليه حدثياً بعد أن أصبحت حالة الفرار والهجرة العكسية متكررة[44] بين صفوف عناصره، بعد أن كان يستقبل المقاتلين بالمئات قبل سنوات قليلة.

كما يقدّم التنظيم لعناصره التوجيهات العسكرية والأمنية لأساليبه الجديدة التي فرضتها عليه ظروف التضييق والحرب التي تعرض لها[45]، والاستدلالات الشرعية اللازمة لتلك الأساليب؛ إذ يرى “داعش” نفسه الآن في مرحلة عدم التمكين والضعف، وبالتالي فإن السيطرة على الأرض ليست من أولوياته الآن، وقد أباح الشرع بحسب رأي التنظيم ممارسة أسلوب حرب العصابات المعتمد على تكتيكات “الكرّ والفرّ” بهدف النكاية بالعدو واستنزافه[46]، متخلياً مؤقتاً عن مفهوم السيطرة على الأرض و”إقامة الشريعة” التي كانت معلماً رئيساً لخطابه وقت قوته وذروته، كما أن مشاهد “تطبيق الشريعة” المتمثلة في جباية الزكاة وإقامة حدود القتل والسرقة والزنا وغيرها من الحدود الشرعية كانت حاضرة بشكل متكرر في إعلام التنظيم زمن قوته وصعوده، في حين أنه يُنحّي حالياً -ولو مؤقتاً- هذا الأمر على المستوى الإعلامي، ويُؤصّل شرعياً وعسكرياً لسرديات الضعف واللاتمكين الذي يعيشه[47].

الاحتفاء بالتقارير الصحفية والاستخباراتية التي تتحدث عن قوة التنظيم واحتمالية عودته:

تتمتع وسائل الرصد والمتابعة عند التنظيم بقوة ملحوظة نسبياً على الرغم من هزالة المحتوى الإعلامي للتنظيم في وقته الحالي شكلاً ومضموناً مقارنة بفترة ذروته، يظهر هذا جلياً في قدرة التنظيم على متابعة التقارير الصحفية والاستخباراتية التي تنشرها مراكز الأبحاث والصحف الغربية، والتي تتحدث عن قوة التنظيم وصموده والتنبؤ بعودته إلى المشهد قريباً، ويورد التنظيم هذه التقارير بنفَس احتفالي كبير، معتبراً هذه التقارير دليلاً على هزيمة أعدائه وضياع جهودهم، وعلى قوته وثباته وقدرته على العودة من جديد؛ مما يرفع من معنويات مقاتليه وأتباعه، ويبث الأمل في نفوسهم.

فعلى سبيل المثال: أوردت صحيفة النبأ في عددها (240) تصريحاً صادراً عن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية يرى فيه تنظيم الدولة شبكة عالمية تنشر الإرهاب[48]، وينقل “داعش” كذلك أخباراً عن تقرير صادر عن مركز أبحاث بريطاني يتحدث عن الأساليب الإعلامية للتنظيم[49]، كذلك تنقل الصحيفة تصريحات عن مسؤول إيراني وآخر أمريكي تتحدث عن أهمية قتال التنظيم في سوريا وعن صعوبة استئصال التنظيم بشكل كامل بسبب صلابته الأيديولوجية بحسب التصريحات[50]، وكذلك تنقل الصحيفة عن تقرير أعدّه أحد الباحثين الإسرائيليين التابع لمعهد واشنطن للدراسات يتحدث عن نشاط التنظيم في “ولاية سيناء” وعن فشل التعامل الأمني المصري مع مقاتلي التنظيم[51]، وينقل كذلك أخباراً عن تقرير صادر عن الأمم المتحدة يقدر أعداد المقاتلين النشطين التابعين للتنظيم في سوريا والعراق في منتصف العام 2020 بعشرة آلاف مقاتل محذراً من ازدياد هجماتهم[52]، إلى غير ذلك من الأمثلة والشواهد التي تعزز هذا السلوك عند إعلام “داعش”.

تقديم سردية التنظيم ورواية تجربته في العراق وسوريا:

يهتم تنظيم “داعش” كثيراً بعرض روايته للأحداث في العراق وسوريا منذ نشأته إبان الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى سقوطه وضياع نفوذه في العام 2018م، ويشحن التنظيم هذه الرواية بتخوين مخالفيه وتشويههم ورميهم بتهم الكفر والعمالة، كما يستلهم من هذه الأحداث الدلالات التي تشير إلى قدرته على العودة والاستمرار مؤكداً شعاره الأثير “باقية”، وبطبيعة الحال فإن هذه الرواية للأحداث بلسان التنظيم تنقصها بقدرٍ كبيرٍ النظرة الموضوعية وصحة المعلومات؛ إلا أن أهمية الاطلاع عليها تكمن في فهم طبيعة رؤية التنظيم للأحداث ومعرفة المغالطات التي يعتمد عليها في إقناع مقاتليه وأتباعه ومناصريه بشرعيته ومظلوميته.

وعلى سبيل المثال: يتناول التنظيم في سلسلة من أربع مقالات بعنوان “خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية” مسيرته منذ نشأته في العراق إبان الاحتلال الأمريكي واقتتاله هناك مع بقية الفصائل العراقية التي يطلق عليها اسم “الصحوات”، والهزائم التي تعرض لها وألجأته إلى الانسحاب إلى بادية الأنبار[53]، ثم إرسال المقاتلين إلى سوريا مستفيداً من اندلاع الثورة فيها في محاولة منه “لكسر الطوق عن المجاهدين”، وتعرضه بعد ذلك إلى “الخيانة” ومحاولة “شق صف المجاهدين”عن طريق “الجولاني المرتد”؛  إلا أن التنظيم استطاع الخروج من هذه الأزمة معلناً  قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام”[54]، ويعترف تنظيم “داعش” أنه منذ بداية وصوله إلى سوريا كان حذراً من تكرار مشروع “الصحوات” فيها، فأخذ يجمع المعلومات الاستخباراتية حول الفصائل المرشحة لهذه المهمة ويعدّ العدة لتفكيكها والقضاء عليها، وأنه كان يملك مخططاً جاهزاً للقضاء على هذه الفصائل، إلا أن دخول “القاعدة” ضمن مشروع الصحوات فاجأ التنظيم “مما شكل ثغرة في خطته الوقائية”[55]، ونجح التنظيم مرة أخرى في تجاوز هذه العقبات وقام بإعلان “الخلافة”؛ الأمر الذي جعل أمريكا تحسّ بخطر التنظيم وقوته وتقوم بتشكيل أكبر تحالف عسكري في التاريخ للقضاء عليه بحسب رأي التنظيم، وقد اعتبر تنظيم “داعش” أن أمريكا والتحالف الدولي عالقون في الحرب حتى بعد إعلانهم القضاء عليه إثر معركة الباغوز، وأنهم يدركون كذلك “عجزهم عن تحقيق النصر الكامل”، وأنهم سيبقون في حالة استنزاف دائم في الوقت الذي يسعون فيه إلى التخفف من أعباء “الحرب على الإرهاب” والتفرغ لمواجهة الدول التي تنافسهم في الهيمنة العالمية[56].

التحريض على العنف وبثّ خطاب الكراهية والتكفير:

لا يحتاج المتابع للخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” الكثير من الجهد للوقوف على مضامين التحريض على العنف أو خطاب الكراهية والتكفير؛ بل لا تكاد تخلو مخرجاته الإعلامية بأي شكل من الأشكال كانت من ألفاظ التكفير والردة والدعوة إلى القتل والذبح والتفجير، وتحولت الألفاظ المتقعرة واللغة المشحونة التي يستخدمها تنظيم “داعش” إلى مادة دسمة للتندر الإعلامي والسخرية[57]، وترسخت هذه الصورة النمطية عن طبيعة اللغة التي يستعملها التنظيم عند عموم المتابعين والناس.

وقد تراجعت قدرة التنظيم المرئية، وخفتت المشاهد المصورة بدقة وعناية وتحمل رسائل مشحونة بمضامين العنف والكراهية، مثل مشاهد الإعدام والقتل بصورة متعددة كالذبح والدعس والتفجير والحرق؛ إلا أن التنظيم ما زال يحرص على إرسال هذا النوع من الرسائل وضخه في مخرجاته الإعلامية المكتوبة والمسموعة، كما يُلاحظ تعمُّد إظهار شخصياته في غاية القوة والقسوة، وحتى في مشاهد القتل فإنه يحرص على إظهار أتباعه بصورة المقاتل الكامل الصلب، في مقابل صورة مخالفه ضعيفاً مستسلماً خانعاً لخصومه دون أي مقاومة أو اعتراض.

ولعل أبرز مفارقة تتعلق بهذا الخطاب الإعلامي المشحون بمفردات القتل والتفجير ومشاهد الإعدام والذبح أنه تنظيم “داعش” كان يملك -وما زال إلى حد ما- جاذبية ملفتة للنظر لا تتوافق مع هذه الدموية المرعبة، مما يدعونا هنا للتساؤل عن سبب هذه الجاذبية والبحث عن الأسباب التي تدفع آلاف الشباب إلى الالتحاق بركب التنظيم والاستجابة له[58]، كما يؤكد من جهة أخرى ضرورة توفير المعالجة الشرعية والأيديولوجية لهذا الخطاب، وعدم الاكتفاء بالحل العسكري والأمني في سبيل القضاء على التنظيم وإنهاء خطره.

ومعضلة التكفير وإطلاق ألفاظ الردة والخروج عن الدين هو أمر شائع بشكل عام عند جماعات الغلو والتطرف ومنظّريها؛ إلا أن دائرة التكفير عند التنظيم تتسع لتشمل دوائر أوسع مما هو متعارف عليه عند “منظّري الجماعات الجهادية”، تصل في بعض الأحيان إلى تكفير عموم الناس ممن يشاركون في الانتخابات أو ممن لم يقفوا إلى جانب التنظيم[59]، وتكفير “العاذر بالجهل” والتكفير المتسلسل بناءً على قاعدة “مَن لم يكفّر الكافر فهو كافر”، فضلاً عن تكفير كل الجماعات والأحزاب الإسلامية الأخرى وكل الهيئات العلمية والشرعية المخالفة له[60].

وبالطريقة ذاتها تتسع دوائر التحريض على العنف والقيام بالأعمال العدائية عند تنظيم “داعش”؛ فالدعوة للعنف لا تشمل فقط دعوة أتباعه ومناصريه وتحريضهم على ذلك، وإنما تتسع لتشمل عموم الناس و”المسلمين”، وكذلك لا يدعو التنظيم لاستهداف الحواجز والنقاط العسكرية أو مَن يُظهرون العداوة للتنظيم ويقاتلونه فقط، بل تتعدى ذلك لتشمل عموم رعايا “الدول الصليبية” ومواطنيها في أي مكان وزمان وبأي شكل من الأشكال؛ “بالرضخ بالحجر أو النحر بالسكين أو الدهس بالسيارة أو الرمي من شاهق أو كتم الأنفاس أو دسّ السم”[61]، في دعوةٍ علنيةٍ مفتوحةٍ للعنف وتنفيذ العمليات الفردية وفق ما يُعرف باسم “الذئاب المنفردة”، التي لا يحتاج فيها منفّذ العملية أن يكون عضواً رسمياً في التنظيم، مما يعني إمكانية تحوُّل عشرات الشباب المتأثرين بالخطاب الإعلامي لداعش إلى قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت.

مجاراة الأحداث والتعليق عليها[62]:

يهتم تنظيم “داعش” بإبراز مجاراته للأحداث السياسية والعسكرية والتحولات المحلية والدولية والتصريحات والمواقف المختلفة، والتي غالباً ما يصدرها التنظيم في افتتاحية الصحيفة الأسبوعية أو في الكلمات الصوتية للمتحدث الرسمي؛ حيث يتناول التنظيم هذه المواقف معلّقاً ومعقّباً عليها ومبيناً رؤيته “الشرعية” والأيديولوجية لهذه الأحداث، ومقدّماً بعض النصائح والتوجيهات المختلفة لمناصريه ولعموم المتابعين كذلك.

والأمثلة على ذلك كثيرة، فمثلاً: تناول المتحدث الرسمي باسم التنظيم قضية مقتل “قاسم سليماني” وصفقة القرن في كلمة “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها”[63]. وفي كلمته بعنوان “وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار” اعتبر فيروس “كوفيد-19” عقاباً إلهياً للناس[64]؛ علماً أن تنظيم “داعش” ذاته سبق له لوم مَن جزم أن الفيروس الجديد عقاب من الله، وبيّن أن هذا مما لا يمكن القطع به وإن كان “التشفّي بالكفار أمراً شرعياً محموداً”، وكان قد دعا الناس إلى اتخاذ أسباب الوقاية من الفيروس والابتعاد عن المناطق الموبوءة[65]. وفي كلمته بعنوان “فاقصص القصص لعلهم يتفكرون” تناول قضية تطبيع بعض الدول العربية مع “إسرائيل” ورأى أن “سكوت علماء الطواغيت” عن هذا التطبيع علامة على انحراف منهجهم وكذب ادعاءاتهم بانحراف منهج التنظيم[66].

والأمثلة على ذلك من افتتاحيات صحيفة النبأ كثيرة جداً كذلك؛ فقد تناول تنظيم “داعش” الانتخابات الأمريكية والاحتجاجات التي قام بها مناصرو ترامب عقب خسارته واقتحامهم للكونغرس الأمريكي، معتبراً أن هذه الأحداث الداخلية ستشغل أمريكا قليلاً وقدّم رؤيته لشكل السياسة الدولية كما يراها[67]. وكذلك المشهد السياسي الأخير في تونس والإجراءات الرئاسية التي قام بها “قيس بن سعيد”؛ حيث استثمر التنظيم هذه الحادثة في التدليل على فشل مسارات “الإسلام السياسي” التي تؤمن بالديمقراطية[68]. وفي تعليقه على أحداث الشغب والمظاهرات التي شهدتها أمريكا عقب حادثة مقتل “جورج فلويد” توقع التنظيم أو “تمنّى” توسُّع رقعة هذه الفوضى وانتقالها إلى بلدان أخرى، معتبراً هذه الفوضى دليلاً على فساد الحكم وغياب “عدل الشريعة”، موصياً أتباعه بالتجهز لاقتناص فرصة الضعف والتهالك[69]، إلى غير ذلك من الأمثلة.

التركيز على نشاط التنظيم في “ولايتي وسط وغرب إفريقيا”:

شهد منتصف عام 2019م عودة عمليات تنظيم “داعش” في العراق وسوريا بعد القضاء عليه وإنهاء سيطرته، وإلى جانب ذلك شهدت فروع التنظيم أو “ولاياته” الدولية الأخرى نشاطاً كبيراً متصاعداً، وقد شكلت إفريقيا مسرحاً جديداً لهذا النشاط المتزايد لوتيرة هجمات “داعش”؛ حيث أصبح يشكل تحدّياً حقيقياً للحكومات المحلية ومن ورائها الدول الغربية المتعاونة معها والداعمة لها مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت العديد من التقارير تتحدث عن مخاوف قيام التنظيم بنقل ثقله ومركزه إلى هناك؛ مع أن حجم التعقيدات والسياق الجغرافي وطبيعة وجود “داعش” في إفريقيا تختلف اختلافاً كبيراً عما كانت عليه في سوريا والعراق[70].

لا يُخفي التنظيم سعادته واهتمامه الكبير بنشاطه المتزايد في إفريقيا، ويرى هذا النشاط المتزايد دليلاً على صدق شعار “باقية” الذي يرفعه، وعلى كذب رواية الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت هزيمته، وقد باتت أخبار عملياته في مختلف الدول الإفريقية تأخذ حيزاً كبيراً، وفي كلمته الأخيرة بعنوان “وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” كان من اللافت أن يبدأ المتحدث الرسمي باسم التنظيم تحيته وسلامه و”توجيهاته” إلى مقاتليه وأتباعه في غرب ووسط إفريقيا، معتبراً إياهم رأس الحربة في القتال ضد “أعداء الدين”[71].

وبشكل عام فإن احتفاء تنظيم “داعش” الكبير بنشاطه في إفريقيا يأتي من كونه يقوّض الرواية المضادة التي تتحدث عن انحساره؛ أكثر من كونه يشكل خياراً استراتيجياً حقيقياً للتنظيم بنقل مركز قوته وثقله إلى هناك.

الدعوة لاقتحام السجون وتحرير أسرى التنظيم:

تُعد قضية اقتحام السجون وتحرير الأسرى التابعين للتنظيم فيها، أو ما يُعرف عند التنظيم “بهدم الأسوار” من أكثر القضايا محورية في الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش”، إضافة إلى كونها استراتيجية عسكرية حقيقية يسعى لتحقيقها في الأرض. والعلاقة بين التنظيم واقتحام السجون ليست وليدة مرحلة الضعف و”اللاتمكين” الحالية، بل هي استراتيجية قديمة نشأت مع ولادة التنظيم في العراق على يد “أبي مصعب الزرقاوي”، وفي الوقت ذاته فإن هجمات التنظيم على السجون و”تحريره للأسرى” تبقى من أكثر القضايا المتعلقة بتنظيم “داعش” إثارة للأسئلة والشكوك؛ إذ عادة ما يسبق انتشار التنظيم وتمدده في مكان جديد “تحرير” أعداد كبيرة من السجناء[72]، فضلاً عما يشير إليه العديد من الخبراء ومن منظّري “الجماعات الجهادية” أنفسهم من أن الوقت الذي يقضيه أتباع هذا التيار في السجون – العربية منها على وجه الخصوص- تُعد نقطة تحوُّل أساسية في معتقداتهم وتوجهاتهم نحو الغلو والتطرف، بحيث تصبح السجون نقطة احتكاك مع غيرهم من رؤوس الغلو والتكفير، وتعريضهم كذلك إلى جلسات المراجعة مع جهات شرعية محسوبة على تلك الدول التي يقضون فيها فترة سجنهم، مما يخلق عندهم حنقاً عاماً على هذه الجهات الشرعية المحلية التي تبرر بنظرهم التعذيب والإهانة التي يتعرضون لها، باعتبار تلك الجهات الشرعية متعاونة مع هذه الحكومات “الكافرة”[73].

ولذلك لا تخلو الخطابات الرسمية للمتحدث الأول باسم تنظيم “داعش” من الدعوة لتحرير الأسرى في السجون، كما تركز صحيفة النبأ بشكل متكرر على هذه القضية، وتعتبر أسرى التنظيم في السجون “رأس مال” ينبغي العمل على تحريره، وذلك في معرض إيرادها خبر “تحرير” جنود التنظيم لأكثر من 300 سجين من سجن “ننجرهار” في مدينة “جلال آباد”؛ حيث أثنت الصحيفة على هذه العملية، وذكرت بعد ذلك ضرورة العمل على تحرير الأسرى وجعلها قضية أولوية لدى جنود التنظيم، وذكرت بعد ذلك عدداً من الوسائل الأخرى التي يتبعها تنظيم “داعش” وتشير إلى محورية قضية السجون والأسرى عند التنظيم؛ إذ أشادت بمحاولات الهروب الفردية من داخل السجون وعمليات الفداء بالمال والأنفس، وإرهاب السجانين والمحققين عبر الاغتيالات[74]، ولعل تنظيم “داعش” يهدف من كل ذلك إلى القيام بعملية بروباغندا داخلية تشعر عناصر التنظيم بأهميتهم لديه، إضافة إلى حاجته الماسة إلى هؤلاء العناصر القابعين في السجون -الذين تُقدر أعدادهم بالآلاف- فيما إذا أراد التنظيم أن يستعيد نفوذه مجدداً.

وباعتبار أن الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” مرتبط بالتوجهات الأيديولوجية والفكرية يجدر بنا البحث فيما وراء الخطاب الإعلامي من دوافع وتوجهات فكرية، وهو ما سوف نركز عليه في الفصل الثاني.

الفصل الثاني: التدافعات الفكرية داخل التنظيم وإسهامها في إنتاج خطابه الإعلامي:

دور الأيديولوجيا في إنتاج الخطاب الإعلامي ورسم التوجهات العامة للتنظيمات:

تأتي أهمية التركيز على الدوافع الفكرية والأيديولوجية المؤثرة في سلوك تنظيم “داعش” ككل، وفي خطابه الإعلامي بشكل خاص من أمرين اثنين: الأول هو طبيعة الدور الأيديولوجي بشكل عام في التأثير على سلوكيات الأفراد والجماعات؛ بغضّ النظر عما إذا كانت الدوافع الأيديولوجية هي المحرك الرئيس أو كانت مجرد غطاء أخلاقي لتبرير الدوافع المادية والمصالح الشخصية، والأمر الثاني يكمن في ضرورة التفريق بين مشروع التنظيم السياسي كدولة ذات كيان قائم يسيطر على أرض وشعب، والمنظومة الأيديولوجية والفكرية المغذية لهذا المشروع والرافدة له، ويدفعنا هذا التفريق للاقنتاع بأن مجرد الهزيمة العسكرية للمشروع السياسي لا يعني القضاء على التنظيم وعلى إرثه الفكري والأيديولوجي، ويترك الباب مفتوحاً أمام عودته مرات ومرات فيما إذا توافرت الشروط الموضوعية التي أسهمت في ظهوره أول مرة، والتي ما زال عدد منها موجوداً، بل ومتفاقماً إلى حد كبير.

 وبشكل عام: يُعد تنظيم “داعش” من أكثر الجماعات تصلباً من الناحية الأيديولوجية، إلا أنه في الوقت نفسه يُعد من أكثرها تشظياً وانقساماً داخلياً؛ وذلك بسبب طبيعة المنظومة الفكرية التي تتغذى عليها عقلية التنظيم، والتي لا تتسم بقدرٍ كافٍ من الرصانة والاتساق المنهجي، مما يجعله غير قادر على إدارة الخلافات الداخلية بشكل متزن، ولذلك كثيراً ما تنتقل الخلافات الفرعية والثانوية إلى دائرة المفاصلة العقدية والولاء والبراء، ويصبح أي نزاع أو اختلاف في الرأي بوابة للتكفير والانقسام. ولا ينفرد تنظيم “داعش” بالطبع لوحده بهذه السمات؛ حيث إن هذا النوع من التشظي الداخلي يُعد سمة بارزة لدى أغلب التيارات والجماعات والأفراد التي تندرج تحت فضاء جماعات الغلو والتطرف، إلا أن تنظيم “داعش” تميز بتصاعد تلك الخلافات فيه إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ تلك الحركات[75].

الصراع الأيديولوجي الداخلي في التنظيم ودوره في رسم ملامح الخطاب الشرعي الحالي:

تلعب الأيديولوجيا الخاصة بتنظيم “داعش” دوراً أساسياً في حشد المقاتلين وشحنهم بالمضامين الفكرية التي توجه سلوكهم نحو العنف وتخلق فيهم مشاعر التكاتف والمصير المشترك، وبغضّ النظر عن حقيقة ما إذا كان مهندسو هذه المنظومة الأيديولوجية الصلبة يؤمنون إيماناً صلباً بها، أو أنهم يتخذونها غطاء تحشيدياً وتبريرياً لنوازع ودوافع أخرى؛ فإن هؤلاء الشرعيين داخل “داعش” -وداخل مختلف جماعات الغلو والتطرف المماثلة- يلعبون أدواراً أساسية في ضبط المسارات السلوكية للجماعة وتحديد التصورات والخطاب، إضافة إلى أدوارهم الأخرى في القضاء والشورى والقيادة؛ إلا أن دفة القيادة والتوجيه في التنظيم شهدت تنازعاً كبيراً بين “الشرعيين” هؤلاء أنفسهم أحياناً، وبين “الشرعيين” والدوائر العميقة (الأمنية والعسكرية) المتحكمة في مفاصل التنظيم ككل أحياناً أخرى، وغالباً ما كانت تنتهي هذه الخلافات بإعدام التنظيم عشرات “الشرعيين” بتهم الخروج والغلو والتطرف.

وقد نشأت إحدى حلقات هذ الصراع وأهمها بعد ظهور قضية “تكفير العاذر بالجهل” عند أحد “الشرعيين” ويُدعى “أبو جعفر الحطاب” بعد أن تلقاها عن شيخه “الحازمي”[76]، وفيما بعد توسعت دوائر هذه القضية الخلافية لتشعل الصراع بين عدة تيارات “شرعية” داخل التنظيم، أولها تيار “تركي البنعلي” و”أبو بكر القحطاني” ثم تيار “الحطاب” نفسه ومَن تبعه من “الشرعيين وطلاب العلم” الذين كفّروا البغدادي نفسه ومَن حوله، وبين هذين التيارين تيار “أبو محمد الفرقان”، القيادي القديم في التنظيم وصاحب النفوذ الأوسع في دوائر القيادة والرقابة والمجال الإعلامي. وقد شهدت مراحل هذا الصراع تقلبات عدة؛ ابتدأت باعتقال ومقتل “الحطاب” ومئات “الشرعيين” معه ممن أصروا على موقفهم في قضية “العاذر بالجهل”، وتمكن تيار “البنعلي” من السيطرة على صناعة “الخطاب الشرعي” للتنظيم، ثم ما لبث أن انقلب تيار “الفرقان” عليهم وتسبب بمقتل “البنعلي” والقحطاني”، وبذلك انفرد تيار “الفرقان” بصناعة الخطاب الإعلامي و”الشرعي”، وأصبح المُعبّر الحقيقي والفعلي عن آراء “البغدادي” والدائرة القريبة منه، والتي تتحكم فعلياً بقرارت التنظيم وتوجهاته.

من جهة أخرى تورد “صحيفة النبأ” في زاوية “قصة شهيد” مقالة من جزءين بعنوان “أبو محمد الفرقان .. قائد معركة الإعلام والمرابط على ثغور العقيدة”[77] القصة الكاملة لمسيرته داخل تنظيم “داعش”، وتبين الدور الكبير الذي قام به في مختلف المجالات “الشرعية “والإعلامية والإدارية؛ فقد كان رئيساً “لديوان الإعلام” وعضواً في “مجلس الشورى” وعضواً كذلك في “اللجنة المفوضة” من “البغدادي” لإدارة شؤون الولايات، ولذلك يُعد “الفرقان” -والذي أخذ اسمه من مؤسسة الفرقان الإعلامية التابعة للتنظيم والتي أشرف على إنشائها بنفسه- المهندس الأول للخطاب الإعلامي و”الشرعي” للتنظيم، ويعد ذكر “صحيفة النبأ” له تجديداً لانحياز التنظيم لتياره في مقابل التيارات الأخرى.

ويعطينا كتاب “كفُّوا الأيادي عن بيعة البغدادي” الذي ألّفه أحد “الشرعيين” الذين انشقّوا عن التنظيم، والذي يُعد من أحد رموز تيار “البنعلي”، وهو “أبو محمد الهاشمي” شهادة وافية عن حقيقة هذا الصراعات داخل “داعش”، وعن دور “أبو محمد الفرقان” تحديداً في إقصائه بقية التيارات المخالفة لتوجهاته وتوجهات صناع القرار الفعليين داخل التنظيم، إضافة إلى ذلك يقدّم الكتاب صورة مفصلة عن استغلال “البغدادي” والدائرة القريبة منه للقضايا الأيديولوجية والشرعية في تحقيق المصالح الذاتية للتنظيم المتمثلة في الحفاظ على قوته وبقائه، ويشير كذلك إلى دور النفوذ العراقي داخل الدوائر الرئيسة في “داعش” والفساد الكبير المستشري في مختلف الجهات التابعة للتنظيم، الشرعية والإعلامية والعسكرية والإدارية، وفي الجملة يسهم الكتاب في رسم تصور عن طبيعة الصراع بين تلك التيارات المختلفة في التنظيم والذي أدى حسمها في نهاية الأمر إلى صبغ التنظيم بهذا الخطاب الإعلامي و”الشرعي” الحالي[78].

خاتمة:

أدى انكسار مشروع تنظيم “داعش” العسكري والسياسي إلى تقويض قوة خطابه الإعلامي والشرعي؛ إلا أن هذا الخطاب ما زال يحمل في طياته المضامين الفكرية والأيديولوجية ذاتها التي حرص التنظيم دوماً على إيصالها وإبرازها للناس، مما يعني ضرورة تفكيك وتحليل هذا الخطاب من قبل الدارسين والباحثين؛ لفهمٍ أكثر عمقاً لسلوكيات التنظيم وأهدافه وتطلعاته والطريقة التي يحشد ويوجه بها أتباعه ومناصريه.

ويحرص التنظيم في خطابه ضمن هذه المرحلة الجديدة من الضعف وغياب “التمكين” على إيصال جملة من الرسائل والمضامين وتحقيق العديد من الأهداف الداخلية والخارجية، تصبّ جميعها في نهاية الأمر في تثبيت شرعيته مقابل إسقاط شرعية الآخرين، والظهور بمظهر الضحية والمجني عليه، عن طريق تفنيد الاتهامات الموجهة إليه وتبرئة نفسه منها، وتقديم سرديته ورؤيته الخاصة لتجربته السابقة في سوريا والعراق، وعرض متغيرات الواقع الحالي من خلال وجهة نظره، كما يحرص التنظيم كذلك على الاستمرار في بثّ خطاب التكفير والكراهية والتحريض على العنف، ويوجه العديد من رسائل الترغيب والترهيب لمقاتليه وأتباعه والعديد من النصائح والتوجيهات في مختلف القضايا والشؤون الأمنية والعسكرية والاستراتيجية.

وبعيداً عن الاختلاف حول تقييم دور الأيديولوجيا الحقيقي في رسم سلوك التنظيم وتوجهاته؛ فإن حسم الصراعات الشرعية والفكرية بين مختلف التيارات داخله لصالح تيار معين أدى في نهاية الأمر إلى صبغ كامل الخطاب “الشرعي” والإعلامي برؤية هذا التيار، والذي يمثل إلى حد كبير رؤية الدائرة العميقة المتنفذة في التنظيم، من القيادات العراقية القديمة الذين خاضوا تجربة التنظيم من بداياتها، وسخروا بشكل أو بآخر المضامين الدينية والأيديولوجية في سبيل بقاء التنظيم والحفاظ على قوته.

لمشاركة الورقة: https://sydialogue.org/scaq


[1] “من أمن الشريعة إلى خوف الجاهلية”، صحيفة النبأ 256، 15/10/2020
[2] “إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة”، صحيفة النبأ 236، 28/5/2020.
[3] “بوادي الشام جنان ونار”، صحيفة النبأ 299، 11/8/2021.
[4] صحيفة النبأ: هي دورية أسبوعية يصدرها “ديوان الإعلام المركزي” التابع لتنظيم “داعش”، ينقل فيها أخبار عمليات التنظيم في “الولايات” التابعة له، ويتناول فيها الأحداث المحلية والعالمية وفق رؤية التنظيم، كما تحتوي على مقالات وعظية وتربوية وحوارات مع قادة ومقاتلين، وفيها أيضاً صفحة ثابتة بعنوان “حصاد الأجناد” وهي عبارة عن رسم إنفوغرافيك لحصاد عمليات التنظيم في جميع “ولاياته” خلال أسبوع.
[5] أبو حمزة القرشي المتحدث الرسمي باسم “تنظيم الدولة الإسلامية”: تم تعيينه بعد مقتل المتحدث السابق “أبو حسن المهاجر”، وظهر لأول مرة في الكلمة الصوتية التي أصدرها التنظيم بعنوان “ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسوف يؤتيه الله أجراً عظيماً”، والتي نعى فيها زعيم التنظيم السابق “أبو بكر البغدادي” وأعلن بيعة التنظيم للزعيم الحالي “أبو إبراهيم القرشي”.
[6] سبق ذلك الاستدلال على “مشروعية” آراء التنظيم وصحة إمارته ثم خلافته، وأتى التخوين ليقوم عليها، وقد استغرقت كمّاً كبيراً من كلام الزعماء في المرحلة العراقية، ثم المرحلة السورية.
[7] “خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية 4″، صحيفة النبأ 236، 28/05/2020.
[8] “خيبات الكافرين على الدولة الإسلامية 2″، صحيفة النبأ 235، 21/05/2020.
[9]“كذبة تأجيل الطوائف الممتنعة إقامة الدين”، صحيفة النبأ، 238، 11/06/2020.
[10] “يفعلون ما افتروا به على الموحدين”، صحيفة النبأ 240، 25/6/2020.
[11] صحيفة النبأ 251، ص 11، 21/9/2020.
[12]“كذبة تأجيل الطوائف الممتنعة إقامة الدين”، صحيفة النبأ، 238، 11/06/2020.
[13] “حسم جدلية العدو البعيد والعدو القريب”، صحيفة النبأ، 252، 17/09/2020.
[14] “وأخيراً رفعوا الملا برادر”، صحيفة النبأ، 300، 18/8/2021.
[15] “جواسيس يقودون الحرب على الدولة الإسلامية”، صحيفة النبأ 239، 18/06/2020.
[16] “التراجعات الصامتة”، صحيفة النبأ 290، 10/6/2021.
[17] صحيفة النبأ 233، الصفحة 15، 07/05/2020.
[18] “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين”، صحيفة النبأ 274، 18/2/2021.
[19] “من أسس بنيانه على تقوى خير”، صحيفة النبأ 233، 7/5/2020.
[20] “رابعة الجهاد ورابعة السلمية”، صحيفة النبأ، 245، 30/7/2020.
[21] “مناكفات أنداد ومزوادات حساد”، صحيفة النبأ 248، 20/8/2020.
[22] مصدر سابق، صحيفة النبأ 238.
[23] “عندما يصبح نتيناهو شهيد الشام”، صحيفة النبأ، 267، 10/1/2021.
[24] “الطريق إلى القدس”، صحيفة النبأ 287، 20/5/2021.
[25] “فاقصص القصص لعلهم يتفكرون”، كلمة صوتية “لأبي حمزة القرشي”، 18/10/2020.
[26] “إجماعات علماء الطواغيت”، صحيفة النبأ 262، 27/11/2020.
[27] “لا تتخذوا بطانة من دونكم”، صحيفة النبأ 269، 14/01/2021.
[30] “المخدرات تنعش العلاقات بين الصليبيين والطواغيت”، صحيفة النبأ 242، 9/7/2020.
[32] “من أمن الشريعة إلى خوف الجاهلية”، صحيفة النبأ 256، 15/10/2020.
[33] المصدر نفسه.
[34] مثل تبنّيه العديد من التفجيرات الدامية في الأسواق والساحات العامة في العراق وسوريا في ظل سيطرته وقوته، ولذلك تأتي محاولات التتنظيم لتبرئة نفسه من هذه الهجمات في سبيل التعريض بضعف فصائل الجيش الوطني والهشاشة الأمنية التي تعاني منها مناطق سيطرتها.
[36] كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي” بعنوان: “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها”، صحيفة النبأ 219، 30/1/2020.
[37] من الجدير بالذكر هنا أن هذا الخطاب يُعد استمراراً لخطاب التنظيم في فترات سابقة؛ حيث يستند التنظيم كثيراً إلى سردية أن خسارة المواقع والمدن لا تعني هزيمته، وأن التنظيم قادر على البقاء والعودة مهما تتعرض للخسارات، من ذلك على سبيل المثال الكملة الصوتية للمتحدث السابق باسم التنظيم “أبو محمد العدناني” بعنوان “ويحيا من حيّ عن بينة”، حيث قال فيها: “وهل سننهزم إن خسرنا الموصل أو سرت أم الرقة أو جميع المدن وعدنا كما كنا؟”، قبل أن يجيب: “كلا؛ إن الهزيمة فقد الإرادة والرغبة في القتال”. للمزيد يُنظر:
[38] “انهيار نفسي سريع للرافضة في العراق”، صحيفة النبأ، 14/5/2020.
[39]“حوار مع الشيخ أبي وليد الصحراوي .. أمير جنود الخلافة في منطقة الصحراء الكبرى”، صحيفة النبأ 260، 12/11/2020.
“حوار مع الشيخ أبي منصور الأنصاري أمير المفارز الأمنية في الخير بولاية الشام”، صحيفة النبأ 261، 19/11/2020.
[40] “لايضرهم من خذلهم”، صحيفة النبأ 249، 19/9/2020.
“أبو الدرداء .. أبو يحيى .. حسين، قصة ثلاثة من جنود الخلافة في الهند”، صحيفة النبأ 251، 19/9/2020.
“من خيرة المجاهدين حسباً ونسباً أبو طارق النعيمي”، صحيفة النبأ 256، 15/10/2020.
[41] “يعبدون الله على شرط.. فلا تكن مثلهم 1″، صحيفة النبأ 240، 25/6/2020.
[42] “يعبدون الله على شرط .. فلا تكن مثلهم 2″، صحيفة النبأ 243، 16/7/2020.
[43] “يعبدون الله على شرط .. فلا تكن مثلهم 3″، صحيفة النبأ 244، 23/7/2020.
[44] يشتكي التنظيم نفسه من تكرار هذه الحوادث؛ حيث يقول: “وقد رأينا اليوم في زماننا هذا مَن يتركون أرض الهجرة والجهاد عن سبق إصرار وترصد فارّين بأنفهسم لا بدينهم”، وفي كتاب “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي” يتحدث الكاتب عن بعض العقوبات التي اخترعها التنظيم ومنها “عقوبة السجن لمن حاول الفرار من المهاجرين والأنصار أول مرة وقتله في حال تكرار المحاولة”، مما يدل على فشو هذه الظاهر كذلك. وللمزيد يمكن الاطلاع على تقرير: عدنان حسين، “بعد الرقة وديرالزور… أين يهرب الدواعش؟”، المدن، 2/12/2017.
[45] “نصائح أمنية للمجاهدين في ديار العدو”، صحيفة النبأ 244، 23/07/2020.
[46] “إلا متحرفاً لقتال أو متحيزأ إلى فئة”، صحيفة النبأ 236، 28/5/2020.
[47] ومع ذلك وبحسب شهادات بعض الناشطين الميدانيين في مناطق سيطرة “داعش” فإن الواقع الميداني يختلف إلى حدّ ما عن الصورة الإعلامية التي يرسمها التنظيم لنفسه حالياً، فبحسب هؤلاء يستغل التنظيم الهشاشة الأمنية والفراغ الكبير الذي تخلفه ضعف سيطرة “قسد” وسياساتهم التمييزية ضد الأهالي في دير الزور في فرض بعض صور الهيمنة والسلطة على الناس، ويحاول التنظيم فرض “تطبيق جزئي للشريعة”؛ فهو يقوم بجباية الزكاة وتنفيذ أحكام القتل بحق “المشعوذين والمتهمين بأعمال السحر” وأولئك المتهمين بأنشطة “الدعارة والزنا” حسب هذه الشهادات؛ ولعل هذه التصرفات ترجع إلى الحماسة الفردية لبعض عناصر التنظيم والبحث عن مصادر للتمويل المحلي وطبيعة الهيكلية الجديدة التي تمنح هوامش كبيرة للقادة المحليين والميدانيين، في ظل وجود خلافات فكرية داخل التنظيم (سيتم الإضاءة عليها في الفصل الثاني)، إضافة إلى ما تم ذكره من الفراغ الأمني والعسكري الذي يخلفه ضعف قوات “قسد”.
[48] صحيفة النبأ 240، ص 11، 25/6/2020.
[49] للاطلاع على التقرير المذكور: خبراء يكشفون “مراوغة” تنظيم الدولة الإسلامية على فيسبوك، bbc، 14/7/2020.
[50] صحيفة النبأ 244، ص 11، 23/7/2020.
[51] صحيفة النبأ 246، ص 11، 6/8/2020.
[52] صحيفة النبأ 249، ص 11، 27/8/2020.
[53] “خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية 1″، صحيفة النبأ 233، 7/5/2020.
[54] “خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية 2″، صحيفة النبأ 235، 21/5/2020.
[55] “خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية 3″، صحيفة النبأ 236، 28/5/2020
[56] خيبات الكافرين في الحرب على الدولة الإسلامية 4″، صحيفة النبأ 239، 18/06/2020.
[57] “«السخرية» أقوى سلاح في مواجهة تنظيم داعش”، الشرق الأوسط، 16/3/2015.
[58] حسن أبو هنية، جاذبية الدولة الإسلامية: نظريات الاستقطاب، جزء من مؤتمر دولي بعنوان “سر الجاذبية: داعش الدعاية والتجنيد”، حزيران 2015.
[59] “وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين”، صحيفة النبأ 274، 18/2/2021.
[60] “من أسس بنيانه على تقوى خير”، صحيفة النبأ 233، 7/5/2020.
[61] “بشروا ولا تعسروا .. وبشروا ولا تنفروا”، صحيفة النبأ 257، 21/10/2020.
[62] إضافة إلى نقل “داعش” أخبار العمليات العسكرية والأمنية الخاصة به، والتي تأخذ نصيب الأسد من صحيفة النبأ أسبوعياً، كذلك الزاوية المعنونة أسبوعياً باسم “حصاد الاجناد”، والتي يعرض فيها التنظيم خسائر الجهات التي يقوم باستهدافها على مدار الأسبوع.
[63] كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي” بعنوان: “دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها”، صحيفة النبأ 219، 30/1/2020.
[64] كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي” بعنوان: “وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار”، صحيفة النبأ 236، 28/5/2020.
[65] “إن بطش ربك لشديد”، صحيفة النبأ 220، 6/2/2020.
[66] كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم “أبو حمزة القرشي” بعنوان: “فاقصص القصص لعلهم يتفكرون”، صحيفة النبأ 257، 1/10/2020.
[67] “الحرب مع أمريكا المثقلة بالأزمات”، صحيفة النبأ العدد 268، 7/1/2021.
[68] “تونس وحصاد الديمقراطية”، صحيفة النبأ 297، 29/7/2021.
[69] “فوضى أمريكية بعد الفيروس الصيني”، صحيفة النبأ 237، 4/6/2020.
[70] ثمة عوامل عدة تجعل تجربة التنظيم في إفريقيا مختلفة عما كانت عليه في سوريا والعراق، من ذلك: طبيعة وجوده هناك حيث لم يُكوّن التنظيم حتى الآن بنية مركزية صلبة شبيهة بالتي كانت في العراق وسوريا، ويقتصر وجوده على بعض الجماعات المبايعة التي تتلقى في المقابل شيئاً من الدعم المادي والتدريب العسكري من قبل مقاتلين سابقين للتنظيم إضافة إلى توجيه أيديولوجي وشرعي، يضاف ذلك الصراع القوي بينه وبين “جماعات جهادية” أخرى مثل “القاعدة” و”بوكو حرام”، وهي جماعات متجذرة هناك وذات عمق محلي أكبر. وتبقى عوامل تمدد التنظيم في إفريقيا وأهدافه المحتملة مجالاً خصباً للدراسة والبحث.
[71] كلمة صوتية للمتحدث الرسمي باسم التنظيم أبي حمزة القرشي بعنوان: “وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين”، صحيفة النبأ 292، 24/6/2020.
[72] المثال الأبرز على هذا الأمر هو “تحرير” مئات الأسرى من سجني التاجي وأبو غريب في العراق عام 2013م، وهو الوقت الذي سبق إعلان تشكيل “دولة الإسلام في العراق والشام”. يُنظر: هروب مئات من السجناء في اقتحام سجني التاجي وأبوغريب بالعراق، bbc، 22/7/2013.
 وفي هذا السياق يؤكد عدد من المحللين والباحثين أن مثل هذه العمليات تحديداً كانت بتنسيق مع بعض الجهات الاستخباراتية، وقد اتهم تقرير رسمي -أعدته لجنة برلمانية عراقية- مسؤولين مقربين من رئيس الوزراء نوري المالكي بالتواطؤ في عملية هروب سجناء محسوبين على تنظيم القاعدة من سجن القصور الرئاسية بالبصرة جنوبي البلاد. يُنظر: مقربون للمالكي هرّبوا سجناء القاعدة، الجزيرة، 25/5/2011؛ ومن المعروف علاقة المالكي بإيران، وقد استثمرت إيران في جماعات الغلو والتطرف، وهو ما تم رصده في دراسة مستقلة سابقة، يُنظر: الورقة البحثية “استثمار إيران في جماعات الغلوّ والتطرّف”، مركز الحوار السوري.
[73] يُعد “أبو مصعب السوري” أبزز مثال على هؤلاء المنظرين الجهاديين الذين تحدثوا عن السجون؛ ففي تصنيفه لتيارات الصحوة الإسلامية التي نشات خلال القرن العشرين في شرائط مسجلة له بعنوان “دعوة المقاومة العالمية” وضع من بين هذه التيارات ما أسماها “بالصحوة الشاذة”، وعرف هؤلاء بأنهم: أصحاب الغلو والمناهج التكفيرية، واعتبر أن قسماً منهم يُصنع في السجون من قبل الحكومات بقصد أو بغير قصد.
[74] “السجون السجون يا جنود الخلافة”، صحيفة النبأ 246، 6/8/2020.
[75] يمكن الاطلاع على عمق تلك الانقسامات من خلال مطالعة كتاب “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي”، أو من خلال الردود والردود المضادة للشرعيين المنشقين عنه مع الشرعيين داخله؛ يُنظر: “تحولات داعش من التكفير إلى «التكفير الفائق»”، مرجع سابق.
[76] شمس الدين النقاز، “القصة الكاملة للتيار “الحازمي” الأكثر غلوًا في التكفير قبل داعش وبعده (2-1)”، نون بوست، 31/7/2017.
[77] “أبو محمد الفرقان .. قائد معركة الإعلام والمرابط على ثغور العقيدة”، صحيفة النبأ 285، 6/5/2021.
“أبو محمد الفرقان .. قائد معركة الإعلام والمرابط على ثغور العقيدة”، صحيفة النبأ 287، 20/5/2021.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى