الأبحاث والدراساتالإصداراتالتوافق الوطنيقضايا المجتمع المدني السوريوحدة الهوية المشتركة والتوافق

الصورة الذهنية للعمل الإنساني في سوريا بعد عام 2011: تحديات الاحتياج وقلة الموارد

ورقة بحثية

الملخص التنفيذي

مع انطلاق الثورة السورية ومواجهة النظام السوري لها بالقبضة الأمنية والعسكرية؛ برزت الحاجة لتقديم المساعدة للمتضررين والنازحين والمشردين في مجالات عدة (طبية، إغاثية .. إلخ)، ومع انحسار سيطرة النظام السوري عن بعض المناطق باتت الحاجة أوضح لسدّ الفراغ الذي خلَّفه غياب المؤسسات الحكومية؛ فظهرت الفرق التطوعية والتشكيلات المحلية التي اعتمدت على تبرعات الأفراد والمنظمات المحلية والإقليمية في محاولةٍ لسدّ الاحتياجات في السنوات الأولى من الثورة.

وقد كان لدخول الدعم الدولي عام 2014 على خط الاستجابة الإنسانية أثرٌ في دفع هذه الفرق التطوعية والمنظمات لتطوير عملها إدارياً وميدانياً، والتحول إلى منظمات تقدم نفسها كشريك تنفيذي قادر على المشاركة في منظومة العمل الإنساني الدولي داخل سوريا.

تبيّن الورقة أن مفهوم المجتمع المدني ما يزال ضبابياً عند عموم السوريين؛ إذ يركز على المنظمات التي تقدم مساعدات مادية ملموسة، سواء أكانت سلالاً غذائية أو مساعدات نقدية أو خدمات طبية أو تعليمية، في حين قد تغيب عن الصورة المنظمات والجهات التي تقدم بعض الخدمات العامة كإنارة المرافق العامة أو إصلاح البنية التحتية، فضلاً عن مجالات أخرى كالدعوة وغيرها.

وقد أظهرت نتائج الاستبانة غلبة الانطباع السلبي على الإيجابي، خاصة فيما يتعلق بمواضيع الشفافية المالية والإدارية وانتشار أحاديث عن الفساد الداخلي المالي والإداري، وهو ما قد يعود لأسباب مبررة ومفهومة؛ منها: أن الحاضنة لا تشعر بأن المنظمات تلبّي احتياجاتها الأساسية بشكل كافٍ، وقد يعود ذلك لأخطاء حقيقية وقعت بها تلك المنظمات، أو بسبب سوءِ فهمٍ لدى الحاضنة قد تتحمل المنظمات المسؤولية عنه لعدم التزامها بالشفافية وعدم وجود جلسات نقاشية مع الحاضنة، فيما ينحصر الانطباع الإيجابي لدى عينة الدراسة تجاه بعض جوانب العمل لدى المنظمات، لاسيما فيما يتعلق بتطور أداء المنظمات وخدماتها المقدمة في الأوقات الطارئة.

كما أظهرت النتائج وجود عدد من الشرائح الغاضبة والحانقة كوَّنت صورة ذهنية سلبية تجاه عمل المنظمات، لكل منها أسبابها الخاصة، ومن هذه الشرائح الشريحة العمرية الأكبر من 40 عاماً، وحمَلَة الإجازات الجامعية والشريحة التي تستفيد من المنظمات بشكل محدود.

ويبدو واضحاً غياب المعلومة الصحيحة عن شريحة واسعة من الحاضنة، كما يبدو للعامل النفسي دور كبير في تشكيل الانطباعات لدى هذه الحاضنة، التي تأثرت وفقدت الكثير وتعيش أوضاعاً إنسانية سيئة للغاية، وبالتالي تحتاج هذه الشريحة أن تشعر بتغيير واضح في أوضاعها المعيشية حتى تكون قادرة على تغيير انطباعاتها السلبية.

ومن جهة أخرى تبدو إجابات الموظفين في المنظمات السورية غير الحكومية غريبة عن السياق المتوقع؛ إذ يُفترض بالموظف أن يكون مطّلعاً على عمل منظمته وملمّاً بالظروف المرافقة لهذا العمل، إلا أن نسبة الحياد عند الموظفين كانت واضحة، وهو ما يشير إلى غيابٍ للمعلومة الدقيقة عند العاملين في تلك المنظمات، وغيابٍ للشفافية في عمل المؤسسة حتى عن الذين يُفترض بهم أن يدافعوا عن المنظمة تجاه أية إشاعات أو افتراءات.

وتبدو الصورة الذهنية تجاه العمل الإنساني الذي قامت به المنظمات السورية غير الحكومية مضطربة ومشوشة؛ ويعود ذلك إلى عدد من العوامل، منها: التغير الذي طرأ على المجتمع نتيجة الظروف غير الإنسانية التي عاشتها فئات واسعة من الناس، والتي انعكست على شكل سلوكيات تحاول استثمار المعاناة والاستسلام للظروف، وانعدام الرغبة في تحسين الأوضاع، كما أن تحول المجتمع السوري خلال سنوات الحرب من مجتمع منتج إلى مجتمع محتاج، وتصاعد حالة الحنق والسخط نتيجة الخسائر الكبيرة وخيبات الأمل التي تعرض لها السوريون، والتوجه نحو التعميم في الانطباعات على جميع العاملين في القطاعات الإنسانية دون التفريق بين الصالح وسواه له أثرٌ كبيرٌ في تشكيل هذه الصورة الذهنية بشكلها السلبي.

وإلى جانب ذلك يبدو واضحاً غياب وجود تصوُّر دقيق عند الحاضنة عن الآلية التي يتم فيها تقديم المساعدات وإدارتها؛ إذ ينتشر اعتقاد واسع أن نمط التعامل مع المنظمات والهيئات الدولية والأممية يشبه نمط التعامل مع المتبرعين الأفراد الذين يقدمون المال ويتركون للمنظمة هامشاً من الحرية في التنفيذ، أو أن هذه المنظمات والهيئات يمكن إقناعها بسهولة بتحويل دعم مخصص لقطاع ما إلى قطاع آخر، دون معرفة القواعد والآليات التي تسير بها عملية الاستجابة الإنسانية.

وقد أدت الفجوة بين الاحتياج الكبير والدعم المقنن إلى إطالة أمد المعاناة، خاصة مع الظروف الاستثنائية التي حولت الكثير من العائلات من عائلات محتاجة في قطاع واحد إلى محتاجة في عدد من القطاعات، فضلاً عن أن التبرعات والمنح الدولية لم تستطع حتى الآن أن تغطّي قطاعاً معيناً بشكل كامل؛ وهو ما دفع المانحين إلى توزيع الدعم لتغطية جميع القطاعات بشكل جزئي ومتفاوت.

ومن جهة أخرى لم تكن المساعدات التي تعلن عنها الدول المانحة تذهب وفقاً للاحتياجات ذات الأولوية، وإنما كانت توزع وفقاً لاعتبارات أخرى وعلى الدول المستضيفة للسوريين، كما تتوزع فيها حصة سوريا على المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والمناطق الواقعة تحت سيطرة قوى المعارضة وتلك الواقعة تحت سيطرة المليشيات الانفصالية.

كما أن أولويات الجهات الداعمة تختلف عن أولويات المنظمات المنفذة والفئات المستفيدة؛ فالدول والمنظمات الداعمة ترى أن من أولوياتها في حالات الطوارئ تأمين ما يبقي الناس على قيد الحياة ولو في الحدود الدنيا، بينما ترى المنظمات الداعمة – الدولية أو الأممية – أن أولويتها تقديم الدعم في المجال الذي تخصصت به، وليس في مجال آخر؛ حتى وإن كانت درجة الاحتياج ودرجة الأهمية أكبر. بينما تتركز أولوية المنظمات المحلية في ضمان استمرار عملها والاستجابة لاحتياجات الناس وفقاً لتقييم تلك الاحتياجات ووفقاً لقدرتها على الوصول، في حين تختلف أولويات الشريحة المستفيدة نظراً لاتساع احتياجاتها وعدم كفاية أي منها.

وقد أدى غياب الجهة الرقابية المشرفة على العمل الإنساني إلى انتشار الكثير من الاتهامات الموجهة للمنظمات بالفساد أو بالهدر أو بسوء التنفيذ أو التلاعب، دون أن تستند إلى أدلة وبراهين جلية، كما أن ضعف أنشطة الشفافية المالية وغيابها في كثير من الأحيان دفع الكثير من الناس إلى التساؤل: أين ذهبت أموال التبرعات؟ وكيف صُرفت؟

وقد أسهم غياب الشفافية الإدارية وارتكاب الأخطاء في ترسيخ الصورة السلبية عن العمل الإنساني، خاصة فيما يتعلق بعملية التوظيف واختيار الكوادر؛ إذ يغيب عن المنظمات الإعلان عن الآلية التي ستتبعها في اختيار الموظفين، ومع كثرة المتقدمين لطلبات التوظيف يصبح من الصعب على المنظمة أن تتواصل مع جميع المتقدمين أو تردّ على إيميلاتهم، وهو ما يعطي انطباعاً سلبياً عن المنظمة بأنها لم تختر موظفيها بناءً على منظومة واضحة.

ويبرز هنا موضوع الشفافية المالية كأشد العوامل تأثيراً في الصورة الذهنية للعمل الإنساني؛ فرغم القيود المالية والرقابية التي تطالب بها الجهات الداعمة والحكومات التي تعمل المنظمات على أراضيها، ورغم لجوء العديد منها إلى شركات مختصة للتدقيق في حساباتها المالية؛ إلا أن هذه المنظمات مقصِّرة إلى حد كبير في عرض حركتها المالية للحاضنة التي تتابعها بشكل دوري ومبسط، وتكتفي بدل ذلك بالإعلان عن تقارير الإنجازات دون أي تفاصيل أو توضيحات.

وقد وقعت العديد من المنظمات بأخطاء خلال إدارتها للصورة الذهنية، وذلك من خلال المبالغة في التغطية الإعلامية على بعض المشاريع، وضعف مراعاة الجودة والإتقان اللازمين في التنفيذ على أرض الواقع، بالإضافة إلى ضعف الاعتراف بالأخطاء، مع اللجوء إلى تداركها بشكل سرّي ودون إثارة الضجة، كما أن التفاعل السلبي مع الانتقادات والتعليقات الواردة على صفحات المنظمة، وغياب وجود آلية واضحة عند الجمهور لمتابعة المشاكل أو لتلقي طلبات المساعدة أو للإجابة عن بعض الأسئلة والاقتراحات، مع الأخطاء في التوثيق؛ كل ذلك أسهم في تشكيل هذه الصورة السلبية وتعميمها على جميع العاملين في هذا المجال.

وعلى الرغم من وجود العديد من أصحاب الكفاءات الأكاديمية العاملة في المنظمات فإنه تقلّ فيها الكوادر المؤهلة الكافية التي تمتلك مهارات التعامل مع المستفيدين واستيعابهم وانتقاء الخطاب المناسب لهم، والقادرة أيضاً على فهم منظومة العمل الإنساني وتحدياته واحتياجاته والتفاعل معه.

وقد خلصت الدراسة إلى أن صورة العمل الإنساني في الشمال السوري لم تكوّنها المنظمات، وإنما تشكلت بطريقة عشوائية غلب عليها الطابع السلبي؛ إذ كان لنقص الخبرات وللظروف الاستثنائية التي تم فيها العمل الأثر الأكبر في إنشائها، إلا أن المنظمات تتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك، بينما تتحمل الحاضنة جزءاً منها.

ومن جهة أخرى تأثرت الصورة الذهنية لأي منظمة بصورة العمل الإنساني بشكل عام؛ فلم يعد كافياً أن تقوم المنظمة بتطوير أدائها الإداري والمالي والتنفيذي، بل أصبح من الضروري أن تطور الأداء العام لقطاع العمل الإنساني؛ لأن الأخطاء التي يقع فيها البعض ستنعكس بشكل ما على بقية المنظمات وستؤثر في صورتها الذهنية.

وقد خلصت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات التي وُجهت في معظمها إلى المنظمات، بهدف تصحيح بعض الأخطاء، وتخفيف الاحتقان مع الحاضنة الشعبية، وضبط منظومة العمل الإنساني والارتقاء بها؛ لتكون أكثر قدرة على تلبية الاحتياجات وأكثر التحاماً مع الحاضنة الشعبية، وأكثر قدرة على الاستمرارية في ظروف عمل استثنائية غير مستقرة.

مقدمة    

على امتداد ثماني سنوات من الثورة السورية تأسست وانتشرت مئات المنظمات غير الحكومية في مختلف المجالات، سواء الطبية أو الإغاثية أو التعليمية أو الحقوقية، وأضحت في ظل غياب مؤسسات الدولة إحدى الجهات المعنية بتقديم الخدمات الأساسية للسكان في المناطق المحررة. ومع توسع أعمالها والخدمات التي تقدمها تباينت شعبيتها ضمن المجتمع السوري؛ فبين مَن يرى أنها تقدم أفضل ما لديها، ومَن يرى أن ثمة سلبيات رافقت عملها، مما خلقَ حالة من التوتر والاحتقان بين شرائح من المجتمع السوري وتلك المنظمات.

انطلاقاً من رسالته في تعزيز التوافق داخل المجتمع السوري؛ أعدَّ مركز الحوار السوري هذه الورقة التي تهدف إلى التعرف على الصورة الذهنية التي كونتها الحاضنة الشعبية تجاه المنظمات غير الحكومية السورية وأعمالها في الشمال السوري [1]، وتقدَّم بتوصيات إلى كلا الطرفَين بما يسهم في تقريب وجهات النظر، ويزيل الاحتقان وآثاره بينهما، لاسيما وأن العلاقة بينهما يفترض أن تكون تكاملية.

تبرز أهمية هذه الورقة البحثية في أن إطلاع المنظمات الإنسانية غير الحكومية على الصورة الذهنية التي تكونت عند الحاضنة تجاهها وتجاه الأعمال التي تقوم بها، سلبية كانت أم إيجابية، قد يساعد في تلافي النقاط السلبية وتعزيز تلك الإيجابية، بما يسهم في إيجاد جو من الشفافية والمساءَلة وتعزيز التلاحم بينهما. كما أن الاستماع لوجهة نظر العاملين في هذه المنظمات يضيء بعض الزوايا التي قد تخفى عن عامة الناس، وبالتالي تخفِّف من الاحتقان الذي قد يكون لدى الحاضنة تجاهها.

قُسمت الورقة إلى: تمهيد وأربعة مباحث رئيسَية؛ خُصص المبحث التمهيدي لتحديد الإطار المنهجي والنظري للبحث، ثم استعرض المبحث الأول تطور العمل الإنساني بعد عام 2011 ومفهوم منظمات المجتمع المدني من وجهة نظر الحاضنة، واستعرض المبحث الثاني الصورة الذهنية حول أداء المنظمات غير الحكومية العاملة في الشأن الإنساني، فيما بيَّن المبحث الثالث الأسباب التي كانت وراء تشكل هذه الصورة، ليختم البحث في قسمه الرابع بمجموعة من التوصيات الموجهة لكل من المنظمات والحاضنة الشعبية.

تمهيد:

يتضمن هذا المبحث الإطار المنهجي والنظري للدراسة والذي يضم تعريفاً بالمصطلحات التي استُعملت في الاستبيان والدراسة، وتوضيحاً لمنهجية الدراسة والأدوات التي استخدمتها.

تعاريف الدراسة ومصطلحاتها: لأغراض هذا البحث نقصد بالمصطلحات الآتية ما يلي:

  • منظمات المجتمع المدني: هي مجموعة واسعة من المنظمات غير الربحية التي تتمتع باستقلالية في اتخاذ القرارات بعيداً عن سلطة الحكومة المباشرة، سواء في النواحي المالية أو الإدارية أو التنظيمية، ولديها قدرة على العمل بحرية. وتضم المنظمات غير الحكومية: النقابات العمالية، والمنظمات الخيرية والدينية، والجمعيات المهنية والنسوية والطلابية، والهيئات الحرفية، والمراكز البحثية ومراكز الدراسات غير الحكومية. إذ تتلخص مهمة هذه المنظمات في الحفاظ على حقوق المجتمع، وممارسة الضغوط على الحكومة والتأثير عليها، خاصة في مجال الحقوق والديمقراطيات وتعبئة المجتمع، والعمل على تحسين الصحة والتعليم ومستويات المعيشة في الدول المتقدمة والنامية[2].
  • المنظمات غير الحكومية NGO: هي قطاع من منظمات المجتمع المدني غير الربحية المستقلة عن كل من الحكومة وقطاع الأعمال، وتتركز مهامها في تعزيز المصلحة العامة وخدمة الصالح العام، بدلاً من تحقيق الربح أو خدمة مصالح مجموعة ضيقة من الأفراد، كالمنظمات الحقوقية والتعليمية والإغاثية والإنسانية.. إلخ[3].
  • الاحتكاك بالمنظمات غير الحكومية السورية: ويقصد به درجة الاستفادة المادية والمعنوية التي يحققها الناس من هذه المنظمات، وقد حددت استبانة الدراسة خمس درجات للاستفادة، وهي: أن يكون الشخص موظفاً، أو مستفيداً دائماً، وغالباً منها، أو لا يستفيد منها مطلقاً، أو بشكل متقطع.
  • مبادئ الثورة: مبادئ الثورة الأساسية المتمثلة في الحرية والكرامة ومحاربة الاستبداد وإنشاء هوية وطنية جامعة بين مختلف مكونات الشعب السوري.
  • الحاضنة الشعبية: ونقصد بها في هذه الدراسة مجموع الناس الذين يتابعون نشاطات المنظمات العاملة في المجال الإنساني، سواء أكانوا مستفيدين من مشاريعها وخدماتها أو مهتمين بعملها.
  • الانطباعات: هو الصورة الذهنية التي تتشكل عن أمر أو شخص أو جهة ما بشكل سريع، ويتأثر تشكيلها بالعديد من العوامل الشخصية، سواء عند صاحب الانطباع أو عند الجهة التي يتم تكوين الانطباعات حولها، من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة، ومن هذه العوامل: العُمر، والعِرق، والثقافة، واللغة، والنوع، والمظهر الخارجي، واللهجة، ووضعية الجسد، والصوت، وآراء الأشخاص الحاضرين، والوقت الذي تم فيه الاحتكاك مع الطرف الذي تشكل عنه هذا الانطباع[4].
  • الصورة الذهنية: هي مجموعة الانطباعات التي تتكون عند الأفراد إزاء شخص معين أو نظام، أو شعب، أو جنس بعينه، أو منشأة، أو مؤسسة، أو منظمة محلية أو دولية، أو مهنة معينة، أو أي شيء آخر؛ تتشكل من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وقد تعتمد على الأدلة والوثائق أو على الإشاعات والأقوال غير الموثقة، ولكنها في نهاية الأمر تمثل واقعاً صادقاً لمن يحملونها في رؤوسهم، وقد ينتج عنها توجهات سلوكية في إطار معين[5].
  • ميثاق اسفير: وهو دليل في مجال المعايير الإنسانية، تم اختباره ميدانياً على مدار 20 عاماً، يتم تحديثه بشكل دوري، ويقوم على أساس حقوق السكان في الحصول على المساعدة، والحق في العيش بكرامة، والحق في الحماية والأمن، والحق في المشاركة بشكل كامل في القرارات المتعلقة بتعافيهم، كما يضم الميثاق الإنساني الخلفية الأخلاقية والقانونية لمبادئ الحماية والمعيار الإنساني الأساسي والمعايير الدنيا؛ فقد بُني على مدونة قواعد السلوك للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية أثناء الإغاثة في حالات الكوارث[6].

وتعتمد معظم المنظمات السورية غير الحكومية العاملة في القطاع الإنساني على هذه المعايير، خاصة تلك التي تعمل أو تنفذ مشاريع مع الوكالات الإنسانية الأممية أو الأجنبية.

  • مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): جزء من الأمانة العامة للأمم المتحدة، وهو مسؤول عن جمع الجهات الإنسانية الفاعلة لضمان استجابة متماسكة لحالات الطوارئ، ويهدف إلى حشد وتنسيق العمل الإنساني الفعال والقائم على مبدأ الشراكة مع جهات وطنية ودولية من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية في حالات الكوارث والطوارئ، والدفاع عن حقوق الناس المحتاجين، بالإضافة إلى تعزيز الجاهزية والوقاية، وتسهيل الحلول المستدامة.

وللأوتشا 3 مكاتب رئيسية: الأول داخل دمشق، والثاني هو مكتب تركيا، والمكتب الرئيسي في الأردن[7].

  • الحوكمة: وهي مجموعة القواعد والمبادئ والسياسات والإجراءات والبُنى الإدارية التي تنظم عمل المنظمة ودورها، وغالباً ما تتلخص مبادئ الحوكمة في الاستقلالية والشفافية والمشاركة والمحاسبة[8].
  • الشفافية: ويُقصد بها التركيز على وضوح المعلومات والقوانين والتشريعات التي تعتمدها المنظمة في عملها، إضافة إلى التوازن في الإفصاح عن المعلومات التي تخص المنظمة بين المستوى المقبول لدى المنظمة والمستوى الذي ترغب به الأطراف المتعددة الأخرى ذات العلاقة بالمنظمة[9].

وتُقيَّم شفافية المنظمات بعدة معايير، أهمها:

  • شفافية الهيكلية المؤسسية.
  • شفافية السياسات المالية المتعلقة بالخدمات المقدمة ومصاريف المنظمة والعاملين عليها.
  • الشفافية المتعلقة بالوضع القانوني وطرق المساءلة القانونية.
  • الكفاءة الإدارية: وهي المؤهلات المهارات والمعلومات والقدرات التي تتناسب مع فرصة ما، أو تجعل شخصاً ما مؤهلاً لمرتبة أو وظيفة أو مركز أو مسؤولية أو حالة معينة. وترمز المؤهلات إلى استيفاء شروط معينة مثل بلوغ سن معينة، أو أداء قسم، أو إكمال الدراسة أو التدريب المطلوب، أو الحصول على درجة أو دبلوم[10].

بالاستناد إلى التعريف الوارد أعلاه يمكننا القول: إن اختيار الموظفين بناءً على الكفاءة يعني النظر إلى مؤهلاتهم العلمية والعملية والمهارات والقدرات التي يمتلكونها بشفافية ونزاهة.

منهجية الدراسة: اعتمدت الورقة البحثية منهجَين علميَّين، هما:

  • المنهج الكمّي المسحي: وذلك عبر استبيان مصمَّم للتعرُّف على انطباعات الحاضنة الشعبية تجاه المنظمات غير الحكومية السورية وأعمالها في الشمال السوري بشكل أساسي[11].

الشكل 1: خصائص العينة المستطلعة آراؤها

  • المنهج الوصفي التحليلي: لتفسير الظاهرة وتحليلها من مختلف جوانبها، بالاعتماد على المصادر الثانوية من أبحاث ومقالات متعلقة بالموضوع وعلى المصادر الأساسية، من خلال مجموعة مقابلات أُجريت مع عدد من العاملين في تلك المنظمات[12].

أولا: العمل الإنساني بعد عام 2011

لم يكن الحضور المؤسساتي للمجتمع المدني السوري واضحاً قبل عام 2011، خاصة المنظمات غير الحكومية، بل غلب على العمل المدني والإنساني المبادرات الفردية أو التطوعية أو الخيرية أو العائلية التي انطلقت في نطاق محدود.

ومع انطلاق الثورة السورية ومواجهتها بالقبضة الأمنية، ثم قصف النظام المدن واجتياحها؛ بدأت الحاجة تتزايد لتقديم المساعدة للمتضررين والنازحين والمشردين، سواء على النطاق الطبي أو الإغاثي والإنساني، واتسمت المساعدات في بداياتها بالشكل التطوعي العشوائي غير المنظم.

وبدأ بعض الناشطين المتطوعين بتنظيم هذا العمل من خلال تشكيل بعض الفرق التي تعمل على جمع التبرعات المحلية من قبل بعض الأفراد والتجار وتقديم المعونة لعائلات المعتقلين والمحتاجين والملاحقين ثم المتضررين، وبدأ يظهر ما عُرف بالمكاتب الإغاثية والطبية في كل منطقة أو مدينة، ذات الصلة بالتنسيقيات و/أو لاحقاً مجلس قيادة الثورة[13].

ومع انحسار سيطرة النظام السوري عن بعض المناطق برزت الحاجة بشكل أوضح لسدّ الفراغ التي خلَّفه غياب المؤسسات الحكومية، من أجل حماية المدنيين وتخفيف التكاليف المادية والمعنوية عنهم؛ وقد كان لتبرعات الأفراد من مغتربين سوريين وعرب ومنظمات عربية –خاصة الخليجية- الدور الأكبر في سد الاحتياجات في السنوات الأولى من الثورة، قبل أن يدخل الدعم الإنساني الدولي عام 2014، حيث كان لعدم قدرة المنظمات الدولية الإنسانية على الوصول إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري أثرٌ كبيرٌ في نشوء كيانات المجتمع المدني داخل سورية وخارجها، ثم انتقالها إلى شكل له طابع تنظيمي وإداري داخلي، لتتحول لاحقاً إلى منظمات محلية مرخصة في عدد من الدول أخذت دور الوسيط التنفيذي الذي يقوم بتلبية الاحتياجات المحليّة وفقاً لمشاريع ممولة من الداعمين[14].

وقد كان لدخول الدعم الدولي الذي توزع على مجموعة من المنظمات والجهات أثر في دفع هذه المنظمات المحلية لتطوير عملها إدارياً وميدانياً، لأن العمل مع هذه المنظمات يخضع لسياسات عمل تنضبط وفق مجموعة من القواعد المتعارف عليها عالمياً[15]، وبالتالي كانت المنظمات الإنسانية غير الحكومية -خاصة منها العاملة في القطاع الإغاثي والطبي والتعليمي- مضطرة إلى تطوير أدواتها حتى تقدم نفسها كشريك تنفيذي تنطبق عليه تلك المعايير.

ومن هذه القواعد المتعارف عليها: القواعد التي يتم على أساسها توزيع الدعم وتمويل المشاريع من الجهات المانحة، فبعد استعراض الاحتياجات في سوريا على سبيل المثال تقدم الجهات المانحة -حكومات أو منظمات عالمية أو أجنبية – منحاً تغطي جزءاً من الاحتياجات[16] إلى مجموعة من المنظمات[17]، والتي تقوم بدورها بتنفيذ أو تمويل مشاريع قامت منظمات أخرى أو محلية بتقديمها بما يتوافق مع تلك الاحتياجات[18].(الشكل 2).

الشكل 2:مخطط يوضح آلية تقديم التمويل وتنفيذ المشاريع وفق منظومة العمل الإنساني الدولي

فالمنظمات الأممية والعالمية تقوم بتقديم تمويل يسدّ جزءاً من الاحتياجات، ثم تقوم بعض المنظمات الإنسانية الأجنبية بسدّ جزء من الاحتياج الكبير الذي لم يُغطَ بالدعم السابق عبر تقديم تمويل لبعض المشاريع المقدمة من المنظمات المحلية، التي تقع ضمن نطاق عملها وتسدّ جزءاً من الاحتياجات الحالية، وقد يتكفل المتبرعون الأفراد والمنظمات العربية والإسلامية بسدّ جزء إضافي من تلك الاحتياجات.

وتنقسم المنظمات المحلية التي يتم دعمها من منظمات الأمم المتحدة [19]أو المنظمات الدولية والأجنبية قسمين:

  • منظمات محلية مرخصة منفِّذة: تقوم بتنفيذ المشاريع عبر طواقمها وفقاً لمعايير الجهة المانحة للتمويل.
  • منظمات محلية مرخصة داعمة: تقوم بأخذ التمويل الأممي أو الأجنبي وتقدمه لجهات منفذة محلية تحت إشرافها.

وتغطي منظومة العمل الإنساني عدة قطاعات [20](الشكل 3):

الشكل 3: قطاعات العمل الإنساني وفقاً لمنظومة العمل الدولي الإنساني

أما منظومة العمل مع المنظمات العربية أو الإسلامية أو تبرعات الأفراد أو رجال الأعمال فقد تختلف إلى حد ما؛ إذ غالباً ما تتقدم المنظمات المحلية بمشاريعها وفقاً للاحتياجات التقديرية بشكل مباشر للداعم، الذي قد يمول بعض المشاريع بناءً على اقتناعه بجدوى المشروع وبسمعة المؤسسة ودرجة ثقته بها، في حين يلاحظ أن عدداً من المنظمات العربية والإسلامية بدأت تعتمد معايير مستمدة أو متماهية مع المعايير الأممية.

مفهوم منظمات المجتمع المدني من وجهة نظر الحاضنة الشعبية:

يبدو مفهوم المجتمع المدني عند عموم السوريين ضبابياً إلى حدّ ما، وهو ما قد يعود إلى حداثة التجربة والظروف الاستثنائية التي نشأت بها، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال إجابات الشريحة المستطلعة آراؤها؛ فقد أشارت الإجابات إلى أن مفهوم منظمات المجتمع المدني في أذهان الحاضنة يركز بشكل أكبر على المنظمات التي تقدم مساعدات مادية ملموسة، سواء أكانت سللاً غذائية أو مساعدات نقدية أو خدمات طبية أو تعليمية، والتي تندرج تحت مسمى المنظمات الإنسانية غير الحكومية NGO،في حين قد تغيب عن الصورة المنظمات والجهات التي تقدم بعض الخدمات العامة كإنارة المرافق العامة أو تصليح البنية التحتية أو محطات الضخ أو الخدمات الدعوية وغيرها، والتي قد تكون الشريحة المستفيدة منها أكبر؛ ولكن هذه الفائدة غير ملموسة بشكل مادي كالمساعدات العينية[21] (الشكل4).

الشكل 4: مفهوم المجتمع المدني من وجهة نظر الحاضنة الشعبية

ثانياً: الصورة الذهنية والانطباعات حول أداء المنظمات العاملة في المجال الإنساني

نظراً لحداثة تجربة العمل الإنساني في سوريا، وللظروف التي عملت في ظلها المنظمات السورية غير الحكومية وفرضت عليها الكثير من التحديات، ولعدم تمكنها من الوصول إلى حالة الاستقرار، إضافة لبعض الأخطاء التي وقعت فيها خلال بداية عملها وأثنائه؛ فقد تشكلت صورة ذهنية من مجموعة انطباعات لدى الحاضنة الشعبية عموماً وحاضنة المؤسسات خصوصاً تجاه هذه التجربة الوليدة، بعضها سلبي والآخر إيجابي.

ويمكن استعراض الصورة الذهنية التي تشكلت عند الحاضنة الشعبية وفق المحاور الآتية[22]:

2-1- التزام المنظمات بالرسالة والرؤية المعلنة[23]:

أشارت نصف إجابات الشريحة المستطلعة آراؤها تقريباً إلى أن عمل المنظمات على الأرض لا يتوافق مع الرسالة والرؤية المعلنة، ويمكن تفسير هذه النتيجة بأنها تعود إلى حالة عدم الثبات في أداء المنظمات نتيجة عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بالنظر إلى البعد الاستراتيجي للرؤية والرسالة، أو أن رؤية المنظمة ورسالتها غير واضحة للفئات المستفيدة[24]، إضافة إلى تشكل انطباع لدى الحاضنة بضآلة الإنجازات التي تقدمها هذه المنظمات بالمقارنة مع الرؤى الطموحة التي تضعها، والاحتياجات المتزايدة للسوريين، سواء داخل سوريا أو خارجها.

وتشير المقابلات مع عدد من الكوادر الإدارية في بعض المنظمات على مختلف مستوياتها الإدارية إلى أن معظم المنظمات السورية تسعى إلى الالتزام بما أعلنت عنه قدر الإمكان، إلا أن هذه المنظمات تواجه عوائق تمنعها من أن تضبط عملها بشكل كامل وفقاً للرؤية والرسالة؛ فقد تدفع بعض الظروف الطارئة التي يفرضها الواقع تلك المنظمات إلى تغيير نمط عملها وقبول بعض المشاريع التي لا تتناسب مع توجهها العام[25]، كما أن تسارُع الأحداث في الشأن السوري قد يحوّل سياسات بعض المنظمات إلى ردات الفعل والاستجابة السريعة بناء على تطورات الواقع[26].

2-2- التزام المنظمات بمعايير الشفافية المالية والإدارية:

تُعد قضايا الشفافية المالية والإدارية من أهم القضايا التي تؤثر في تشكيل الانطباعات ورسم الصورة الذهنية للمنظمات، وقد أظهرت نتائج الاستبانة أن ثلثي إجابات الشريحة المستطلعة آراؤها ترى أن المنظمات لم تلتزم بمعايير الشفافية.

ويمكن تفسير هذه النتائج بأن تلك الفئات قد تكون محكومة بالصورة الذهنية القديمة التي تسم العمل العام الحكومي وغير الحكومي بالفساد، أو أنها لم تطلع على التقارير التي تصدرها بعض المنظمات؛ نظراً لضعف الخبرة في التعامل مع الشبكة العنكبوتية والمواقع الإلكترونية التي أصبحت في كثير من الحالات المصدر الأساسي للمعلومات التي تنشرها بعض المنظمات عن أعمالها.

وفي محاولة لاستكشاف مفهوم الشفافية من وجهة نظر الحاضنة بشكل أعمق وجهت الاستبانة مجموعة من الأسئلة الفرعية التي تتعلق بالمفهوم ذاته، وقد أشارت غالبية الشريحة إلى أن معظم المنظمات الحالية تعاني من فساد مالي وإداري[27].

  كما أن ثلثي إجابات الشريحة المستطلعة آراؤها أشارت إلى أن تلك المنظمات لا تختار موظفيها بناءً على معايير الكفاءة، وإنما وفق أولويات أخرى[28]، ويمكن تفسير هذه النتائج بأنه نتيجة لحالة البطالة المنتشرة، وحنق العديد من الكفاءات نتيجة عدم قدرتهم على الحصول على عمل ضمن هذه المنظمات[29]، خاصة وأن رواتب الموظفين في هذه المنظمات داخل سوريا يعتبر من الرواتب المرتفعة مقارنة بالرواتب التي يتيحها سوق العمل المحلي[30].

وفي محاولة للتحقق من صحة هذه الصورة الذهنية المتكونة لدى الحاضنة قمنا بدراسة صفات شريحة الموظفين في المنظمات الذين تم استطلاع آرائهم (الشكل 5)؛ فأشارت النتائج إلى أن أغلب الموظفين البالغ عددهم 92 شخصاً معظمهم من الفئة العمرية بين 27-40عاماً، وأن 79% منهم يعملون في مكاتب المنظمة خارج سوريا، و80% منهم حاصلون على شهادة جامعية على الأقل، وهو ما يشير إلى أن المنظمات راعت في توظيف موظفيها تشغيل الكفاءات العلمية قدر الإمكان، على عكس الانطباعات السابقة[31].

الشكل 5:خصائص شريحة الموظفين الذين شاركوا في الإجابة على الاستبانة

كما استطلعت الاستبانة رأي الحاضنة بسلم الرواتب داخل المنظمات، والذي يتعلق بشكل مباشر بالشفافية الإدارية والمالية، ويُعد عاملاً بالغ الحساسية [32] غالباً ما تدور الاتهامات حوله، وقد أشارت النتائج إلى أن نصف الشريحة المستطلعة آراؤها تقريباً ترى أن رواتب الموظفين في منظمات المجتمع المدني لا تتناسب مع متطلبات المعيشة[33].

2-3-التزام المنظمات بتطوير نظم العمل الخاصة بها:

يعد نشاط المنظمات غير الحكومية السورية حديث العهد نسبياً إذا ما قيس بتجارب بقية الدول في هذا المجال، مع الإشارة إلى أن هذه المنظمات اكتسبت خبرتها في أوضاع غير مستقرة وبيئة توصف بتسارع أحداثها وانتشار الفوضى فيها، وحققت نجاحات مشهود لها في هذا المجال.

وتشير النتائج إلى أن 43% من الشريحة المستطلع رأيها أقرت بوجود تحسن في أداء عمل المنظمات وتطور خبرتها، وهو ما أكدته أيضاً إجابات ثلثي شريحة الموظفين المستطلع رأيهم، الأمر الذي يدل على أن المنظمات أدركت وجود بعض الخلل والمشاكل في الأداء مع بداية تشكلها حين كان العمل أكثر ارتجالية، يفتقر للرؤية والخبرة الإدارية، وعملت على تطوير منظومتها الإدارية والاستفادة من الخبرات المتراكمة والأخطاء التي وقعت بها، وتدارك تلك المشاكل، وإن كانت لم تستطع أن تتجاوزها بشكل كامل.

2-4-استقلال قرار المنظمات عن الداعم:[34]

في الحالة السورية تدخل استقلالية المنظمات عن الجهات الداعمة في نطاق القضايا العامة التي غالباً ما تكون محل نقاش في الأوساط الشعبية المختلفة، وتظهر نتائج الاستبانة أن ثلثي الشريحة المستطلعة آراؤها كان لديها آراء سلبية حول استقلالية القرار عند المنظمات.

كما تشير النتائج إلى أن فكرة “تبعية المنظمات للداعم” منتشرة في أوساط الحاضنة الشعبية بمختلف شرائحها، ولعل أحد الأسباب الرئيسة لهذا الانطباع هو قيام بعض المنظمات بتقديم خدمات تُعد بنظر الناس هامشية وغير ضرورية، كبرامج التدريب وحماية الأطفال والنساء من العنف وبرامج تمكين المرأة … إلخ، في الوقت الذي تكون فيه الناس بحاجة ماسة للاحتياجات الأساسية من مأوى وغذاء وشراب وغيرها.

ومن جهة أخرى يتوجه الدعم في بعض الأحيان للقطاعات الخدمية التي تخدم شرائح واسعة بشكل غير مباشر وتتطلب ميزانيات كبيرة، مثل مشاريع إصلاح البنى التحتية، أو إقامة حدائق أو ملاعب وتُعرف باسم مساحات آمنة، أو حتى بناء مساجد قد يعتبرها البعض ترفاً كونها لا تلائم احتياجاتهم الآنية[35].

هذا وتؤثر عملية التمويل المتذبذبة على قرارات المنظمات السورية غير الحكومية، وتقلل من درجة استقلاليتها وفقاً لما أشار إليه بعض مديري تلك المنظمات، إلا أن ذلك لا يعني أنها مرتهنة القرار للداعم بالكلية؛ فاختيارها مشاريعها يتأثر بشكل كبير بالفجوة الكبيرة بين الاحتياج الحالي والدعم المقدم من جهة، والاختلاف في أولوية الداعم وأولويات الفئة المستفيدة من جهة أخرى[36].

وقد تواجه المنظمات السورية غير الحكومية في بعض الأحيان توجهات وسياسات المانحين التي قد تركز على نوع معين من المشاريع أو فئة من المستفيدين أو منطقة ما، وهذه التوجهات غير ملزمة للمنظمات التي لا ترغب في الدخول في مجالات غير مجالات عملها[37]؛ إلا أن هذا لا ينفي قيام بعض المنظمات بالدخول في مجالات تتماهى مع رؤية الداعم وتفضيلاته التي قد تكون بعيدة عن مجال اختصاصها، وذلك من أجل تأمين مورد مالي يؤمن استمرارية عملها؛ وهذا ما قد يُشاهد عند المنظمات الصغيرة أو المبتدئة وبعض المنظمات الكبيرة[38]، أو التي لم تطور بينتها الإدارية بما يتوافق مع رؤيتها ورسالتها[39].

2-5- آليات تحديد الفئات المستهدفة:

مع أن غالبية المنظمات الإنسانية السورية تعلن التزامها بالمبادئ الناظمة للعمل الإنساني[40]؛ إلا أن ثمة مَن يتّهمها بانتهاكه من جهة مراعاتها الجانب الأيديولوجي والمناطقي أو العائلي في الفئات المستهدفة بخدماتها، حيث إنها تقدم مساعداتها وخدماتها للفئات القريبة منها أيديولوجياً، أو تلك التي تتركز في المنطقة ذاتها التي ينحدر منها موظفوها الرئيسيون.

وتشير النتائج إلى أن ثلثي الشريحة المستطلعة آراؤها تقريباً يرَون أن المنظمات لا تقدم خدماتها بشكل عادل، وهو ما يمكن تفسيره بعدم اهتمام المنظمات بإيضاح معايير اختيار المستفيدين للعموم، وقد تكون قلة الدعم المقدم من المنظمات في ظل ازدياد احتياجات الحاضنة ولدّت شعوراً لدى الأخيرة بأن المعايير المتبعة غير عادلة، مع أن السبب في هذه الحالة قد يرجع أساساً إلى قلة الموارد، وليس فقدان المعايير أو عدم عدالتها.

ويشير بعض مديري المنظمات إلى أن الخطأ البشري في هذا السياق وارد عند التنفيذ، وتحاول المنظمات تداركه، ومن الطبيعي أن تقوم الفرق المعنية بالتنفيذ -التي تكون من أبناء المنطقة غالباً- بالتوزيع وفقاً لقوائم الاحتياج، وهذا ما يعني أن التوزيع قد يشمل بعض العائلات من أقارب العاملين الذين تم اختيارهم بناءً على الاحتياج، وليس على القرابة. وبالتالي لا يمكن اتهام المنظمة أنها تختار المستفيدين بناء على معايير مناطقية أو عائلية، إلا إن اقتصرت نشاطاتها واقتصر المستفيدون من مشاريعها على هذه الفئة فحسب، كما أن ازدياد موجات النزوح واتساع نطاق الفئات المتضررة جعلت من الصعوبة بمكان التمييز بين المتضررين على أساس أيديولوجي أو مناطقي، إذ غالباً ما يكون معيار “النزوح” هو الأساس.

2-6-الخطط والبرامج السنوية للمنظمات:

من المفترض أن تكون المنظمات السورية غير الحكومية مع تطور بنيتها الإدارية وتوسع رقعة أعمالها قد باتت أكثر احترافية في تحضير خططها السنوية ومشاريعها، التي من المفترض أن تقوم على دراسات وإحصائيات دورية تنبع من الاحتياجات التي تقوم بها كما تدّعي، وترتكز على رؤيتها ورسالتها وأهدافها المعلنة.

 وتشير نتائج الاستبانة إلى أن نصف الشريحة المستطلعة آراؤها تقريباً تعتبر أن ما تقوم به المنظمات السورية غير الحكومية غير مبنيّ على دراسات وإحصائيات دقيقة، ويرى بعض موظفي المنظمات أن هذا الأمر نسبيّ يختلف باختلاف المنظمة، واختلاف درجة تطورها الإداري ومجال عملها وطبيعته، واختلاف بيئة العمل مستقرة كانت أم طارئة؛ فكلما كانت البيئة أكثر استقراراً كان التخطيط والتنظيم بناء على الإحصائيات والأرقام أكبر.

ومن جهة أخرى فإن جهة الدعم تؤثر بشكل واضح في خطط المنظمات ومشاريعها؛ فلا يمكن الحصول على تمويل لمشاريع من قبل جهات أجنبية أو أممية ما لم تستند على دراسات واضحة للاحتياجات، في حين قد تتساهل الكثير من المنظمات في تقديم دراسات للاحتياج عندما تكون جهة التمويل غير معنية بالتفاصيل، كبعض المنظمات الداعمة أو من الداعمين الأفراد؛ فتقدم مشاريعها لهذه الفئة بناءً على تقديرات، وليس على دراسات تمت وفق منهجية واضحة.

هذا وتدرك نصف الشريحة المستطلعة آراؤها أن الدعم المقدم للمنظمات لا يكفي لتلبية الاحتياجات الكبيرة، ويمكن تفسير الإجابات الأخرى التي رأت أن الدعم المقدم يكفي لتغطية الاحتياجات بأنها قد تكون انطلقت من ظنّها أن الدعم يُصرف في مشاريع ليست ذات أولوية، أو أنهم يعتقدون أن هناك هدراً حاصلاً في تنفيذ المشاريع، وبالتالي فإن المنظمات لم تستطع سدّ الاحتياجات نتيجة “سوء إدارتها أو فسادها “.

ومن جهتهم أشار بعض مديري المنظمات إلى أن منظماتهم تقوم بتحضير العديد من المشاريع وفقاً للاحتياجات وتعرضها على الدعمين؛ إلا أن ذلك لا ينفي وجود مشاريع يطلبها الداعم بشكل معين وفقاً لرؤيته وتصوره، ويمكن في بعض الأحيان مناقشة الداعمين وإقناعهم بإجراء تعديلات معينة وفقاً للاحتياج ولما تراه هذه المنظمة نتيجة خبرتها للوصول إلى نتيجة أفضل، وقد تضطر المنظمة في أحيان أخرى إلى قبول بعض المشاريع وفقاً لرؤية الداعم نتيجة شحّ التمويل، أو حتى تحافظ على علاقتها معه كونه يموّل مشاريع أخرى تعمل عليها، وهو ما قد يتسبب بإيقاعها في بعض المشاكل مع الفئات المستفيدة، ويؤثر في صورة العمل الإنساني لديهم[41].

وغالباً ما تُتهم المنظمات الإنسانية غير الحكومية بعدم الاستعداد للكوارث المتوقعة أو القيام بإجراءات استباقية، لاسيما في فصل الشتاء، إلا أن العديد من المنظمات أشارت إلى أنها قامت بالعديد من الحملات الاستباقية من أجل تأمين استجابة لبعض المشاكل المتوقعة، لكنَّ تلك الحملات لم تلقَ التجاوب المطلوب كحملات الشتاء -على سبيل المثال- إلا بعد وقوع المشكلة[42].

2-7-الاستجابة في الأوقات الطارئة:

من أهم واجبات المنظمات السورية غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني تقديم الاستجابة الطارئة عند حدوث الأزمات، حيث يُفترض بها مساعدة المدنيين والتخفيف من معاناتهم حسب استطاعتها. وفي الحالة السورية أضحى هذا الواجب أكثر لزوماً في ظل استمرار الظروف الطارئة المرافقة لحالات التهجير والقصف المستمرة على مدى 9 سنوات[43].

وتشير النتائج الواردة إلى أن نصف الشريحة المستطلعة آراؤها ترى أن هذه المنظمات تبذل جهدها خلال الأزمات الطارئة في التخفيف عن المتضررين– خاصة خلال الحملات العسكرية -، ويمكن تفسير ذلك بأن الحاضنة تلاحظ الجهود الإعلامية التي تبذلها المنظمات السورية غير الحكومية خلال حالات الطوارئ وحملات المناصرة الفردية والمشتركة، بهدف تحريك الرأي العام من أجل الضغط لإيقاف الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمات الإنسانية. كل ذلك قد يعطي انطباعاً لدى المتابعين بأن المنظمات غير الحكومية السورية تفعل ما بوسعها، فضلاً عن وجود رأي عام أن هذه المنظمات هي مجرد وسيط، وأن الجهات الداعمة هي التي تتحمل المسؤولية في تغطية نفقات احتياجات المدنيين[44] .

2-8-التزام المنظمات بالمعايير الإنسانية ومعايير التوثيق:

ينص ميثاق مبادئ العمل الإنساني الذي أُقر في المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر على: احترام كرامة المواطن وحقه في المعاملة الكريمة، وهي نقطة لطالما أثارت الانتقادات حول عمل المنظمات والآلية المطلوبة التي تحفظ كرامة المستفيد وتمكّن المنظمة من الحصول على التوثيقات المطلوبة، إذ تشير نتائج الاستبيان الواردة إلى أن نصف الشريحة المستطلعة آراؤها ترى أن المنظمات لا تراعي في عمليات التوثيق الحفاظ على كرامة المستفيد.

ويعتبر العديد من العاملين في المنظمات الإنسانية غير الحكومية أن المنظمات وقعت في مثل هذه الأخطاء في بداية عملها، إلا أن الكثير منها بدأت بتطوير أدوات التوثيق بما يتلاءم مع كرامة المستفيد، لكنّ ذلك لا يعني أن تلك الأخطاء لم تعد موجودة؛ فالعديد من المنظمات والفرق الجديدة قد تلجأ إلى طرق توثيقية تتعارض مع كرامة الإنسان، بينما قد تفرض الظروف في بعض الأحيان -خاصة عند حالات الطوارئ- إيصال المساعدة للفئة المستهدفة وتوثيقه، بغضّ النظر عن الأسلوب، نظراً لضغط العمل.

هذا؛ وقد لجأت بعض الجمعيات والمنظمات إلى استخدام أساليب حديثة في التوثيق والأرشفة، كالبصمة أو البطاقات الممغنطة التي يمكن من خلالها التأكد من وصول المساعدات لمستحقيها؛ إلا أن ذلك لا يمنع أن يفرض بعض الداعمين تصوير المستفيدين خلال عملية التوزيع، أو الطلب منهم توجيه شكر للجهة الداعمة.

2-9-الموقف السياسي للمنظمات:

مع أن الالتزام بمبادئ الثورة لا يدخل ضمن معايير الحوكمة التي يفترض أن تلتزم بها المنظمات، إلا أن الكثير من السوريين، لاسيما حاضنة المنظمات المقيمة في الداخل، يعتقدون أنه يجب أن يكون لهذه المنظمات انتماء واضح للثورة السورية ومبادئها؛ فهي وليدة البيئة التي أفرزتها الثورة وأعادت للمجتمع المدني حيويته، وقد أخذت لاحقاً دوراً سياسياً تمثيلياً في المسار السياسي[45] .

 وتفترض تلك الحاضنة أنَّ على المنظمات غير الحكومية السورية أنْ تظهر موقفها الواضح والصريح في إدانة إجرام النظام والانتصار لمبادئ الثورة، خصوصاً في الحالات التي يرتكب فيها النظام جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وألا تختبئ وراء مبدأ ” الحياد”[46]، لاسيما فيما يتعلق بتحميل مسؤوليتها لـ “أحد أطراف النزاع”، فهو مساواة بين الضحية والجلاد[47].

وتشير النتائج الواردة في الاستبانة إلى أن نصف الشريحة المستطلعة آراؤها ترى أن المنظمات الإنسانية السورية ليس لها انتماء واضح للثورة؛ ما قد يعود إلى انتشار الخطاب “المحايد” في أوساط بعض المنظمات الذي يتبنى العمل الخدمي من غير تبيان لأي موقف سياسي، إضافة إلى غياب مشاركة المنظمات في الاحتجاجات الثورية أو رفعها علم الثورة.

وفي معرض تعليقهم على النتائج[48] يرى بعض الموظفين أن انفصال المنظمات في خطابها عن الواقع الثوري السوري يعود لأسباب متعددة، منها: اعتمادها على دعم خارجي يتحكم بخطابها الإعلامي ويوجه بعضها نحو تبنّي خطاب محايد لا يشير إلى المسؤول عن معاناة الناس بشكل واضح،  بالإضافة إلى  وجود مديرين وموظفين في هذه المنظمات ليسوا من أبناء الثورة ولم يؤمنوا بمبادئها، وإنما غادروا سوريا لأسباب أخرى واستطاعوا الحصول على وظائف نتيجة امتلاكهم بعض الخبرات، فلم يُؤخذ معيار “الانتماء للثورة” إلى جانب معيار “الكفاءة والمهنية” بالحسبان خلال توظيفهم.

بينما يرى بعض العاملين في المنظمات غير الحكومية أنه لابد من التمييز بين المنظمات التي يمكن أن يكون لها أجندات سياسية، مثل المنظمات الحقوقية ومنظمات التنمية السياسية.. إلخ، والتي بإمكانها أن تعلن موقفاً حاسماً من المتورطين بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وتعمل على الضغط من أجل محاسبتهم، والمنظمات الخدمية التي تعمل لخدمة الناس بغضّ النظر عن انتمائهم السياسي أو الديني أو العرقي أو أي تفرقة أخرى أياً كان نوعها، وهذه يصعب عليها إبداء وجهات نظر سياسية؛ لأن ذلك سيكلفها خسارة عملها في بعض المناطق.

وقد أشار بعض مديري المنظمات السورية غير الحكومية إلى أن ثمة خلطاً في فهم مفهوم الحياد؛ فالحياد الذي يتوجب على المنظمات التمسك به هو تقديم الخدمة للمحتاجين إليها دون النظر إلى هويتهم، بينما لا يُلزم الحياد المنظمة ألا يكون لها موقف تجاه المتسبب بهذه الانتهاكات، ولذلك قامت العديد من المنظمات العاملة بإصدار عدد من البيانات الرسمية التي تتهم فيها النظام السوري باستهداف الكوادر الإنسانية أو قصف المشافي أو ارتكاب جرائم حرب، وعقدت لذلك العديد من المؤتمرات الصحفية، وقد انطلقت هذا البيانات من المجالات الإنسانية التي تخصصت هذه المنظمات بالعمل فيها[49].

كما رأى آخرون أن المنظمات مُلزَمة بتطبيق مبادئ العمل الإنساني التي تتوافق مع مبادئ الثورة في كثير من النقاط؛ لأنها تقوم على حقوق الانسان، وهو ما يوجب على المنظمات الإنسانية إدانة الاعتداءات والانتهاكات والاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري، وأن ترفض سياسة التجويع أو استهداف المرافق الصحية أو التعليمية أو الخدمية أيّاً كانت الجهة التي تورطت بذلك[50].

وقفة مع النتائج:

وبالعودة إلى النتائج السابقة حول الصورة الذهنية للعمل الإنساني في ذهن الحاضنة تظهر مجموعة من الملاحظات، وهي:

  • غلبة الجانب السلبي على الجانب الإيجابي، خاصة فيما يتعلق بمواضيع الشفافية المالية والإدارية وانتشار أفكار عن الفساد الداخلي، وهو ما قد يعود لأسباب مبررة ومفهومة؛ منها: أن الحاضنة لا تشعر بأن المنظمات تلبي احتياجاتها الأساسية بشكل كافٍ، وقد يعود ذلك لأخطاء حقيقة وقعت بها تلك المنظمات، أو بسبب سوءِ فهمٍ لدى الحاضنة قد تتحمل المنظمات المسؤولية عنه لعدم التزامها بالشفافية وعدم وجود جلسات نقاشية مع الحاضنة.
  • ينحصر الانطباع الإيجابي لدى عينة الدراسة تجاه بعض جوانب العمل لدى المنظمات، ولاسيما فيما يتعلق بتطور أداء المنظمات وخدماتها المقدمة في الأوقات الطارئة.
  • تُظهر النتائج وجود عدد من الشرائح الغاضبة والحانقة كوَّنت صورة ذهنية سلبية تجاه عمل المنظمات. ومن هذه الشرائح:
    • الشريحة العمرية الأكبر من 40 عاماً؛ ويمكن تفسير إجاباتها الحانقة بأنها الشريحة التي فقدت حالة الاستقرار التي عاشت بها خلال سنوات، وتغيرت أوضاعها ولم تستطع التأقلم مع الظروف الجديدة الصعبة، كما قد يكون سقف توقعاتها مرتفعاً تجاه المنظمات كونها الجهة الخدمية الوحيدة الموجودة في أرض الواقع.
    • تظهر شريحة حملة الإجازة الجامعية كإحدى الشرائح الحانقة على عمل المنظمات وعندها صورة ذهنية يغلب عليها الانطباعات السلبية في أكثر المجالات؛ ويمكن تفسير ذلك بأن هذه الشريحة تشكل شريحة الخبرات والكفاءات التي كانت تتوقع أن يتم الاستفادة منها في تطوير المنطقة وإدارتها وتقديم الخدمات لأهلها، وعندما لم تستطع المنظمات استيعاب كامل هذه الكفاءات ولد ذلك حالة احتقان وحنق، ومن جهة أخرى تمتلك هذه الشريحة من الوعي ما يمكّنها من إدراك مواضع الخطأ والتنبيه عليه أو اقتراح حلول بديلة، ويبدو أن المنظمات لم تفسح لهذه الشريحة المجال الكافي للمشاركة في التوجيه أو الاقتراح.
    • تظهر الشريحة التي تستفيد من المنظمات بشكل قليل كإحدى الشرائح الحانقة، حيث إن هذه الشريحة ترى أن المنظمة على علم بوضعها وباحتياجاتها، إلا أنها تقاعست عن تقديم المساعدة والخدمات لها. إلا أن هذه الانطباعات قد لا تكون صحيحة؛ فقد يكون سبب عدم استفادتها من الخدمات بشكل دائم هو أن درجة الاحتياج لدى هذه الشريحة أقل من غيرها، أو أن موارد المنظمة محدودة، وهي غير قادرة على تغطية كامل الجهات التي تحتاج إلى مساعدة.
  • تظهر الأرقام السابقة وجود نسبة غير قادرة على إعطاء قرار أو تقييم حول العمل الإنساني؛ فقد تراوحت نسبة الحياد بين 10 -30% من نسبة الإجابات، وهو ما يشير إلى غياب للمعلومة عند بعض الشريحة المستطلعة آراؤها، وهو ما يعود إلى ضعف في الأداء الإعلامي للمنظمات والخلل في حلقات التواصل مع المستفيدين.
  • تبدو إجابات الموظفين في المنظمات السورية غير الحكومية غريبة عن السياق المتوقع؛ إذ يُفترض من الموظف أن يكون مطلعاً على عمل منظمته وملماً بالظروف المرافقة لهذا العمل، وتتراوح نسبة الحياد عند الموظفين بين 12-38%، وهو ما يشير إلى غياب للمعلومة الدقيقة عند العاملين في تلك المنظمات، وغياب للشفافية في عمل المؤسسة حتى عمن يفترض بهم أن يدافعوا عن المنظمة تجاه أي إشاعات أو افتراءات[51].
  • تظهر الشريحة التي على احتكاك أكبر بالمنظمات من فئة المستفيدين انطباعات أكثر إيجابية من بقية الشرائح كونها أكثر الشرائح انتفاعاً بعمل المنظمة، إلا أن نِسب الانطباعات السلبية ليست قليلة، وهو ما يشير إلى حاجة المنظمات لوضع معايير أكثر دقة والالتزام بتطبيقها على أرض الواقع.
  • يبدو العامل النفسي حاضراً في تشكيل الانطباعات لدى الشرائح المستطلعة آراؤها، والتي تأثرت وفقدت الكثير وتعيش أوضاعاً إنسانية سيئة للغاية، وبالتالي تحتاج هذه الشريحة أن تشعر بتغيير واضح في أوضاعها المعيشية حتى تكون قادرة على تغيير انطباعاتها السلبية.

ثالثا: أسباب اضطراب الصورة الذهنية

تشير النتائج الواردة في إجابات الشريحة المستهدفة إلى وجود حالة اضطراب في تشكيل الصورة الذهنية تجاه العمل الإنساني الذي قامت به المنظمات السورية غير الحكومية؛ فمن جهة تدرك الفئات المستهدفة شحّ الإمكانيات وقلة الدعم، وتلاحظ التطور في الأداء الإداري والتنفيذي للمنظمات، خاصة في وقت الأزمات؛ إلا أنها تحمل صورة سلبية عن عموم المنظمات دون تمييز بينها.

ويمكن أن نرجع أسباب اضطراب هذه الصورة الذهنية إلى عدد من العوامل، منها:

3-1- التغير المجتمعي

يشير عدد من الخبراء والمتابعين إلى أن الأوضاع التي يعيشها الشعب السوري -خاصة داخل سوريا- قد أثرت في قِيمه وسلوكه وأخلاقه، وأن تلك التغيرات طبيعية ومتوقعة نتيجة الظروف غير الإنسانية التي عاشتها فئات واسعة من الشعب السوري، وخسرت الكثير خلال السنوات الماضية؛ إلا أن تلك التغيرات لن تتضح بشكلها النهائي حتى يصل المجتمع إلى حالة من الاستقرار.

ويعتقد عدد من العاملين في القطاع الإنساني أنه يمكن ملاحظة مجموعة من السلوكيات التي باتت تنتشر بين فئات من الشريحة المستفيدة بالخدمات، ومنها:

  • استثمار المعاناة وعدم الرغبة في تحسين الأوضاع: فعلى سبيل المثال هناك عدد من العائلات القادرة على إعالة نفسها أو تلك التي نزحت من بيوتها نتيجة احتمال هجوم وشيك؛ إلا أن تلك العائلات لم تعد إلى منازلها رغم أن الهجمات قد توقفت، ولا تزال قراها وبيوتها قائمة يمكن الرجوع إليها، وآثرت البقاء في المخيمات رغم سوء الأوضاع فيها، حتى لا تخسر ما تحصل عليه من مساعدات مجانية[52].
  • تزايد حالات السرقة والتخريب التي تطال بعض الخدمات العامة التي تقدمها المنظمات، الأمر الذي دفع بعض المنظمات إلى تخفيض جودة بعض المواد المستخدمة في الخدمات العامة؛ لأنها تدرك أن مصير هذه المواد السرقة[53].
  • تصاعد حالة الحنق والسخط نتيجة الخسائر الكبيرة وخيبات الأمل التي تعرض لها السوريون، وهو ما جعلهم يشعرون بالنقمة على أنفسهم وعلى الآخرين، ولا يرون في هذه الحياة إلا الجانب السلبي؛ لذا فإن من السهل إلقاء اللوم والهجوم على طرف وتحميله المسؤولية عن هذه المعاناة[54].
  • تلجأ الفئات المستفيدة لتعميم انطباعاتها على جميع العاملين في القطاعات الإنسانية، دون تفريق بين المنظمات الجيدة والسيئة؛ وبالتالي فإن ارتكاب أي منظمة أو جهة أو فريق تطوعي خطأ ما سيجعل جميع العاملين في هذا القطاع في دائرة الاتهام.
  • تحول المجتمع السوري خلال سنوات الحرب من مجتمع منتج إلى مجتمع محتاج، ودخوله في حلقة الضعف التي بات ينتقل فيها من حال إلى حال أسوأ، مما أدى إلى ارتفاع نسبة الاعتماد على الآخرين -ولاسيما المنظمات- والاستسلام لليأس والتقاعس عن العمل[55].
  • تُبدي الفئات المستفيدة من خدمات المنظمات درجة من الرضا ما دامت تقدم خدماتها، ولا يخطر ببال هذه الفئات أن هذه الخدمات سوف تتوقف في وقت ما، وعندما تتوقف هذه الخدمات أو تتراجع تتحول حالة الرضا إلى حالة نقمة أو غضب عارم[56].
  • تُظهر الفئات المحتاجة في المناطق التي ينشط فيها العمل الإنساني درجة رضا أقل على خدمات المنظمات مهما كانت طبيعة هذه الخدمات وحجمها، مقارنة مع مناطق لا ينشط فيها العمل الإنساني بشكل كبير[57].
  • يغيب عن الفئات المستفيدة أن كوادر المنظمات ما هم إلا أفراد من هذا الشعب، وأن ما يقعون فيه من أخطاء مقصودة أو غير مقصودة ما هو إلا انعكاس عن الطبيعة البشرية للأفراد وعن الأعراض الاجتماعية التي عانى منها السوريون نتيجة عقود من التخريب الاجتماعي، ونتيجة الأوضاع الطارئة التي تعرضوا لها.
  • تغيب عن الفئات المحتاجة فكرة المسؤولية الذاتية أو المساهمة المجتمعية ودور تلك الفئات أو مساهمتها في تحسين الوضع؛ فهي تعدّ هذا الأمر من مسؤولية المنظمات فقط، وأنه ليس من واجبها أن تقدم أي جهد أو دعم في هذا الخصوص[58].

3-2- غياب الفهم الصحيح لمنظومة العمل الإنساني

تشير نتائج الاستبانة والتعليقات التي وردت فيها، إضافة إلى بعض التعليقات التي وردت على منصات  بعض المنظمات السورية غير الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى غياب وجود تصوُّر دقيق عن الآلية التي يتم فيها تقديم المساعدات وإدارتها؛ إذ ينتشر اعتقاد واسع أن نمط التعامل مع المنظمات والهيئات الدولية والأممية يشبه نمط التعامل مع المتبرعين الأفراد الذين يقدمون المال ويتركون للمنظمة هامشاً من الحرية في التنفيذ، أو أن هذه المنظمات والهيئات يمكن إقناعها بتحويل دعم مخصص لقطاع ما إلى قطاع آخر، إلا أن الواقع على الأرض يختلف عن هذه الصورة المتخيلة؛ فالمنظمات العالمية أو الدولية العاملة في المجال الإنساني تحتكم إلى نظام عمل وإجراءات إدارية صارمة لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها، كما سبق وأوضحناها في القسم الأول من هذه الدراسة.

وبالعودة إلى تطور عملية الاستجابة الإنسانية في سوريا فقد قامت منصة الأوتشا OCHA[59] بإدارة هذه العملية منذ عام 2014 بعد قرار من مجلس الأمن الذي سمح بإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون إذن الحكومة السورية[60] ؛ فأصبحت الأوتشا جهة مخولة دولياً بتنسيق ورسم السياسات وآلية الاستجابة الإنسانية في سوريا، بالإضافة لوضع خطة شاملة لمعرفة ما تحتاجه سوريا في السنوات القادمة.

 وقد بدأت الأوتشا بتحديد مجموعة من القطاعات[61] تضم عدداً من المنظمات الفاعلة في هذا القطاع ضمن شروط معينة كعضو فعال أو كعضو مراقب، وتهدف هذه القطاعات للتنسيق بين عمل المنظمات الفاعلة وضمان تغطية أكبر شريحة من الفئات المحتاجة، كما أنه يساعد المنظمات على الحصول على دعم في هذا القطاع إذا حققت جملة من الشروط الدقيقة ويعطيها دوراً في صناعة القرار[62].

 وقد مكنت هذه القطاعات المنظمات السورية غير الحكومية من التأثير في عملية الاستجابة وقيادتها في بعض الأحيان؛ إذ بدأت الأوتشا بتوظيف عدد من الموظفين السوريين الذين أصبحوا رأس حربة في هذا المجال، وتمكنوا لاحقاً من التأثير في صناعة القرارات والمشاركة في التخطيط وفي جهود المناصرة[63].

وقد تمكنت المنظمات السورية بشكل غير مباشر من التأثير والمشاركة في عملية صنع القرار عن طريق إقامة تقارير دورية حول الاحتياجات، وهو ما جعل شكل الاستجابة ينبع من الاحتياجات الموجودة، وليس من تقديرات لجهات غير موجودة على الأرض كما كان يتم في بداية تقديم الدعم الدولي الإنساني، وإن كانت هذه الاستجابة لا تغطي كل الاحتياجات أو قطاعات منها بشكل كامل (الشكل 23).

الشكل 6: تأثير المنظمات السورية غير الحكومية على منظومة العمل الإنساني الدولية

ومن جهة أخرى فإن وجود عدد من المنظمات والجهات التي تتلقى الدعم ثم تنقله إلى طرف آخر (مقاولة فرعية من الباطن) يعني أن الدعم المقدم من الجهات المانحة لا يصل إلى الفئات المستهدفة بشكل كامل، وإنما يتم اقتطاع النسب الإدارية الخاصة بكل جهة ومنظمة، وتختلف هذه النسب من منظمة إلى أخرى.

كما تعتمد المنظومة الدولية سياسة عامة في الصرف تقتضي بتخصيص نسبة من الدعم المقدم لإتمام عملية التوثيق وللتأكد من أن هذه المساعدات قد وصلت لمستحقِّيها، حتى لو وصلت كلفة هذه العملية إلى 25% من قيمة المساعدات، فذلك أجدى – من وجهة نظرها -من تقديم مساعدة كاملة لا يمكن التحقق منها.

 في حين تنتهج بعض الجهات الداعمة الأصغر والمتبرعون الأفراد سياسة مختلفة لا تخصص لجانب التحقق والتوثيق الميزانية والمعايير ذاتها، فهي تريد أن يصل مبلغ الدعم لمستحقِّيه كما هو، وتعتمد على نزاهة الجهة المنفذة ودرجة الثقة بها.

  أما منظومة العمل مع بعض المنظمات العربية والإسلامية وتبرعات الأفراد أو رجال الأعمال فتختلف إلى حد ما؛ فغالباً ما تتقدم المنظمات المحلية بمشاريعها وفقاً للاحتياجات التقديرية بشكل مباشر للداعم، الذي قد يموّل بعض المشاريع بناءً على اقتناعه بجدوى المشروع وبسمعة المؤسسة ودرجة ثقته بها؛ في حين أن عدداً من المنظمات العربية والإسلامية صارت تعتمد معايير مستمدة أو متماهية مع المعايير الأممية.

3-3- الفجوة بين الاحتياج والدعم المقدم والدعم الواصل

قدَّرت الأمم المتحدة والشركاء حجم المساعدات المطلوبة داخل سوريا فقط لعام 2020 بقيمة 3.3 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية داخل سوريا، في حين خصص مؤتمر المانحين مساعدات فعلية إجمالية قدرها 1.7 مليار دولار أمريكي، بينها 286 مليون دولار تُصرف داخل سوريا في مناطق النظام والمعارضة والأكراد، مع الإشارة إلى أن الأمم المتحدة لم تحصل عام 2019 سوى على 58% من التمويل اللازم لسدّ احتياجات السوريين داخل سوريا وفي بلاد اللجوء المجاورة لها[64].

الشكل 7:الفجوة بين حجم المساعدات المطلوبة والمقدمة والمخصصة لسوريا وفقاً لمؤتمرات بروكسل الأربعة[65]

وعند مقارنة حجم الدعم المتناقص عاماً بعد عام (الشكل 33) مع حجم الاحتياجات المتزايد (الشكل 34) تبدو الفجوة واضحة، لاسيما مع تزايد العمليات العسكرية وتزايد موجات النزوح التي حولت الكثير من العائلات من عائلات محتاجة في قطاع واحد إلى محتاجة في عدد من القطاعات، بالإضافة إلى أن التبرعات والمنح الدولية لم تستطع حتى الآن أن تغطي قطاعاً معيناً بشكل كامل؛ لذلك تم توزيع الدعم لتغطية جميع القطاعات بشكل جزئي ومتفاوت.

الشكل 8: عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدة بين عامي 2012 وحتى نهاية عام 2019 [66]

ومن جهة أخرى، ومع أن أعداد السوريين في الشمال السوري تفوق أعداد السوريين اللاجئين في دول الجوار، ودرجة الاحتياج لديهم أكبر؛ إلا أن القسم الأكبر من المساعدات لا تذهب إلى الداخل السوري، وإنما يتم توزيعها وفقاً لاعتبارات أخرى[67]، وبالتالي فإن المساعدات التي تعلن عنها الدول المانحة تتوزع على الدول المستضيفة للسوريين، كما تتوزع فيها حصة سوريا على المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام والمناطق الواقعة تحت سيطرة قوى المعارضة، وتلك الواقعة تحت سيطرة المليشيات الانفصالية.

ولذا فإن المنظمات غير قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة في ظل الواقع الحالي؛ فالدعم الدولي غير كافٍ أساساً لتغطية الاحتياجات، كما أن هذا الدعم يمرّ بعدد من الجهات ليصل إلى جهة التنفيذ، وهو ما يعني اقتطاع أجزاء منه بنِسب إدارية عند انتقاله من جهة إلى جهة أخرى. إضافة إلى أن العمليات المالية التابعة لهذه الجهات -خاصة الجهات التنفيذية- يعترضها الكثير من التدقيق، لاسيما بعد وضع قيود على التحويلات المصرفية إلى سوريا أو البلدان المجاورة عبر شبكة البنوك المراسلة العالمية global correspondent bank network، وهو ما جعل وصول أموال الدعم -سواء كانت عن طريق المنظمات المانحة أو المتبرعين الأفراد- أمراً بالغ الصعوبة، وأدى إلى تجميد ثلث إجمالي المساعدات المخصصة لسوريا، وقد تزايدت هذه التعقيدات المالية بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، والذي جعل البنوك تبالغ في الامتثال للعقوبات من خلال فرض إجراءات وشروط أكثر تعقيداً على الأفراد والمنظمات[68].

ونتيجة لهذه العراقيل البيروقراطية لم تصل العديد من المبالغ المخصصة للمساعدة إلى المنظمات المنفِّذة، وهو ما دفع بعضها إلى إلغاء أو تأجيل مشاريع كانت جاهزة للتنفيذ نتيجة عدم قدرتها على استيفاء المعاملات الورقية التي طالبَ المانحون بها، خاصة بعد التشديد الذي فرضته العديد من البنوك على عمليات تحويل الأموال الموجهة إلى سوريا، ما تسبب بتأخير أو إيقاف أو رفض عملية التحويل[69].

وتؤثر هذه الفجوة بين الاحتياج والدعم المقدم والدعم الحقيقي الذي وصل للمشاريع المنفذة على الصورة الذهنية للمنظمات الإنسانية؛ فالشريحة المستهدفة تغيب عنها هذه التفاصيل والمعلومات حول العراقيل الإدارية التي تعاني منها المنظمات، وتسمع الشريحة المتضررة عن مئات ملايين الدولارات التي خُصصت لدعم سوريا، بينما لا ترى -وفق تقديرها- على أرض الواقع ما يوازي قيمة هذه المبالغ التي تم الإعلان عنها، فتتوقع وجود عمليات فساد وسرقة قامت بها الجهات القائمة على هذه العملية على اختلافها.

3-4-اختلاف الأولويات

مع تفاقم الاحتياجات وتحوُّل العديد من العائلات من عائلات محتاجة في قطاع واحد إلى محتاجة في أغلب القطاعات، وتراجُع حجم الدعم المقدم وتقييده؛ بات من الضروري إعادة توزيع الموارد المتاحة وفق الأولويات، وإن كانت هذه الموارد لا تغطي الاحتياجات الحالية.

وتختلف أولويات الداعم عن أولويات المنظمات المنفذة والفئات المستفيدة؛ فالدول والمنظمات الداعمة ترى أن من أولوياتها في حالات الطوارئ تأمين ما يبقي الناس على قيد الحياة ولو في الحدود الدنيا، كما أن العديد من الجهات الداعمة لا ترى أن دعم بعض القطاعات يشكل أولوية عندها، كالتعليم أو مشاريع الإيواء، على اعتبار أن الوضع طارئ وغير مستقر و”مؤقت”[70].

وترى المنظمات الداعمة – الدولية أو الأممية – أن أولويتها تقديم الدعم في المجال الذي تخصصت به، وليس من أولويتها تقديم دعم في مجال آخر، وإن كانت درجة الاحتياج ودرجة الأهمية أكبر، كما تضع هذه الجهات في أولوياتها أن تصل المساعدات للمحتاجين، دون أن تستفيد منها الجماعات المصنفة[71] أو “أطراف النزاع”[72].

وتختلف أولويات المنظمات المحلية[73] عن أولويات الجهات الداعمة؛ كون المنظمات على احتكاك وثيق بالمستفيدين، وتدرك بشكل أكبر احتياجاتهم المتزايدة. إلا أن هذه المنظمات إلى جانب أولوياتها وحرصها على خدمة المستفيد وتحقيق رؤيتها ورسالتها فإن حصولها على تمويل لمشاريعها هو ما يضمن استمرارية عملها مع تراجُع الدعم بشكل كبير سنوياً[74]، كما أن أولويتها تنفيذ مشاريع ضمن المجالات التي تعمل بها التي بنت فيها خبرات متراكمة[75]، بالإضافة إلى ضمان سلامة كوادرها، والقدرة على تنفيذ المشاريع دون حدوث مضايقات من السلطات المحلية[76].

أما عن الفئات المستهدفة فتختلف هذه الفئات فيما بينها في تحديد أولوياتها؛ فضمن العائلة الواحدة تختلف الأولويات بين الأفراد[77]، وكذلك الأمر ضمن المخيم الواحد، فحينما تقدم المنظمة مشروعاً وفق أولوية معينة تجد أن الفئات التي لا ترى هذا المشروع من أولوياتها ليست راضية.

ومن جهة أخرى قد تحصل الفئات المستفيدة على ما تعدّه من أولوياتها الحالية؛ إلا أنها قد تقوم بالاستغناء عنه أو عن جزء منه لتأمين أمور ذات أولوية أيضاً بالنسبة لها، كأن تقوم ببيع جزء من المساعدات ولو بثمن بخس لتوفير سيولة تسمح لها بتأمين متطلبات أخرى، وبالتالي فإن قيام بعض العائلات بذلك يعطي انطباعاً بأن هذه المساعدة فائضة عن حاجتها[78].

 ويرى البعض أن تقديم المساعدات بشكل نقدي سيوفر على الجمعيات مشكلة تحديد الأولويات؛ إلا أن هذا الأمر لا يمكن تنفيذه في كثير من الأحيان لأن الدعم قد يكون موجهاً لتغطية مجال معين، أو لأن الكثير من المساعدات المالية التي قُدمت في أوقات سابقة صُرفت في غير مكانها[79].

3-5- غياب الجهات الرقابية وضعف الشفافية

من المفترض في عمل المنظمات غير الحكومية أن تكون هناك جهة رقابية – وهي الحكومة – تدقق في عمل المنظمات وتستقبل الشكاوى بحقها إن وجدت؛ إلا أن الظروف التي نشأت فيها المنظمات السورية غير الحكومية، وتحوُّل أجهزة الدولة والحكومة إلى الخصم والمتسبب بهذه الأزمة الإنسانية جعل عمل تلك المنظمات يتوسع ويتطور دون وجود آلية رقابية أو وجود جهة للمحاسبة والمساءلة.

وبسبب غياب هذه الجهة الرقابية، ومع اتساع رقعة الاحتياج وشحّ الموارد تواجه المنظمات تهماً بالفساد أو الهدر أو سوء التنفيذ أو التلاعب لا يمكن التحقق منها بالأدلة والبراهين، وهو ما سمح بانتشار موجة واسعة من الإشاعات أثّرت على جميع المنظمات الإنسانية الجيدة والسيئة.

وعلى الرغم من كافة الإجراءات والتطورات التي حصلت في السياسات الإدارية والمالية[80] التي تنظم عمل منظمات المجتمع المدني المحلية فما زالت هذه السياسات الداخلية قاصرة، ولاسيما فيما يتعلق بموضوع الشفافية الإدارية والمالية التي من شأنها تصحيح الصورة الذهنية ودحض الإشاعات، خاصة مع وجود تاريخ حافل من انتشار الفساد والرشوة في سوريا[81].

ففي موضوع الشفافية الإدارية لا تزال العديد من المنظمات المحلية ترتكب الكثير من الأخطاء، خاصة في عملية التوظيف، فلا تعلن المنظمة عن الآلية التي ستتبعها في اختيار الموظفين، ونتيجة لكثرة المتقدمين لطلبات التوظيف يصبح من الصعب على المنظمة أن تتواصل مع جميع المتقدمين أو ترد على إيميلاتهم، وهو ما يعطي انطباعاً سلبياً عن المنظمة بأنها لم تختر موظفيها بناء على منظومة واضحة.

كما يبرز موضوع الشفافية المالية كأشد العوامل تأثيراً في الصورة الذهنية للعمل الإنساني؛ فرغم القيود المالية والرقابية التي تطالب بها الجهات الداعمة والحكومات التي تعمل المنظمات على أراضيها، ورغم لجوء العديد منها إلى شركات مختصة للتدقيق في حساباتها المالية؛ إلا أن هذه المنظمات مقصِّرة إلى حد كبير في عرض حركتها المالية للحاضنة التي تتابعها بشكل دوري ومكثف.

فغالباً ما تلجأ المنظمات إلى عرض تقارير الإنجازات السنوية[82] والأعمال بشكل تراكمي، دون تفصيلات لحجم الأعمال التي قامت بها كمياً ومالياً، ودون تحديد نطاق زمني أو توضيحات تفصيلية، في حين قد تقوم بعض المنظمات بنشر تقاريرها المالية السنوية[83] كنوع من الشفافية؛ إلا أن هذه التقارير غالباً ما تُنشر بالطريقة التي قدمت بها إلى الجهات المالية المختصة أو للداعمين، وبشكل معقد وأحياناً بلغات أخرى وبشكل غير دوري؛ إذ تفترض المنظمات مسبقاً أن الحاضنة لا تهتم بهذا النوع من التقارير، أو أنها غير قادرة على فهمه.

ومن جهة ثانية لجأت بعض المنظمات إلى إفراد صفحات خاصة على مواقعها تحت مسمى “ملفات الشفافية”، لتوضيح إجمالي التبرعات التي وصلت للمنظمة منذ بداية إنشائها (الشكل 9)، ولكن دون تحديد المدة الزمنية التي تم فيها جمع هذه التبرعات أو ميزانيات المشاريع التي قامت بها، وهي أرقام كبيرة تدفع المتابع للتساؤل: أين وكيف ومتى صُرفت هذه الأرقام؟

الشكل 9: نموذج عن معلومات التبرعات الذي عرضته إحدى المنظمات الإنسانية غير الحكومية

ومن جهة أخرى اتجهت بعض المنظمات لوضع تفصيلات تقدم للمتابع التبرعات الآنية الفردية التي تقدم لمشروع معين أو لحالة محددة[84]، والتي تهدف فيها تلك المنظمات إلى الوصول لمبلغ معين يكفي لسد حاجة الحالة أو المشروع؛ إلا أن هذه المنظمات لا تكلف نفسها عناء الإيضاح على معرّفاتها الرسمية ما يؤكد أو يوثق وصول هذه التبرعات لهذه الحالة، وكيف ساهمت هذه التبرعات في تغيير واقع المستفيد[85].

ولا بد من الإشارة إلى أن جميع المنظمات الإنسانية غير الحكومية المرخصة في دول أخرى تخضع لإجراءات مراقبة مالية من قبل الدول التي رُخصت فيها[86]، فعلى سبيل المثال: تخضع المنظمات المرخصة في تركيا لمتابعة مالية شديدة من الحكومة التركية ومن الداعم أيضاً؛ إذ إن هذه المنظمات مجبرة على إعداد تقرير مالي سنوي يقدم للحكومة التركية يعرف باسم “بيان نعمة”، يجهز باللغة التركية، كما أن العديد من المنظمات تتعاقد مع مدققين خارجيين من أجل التأكد من سلامة حركتها المالية وتقديم تقارير دورية لمجلس الإدارة أو للداعم.

وترتبط عملية الدعم الدولي كذلك بنظام تتبُّع مالي يمسح كل التبرعات المقدمة حول العالم، ويعطي معلومات عن كل دولة سواء كانت متبرعة أو متلقية للتبرعات، وعن الشركاء والمبالغ والمدة الزمنية ونوع الخدمات، وهو يعتبر من أفضل أنظمة التتبع المالي حول العالم[87]، بالإضافة إلى لجوء العديد من الجهات المانحة إلى شركات تدقيق مالي إضافي للتأكد من نزاهة المنظمات الشريكة خلال عمليات التنفيذ[88].

3-6- الإدارة الإعلامية السيئة لصورة المؤسسة الذهنية

تُعد عملية إدارة الصورة الذهنية مسألة مهمة جداً للمؤسسات، خاصة مع وجود موجة عامة للتشكيك في العمل الإنساني واتهامه، وتتسم الصورة الذهنية بعدة صفات، منها: عدم الدقة، وجنوحها للثبات، وصعوبة تغييرها أو تعديلها، وإمكانية التعميم، كما تساعد في التنبؤ بالسلوك والتصرفات المستقبلية للجمهور تجاه المواقف والقضايا والأزمات المختلفة، وبالتالي فإن سوء إدارة هذه الصورة الذهنية سيهدّد سُمعة المؤسسة وصورتها، والعكس بالعكس[89].

من أبرز الأخطاء التي وقعت فيها منظمات عديدة[90]:

  • التركيز على التغطية الإعلامية للمشروع والمبالغة في إظهار حجمه، وعدم مراعاة الجودة والإتقان في التنفيذ على الواقع.
  • عدم الاعتراف بالأخطاء الحاصلة أثناء التنفيذ والسعي لتصحيحها، والعمل على تداركها بشكل سرّي ودون إثارة الضجة.
  • التفاعل السلبي مع الانتقادات والتعليقات الواردة على صفحات المنظمة، والقيام بحذفها أو الاستهزاء بها أو تكذيبها، والإبقاء فقط على التعليقات الإيجابية.
  • عدم وجود آلية واضحة عند الجمهور لمتابعة المشاكل أو لتلقي طلبات المساعدة أو للإجابة عن بعض الأسئلة والاقتراحات.
  • التحرك الفوري للحالات التي تلقى تغطية إعلامية والمبالغة في الاهتمام بها، مع وجود العديد من الحالات المشابهة[91].
  • عدم التفريق بين الصور والتوثيقات المطلوبة للداعم والصور المجهزة للنشر، والقيام بنشر صور تمتهن كرامة المحتاج[92].
  • ضعف الزيارات الميدانية للموظفين في دوائر اتخاذ القرار لمواقع التنفيذ، وهو ما يجعلهم بعيدين عن الواقع وعن الظروف التي يتم فيها العمل.
  • ضعف الشفافية في إطلاع المستفيدين على التحسينات والتطويرات الإدارية التي قامت بها المنظمة.
  • ضعف ربط المشاريع والإنجازات بأهداف المؤسسة القابلة للقياس وتبيان نسبة تحقيق هذه الأهداف.
  • ضعف الاهتمام بتكوين صورة ذهنية إيجابية للمنظمة لدى طاقم عملها، وتزويدهم بالمعلومات الضرورية، وهو ما جعلهم يتأثرون بالشائعات وبالأخطاء أيضاً، كما أصبحوا غير قادرين على الدفاع عن المنظمة تجاه أي اتهامات تطالها.
  • ضعف الاهتمام بتنمية مهارات الذكاء الاجتماعي التي تؤهل موظفي المنظمات على مخاطبة المستفيدين، وعلى التعامل معهم بالطريقة الأنسب واستخدام الخطاب واللغة التي يفهمونها.

3-7- ضعف تأهيل الكوادر على النحو المطلوب

رأى بعض مسؤولي المنظمات الإنسانية السورية غير الحكومية أن المشكلة الأبرز التي تواجههم خلال عملهم، وقد تزيد في بعض الأحيان على مشكلة تأمين الدعم هي غياب الكوادر المؤهلة التي تمتلك مهارات التعامل مع المستفيدين واستيعابهم وانتقاء الخطاب المناسب لهم، والقادرة أيضاً على فهم منظومة العمل الإنساني وتحدياته واحتياجاته والتفاعل معه.

فعلى الرغم من وجود العديد من أصحاب الكفاءات الأكاديمية إلا أن ميدان العمل في المنظمات ميدان حديث على ساحة العمل السورية، ويتطلب إلى جانب الخبرات الأكاديمية مهارات خاصة تتعلق بطبيعة العمل الإنساني، كمهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي والتواصل والقدرة على تحمل الضغوط واستيعابها، الأمر الذي قد لا يتوفر عند جميع المعنيين بالدرجة الملائمة، وقد أثبتت التجربة أن الدورات والتدريبات يمكن أن تطور هذه المهارات عند البعض الأشخاص الذين يمتلكون الأرضية اللازمة لذلك.

كما أن العمل في المجال الإنساني يُعد مرهقاً للعاملين فيه، خاصة العاملين منهم على الأرض؛ فهو يستنزفهم من الناحية النفسية والجسدية، لاسيما في أوقات الطوارئ، وهو ما دفع بعض العاملين -على اختلاف اختصاصاتهم- إلى الانسحاب من هذا المجال لعدم قدرتهم على تحمل الضغط المتواصل.

 وعلى الطرف الآخر تُوجَّه الكثير من الانتقادات للمنظمات العاملة التي تشتكي من نقص الكوادر بأنها لم تحسن الحفاظ على كوادرها، لاسيما مّن تم تهجيرهم إلى الشمال السوري، وأثبتوا نجاحات واضحة في مناطقهم، وهو ما دفع العديد من الكوادر إلى مغادرة الشمال السوري عندما لم يتمكنوا من الاستمرار في العمل الإنساني[93].

ويعتقد البعض أن هناك عراقيل إدارية كثيرة حرمت أصحاب خبرات ومؤهلات من الحصول على فرص عمل بعد التهجير، كاشتراط المنظمات تقديم الوثائق الثبوتية التي تثبت مجال التخصص الأكاديمي، وهو ما حرم العديد ممن فقدوا مثل هذه الوثائق، وأدى لاستبعاد العديد من الكفاءات التي اكتسبت خبرتها في ميدان العمل وحققت نجاحات سابقة[94].

ومن جهة أخرى يُتوقع من العاملين في المنظمات الإنسانية -سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها- أن يكونوا أصحاب همّ وقضية، لا مجرد موظفين يعملون لتحصيل الراتب الشهري، أو متلقين للأوامر والتوجيهات من الداعم دون أن يكون لهم رأي أو تأثير في تنفيذ المشروع على أحسن وجه؛ وإنما يجب أن يكون منطلقهم هو تحقيق أثر حقيقي وتقديم مجهود من أجل تحسين وضع الناس والنهوض بهم، وهذا أمر يستدعي التفاني في العمل وبذل الجهد اللازم، لاسيما وأنهم يعملون في ظروف غير طبيعة[95].

3-8- الأخطاء خلال التنفيذ

تؤثر الأخطاء التي ترتكبها المنظمات العاملة في الشأن الإنساني بشكل كبير في صورتها الذهنية، ويمكن تقسيم هذه الأخطاء قسمَين:

  • أخطاء غير مقصودة: وهي التي تحدث نتيجة نقص الخبرات[96]، أو لعدم امتلاك مهارات التواصل المطلوبة، أو نتيجة الظروف القاهرة والعمل تحت الضغط.
  • أخطاء مقصودة: وهي التي تحدث نتيجة الإهمال[97]، أو الفساد المتعمد أو السرقة خلال التنفيذ[98].

وقد لجأت المنظمات لمواجهة الأخطاء غير المقصودة إلى تدريب كوادرها وإعدادهم وتطوير مهاراتهم، والتعلم من الأخطاء السابقة والحرص على عدم تكرارها، وهو ما أدى إلى تحسن واضح في أداء العديد من المنظمات، خاصة من ناحية التوثيق وتقييم الاحتياجات[99] والتجاوب مع الشكاوى[100].

كما بدأت بعض المنظمات بتخصيص أرقام وإيميلات خاصة لاستقبال الشكاوى حول تنفيذ بعض المشاريع والعمل على معالجتها، ولمتابعة حالات السرقة والاحتيال، كما بدأت منظمات أخرى بعقد اجتماعات مع المستفيدين بهدف الاطلاع على مشاكلهم وشكاويهم وإطلاعهم على جهود المنظمة لمتابعتها؛ إلا أن هذه الخطوات لا تزال محدودة، ولم يلتزم بها إلا عدد محدود من المنظمات[101].

ومن الواضح أن الأخطاء التي ترتكبها إحدى المنظمات تنعكس وتؤثر في صورة العمل الإنساني وجميع المنظمات العاملة، خاصة إن تم تسليط الضوء على هذا الخطأ؛ إذ غالباً ما يتم تعميم مشاكل الفساد أو سوء التنفيذ أو الأخطاء الإدارية والتجاوزات في موضوع التوظيف وتحديد المستفيدين على جميع العاملين في هذا القطاع[102]، وهو ما أثر في زعزعة صورة العمل الإنساني ككل، وتسبب في أزمة ثقة بين الفئة المستهدفة وتلك المنظمات.

ولابد من الإشارة إلى أن عمل المنظمات توسع وتنوع، وزاد معه عدد المستفيدين، كما أنه يتم في ظروف غير مستقرة، وهذا بالضرورة يعني أن حدوث الأخطاء أمر وارد جداً ولا يمكن منع حدوثه، وبالتالي لا ينبغي أن تُطالب المنظمات بعدم ارتكاب أخطاء، وإنما يجب أن تُطالَب بإيجاد آليات محاسبة ومتابعة وضبط للأخطاء والمخالفات، وبالتعامل معها وفق منظومة شفافة.

3-9- التفاوت في الرواتب

يمثّل موضوع الرواتب واحداً من أهم المواضيع التي أثّرت في صورة العمل الإنساني عند الحاضنة، وذلك نتيجة تفاوت قيمة الرواتب في المنظمة الواحدة بين العاملين خارج تركيا والعاملين داخل تركيا مثلاً، ولارتفاع قيمة الرواتب المقدمة في الداخل السوري للعاملين في المنظمات مقارنة بمتوسط الرواتب في سوق العمل.

ومن المتعارف عليه أن رواتب الموظفين والأكاديميين، وكذلك أجرة العمالة الماهرة في سوريا قبل الثورة كانت أدنى من مثيلاتها في الدول المجاورة، إلا أنها كانت تتناسب مع مستوى المعيشة في سوريا، ونتيجة للتدهور الاقتصادي الذي طال الاقتصاد السوري تأثر الوضع المعيشي ولم تعد الرواتب المقدمة في سوق العمل تتناسب مع احتياجات السكان؛ كونها لم ترتفع بما يتوافق مع حجم التضخم.

ومع دخول المنظمات الدولية ساحة العمل الإنساني في سوريا نقلت هذه المنظمات منظومتها كاملة، بما في ذلك سلم الرواتب، وقدمت في البداية رواتب مرتفعة لم يشهدها سوق العمل في سوريا[103]، إلا أن تلك الرواتب بدأت تنتظم لاحقاً وفق ما يحقق كفاية الموظف في الدول التي يعيش فيها، وبعد أن تدخلت المنظمات السورية غير الحكومية واستطاعت التأثير في هذا المجال بدأت المنظمات بإعادة تقييم الرواتب، وهو ما أصبح ضرورياً مع تراجع الدعم المقدم[104] .

ومن جهتها ترى المنظمات المحلية أن قلة الكوادر الخبيرة والمؤهلة يجعل المنافسة عليها مرتفعة في سوق العمل الإنساني، وبالتالي لا يمكن للمؤسسات أن تغامر بفقدان كوادرها الخبيرة، وأن عليها أن تقدم لهم ما يوازي الرواتب المتعارف عليها في هذا المجال لتضمن بقاءهم وعدم انتقالهم إلى منظمة أخرى، كما أن العمل الإنساني قد يتطلب في بعض الأحيان خبرات في مجالات محددة وفي منطقة معينة، وهو ما يجعلها مضطرة إلى رفع سقف الراتب المطروح من أجل الحصول على هذه الخبرات.

وهنا ظهرت المقارنات بين ما تقدمه المنظمات من رواتب أصبحت بمثابة عُرف بين المنظمات[105]، وما يقدمه سوق العمل المحلي[106]؛ فظهرت حساسية بالغة لدى المستفيدين شكلت عندهم انطباعات غير صحيحة بأن القائمين على المنظمات وجدوا في معاناة السوريين فرصة للحصول على رواتب خيالية، واعتبر بعضهم أن مصلحة هذه المنظمات استمرار المعاناة السورية لما فيه فائدتهم، مع العلم أن رواتب الموظفين داخل سوريا أو خارجها تكفي الموظف ليعيش حياة كريمة بالحدود المقبولة[107]، وهي ليست أعلى من الأجور المتعارف عليها، ولا هي رواتب خيالية كما يُشاع.

وقد يكون السبب وراء هذه الانطباعات السلبية المنتشرة تجاه رواتب العاملين في القطاع الإنساني وجود افتراضات ثقافية – غير منطقية- ترى أنه يتوجب على مَن يعمل في منظمات تطوعية أو خيرية أو قطاعات غير ربحية أن يعمل بالمجان، أو بمقابل بسيط جداً.

رابعاً خاتمة وتوصيات

من المعروف أن لكل شركة أو منظمة أو مشروع أو منجز صورة ذهنية ترتبط به وتنشأ معه، وأن هذه الصورة الذهنية تتشكل لتكوّن سمعة المؤسسة التي نفذت المشروع أو المنجز، وفي كثير من الأحيان تحاول الشركة أو المؤسسة رسم صورتها الذهنية وإدارتها بنفسها، فإن لم تفعل فقد تُبنى هذه الصورة من خلال الخصوم والمنافسين، أو أنها سوف تُبنى بطريقة عشوائية غير منظمة.

ومما سبق نجد أن صورة العمل الإنساني في الشمال السوري لم تكوّنها المنظمات، وإنما تشكلت بطريقة عشوائية يغلب عليها الطابع السلبي؛ إذ كان لنقص الخبرات وللظروف الاستثنائية التي تم فيها العمل الأثر الأكبر في إنشائها، كما أن كثيراً من العوامل أثرت في تشكيل هذه الصورة، وقد تتحمل المنظمات القسم الأكبر من المسؤولية في ذلك، بينما تتحمل الحاضنة جزءاً منها.

ومن جهة أخرى تأثرت الصورة الذهنية لأي منظمة بصورة العمل الإنساني بشكل عام؛ فلم يعد كافياً أن تقوم المنظمة بتطوير أدائها الإداري والمالي والتنفيذي، بل أصبح من الضروري أن تطور الأداء العام للعمل الإنساني؛ لأن الأخطاء التي يقع فيها البعض ستنعكس بشكل ما على بقية المنظمات وستؤثر في صورتها الذهنية.

قبل استعراض أبرز التوصيات التي يمكن أن تخرج بها هذه الورقة نشير إلى أننا طرحنا سؤالاً في الاستبانة على العينة المستهدفة عن أهم ثلاث توصيات لإصلاح واقع المنظمات من قائمة تضمنت عدة خيارات، فكانت النتائج كما يلي:

الشكل 10: رأي عينة الدراسة بأهم التوصيات لإصلاح واقع المنظمات غير الحكومية السورية

يشير (الشكل 10) أعلاه إلى تركيز عينة الدراسة على تعزيز الشفافية والحوكمة بشكل أساس، وتحديداً فيما يتعلق بتوظيف الخبرات وتفعيل الرقابة الخارجية والشفافية المالية. في المقابل نلحظ ضعف الاهتمام -من وجهة نظر العينة- بالقضايا التي تمثل شؤوناً داخلية للمنظمة، من قبيل التوصية بالبحث عن موارد جديدة أو محاولة التحول إلى نمط العمل التنموي الذي يمكن أن يؤمّن موارد مالية تسمح للمنظمات باستمرار العمل دون الحاجة للدعم الخارجي.

وفيما يتعلق بالتوصيات فهي:

توصيات للمنظمات السورية غير الحكومية:

  • إنشاء هيئة رقابية محلية تضم أطرافاً من المنظمات الإنسانية غير الحكومية العاملة وأطرافاً مدنية من القيادات المجتمعية التي يتم انتخابها شعبياً، تقوم بمهمة الاطلاع على التقارير المالية وتقارير الرقابة والتقييم واستقبال الشكاوى والملاحظات حول عمليات التنفيذ، وتقديم تقييم لكل مشروع ولكل منظمة يوضح درجة الرضا والامتنان من هذا المشروع أو تلك المنظمة، وهو ما من شأنه التفريق بين المنظمات الجيدة والسيئة والضغط على المنظمات للسعي لتطوير عملها وكوادرها، كما ستقوم هذه الجهة الرقابية بمتابعة الإشاعات أو الاتهامات الموجهة للمنظمات ومعاقبة الجهات التي تصدرها في حال لم تكن تمتلك دليلاً يؤكد صحة ادعاءاتها.
  • توجه بعض المنظمات الكبرى لتطبيق معايير الجودة مثل الأيزو، والسعي للحصول على شهادات معتمدة في ذلك، وهو أمر يتطلب التزامها بمعايير قد تكون أكثر من متطلبات الجهات الداعمة عادة.
  • توافق المنظمات الإنسانية على وضع نموذج خاص – وفق معايير محددة- يمكن من خلاله تقييم درجة الاحتياج العامة ودرجة الاحتياج في قطاع معين كالقطاع الصحي مثلاً، والسعي في تلبية الاحتياجات وفقاً للأولوية[108].
  • توجيه المنظمات إلى تعزيز مبدأ الشفافية، خاصة المالية، من خلال إعداد تقارير مالية موجهة للحاضنة بشكل مبسط على شكل إنفوغراف مثلاً، توضح المشاريع المنفذة وحجم الدعم المقدم وحجم الدعم الذي صُرف حتى الآن والمصاريف الإدارية وعدد الموظفين المشرفين والعاملين والمتطوعين في المشروع، مع تحديد الفترة الزمنية التي يشملها هذا التقرير، وإتاحة التقارير التخصصية كاملة على الموقع لمن أراد الاطلاع عليها.
  • إعلان المنظمات عن خطتها السنوية أو المشاريع التي هي بصدد إنجازها وأماكنها وعدد المستفيدين المتوقعين من هذه المشاريع، وأن تضع في نهاية العام نسبة إنجاز هذه المشاريع ودرجة التزامها بخططها.
  • إشراك المستفيدين في رسم الخطط السنوية للمنظمات من خلال إتاحة نماذج جاهزة يمكن من خلالها للمستفيدين تقديم اقتراحات للمشاريع وفقاً للاحتياجات بطريقة واضحة تتضمن جميع المعلومات المطلوبة، ومحاولة استجلاب دعم لهذا النوع من المشاريع.
  • إيجاد آلية معتمدة لتقديم الشكاوى ومتابعتها، يمكن خلالها لصاحب الشكوى متابعة تطوراتها والاطلاع على آلية التصحيح التي اتبعت لتجنب الخطأ مرة أخرى.
  • تعزيز التنسيق بين المؤسسات الإنسانية السورية غير الحكومية العاملة في الشمال السوري، والعمل على توحيد معايير العمل ما أمكن، والتشبيك مع المنظمات المحلية والفرق التطوعية لمعرفة أنشطة جميع المنظمات والعمل على ضبط عمليات الاستجابة.
  • الاتفاق على معايير واضحة لعمليات التوثيق -سواء المخصصة منها للداعم أو المخصصة للإعلام- تضمن كرامة المحتاج، وإعلانها للمستفيدين، ومتابعة الجهات التي لا تلتزم بهذه المعايير ومحاسبتها، وتشجيع المستفيدين على رفض عمليات التوثيق التي تنتهك كرامتهم والتبليغ عنها.
  • إنشاء موقع إلكتروني مشترك – بنك للخبرات وفرص العمل والتوظيف – تقوم فيها المنظمات بالإعلان عن فرص العمل، ويقوم أصحاب الخبرات والكفاءات الذين يبحثون عن فرص عمل بتسجيل خبراتهم الأكاديمية ومهاراتهم ومعرفة نقاط قوتهم وضعفهم، إذ يمكن لهذا الموقع أن يقوم بفلترة تلقائية للمتقدمين لإحدى الفرص المعلنة، ويوضح للمتقدم الأسباب التي تجعله غير مناسب للوظيفة، كما يقدم للمتقدمين إلى وظيفة معينة علامات تفاضل وفقاً للخبرات، وهو ما سيتيح للمتقدم إلى وظيفة ما الحصول على تقييم آلي يحدد احتمالية قبوله وعدد المتقدمين لهذه الوظيفة، قبل أن تبدأ المنظمة بالاطلاع على طلبات التوظيف، مما سيخفف الحرج والضغط على المنظمات في قبول المتقدمين للوظائف.
  • التوجه في عمليات التوظيف الى إقامة تدريبات حول مهام المناصب الشاغرة تنتهي باختيار المنظمة المتدربين الأكثر كفاءة لشغل هذه المناصب، وإكساب بقية المتدربين خبرات قد تتيح لهم المجال للحصول على فرص عمل أخرى.
  • إقامة الدورات والتدريبات الموجهة لكوادر المنظمات حول إدارة الصورة الذهنية والسمعة للمنظمة، وتطوير الآليات الإعلامية التي تتواصل بها المنظمة مع حاضنتها، وآلية التعامل مع التعليقات المسيئة أو الناقدة.
  • التوجه نحو المشاريع التنموية والوقفية ذات المردود المالي الذي يمكن أن يؤمّن للمنظمات جزءاً من الدعم المستمر، مما يخفف احتياجها للجهات المانحة، ويفسح لها مجالاً لتوجيه الدعم نحو القطاعات الحرجة والأساسية.
  • السعي لإيجاد برامج التعافي للمجتمع من التغيرات التي طرأت عليه وحولته من مجتمع منتج إلى مجتمع محتاج، وإعادة ثقته بنفسه وإيمانه بقدرته على الإنجاز والمساهمة وعلى تصحيح أوضاعه، دون الحاجة إلى مساعدة أي جهة.

توصيات خاصة بالحاضنة الشعبية[109]:

  • متابعة التقارير والأخبار التي تنشرها المنظمات السورية غير الحكومية، وعدم بناء الانطباعات بناء على الإشاعات.
  • تشكيل لجان اتصال بين الفعاليات المجتمعية والمنظمات العاملة في كل منطقة، وإقامة لقاءات كل ربع سنة مثلاً للاطلاع على واقع المنظمات وأعمالها، والإشادة بالمنظمات التي تعمل بشكل منضبط ومتقن[110].
  • عدم الانجرار وراء الإشاعات والتعميم، والعمل على تحرّي الدقة والتأكد من الأخبار، خاصة فيما يتعلق بإطلاق اتهامات الفساد المالي أو الإداري.

لتحميل الورقة البحثية:

الورقة البحثية “الصورة الذهنية للعمل الإنساني في سوريا بعد عام 2011: تحديات الاحتياج وقلة الموارد”

لمشاركة الورقة:

https://sydialogue.org/pb98


[1] ركزت الورقة على جهود المنظمات السورية في الشمال السوري، نظراً لأن هذه المنطقة باتت المكان الوحيد داخل سوريا التي تعمل فيها منظمات المجتمع المدني بعد عمليات التهجير التي بدأت عام 2017، إلا أن فريق العمل وعدد من الخبراء الذين اطلعوا على الدراسة قبل نشرها يعتقدون بأن ما تتعرض له الدراسة يناسب كامل جهود العمل الإنساني سواء في مناطق سيطرة المعارضة قبل التهجير أو في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة.
[2] المجتمع المدني.. تعريفه ومهامه، عنب بلدي، 6/5/2018، https://bit.ly/2S4VKAI
[3] يُنظر: دليل المنظمات غير الحكومية، وزارة الخارجية الأمريكية، 2012، ص3.
[4] انطباع أول (علم نفس)، ويكبيديا،  https://bit.ly/3iFGzss
[5] علي عجوة، العلاقات العامة والصورة الذهنية، عالم الكتب، الطبعة الأولى، 1983، ص 4-8.
[6] ميثاق اسفير، إصدار عام 2018، https://handbook.spherestandards.org/ar#ch002
[7] المصدر: موقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، https://www.unocha.org/syria
[8] ينظر على سبيل المثال: د. توفيق البشير، حوكمة المؤسسات غير الربحية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص7 وما بعدها، الرابط: https://bit.ly/2ZsssiI، وهدى الميداني، الحوكمة الرشيدة في المنظمات غير الربحية بأدوات التقنية، مزن لتقنية القطاع غير الربحي، 9-7-2017، الرابط: https://bit.ly/3dQsPZE.
[9] أسيل هادي محمود، أسس الشفافية الإدارية وعلاقتها بمكافحة الفساد الإداري، الجامعة المستنصرية-العراق، مجلة الإدارة والاقتصاد، العدد /71/، 2008، ص75.
[10] Qualification، business dictionary، link: https://bit.ly/3d6pZ2h.
[11] اعتمدت الدراسة على استبيان شمل /476/ عينة، وقد نُفذ إلكترونياً من خلال نشره على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بمركز الحوار السوري وبرامج التواصل في أواخر عام 2019.
[12] أجرى فريق البحث /12/ مقابلات مع عدد من المديرين والموظفين ضمن بعض المنظمات غير الحكومية ممن لديهم نشاطات سواء داخل المناطق المحررة أو في تركيا، وموظف في مكتب OCHA في تركيا، وذلك عبر 4 مقابلات أولية تمت خلال شهري /تشرين الثاني وكانون الأول/ من عام 2019 في فترة نشر الاستبيان، و8 مقابلات لاحقة في أيلول 2020.
[13] من لقاء أجراه فريق العمل مع أحد المؤسسين لمنظمة مجتمع مدني سورية، والتي كانت فريقا تطوعياً في بداية عملها.
[14] تجربة المجتمع المدني السوري، مركز جسور للدراسات، 15/9/2020، https://bit.ly/2FZrULt
[15] لاحظ فريق البحث خلال دراسته نتائج الاستبانة غياب المعلومة أو الاطلاع حول آلية عمل هذه المنظمات وعلاقتها مع الدعم الدولي والقواعد والأعراف الناظمة لعملها لدى الشرائح التي تم استطلاع آرائها، وكذلك بعض الناشطين الذين تم لقاؤهم؛ فكان من الواجب التعريف بمنظومة العمل والآليات التابعة لها من أجل توضيح الصورة بشكل كامل، وهذا ما حاولنا عمله في الفقرات التالية من هذه الدراسة.
[16] لا يشترط على الجهات الممولة – سواء كانت حكومات أو منظمات أو جهات أخرى- أن يغطي الدعم الذي تقدمه كامل الاحتياج.
[17]  توزع الدول والحكومات المانحة دعمها على عدد من الجهات، منها:
  • المنظمات الأممية: مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، واليونيسيف، واليونيسكو.
  • المنظمات الدولية العاملة في مجالات معينة: مثل منظمة العمل الدولي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الغذاء العالمي.
  • شركات ربحية مختصة بالأعمال الإنسانية: مثل شركة كومينكس Chemonics التي نفذت مشروع دعم التعليم، https://bit.ly/31fbfer
  • منظمات أجنبية حكومية: مثل إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” (AFAD)
  • منظمات أجنبية غير حكومية: من هذه المنظمات SAVE THE CHILDERN، وأطباء بلا حدود، وMercy Corps، وOxfam‏، وGIZ
  • جهات محلية: مثل وحدة المجالس المحلية التابعة للحكومة المؤقتة، والتي كانت الحكومة الكندية إحدى الجهات الداعمة بشكل مباشر، https://bit.ly/3kiXanX. من مقابلة أجراها فريق البحث مع أحد موظفي الـ OCHA في أيلول 2020.
[18] تساهم بعض الحكومات العربية وكذلك بعض المنظمات غير الحكومية وخاصة في دول الخليج في دعم وتمويل المنظمات الإنسانية الدولية وبعض المنظمات الإنسانية العالمية
[19] يمكن للأمم المتحدة أن تتعاون مع جميع المنظمات والفرق التطوعية، سواء كانت مرخصة أم غير مرخصة؛ فعلى سبيل المثال: (تتعاون الأمم المتحدة مع عدد من المنظمات المحلية والفرق التطوعية غير المرخصة في مخيم الركبان، وذلك في إطار تقييم الاحتياجات، أو المساعدة في عمليات التوزيع)، إلا أنها لا تقدم أي دعم مالي إلا لمنظمات مرخصة تملك حساباً بنكياً مسجلاً باسم المنظمة. من لقاء أجراه فريق العمل مع أحد موظفي مكتب OCHA
[20] تم تحديد التفصيلات الموضحة ضمن كل قطاع بناء على ما ورد من تفصيلات في ميثاق اسفير.
[21] بلغ عدد الجهات الفاعلة في المجتمع المدني السوري أكثر من 800 جهة عام 2015، وانخفض العدد عام 2019 إلى قرابة 500جهة فاعلة ونشطة.
المصدر: العقوبات الاقتصادية والتقييد المالي: تحديات إضافية للحيز المدني المحدود في سوريا، منظمة دولتي، تاريخ النشر تموز 2020، https://bit.ly/2HsSVr1
[22] اعتمد فريق البحث في تحليله الصورة الذهنية الحالية على تحليل نتائج الاستبانة وما ورد في المقابلات مع عدد من العاملين في المنظمات غير الحكومية، في محاولة لاستعراض أراء كلا الطرفين.
[23] تعني الرؤية: التصور الذي تبنيه المنظمة عن نفسها في المستقبل؛ أي ما تطمح لأن تكون عليه في الأمد المتوسط أو البعيد. بينما تختص الرسالة بالأهداف المعنية بتحققها في الوقت الحاضر، بمعنى آخر: تتكون الرسالة من الأهداف قصيرة الأمد والخطوات التكتيكية المعنية بكيفية الوصول للتصور الاستراتيجي الذي تتبناه المنظمة في رؤيتها:
mission statement، Business Dictionary، link: https://bit.ly/2XMR0U4. vision statement، Business Dictionary https://bit.ly/3fcauaF.
[24] بلغت نسبة الذين أجابوا بالحياد على هذا السؤال 30% أي ما يقارب ثلث الشريحة المستطلعة آراؤها.
[25] ذكر مدير إحدى منظمات المجتمع المدني  أن منظمته وفقاً لرؤيتها ورسالتها اتخذت قراراً في نهاية عام 2014 يلزمها بعدم بناء أي خيمة، والتوجه نحو مشاريع بديلة  لتأمين سكن لائق – غرف اسمنتية – وقد لاقى توجه هذه المنظمة بداية الاعتراض وعدم القبول، وخاصة بين أوساط الداعمين الذين اعتبروا أن عملية النزوح يجب أن تكون مؤقتة، ويجب عدم تشجيع الناس على الاستقرار لضمان عودتهم إلى مناطقهم؛ إلا أن تلك المنظمة درست المشروع الذي كانت كلفته كبيرة واستطاعت تأمين دعم وتمويل له عن طريق شبكة من المعارف من رجال الأعمال والمنظمات العربية التي سبق أن تعاونت مع هذه المنظمة ووثقت بعملها، فاستطاعت لاحقاً إنشاء عدة قرى سكنية، وتمكنت من  تغطية احتياجات القرية من السلل الغذائية عبر مشاريع تمولها منظمة الغذاء، واستطاعت تغطية كلفة البنية التحتية الصحية من خلال الحصول على تمويل من منظمات أجنبية معنية بذلك. إلا أن هذه المنظمة اضطرت عام 2019 الاستجابة للاحتياج نتيجة موجات النزوح الكبيرة، وعادت الى نصب الخيام وإنشاء المخيمات، إلى جانب استمرارها في مشاريع بناء القرى التي تقوم بها.
من مقابلة مع مدير إحدى منظمات المجتمع المدني التي تعمل في سوريا وتركيا، أيلول 2020.
[26] أشار مدير مشاريع إحدى المنظمات إلى أنه لا وقت لديه لتجهيز حملات مسبقة مثل حملات الشتاء، خاصة في الأوقات التي تكون فيه العمليات العسكرية على أشدها، حيث إن المجازر المتواصلة، وتسارع موجات النزوح يمنع المؤسسة من التفكير بأي أمر مستقبلي، فيما أكد مسؤول ميداني أيضاً أنه من الصعب جداً وضع خطة استراتيجية للعمل في بيئة ذات عوامل جغرافية وأمنية ومالية متغيرة.
[27] أظهرت نتائج الاستبانة أن 88% من الشريحة المستطلعة آراؤها ترى أن المنظمات غير الحكومية تعاني من فساد مالي أو إداري.
[28] أشار عدد من الموظفين الذين التقيناهم إلى أن عدداً من المنظمات تختار موظفيها وفقاً لمعايير مناطقية أو عائلية أو أيديولوجية بالدرجة الأولى بعيداً عن الكفاءة والجدارة والمهنية، بينما أشار آخرون إلى أن هذا الأمر كان موجوداً في بداية عمل المنظمات إلا أن العديد من هذه المنظمات قد طورت أداءها الإداري ووضعت معايير واضحة لموظفيها.
[29] أشار مدير إحدى منظمات المجتمع المدني أن منظمته تلقت ما يزيد عن 3000 طلب توظيف عندما أعلنوا عن حاجتهم لمدخل بيانات في الداخل السوري، حيث كان احتياج المنظمة موظفين اثنين فقط في هذا العمل، وهذا يعكس صورة البطالة الموجودة في الشمال السوري وعدم القدرة على تأمين مصادر عمل.
[30] أفاد أحد الإداريين في منظمة مجتمع مدني أن متوسط الرواتب في الداخل السوري التي تقدمها المنظمات يتراوح بين 150-350 $ شهرياً، في حين أن الرواتب التي يتيحها سوق العمل لا تتجاوز 100$ شهرياً.
[31] بحسب دارسة صادرة في 2017 “أظهرت النتائج أن أكثر من 72% من الموظفين يملكون بالحد الأدنى شهادة جامعية، وبعضهم من حملة شهادات الدراسات العليا (الماجستير أو الدكتوراه)، علاوة على وجود عدد كبير من الموظفين من ذوي الخبرات الكبيرة والمعروفين باختصاصهم أو تميزهم ضمن مجال عملهم، على حد زعم المنظمات نفسها”.
يُنظر: زيدون الزعبي، منظمات المجتمع المدني السورية: الواقع والتحديات (بحث مبني على نتائج مسح ميداني معمق لمنظمات المجتمع المدني السورية)، مواطنون لأجل سوريا، 2017، ص22.
[32] قدَّر “مشروع عدالة” التابع لجامعة “إدين برغ” الأسكتلندية في توصياته تحت اسم “المبادئ والمعايير من أجل مكافأة مالية عادلة في المنظمات غير الحكومية” التي تتألف من 5 مبادئ و13 معياراً بتحديد الأسس التي يجب النظر فيها بشأن المكافآت المالية لموظفي المنظمات غير الحكومية. ويختص المبدأ الثالث بقضية المساواة، ويعرفها بالآتي: يجب أن تكون المكافآت المالية المقدمة للموظفين المختلفين عادلة وثابتة ومشروعة. وفي المعيار الأول التابع للمبدأ الثالث تم التشديد على أن جميع الوظائف يجب أن تُقيّم بحيث تعكس معلومات تقنية ومهارات وخبرة يحتاجها العمل. وفي المعيار الثاني تم التركيز على أن سياسات المكافآت المالية يجب أن تراعي التباين الضروري بناءً على عوامل السياق المحلي كالمناطق الشاقة والدول الهشة أو غياب المهارات المطلوبة. أما في المبدأ الرابع القسم الثاني فكان التركيز على مستويات المكافآت المالية يجب أن تضمن رواتب كافية لجميع الموظفين في كل البلدان.
Project FAIR: Principles and Standards of INGO Fair Reward، university of Edinburgh، link: https://bit.ly/37zIjji.
[33] ركزت بعض الإجابات على أن سلم الرواتب لموظفي المنظمات أعلى من متطلبات المعيشة ومن الجهد المبذول، فيما اعتبرت إجابات أخرى أن سلم الرواتب قد يكون أقل من متطلبات المعيشة وخاصة خارج سوريا.
[34] تعتبر آلية صناعة القرار ورسم السياسات والخطط في المنظمات الإنسانية من العوامل المهمة لرسم الصورة الذهنية لدى المستفيدين، فكلما كانت القرارات والخطط والمشاريع التي تنفذها تلك الجمعيات قريبة من الاحتياجات وتسعى بشكل فعلي لتحسن واقع المستفيد؛ نجحت تلك المنظمات في تكوين صورة ذهنية إيجابية عن عملها.
[35] أشار أحد الموظفين الذين التقيناهم إلى أن إحدى المنظمات قامت بتنفيذ مشروع مدينة ألعاب في وقت كان الناس يحتاجون فيه لمحروقات للتدفئة خلال فصل الشتاء، وهو ما تسبب بانتقادات للمنظمة واتهامها بعدم الاكتراث لاحتياجات الناس؛ دون أن يدركوا أن هذا المشروع قد تم إقراره قبل مدة طويلة ولم يدخل حيز التنفيذ إلا في هذا الوقت، وأن الدعم المقدم قد خصص لهذا النوع من المشاريع، ولا يمكن للمنظمة المنفذة ولا الداعمة تغييره إلى مجال آخر.
[36] سيتطرق القسم الثاني من هذه الورقة إلى هذه المواضيع بالتفصيل.
[37] أشار مدير إحدى المنظمات إلى أن تقديم أي مؤسسة لمشروع في قطاع معين ضمن مجال عملها – على سبيل المثال قطاع الحماية أو الدعم النفسي – نظراً لتوفر الدعم من قبل جهة معينة لا يعني أن المنظمة مرتهنة القرار، بل هي تسعى للاستفادة من الفرصة لسد احتياج موجود ضمن هذا القطاع قد لا يشكل أولوية عند المستفيد، وهي غير قادرة على إقناع الداعم – خاصة الأجنبي – بتوجيه الدعم لقطاع آخر؛ وذلك لأن هذه الجهات غالباً ما تكون قطاعات تخصصية، أي أنها متخصصة في دعم مشاريع الحماية وفق المثال المفروض ، ولا تستطيع صرف هذا الدعم إلا في هذا المجال.
[38] ذكر أحد المطلعين على نشاطات العمل الإنساني إلى أن بعض المنظمات الكبيرة انتهجت هذا النهج من التماشي مع رؤية الداعم حيث أنشأت على عجل مكاتب وفروعاً من أجل الحصول منحة أو عرض مشروع قد يكون بعيداً عن مجال اختصاصها، وقام بعضها بالتعاون مع منظمات صغيرة أو محلية مختصة بالمجال المطلوب لتقوم بتنفيذ العمل بالوكالة مقابل نسبة من التمويل.
[39] ذكر بعض الموظفين الذين قابلناهم أن الكثير من برامج التمكين المطبقة من المنظمات التي تتبنى قضايا معينة تدافع عنها مثل “حقوق الإنسان” و”تمكين المرأة” وغيرها من القضايا غريبة ومنفصلة عن الواقع السوري، ولا تنسجم في رؤيتها مع ثقافة الشعب السوري ولا مع احتياجاته، وإنما تُنفذ بحسب إرادة الجهة الداعمة.
[40] رسخت الأمم المتحدة في مبادئها الإنسانية السبعة، مبدأ أساسياً في التعامل الإنساني وهو: مبدأ عدم التحيز أو الانحياز، والذي ينص على: “منح المعونات والمساعدات والخدمات دون أي تمييز قائم على أساس العرق أو اللون أو الدين العقيدة أو الجنس أو المولد أو الثروة، أو أي معايير أخرى مشابهة”، حيث تفترض منهجية العمل الإنساني التوجه للفئات الأكثر احتياجاً ثم الأولى فالأولى.
يُنظر: مبادئ العمل الإنساني، القاموس العملي للقانون الإنساني، https://bit.ly/2VvIE1J.
[41] تحاول العديد من المنظمات معالجة هذه المشاكل من خلال اجتماعات دورية مع المستفيدين تسعى من خلالها لترميم وتحسين تلك الانطباعات، كما تحاول هذه المنظمات من خلال تقارير المراقبة الموجهة للمانحين الإشارة إلى سخط الشريحة المستهدفة وردة فعلها وانطباعاتها كمحاولة لإقناعه بتغيير وجهة نظره لنوع المشاريع وطرق تنفيذها. من مقابلة أجراها فريق العمل مع أحد الإداريين في المنظمات السورية غير الحكومية.
[42] أشار مدير إحدى المنظمات السورية غير الحكومية العاملة في عدد من القطاعات الإنسانية إلى أن منظمته تطلق سنوياً حملة استباقية لتأمين الدعم المطلوب للعائلات المحتاجة في الشتاء، إلا أن هذه الحملات لا تلقى التجاوب إلا عند حلول الشتاء وقدوم العواصف والثلوج، وهو ما يجعل التجاوب مع الاحتياجات متأخراً.
[43] آخر هذه الحملات كانت الحملة الروسية مع النظام وحلفائه على أرياف إدلب وحلب، التي بدأت في شهر نيسان 2019، واستمرت حتى شهر آذار 2020.
[44]  يقول مدير العلاقات العامة والشراكات في منظمة “إنسان” الإغاثية السورية خالد الفجر لـ “العربي الجديد”: “إنّ المنظمات الإغاثية تعمل منذ ثماني سنوات كإطفائيات للحرائق، والمؤسف أنّ الحرائق المتكررة أكبر بكثير من إمكانية هذه المنظمات”.
يُنظر: عبد الله البشير، منظمات سورية… حاجات كبيرة وإمكانات محدودة، “تقرير صحفي”، العربي الجديد، 25-5-2019، الرابط: https://bit.ly/3g7ibiL.
قال الدكتور عمار مارتيني مدير مؤسسة أورينت للأعمال الإنسانية وعضو منظمة أطباء حقوق الإنسان: “إن المنظمات المحلية العاملة على الأرض في إدلب غير قادرة على التصدي لهذه الكارثة الإنسانية، مشيراً إلى أن ما تقدمه بعض المنظمات من جهود فردية لا يرقى إلى 1% من الاحتياجات”.
يُنظر: غياب المنظمات الأممية عن تغطية احتياجات النازحين شمال سوريا.. و”الأوتشا” أبرزها، أورينت نت، 1-9-2019، الرابط: https://o-t.tv/Cib.
[45] أعلن المبعوث الدولي السابق إلى سورية ستيفان دي مستورا في عام 2016 تأسيس “غرفة دعم المجتمع المدني” التي تُعرف اختصاراً بـ CSSR، ثم أقر مؤتمر بروكسل في نيسان2017بدور المجتمع المدني كجزء أساسي من الحل الدائم، وكان إعلان تشكيل اللجنة الدستورية في أيلول 2019 نقطة تحول جديدة في موقع المجتمع المدني؛ حيث أصبح أحد الأطراف الفاعلة في سياق أحد المسارات السياسية للحل السياسي في سوريا.
يُنظر: تجربة المجتمع المدني السوري، مركز جسور، تاريخ النشر15/9/2020، https://bit.ly/2FZrULt
[46] في المبادئ الإنسانية لـ (OCHA): “يجب ألا تنحاز الجهات الفاعلة الإنسانية في الأعمال العدائية، أو أن تنخرط في خلافات ذات طبيعة سياسية أو عرقية أو دينية أو أيديولوجية”.  للمزيد يُنظر: الرابط
[47] منظمات إنسانية عالمية تساوي بين الضحية والجلاد، الدرر الشامية، تاريخ النشر 3/8/2016، https://bit.ly/39l15Oi
[48] ندرج هذه الأسباب كما جاءت على لسان المقابلين، دون النظر في صحتها وموقفنا منها.
[49] أشار أحد مديري المنظمات إلى أن العديد من المنظمات السورية تظهر موقفها السياسي بشكل واضح وترفع علم الثورة في مكاتبها، وهي بالتالي غير قادرة على العمل في مناطق النظام أو الترخيص فيها، وهو أمر متفهم لدى الداعمين ولا يعتبر مشكلة عندهم، إلا أن العديد من المنظمات وجدت أن من مصلحة المستفيدين الابتعاد عن التحزبات والصراعات الداخلية، خاصة بين الفصائل العسكرية المتصارعة والمسيطرة على الأرض؛ لأن ذلك يمكن أن يوقف عملها وأن يحرم المستفيدين من خدماتها.
من مقابلة مع أحد مديري المنظمات الإنسانية في أيلول 2020.
[50] أشار أحد الخبراء إلى أن الدولة التي تم فيها ترخيص عمل المنظمة أو التي يقيم فيها مديرو المنظمة تؤثر إلى حد ما على إعلان المنظمة موقفاً سياسياً من جرائم النظام، فقد يتحرج مديرو المنظمات التي تقع مكاتبها في لبنان أو الأردن من إعلان موقف صريح من النظام أو التي يقيم قياداتها في بعض الدول التي تسعى لإعادة تطبيع العلاقات معه، في حين لن تقع المنظمات المرخصة في دول داعمة للثورة أو دول أوربية في هذا الحرج في إعلان موقفها والإشارة إلى المتورطين في الانتهاكات.
[51] يشير أحد الخبراء إلى أن ضعف سياسات الإدارة الداخلية داخل المنظمات قد ينمي شعوراً عند الموظف بالحنق والانزعاج، فيقل إتقانه لعمله، ويسعى للحصول على عمل في مكان آخر، حيث يقوم عندها بالانتقام والتشهير بالمنظمة الأولى وفضح بعض الأخطاء الداخلية التي كان على اطلاع به، والتي قد يتحمل جزءاً من المسؤولية تجاهها.
ومن جهة أخرى يسعى بعض قادة المنظمات إلى تشديد الضوابط وحصر الصلاحيات الهامة في أيديهم، لانعدام الثقة خوفاً من حصول انشقاقات متكررة، وذلك بأن يقوم أحد الموظفين بالانفصال عن المنظمة بعد أن فهم منظومة العمل ليقوم بتأسيس منظمة جديدة تتواصل مع الداعمين مستفيدة من العلاقات التي اكتسبها خلال عمله مع المنظمة الأولى، وبالتالي بات العديد من مديري المنظمات يحرصون على أن يعرف الموظف ما يلزمه لعمله اليومي فقط.
[52] أشار عدد من العاملين في المنظمات إلى أنهم صادفوا حالات مختلفة ترفض فيها العائلة فرصة عمل مقدمة لها أو تدريباً يزيد من فرصها في الحصول على عمل من شأنه تحسين وضعها، وذلك مخافة أن تخسر المساعدات التي تُقدم لها، وأن تخرج من دائرة الاحتياج.
[53] أشار بعض العاملين في المنظمات إلى أن بعض المرافق الخدمية كدورات المياه تعرضت لسرقة أو تخريب بعد فترة قليلة من إنشائها، حيث تم سرقة الحنفيات وبعض التمديدات والخزانات، وهو ما حرم المستفيدين من استخدام هذه المرافق على النحو المطلوب، وعطّل على بقية المستفيدين الانتفاع من تلك المرافق.
[54] أشار أحد المسؤولين في منظمات مجتمع المدني إلى أن “المنظمات دائماً ما تتلقى الاتهامات بالتقصير، وأنها لم تقدم شيئاً، وأن وجودها وعدمه واحد، وفي هذا إجحاف بحق عشرات المنظمات وآلاف العاملين؛ فعند مقارنة صور الأقمار الصناعية لمناطق الشمال السوري قبل سنوات مع وضعها حالياً يظهر تغير واضح على الخريطة، فهناك آلاف الخيم التي نصبت في العديد من مناطق المحافظة. والسؤال الآن: مَن الذي قام بهذا العمل؟ مَن الذي نصب الخيم وجهزها واشتراها وخدمها بالمياه والصرف الصحي؟ هل قام المهجرون بذلك؟ هل دفعوا ثمناً لتلك الخيام؟ مَن الذي جهّز وقدّم الخدمات الصحية المجانية وجهّز عشرات المشافي وأمّن الأدوية والأجهزة الطبية ورواتب الموظفين والأطباء والممرضين خلال هذه السنوات؟ ومَن الذي أعاد تأسيس المشافي بعد أن دمرت وقدم خدمات طبابة مجانية للمستفيدين؟”
[55] أشار أحد مديري المنظمات السورية غير الحكومية إلى أن برنامج الغذاء العالمي خفض في الشهور الأخيرة من حجم المواد المقدمة في السلة الغذائية، خاصة في مادة الزيت؛ حيث انخفضت حصة العائلة من هذه المادة من 4 لتر إلى 3 لتر، وقد تم الإعلان عن ذلك رسمياً قبل تطبيق التخفيض بشهر وطُبعت بروشورات لإعلام المستفيدين عن هذا التخفيض؛ إلا أن ذلك كله لم يقنع العائلات المستفيدة التي وجهت الاتهامات للعاملين بسرقة جزء من مخصصاتهم من مادة الزيت بعد تطبيق التخفيض الجديد.
كما أشار مدير آخر إلى أنهم لاحظوا أن بعض الأرامل أو العائلات المحتاجة رفضت قبول فرص عمل من شأنها تحسين واقعها خوفاً من خسارة المساعدات الشهرية المتواضعة التي تصلهم.
[56] أشار أحد مديري المنظمات السورية غير الحكومية إلى أن منظمته  تغطي  في خدماتها الدورية  55 ألف عائلة مستفيدة، تقدم لهم الخبز والماء بشكل مجاني، كما تقدم لها سلة غذائية بشكل شهري لم تنقطع لمدة لا تقل عن عام كامل، وقد اتخذت هذه المنظمة قراراً مؤخراً  بأن تقوم بتوزيع الأضاحي في مناطق جديدة لم تستفد من خدماتها؛ فتسبب ذلك بموجة غضب كبيرة من المستفيدين الأوائل الذين اتهموا المنظمة بسرقة الأضاحي التي تعوّدوا أن تصلهم، رغم نشر المنظمة فيديوهات توثيقية حول قيامها بذبح ما لا يقل عن 200 خاروف وتوزيعها على المحتاجين في مناطق أعلنت عن أسمائها ووثقت عمليات التوزيع فيها .
[57] أشار أحد الموظفين إلى أنهم يتلمسون فروقاً كبيرة عند توزيع سلال إغاثية بين مخيمات وأخرى؛ فغالياً ما يقابل المستفيدون في منطقة مخيمات أطمة السلال بالتذمر والشكوى وعدم الامتنان، وحينما يتم توزيع السلال ذاتها في مخيمات أخرى لا تصلها الكثير من المساعدات تُقابَل بالشكر والامتنان. وقد أشار الموظف إلى أن منطقة مخيمات أطمة تضم قرابة 200 ألف عائلة، أي ما يقارب المليون نسمة، ومن غير الممكن أن تستطيع المنظمات تغطية احتياجاتهم كاملة، لذلك تم إعداد خطط للتوزيع الشهري وفق قطاعات محددة، وهو ما زاد الاحتقان عند المستفيدين الذين يرون أن خطة التوزيع شملت غيرهم ولم تشملهم، مع أنهم يدركون أن حصتهم من المساعدات ستأتيهم وفقاً لدورهم.
[58] ذكر أحد قيادات المنظمات: أننا حاولنا مرة تفعيل المساهمة المجتمعية في دعم المشاريع التعليمية؛ فبعد أن توقف الدعم المخصص للتعليم طلبنا من المستفيدين من المدارس التي توقف عنها الدعم أن تسهم كل عائلة بدولار واحد شهرياً لتأمين رواتب المعلمين المتطوعين الذين توقف الدعم عنهم، إلا أن المستفيدين رفضوا تقديم هذا المبلغ المتواضع رغم أنهم يدفعون أكثر من ذلك من أجل شحن جوالاتهم أو ثمناً للدخان أو لأشياء كمالية؛ إذ اعتبروا أن المبلغ المطلوب منهم كبير ورفضوا أن يساهموا بشيء، رغم معرفتهم بأن أبناءهم سيكونون أول المتضررين وسيُحرمون من إتمام تعليمهم، وتحول هذا الرفض إلى توجيه اتهامات جديدة بأن المنظمات لو أوقفت السرقة لكان الدعم غطّى كافة الاحتياجات.
[59] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا): جزء من الأمانة العامة للأمم المتحدة، وهو مسؤول عن جمع الجهات الإنسانية الفاعلة لضمان استجابة متماسكة لحالات الطوارئ، ويهدف إلى حشد وتنسيق العمل الإنساني الفعال والقائم على مبدأ الشراكة مع جهات وطنية ودولية من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية في حالات الكوارث والطوارئ، والدفاع عن حقوق الناس المحتاجين، بالإضافة إلى تعزيز الجاهزية والوقاية، وتسهيل الحلول المستدامة.
وللأوتشا 3 مكاتب رئيسية: الأول داخل دمشق، والثاني هو مكتب تركيا، والمكتب الرئيسي في الأردن.
المصدر: موقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، https://www.unocha.org/syria
[60] قرر مجلس الأمن رقم 2165 الصادر عام 2014، https://bit.ly/2H8qCP1
[61] أنشأت الأوتشا القطاعات أو ما يعرف باسم الكلاسترات، والتي يتخصص كل منها في مجال معين، مثل قطاع التعليم وقطاع الحماية وقطاع الصحة وقطاع المأوى، حيث يضم كل قطاع المنظمات العاملة في هذا المجال وتقوم باجتماعات دورية لمتابعة الاحتياجات والعمل فيها، ويمكن للمنظمة ان تكون عضواً بأكثر من قطاع على حسب مجالات عملها.
هذا وقد أشار أحد الخبراء إلى وجود بعض المنظمات التي استطاعت الدخول والتعامل مع المنظمات الدولية قبل أن تنضج بنيتها الإدارية أو تنمو نمواً صحياً بناءً على التجربة والخبرة، حيث قفزت إلى التعامل الدولي بواسطة فرد أو مشروع أو توصية من جهة ما، قبل أن تملك تجربة ناضجة كبقية المنظمات.
[62] وتضم ملتقيات القطاعات (الكلاسترات) الحالية قرابة 75% من المنظمات العاملة في القطاعات وفقاً لتقديرات محلية، وتعمل على التنسيق بين أعمالها بهدف التأكد من وصول المساعدات للمحتاجين وضمان عدم حدوث تداخلات في عمليات التوزيع، كما تقوم بإصدار تقارير شهرية تدعىW4، تقوم بتحديد الاحتياجات وفقاً للقطاعات المحلية التي يتم تقييمها بشكل دوري، وتوثيق الاستجابة المقدمة في منطقة ما ونوعها وتاريخها؛ منعاً من تضارب العمل وتكرار المستفيدين.
إلا أن المنظمات الصغيرة أو التي لا تزال خارج هذه المنظومة قد تنفذ مشاريع أو توزع مساعدات دون مراعاة هذه المنظومة، وهو ما قد يتسبب في تكرار وصول بعض المساعدات إلى فئات تلقت مساعدات من أطراف أخرى، الأمر الذي يعطي انطباعاً بعشوائية العمل وعدم وجود معايير لاختيار المستفيدين.
[63] عُقد في عام 2016 مؤتمر العمل الإنساني الدولي في اسطنبول برعاية الأمم المتحدة، بهدف وضع أجندة جديدة للعمل الإنساني، وكان العنوان الأبرز في هذا المؤتمر الاعتماد على القدرات المحلية في الاستجابة. وقد نتج عن هذا المؤتمر توجُّه في سياسات العمل الإنساني لتمكين الفواعل والمنظمات المحلية في مناطق الأزمات، وخاصة في المناطق التي لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول إليها، وهو ما زاد أثر الأفراد والمنظمات في صناعة القرار، وساعد في أن تأخذ المنظمات السورية دوراً أكبر في صناعة القرار.
المصدر: أحد الموظفين لدى مكتب الـ OCHAفي تركيا. وللمزيد يمكن مراجعة: القمة العالمية للعمل الإنساني، 24/5/2016، https://bit.ly/3k4OlO9
[64] الأمم المتحدة: “هناك حاجة إلى 8.5 مليار دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في سوريا ودعم اللاجئين في المنطقة”. أخبار الأمم المتحدة، تاريخ النشر 7/3/2020، https://bit.ly/36aybib
[65] التقارير المالية لمؤتمرات بروكسل الأربعة، لعام 2017201820192020
[66] وثيقة اللمحة العامة عن الاحتياجات الإنسانية لعام 2019، صفحة الاحتياجات الإنسانية في سوريا التابعة لمكتب OCHA، https://hno-syria.org/ar/#home
[67] تشير التقارير المالية التي تم استعراضها في مؤتمر بروكسل عام 2020إلى أن النسبة الأكبر من المساعدات هذا العام ستذهب للأردن، يليها لبنان ثم العراق ثم سوريا، في حين وُزع القسم الأكبر من المساعدات عام 2019 في تركيا تليها سوريا ثم لبنان ثم الأردن.  المصدر: التقرير المالي لمؤتمر بروكسل، لعام –2020
[68] أشارت الدراسة إلى ما ذكره أحد الموظفين من أن أحد البنوك الأوروبية الذي يعمل فيه بات يوقف أي تعامل مالي بمجرد ورود اسم سوريا فيه، كما أوضحت العديد من المنظمات أن شركات التصدير والنقل بدأت ترفض مزاولة أي عمل أو نشاط تجاري حتى مع المنظمات المحلية غير الداعمة للحكومة السورية خوفاً من العقوبات الأمريكية، وذلك من باب تجنب أي مخاطرة.
المصدر: “العقوبات المقنعة: المبالغة في الامتثال للعقوبات الدولية وأثرها على المنظمات الإنسانية العاملة في الشأن السوري” التحديات التي تواجهها المنظمات الإنسانية العاملة في الشأن السوري في مجال تحويل الأموال، IMPACT Civil Society Research and Development, تاريخ النشر 2020، https://bit.ly/3eBCDIh
[69] المصدر السابق.
[70] أشار أحد مديري المنظمات السورية غير الحكومية إلى أن الدول والجهات المانحة لم تكن تعد قطاع المياه والإصحاح  وما يتعلق به من مشاريع صرف صحي وبنية تحتية مرافقة على قائمة أولوياتها، ولم يكن حجم الدعم المقدم في هذا المجال كبيراً، إلا أن عدداً من المنظمات السورية غير الحكومية جهزت حملات مناصرة تمكنت فيه من إقناع الدول الداعمة بأن دعم هذا القطاع من شأنه أن يخفف الأمراض ويخفف الأعباء وحجم التمويل المطلوب لدعم القطاع الصحي، وبالتالي نجحت تلك المنظمات في إقناع الداعمين بزيادة حجم الدعم  المخصص في هذا المجال.
[71]  توقفت العديد من المشاريع التي كانت تمولها حكومات ومنظمات أجنبية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على منطقة إدلب، وقد تعرضت العديد من الجهات المانحة لضغوطات لإيقاف هذه المساعدات على أساس أنها تسهم في دعم الجهات الإرهابية ولو بشكل غير مباشر.
 كما أوقف الاتحاد الأوربي دعمه المقدم عبر منظمة “كومينكس” للقطاع التعليمي؛ حيث رأى بعض الخبراء أن دعم بعض المشاريع يمكن أن يمنح الشرعية للسلطة الحاكمة وهي هيئة تحرير الشام، وتأتي هذه الخطوة رغم وجود العديد من التقارير الأجنبية – مثل تقرير مبادرة “REACH” – حول الوضع الإنساني في شمال غربي سوريا الصادر في أيلول عام 2019، والذي أشارت فيه إلى أن التعليم يأتي ضمن الأولويات الثلاث الأولى في المنطقة، بعد الرعاية الصحية والأمن الغذائي.
ومن الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة لم تتلقَّ أكثر من 18% من التمويل المطلوب لقطاع التعليم، البالغ تسعة ملايين دولار مطلوبة لقطاع التعليم، مع تراجع تصنيف أولوية القطاع أمام الحاجات الرئيسة للنازحين الجدد، وهي تأمين المخيمات والمواد غير الغذائية والملجأ والطعام والمساعدات النقدية.
يُنظر: تحت تهديد السلاح وقطع الدعم.. قطاع التعليم يتهاوى في إدلب، عنب بلدي، 19/1/2020، https://bit.ly/36TvMZG  
[72] اتخذت الجهات المانحة حجة سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب لتقليص العديد من مساعداتها بحجة عدم دعم الجهات الإرهابية، إلا أنها استمرت بإرسال الجزء الأكبر من المساعدات لمناطق سيطرة النظام رغم توارد العديد من الأدلة التي تشير إلى عدم وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها، وأن نظام الأسد استخدم المساعدات الأممية للتهرب من العقوبات ولتحقيق صفقات سياسية.
وقد أشار تقرير صحفي غربي إلى أن منظمة الصحة العالمية سمحت لنظام الأسد بالسيطرة على الاستجابة الإنسانية الدولية البالغة 30 مليار دولار، من خلال استخدام أموال المانحين لتجنب العقوبات ودعم المجهود الحربي للحكومة، وقدرت الصحيفة أن 2-18% من إجمالي مساعدات الأمم المتحدة وصلت للمحتاجين في سوريا في مناطق سيطرة الأسد، في حين استخدمت الحكومة هذه المساعدات في دعم المقاتلين، وقامت بتوزيعها بناء على الولاء السياسي، وحرمت مناطق سيطرة المعارضة منها مع أنهم كانوا بأمس الحاجة إليها.
للمزيد: المساعدات الأممية إلى سوريا.. ضحية جديدة للمقايضات الدولية، عنب بلدي، تاريخ النشر 12/1/2020، https://bit.ly/34RUd7j
وبالصور.. مساعدات الأمم المتحدة تعين جيش الأسد في حربه على الشعب السوري، موقع زمان الوصل، تاريخ النشر 20/2/2020، https://bit.ly/33Qch2j
How UN Humanitarian Aid Has Propped Up Assad, 20/9/2018, foreign affairs, https://fam.ag/37Kk4il
[73] تختلف المنظمات المحلية أيضا في أولوياتها؛ فعلى سبيل المثال: عند توفُّر مبلغ يكفي لدعم مشروع واحد في القرية التي تحتاج إلى دعم لمدرسة ولمركز غسيل الكلى؛ فإن المنظمات الطبية ترى أن لدعم مركز غسيل الكلى الأولوية لأن الناس ستموت إن لم تجد العلاج المناسب، بينما سترى المنظمات التعليمية أنه لا جدوى استراتيجية من دعم هذا المركز على اعتبار أن لدعم مشاريع التعليم  تأثيراً استراتيجياً؛  حيث سيؤثر في مستقبل المنطقة، ويخفف من توجه الشباب مستقبلاً نحو السلاح،  ويخفض من نسبة الزواج المبكر، ويتيح مستقبلاً أفضل للمنطقة.
 المصدر: من لقاء أجراه فريق المركز مع أحد موظفي الأوتشا في أيلول 2020
[74] أشار بعض مديري المنظمات الذين التقيناهم إلى أن منظماتهم تضطر في بعض الأحيان إلى مسايرة الداعم أو قبول بعض المشاريع التي لم تقتنع بجدواها أو التي لا تعتبر أولوية عند المستفيد؛ وذلك من أجل ضمان استمرارية عمل المنظمة وعمل كوادرها، إلا أنها تحاول تنفيذ المشروع بشكل يحقق أكبر منفعة للفئات المستفيدة، والتأثير على الداعم عبر تقارير الرقابة والتقييم لتوجيه الدعم في المرات المقبلة لمشاريع أكثر جدوى، كما أنها تسعى في الوقت نفسه إلى تقديم مشاريع أخرى ضمن الاحتياجات الحالية.
[75] أشار أحد مديري المنظمات الذين التقيناهم إلى أنه مع تراجع دعم التعليم مؤخراً، خاصة وأن الأمم المتحدة لا تعد التعليم من أولويات العمل الإنساني في وقت الطوارئ ولا تخصص له دعماً ضمن ميزانية الطوارئ المخصصة؛ فقد تراجعت المنظومة التعليمية مع تزايد الحملات العسكرية في السنوات الأخيرة ومع تزايد أعداد المهجرين، وهو ما دفع بعض المنظمات الإنسانية  لإطلاق حملات المناصرة لتوعية الداعمين أفراداً ومؤسسات بأهمية التعليم كاستثمار استراتيجي، والعمل على   توجيههم – كالداعمين العرب أو المتبرعين الأفراد- لسد هذا الاحتياج، ولو على حساب جزء من الدعم الإغاثي، خاصة وأن المنطقة لم تشهد حالة مجاعة حقيقية ولم تقترب منها، ولا تزال أسعار المواد الغذائية بمتناول الجميع، وبالتالي يمكن للفئات المستفيدة  أن تتحمل نقصاً مقبولاً في الدعم الإغاثي مقابل دعم مشاريع استراتيجية تصب في مصلحة أولادها.
[76] تعرضت العديد من المنظمات العاملة في المجال الإنساني إلى انتهاكات ومضايقات أدت إلى اعتقال بعض كوادرها أو مصادرة المساعدات أو منعها من العمل وإغلاق مكاتبها أو إجبارها على دفع أتاوات، أو ابتزازها بحجة ضرورة الحصول على تراخيص.
سطوة هيئة تحرير الشام تقيد عمل “المنظمات الإنسانية” وتخنق المساعدات …، شبكة شام، تاريخ النشر 9/11/2017، https://bit.ly/2GIdZdo
وكوادر طبية بإدلب تعلق عملها احتجاجاً على خطف طبيب، حرية برس، تاريخ النشر 1/9/2018، https://horrya.net/archives/73486
[77] أشار أحد العاملين في منظمات المجتمع المدني إلى أن الأولوية تختلف ضمن العائلة الواحدة وتختلف بين العائلات التي تعيش في الظروف نفسها؛ فهناك مَن يرى أولويته في الحصول على مساعدات غذائية، وهناك مَن يرى أولويته الحصول على طبابة أو دواء، وهناك مَن يرى الأولوية تعليم الأطفال أو الانتقال إلى مسكن لائق أو تحسين ظروف الحياة في المخيم؛ لذلك لا توافق بين الفئات المستهدفة على ما يرونه أولوية، كما لا يمكن إرضاء جميع الفئات وتلبية مطالبها المحقة في ظل الدعم الشحيح المقدم.
[78] أشار أحد مديري المنظمات الإنسانية غير الحكومية إلى أن منظمتهم وزعت مواد للتدفئة مؤونة للشتاء، إلا أنها تفاجأت عندما وجدت بعض العائلات تبيع نصف ما قُدم لها بنصف الثمن، وعند سؤال تلك العائلات تبين أنها أرادت الحصول على أموال نقدية لتأمين أشياء أخرى، وتدرك أنها فرّطت بقيمة المساعدات المقدمة عندما باعتها بثمن بخس وأنها لن تكون قادرة على شراء مواد التدفئة لبقية الشتاء، ولكنها أرادت حلاً آنياً لاحتياجها الحالي دون أن تكلف نفسها عناء التفكير فيما ستحتاجه بعد شهر، وبالتالي فإن تلك العائلات لن تتلقى مساعدات جديدة في موضوع التدفئة – في حال ساءت الأحوال الجوية –  كونها تلقت دعماً سابقاً في هذا الخصوص ولم تحسن استخدامه.
[79] تدرك العديد من المنظمات أن تقديم الدعم بشكل نقدي قد يكون أفضل للمستفيد وأسهل للمنظمة ويوفر عليها الكثير من العناء؛ إلا أنها غير قادرة على تنفيذه، وذلك لأن الداعم يريد أن يتأكد من وصول الدعم وصرفه وفقاً لشروط المشروع ولمجال العمل، حيث لا يمكن صرف دعم مخصص للتدفئة إلا في هذا المجال، ومن جهة أخرى لا تملك المنظمات الإمكانيات لتوزيع المساعدات بشكل مرحلي أو شهري لما يكلفها ذلك من أعباء وجهود على طواقم العمل. من لقاء مع مدير لأحد المنظمات الإنسانية أيلول 2020
[80] أوضح إداريّ في إحدى المنظمات آلية إدارة عمليات الصرف المالي والإجراءات المتبعة  لمنع حدوث تجاوزات أو سرقات، وذلك من خلال  عزل صلاحية صنع القرار المالي عن الجهة التي تسجله والجهة التي تملك الصرف؛ فعلى سبيل المثال: عند صرف مبلغ 50 دولار هناك  بين 5-9  موظفين سيعلمون بهذا الاجراء وسيوقعون على الأوراق حتى تتم عملية الصرف، وبالتالي لا يستطيع المحاسب صرف أي مبلغ دون وجود هذه الدائرة، إلا أنه من جهة أخرى  فإن  وجود شفافية مالية داخل المنظمة لا يعني أنها  تعمل بشكل صحيح، فقد يكون هناك هدر أو يكون هناك عدم جودة بالتنفيذ.
من لقاء أجراه فريق المركز مع أحد الإداريين في إحدى المنظمات، أيلول 2020.
[81] أشار أحد الموظفين الذين التقيناهم إلى حصول “سرقات كبيرة” في عدد لا يُستهان به من المنظمات غير الحكومية، لا سيما في بداية الثورة؛ حين كانت الجهات الداعمة تعطي المنظمات أموالاً كبيرة بشكل غير مدروس وغير منضبط، غير أن هذا الواقع لم يستمر كثيراً، ومع تطور عمل المنظمات وشراكتها مع منظمات دولية ازداد الضبط المالي بشكل أكبر.
[82] نموذج عن تقرير الإنجازات، جمعية عطاء، 2020، https://bit.ly/3npjI8b
[83] نموذج عن التقارير المالية التابعة لمنظمة إحسان للإغاثة والتنمية، https://bit.ly/2F4k0jy
[84] من الأمثلة على ذلك: ملف التبرعات الواردة، منظمة بنفسج، https://bit.ly/2I0ZC46
وملفات الشفافية الخاصة بفريق ملهم، ملف الحملات، https://bit.ly/3m7SAJz،  وملف التعليم https://bit.ly/3ok19mD 
[85] تحاول بعض المنظمات متابعة الحالات ونشر التوثيقات التي تؤكد وصول المساعدة لمستحقها، خاصة في الحالات الفردية؛ إلا أن هذه التوثيقات قد تُنشر على معرفاتها في مواقع التواصل وقد لا تُنشر، وبالتالي لا يمكن الوصول إليها لاحقاً على مواقعها الرسمية.
[86] لا بد من الإشارة إلى أن هناك بعض المنظمات الصغيرة التي تعمل في الداخل السوري دون وجود ترخيص رسمي لها، حيث تكون هذه المنظمات خارج أي عمليات مراقبة خارجية، وتعتمد على داعمين أفراد من مشايخ ورجال أعمال، وينبني عملها على الثقة بين الداعم والقائمين على المنظمة، وقد تقلص عددها مؤخراً لكن بعضها لايزال موجوداً.
[87] أشار أحد الموظفين في OCHA إلى أنه من الصعب حدوث عمليات سرقة وفساد؛ فهي غالباً ما تكتشف خلال عام أو عامين على الأكثر، وهو ما حدث مع عدد من المنظمات وتم اتخاذ إجراءات فورية بحقها.
موقع التتبع المالي التابع لمكتب الأوتشا، Financial Tracking Service، https://fts.unocha.org/
[88] كشف المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال (OLAF) في تقرير له فساداً مالياً لإحدى منظمات المجتمع المدني السورية العاملة في مجال سيادة القانون، وذلك بعد تقديمها وثائق مزورة وفواتير غير نظامية، والاستفادة لمصالحهم الشخصية من هذه الأموال، حيث قدم المكتب الأوروبي توصيات قضائية للسلطات الوطنية ذات الصلة في البلدان التي توجد فيها مكاتب الشريك المنفذ لاسترداد الأموال المنهوبة والتي تقدر بمليون و900 ألف يورو، مطالباً السلطات القضائية باتخاذ الإجراءات اللازمة.
الاتحاد الأوروبي يكشف فساد منظمة سورية ويطالب بمحاسبتها، صحيفة جبر، تاريخ النشر 27/3/2020، https://bit.ly/2HrZ4nG
[89] تكوين الصورة الذهنية للشركات ودور العلاقات العامة فيها، بحث مقدم لنيل شهادة الدبلوم في العلاقات العامة، 2009، https://bit.ly/3iV34d8  
[90] المصدر: المقابلات التي أجراها فريق البحث، بالإضافة إلى عملية رصد قام بها فريق البحث تجاه السياسة الإعلامية لعدد من الصفحات الخاصة بالمنظمات الإنسانية غير الحكومية.
[91] انتقد كثير من الناشطين هرولة الجمعيات والمنظمات تجاه بعض الحالات التي يتم تسليط الضوء عليها إعلامياً، حيث تتوجه عشرات الجمعيات وتقدم المساعدة لدعم هذه الحالة التي اشتهرت، ولا يهتم أحد بمئات الحالات المشابهة، خاصة ما تتعلق بالأطفال، إذ يفترض أن تقوم المنظمة بالتدخل المبكر مع الحالات الأشد احتياجاً، ولا تنتظر حتى تصبح الحالة مثاراً للشفقة والألم على وسائل التواصل وتستغل الحالة للتسويق لنفسها.
ومن جهة أخرى يرى بعض مسؤولي المنظمات أن الانتشار الإعلامي يلعب دوراً كبيراً في جمع التبرعات، فقد يتعاطف عدة متبرعين مع نفس الحالة الإنسانية ويقدمون مساعدتهم لها، انطلاقاً من توجههم بأنه من غير الممكن إنقاذ جميع الحالات المشابهة، وإنما بالإمكان مساعدة عدد محدود وإنهاء معاناتهم.
[92] على سبيل المثال: نشرت إحدى المنظمات الصغيرة التي بدأت بالعمل مؤخراً في إدلب عبر فريق محلي صوراً على سبيل التوثيق لا تراعي فيها كرامة المستفيد، فظهر فيها مجموعة من الأطفال أمام علب فيها خضار وفواكه، ولم تجد في ذلك حرجاً رغم التعليقات التي استنكرت هذا العمل، وادّعت أنها قد حصلت على موافقة من العائلة.
[93] أشار أحد الناشطين المهجرين الذين التقيناهم إلى أن العديد من الكوادر الإنسانية لم  تستطع استئناف عملها بعد التهجير، ولم تستطع المنظمات التي كانوا يعملون معها أو المنظمات الأخرى احتواءهم أو الاستفادة من خبراتهم، وهو ما دفعهم إلى محاولة إنشاء جمعيات ومنظمات وفرق جديدة؛ إلا أنهم واجهوا الكثير من الصعوبات والعراقيل التي فرضتها الجهات المسؤولة، خاصة في مجال الترخيص، إضافة إلى صعوبات الحصول على تمويل دون وجود مكاتب عمل خارجية لهم، وهو ما دفع العديد من هذه الكوادر إلى مغادرة سوريا إلى تركيا أو أوروبا، أو التحول لنمط العمل الخدمي الخاص والمأجور، كإقامة مراكز وعيادات صحية خاصة أو معاهد تعليمية ومدارس خاصة.
[94] أشار أحد الناشطين إلى أن أحد فنيي الأشعة يملك خبرة تتجاوز 20 عاماً وعمل سابقاً في مشافي النظام السوري، ثم تابع عمله في المناطق المحررة رُفض طلبه للتوظيف لدى إحدى الجهات لأنه لا يملك الشهادة التي تثبت عمله وفقدها في وقت سابق نتيجة القصف الذي طال بيته، كما أشار آخرون إلى أن العديد من الموظفين حصلوا على فرص توظيف باستخدام شهادات مزورة عبر مكاتب منتشرة بشكل واسع في الشمال السوري.
[95] أشار أحد الناشطين الذين التقيناهم إلى أنه تواصل مع عدد من المنظمات الإنسانية العاملة من أجل إطلاق حملة مناصرة في وقت كان يشهد فيه الشمال السوري تصعيداً عسكرياً أواخر عام 2019، والغريب أن العديد من المنظمات اعتذرت عن المشاركة أو عن الاجتماع للاطلاع على الحملة بحجة أن العديد من موظفيها في إجازاتهم السنوية، بينما قامت بعض المنظمات التي تجاوبت مع حملة المناصرة بتكليف بعض الموظفين بالمتابعة والذين لم يعطوا الأمر الأهمية والجهد المطلوب، مع أنه يقع في مجال عملهم واختصاصهم.
[96] قامت إحدى المنظمات خلال حملة عسكرية على ريف حماة بإنشاء مخيم للنازحين على طريق كفر دريان – سرمدا، واختارت إقامته في منطقة تقع أسفل منحدر، وقد كان واضحاً للعيان أن الموقع المختار سيكون نقطة تجمع لمياه السيول والأمطار نتيجة وجوده في أكثر نقطة من المنطقة انخفاضاً، إلا أن المنظمة التي يفترض أن تكون كوادرها قد تعلموا من الأخطاء السابقة وراكموا خبراتهم لم ينتبهوا إلى هذه النقطة، ومع دخول موسم الشتاء وهطول الأمطار غرق المخيم كما كان متوقعاً، واضطرت المنظمة إلى إطلاق حملة استجابة طارئة لإغاثة سكانه مرة أخرى ونقلهم إلى مكان آخر. المصدر: مقابلة مع أحد الناشطين في الداخل السوري، أيلول 2020.
[97] تكررت في الأعوام السابقة حالات التسمم نتيجة توزيع بعض الوجبات الغذائية الفاسدة، التي تعود إلى استخدام مواد منتهية الصلاحية أو بسبب فساد الوجبات الموزعة نتيجة سوء التخزين والحر الشديد.
عشرات حالات تسمم بين النازحين شمال إدلب بسبب وجبات الطعام، أورينت نيوز، تاريخ النشر 6/7/2020، https://bit.ly/37baner
[98] قامت بعض المنظمات بمشاريع لتعبيد الطرقات بين المخيمات بهدف تسهيل عملية التنقل وإيصال المساعدات،  إلا أن هذه المشاريع لم تنفذ وفق المواصفات أو الجودة المطلوبة، ولم تأخذ باعتبارها أن هذه الطرق ستمرّ عليها آليات ثقيلة كالجرارات وصهاريج المياه والشاحنات التي تحمل المساعدات، وبعد مدة بسيطة بدأت التشققات والهبوطات تظهر بشكل واضح، وهو ما يدل على أن الشروط المطلوبة لم تكن كافية، أو أنه تم التلاعب بالمواصفات المطلوبة خلال التنفيذ، ومن جهة أخرى بدأت منظمات أخرى بعد الانتهاء من تعبيد  هذه الطرقات بحفرها مجدداً  بحجة تمديد شبكة مياه، ثم تم ترقيع أماكن الحفر بشكل سيئ جداً. المصدر: مقابلة مع أحد الناشطين في الداخل السوري، أيلول 2020.
[99] نموذج عن تقرير تقييم الاحتياجات: تقارير إدارة المعلومات، وحدة تنسيق الدعم، https://www.acu-sy.org/imu-reports/
تقارير تقييم الاحتياجات، مؤسسة إحسان، 2019، https://bit.ly/2F428oX
[100] رأى مدير إحدى المنظمات الإنسانية السورية غير الحكومية أن الظروف الاستثنائية التي نشأ فيها العمل الإنساني أجبر السوريين على الدخول في مجال لم يكن لديهم فيه أي خبرة سابقة، وكان من الطبيعي جداً ارتكاب العديد من الأخطاء خلال مسيرة العمل والتعلم من الخطأ، إلا أن تحديات الاحتياج والاضطرار إلى التعامل مع المنظمات والجهات العالمية أجبرت المنظمات على تأهيل وتدريب كوادرها بالخبرات المطلوبة للعمل الإنساني، واستطاعت أن تحقق تقدماً واضحاً خلال فترة زمنية محدودة.
[101] نقلاً عن عدد من إداريي منظمات المجتمع المدني، حيث لم يُتح لفريق البحث التأكد من صحة وفاعلية هذه الأرقام والإيميلات والاجتماعات التي تحدثوا عنها.
[102] أشار أحد الموظفين الذين التقيناهم إلى أن بعضاً من الجمعيات تعمل بشكل مناطقي أو وفق أسس أيديولوجية، إذ تكون جمعيات أو فرق تطوعية لم تتطور من الناحية الإدارية، أو أن الداعم – الذي قد يكون من أحد المغتربين السوريين أحياناً – قد يخصص الدعم لأبناء منطقته أو عائلته أو معارفه الذين قد يكونون أقل احتياجاً من غيرهم، وهو ما يعطي انطباعاً عند التنفيذ بعدم وجود معايير شفافة لاختيار المستفيدين، وقد ينعكس على جميع العاملين في الشأن الإنساني.
[103] انطلقت معظم المنظمات الأجنبية من فلسفة تقوم على أن العمل في المجال الإنساني يحتاج إلى كفاءات وخبرات ومسؤولية، وعليه فإن تقديم راتب يؤمّن معيشة كريمة للموظف سيدفعه للعمل بجدّ ويساعده على الاستقرار، خاصة وأن أغلب الموظفين السوريين متضررون، بعضهم نازحون وبعضهم مهجرون، وبعضهم قد خسر أملاكه ومنزله، وبالتالي فإن تقديم رواتب جيدة لهذه الكوادر النوعية سيساعدها على البقاء وتقديم الخدمات المطلوبة، وهو ما يندرج تحت بند دعم وتمكين المجتمع المحلي، فعلى سبيل المثال: قدمت المنظمات رواتب للأطباء تتراوح بين 1500-2000$ نظراً لشدة الاحتياج وضغوطات العمل التي يتعرضون لها، حيث كانت هذه الرواتب أعلى بكثير مما يوفره سوق العمل؛ إلا أنها شجعت الأطباء على الثبات والبقاء في أماكنهم وتقديم الخدمات بدل التفكير في السفر وترك المنطقة دون كوادر تقوم على هذه الخدمات.
المصدر: من مقابلة مع أحد موظفي OCHA في أيلول 2020
[104] أشار عاملون في منظمات سورية غير حكومية التقيناهم إلى أن بعض المنظمات بدأت تتدخل في الرواتب التي تحددها الجهات الممولة، وذلك بإعطاء الموظف جزءاً من الراتب وإجباره على التوقيع بأنه استلم راتبه كاملاً، وتحويل هذا المبلغ إلى موظف آخر في مشروع آخر أو صرفه في مجال آخر، وهو ما أفسح المجال لبعض المنظمات للتلاعب والفساد، وخلق حالة سخط عند الموظف العامل الذي أحس بالاستغلال، ورسخ صورة الفساد المالي والإداري عن بعض العاملين في الشأن الإنساني.
[105] أشار أحد مديري المنظمات السورية غير الحكومية إلى وجود ما يشبه العرف في سلم الرواتب للوظيفة والمسؤولية، خاصة مع شحّ الكفاءات التي تتناسب مع متطلبات العمل الإنساني؛ فالخبرات الأكاديمية غير كافية وحدها للعمل في هذا المجال، وإنما يتطلب العمل إلماماً ببعض المواضيع والخبرات الإضافية. إلى جانب ذلك يختلف نمط العمل في المكاتب في تركيا -على سبيل المثال- عن نمط العمل في الداخل السوري؛ حيث يتطلب العمل في المكاتب الرئيسية خبرات أخرى كإجادة اللغة الإنكليزية والقدرة على مخاطبة الداعمين وكتابة المشاريع وإصدار التقارير التخصصية، مشيراً إلى أن منظمته في كثير من الأحيان تعلن عن فرصة عمل وفق شروط محددة في تركيا أكثر من مرة، وتتلقى أعداداً محدودة جداً من طلبات التوظيف التي تنطبق عليها الشروط وتتمتع بالمهارات المطلوبة، في حين أن العمل في الداخل الذي يغلب عليه الطابع التنفيذي لا يتطلب هذه المهارات التخصصية وغالباً ما تتوفر هذه المهارات عند شريحة واسعة.
[106]يتراوح معدل الرواتب داخل سوريا وفقاً لسوق العمل بين 50-100 دولار، بينما تتراوح رواتب العاملين في المنظمات في الداخل بين 150-350 $، وفقا لما ذكره بعض النشطاء والموظفين في منظمات المجتمع المدني.
[107] لابد من الإشارة إلى حقيقة يعلمها الكثير من السوريين، وهي اضطرار الأسر الممتدة للتكافل فيما بينها بحيث يقوم صاحب الدخل المرتفع نسبياً بمد يد العون إلى أقاربه ممن تأثروا بالظروف الصعبة في سوريا.
[108] يمكن للحالات الحرجة من خلال تعبئة النموذج الإلكتروني الحصول على تقييم فوري يوضح درجة احتياجها بشكل نسبة مئوية، ففي بعض الأحيان قد يعتقد المستفيد أن حالته حرجة وتستدعي التدخل السريع، في حين تكون هناك حالات حرجة أكثر من حالته.
[109]  من المفترض أن تحرص المنظمات غير الحكومية على تصحيح صورتها الذهنية، لذلك توجهنا إليها بمعظم التوصيات، إلا أنه لابد كذلك أن يكون لدى الحاضنة إحساس بالمبادرة والمسؤولية المجتمعية، وأن تعمل على مساعدة المنظمات في أداء عملها وتحرّي الدقة قبل إطلاق الأحكام.
[110] هذه توصية مشتركة بين الحاضنة الشعبية والمنظمات.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

مديرة الوحدة المجتعية في مركز الحوار السوري، بكالوريوس في الهندسة من جامعة دمشق، دبلوم في التخطيط العمراني وإعادة الإعمار المستدام، عملت في مجال الإعلام المكتوب والمسموع لعدة سنوات، نشرت العديد من الأوراق والتقارير البحثية في مواضيع سياسية واجتماعية، وخاصة ما يتعلق بأوضاع اللاجئين وقضايا المرأة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى