ارتدادات الزلزال والانتخابات التركية على قرارات السوريين في تركيا
الملخص
عايشَ السوريون في تركيا على مدى أكثر من عقد من الزمان سلسلة من التغيرات في علاقة المحيط التركي بهم؛ بدءاً من الترحيب الكبير، وصولاً إلى تصاعد خطاب وسلوك العنصرية والكراهية ضدهم.
أصبح حضور السوريين “السلبي” في كل مرة تدخل فيها تركيا أزمات سياسية أو اقتصادية وكأنه من ضروريات المشهد التركي العام، بحيث باتت ورقة السوريين جاهزة للاستخدام لدى كثير من الأحزاب والتيارات السياسية، خصوصاً المعارضة منها؛ للاستفادة منها في صراعات داخلية لمّا تنتهي في كل حدث انتحابي أو مشاريع اقتصادية أو غيرها.
أتى زلزال شباط/فبراير 2023 ليكون حدثاً مهماً ومفصلياً في حاضر غالبية السوريين المقيمين في المحافظات التركية الجنوبية ومستقبلهم؛ ولعل تأثير ذلك لا ينحصر في هذه الشريحة، وإنما يمتد للسوريين المقيمين خارجها.
وفي ظل هذه المتغيرات ومع حضور ورقة السوريين في سجالات العملية الانتخابية التركية الرئاسية والبرلمانية؛ فإن خياراتهم المستقبلية تتباين. يأتي هذا التقرير ليضيء على تصورات وخيارات السوريين، ومخاوفهم وقلقهم عقب كارثة الزلزال الذي ضرب ولايات تركيا الجنوبية وسوريا، وجاء قُبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمعة في شهر مايو/أيار 2023، وما تحمله حملاتها الإعلامية وبرامجها الدعائية من وعود قد تؤثّر في مصير السوريين نادت بها الأحزاب السياسية التركية.
استهدف التقرير الذي اعتمد المنهج الوصفي التحليل (400) مستجيب ومستجيبة في مناطق ثلاث، هي الولايات التي أصابها الزلزال بشدة، ومناطق الزلزال الأقل تأثراً، والمناطق التي لم تتعرض للزلزال. وتمّت مراعاة التمثيل النسبي لمتغيرات التقرير المستقلة.
وقد انتهى التقرير إلى جملة من النتائج، أهمها:
- فقدَ 17.76% من عينة التقرير “مناطق الزلزال” فرداً أو أكثر من أسرهم أو أقاربهم.
- كانت الخسائر المادية كبيرة (دمار البيوت، وأضرار في أثاث المنزل، وفقدان النقود والمدّخرات، وفقدان البضائع والسلع المختلفة للتجار، وفقدان الأوراق الثبوتية الشخصية).
- فقدَ نصف السوريين “عينة التقرير” أعمالهم بسبب الزلزال وتبعاته.
- اعتمدت الأسر السورية على المساعدات “الأهل والأقارب، والهيئات والجهات السورية والتركية والدولية”.
- تصاعدَ شعور السوريين بخطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء بحقهم.
- أقرّت عينة التقرير بأنه تم طرد السوريين من بيوتهم في مناطق الزلزال “بنسب كبيرة”، مترافقة مع ارتفاع كبير جداً في إيجار المنازل للسوريين.
- من وجهة نظر العينة: ثمّة ازدياد في دعوات ترحيل السوريين، ترافقاً مع تعرّض البعض للعنف “كالضرب والتعدي أو محاولة التعدي”، وبقيت سلوكيات العنصرية والتذمر هي الأكثر بروزاً وحضوراً في المشهد الاجتماعي التركي حالياً.
- ترى العينة أن هنالك ازدياداً في العنف “المعنوي والمادي” في المناطق التي ضربها الزلزال بشدة “هاتاي ومرعش” بنسب أكبر من ولايات الزلزال الأخرى.
- فكّر السوريون “عينة التقرير في مناطق الزلزال” بسيناريوهات عديدة بعد حدوث الزلزال، مثل الهجرة إلى أوربا، أو الهجرة إلى أي بلد آخر، أو الانتقال إلى مدينة تركية أخرى، أو العودة إلى سوريا؛ وكانت نسبها هي الأقل.
- كان “الشعور بعدم الاستقرار” في مقدمة الأسباب الدافعة للسوريين “عينة التقرير” للتفكير بمغادرة تركيا.
- عبرّ أفراد عينة التقرير عن تخوفاتهم المختلفة بالحديث عن مشاعرهم تجاه الانتخابات التركية، وقد تراوحت مخاوفهم من القلق على مصيرهم حتى التخوف من أعمال اعتداءات عليهم في حال لم تمرّ الانتخابات بخير.
- أكثر ما يؤرق السوريين هو توقعهم لأعمال شغب واعتداء بحقهم، خصوصاً في حال فوز المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة.
- توقعت عينة التقرير إجراءات سلبية في حال فوز المعارضة في الانتخابات التركية المقبلة “قرارات وقوانين تضيق على السوريين حياتهم في تركيا، والتطبيع مع نظام الأسد، وإعادتهم قسرياً إلى سوريا، وأعمال عنف تجاه السوريين”.
- فكرت نسبة 30.5% بالهجرة إلى أوربا، و30.8% بالهجرة إلى دول أخرى خارج تركيا، فيما كان التفكير بالعودة إلى سوريا بالمرتبة الأخيرة بنسبة 4.8%.
أولا- الإطار النظري والمنهجي للتقرير:
يتضمن هذا القسم من التقرير الحديث عن سياقه وأهدافه وأسئلته البحثية، إلى جانب استعراض منهجيته وأدواته.
1- سياق التقرير:
ما تزال الظروف السياسية والاجتماعية تتلاعب بمصائر السوريين المهجرين خارج البلاد؛ بين ارتفاع موجات العنصرية ضدهم، مروراً بقرارات متناقضة من الحكومات المستضيفة، وليس انتهاءً بموجات التطبيع السياسية العربية وغيرها مع نظام الأسد.
في تركيا، ومع تصاعد خطاب العنصرية بحق اللاجئين السوريين، ووضعهم ورقة ضمن بازار التنافس بين الأحزاب السياسية التركية؛ جاء الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي وشمال سوريا أوائل شباط/ فبراير 2023 وراح ضحيته أكثر من 50 ألف من الأتراك والسوريين[1] ليزيد من حالة الإرباك لدى اللاجئين الموجودين على الأراضي التركية، ويكشف واقع الهشاشة والضعف في مفاصل حياتهم[2]، فاتحاً الباب أمام تساؤلات البقاء أو العودة إلى سوريا أو الهجرة خارج تركيا، أو ربما سيناريوهات جديدة في أذهان السوريين.
إلى جانب الارتباكات التي سبّبها الزلزال جاءت الانتخابات التركية المرتقبة في منتصف شهر أيار/مايو وما يرافقها من تجاذبات بين الأحزاب السياسية التركية بخصوص ورقة “اللاجئين” السوريون في تركيا مترافقة مع وعود بترحيلهم[3]، لتزيد من حالة التخوف وعدم الاستقرار لديهم، خصوصاً في ظل تزايد الدعوات للتطبيع مع نظام الأسد وإعادتهم إلى سوريا من قبل غالبية الأحزاب.
وكانت كثير من الآراء والتقارير قد رجّحت تزايد الضغط الاجتماعي والسياسي على اللاجئين السوريين في تركيا بعد الزلزال الذي حدث قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 14 أيار/ مايو، وهو الأمر الذي قد يدفع الكثير منهم إلى البحث عن مستقبل أفضل[4].
تتجاذب السوريين خيارات تتأرجح بين استئناف حياتهم في ظل بيئة هشّة اقتصادياً واجتماعياً، أو العودة إلى الشمال السوري أو إحدى المناطق الأخرى، أو الهجرة إلى دول أخرى. وفي ظل هذه الإرباكات تبدو أهمية رصد تصورات السوريين في المرحلة الحالية وخياراتهم وتخطيطهم لمرحلة ما بعد الانتخابات.
2- أسئلة التقرير:
ينطلق التقرير من عدة تساؤلات بحثية يمكن حصرها بالآتي:
- هل تزايدت أفكار الهجرة أو الرحيل من تركيا عقب حدوث الزلزال؟ وما هي السيناريوهات المطروحة لدى السوريين في المرحلة الحالية وفي مرحلة ما بعد الانتخابات؟
- هل دفعت التجاذبات السياسية “وصورة المشهد السياسي التركي الحالي” بالسوريين إلى التفكير في مغادرة تركيا “ضمن سيناريوهات متعددة”؟
- ما هي العوامل الأكثر تأثيراً في خيارات السوريين المستقبلية؟
- هل يختلف موقف السوريين في تركيا المقيمين في مناطق حدوث الزلزال عن الذين لا يقطنون في مناطقه؟
3- أهداف التقرير:
يهدف التقرير إلى استكشاف مواقف السوريين من:
- المرحلة الحالية التي أعقبت الزلزال، وتأثيره في مستقبل السوريين.
- مرحلة ما بعد الانتخابات، ونتائجها وعلاقتها بسيناريوهات المستقبل لديهم.
- ما هي دوافع البقاء أو الهجرة أو العودة، وما علاقتها مع نتائج الانتخابات والزلزال.
4- منهجية التقرير:
بما أن هدف التقرير يتمثل في تحليل مواقف السوريين في تركيا عقب الزلزال، والعوامل المؤثرة فيها، والتعرف على السيناريوهات المحتملة؛ فإن من المناسب في هذه الحالة الاعتماد على المنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم بتحليل الظاهرة والوقوف على أسبابها ودراسة مآلاتها.
اعتمد التقرير على نوعين من المصادر؛ الثانوية التي تعتمد على المصادر المفتوحة مثل الأوراق البحثية والأخبار الصحفية، إلى جانب الأصلية متمثلة في استبانة إلكترونية تم إرسالها إلى أشخاص يقيمون في تركيا ثم طُلب منهم إرسالها إلى أصدقائهم ومعارفهم ممن يقيمون في تركيا، خصوصاً في مناطق الزلزال “أسلوب كرة الثلج Snowball”[5]؛ وذلك لعدم وجود إحصائيات واضحة لعدد السوريين الذين تأثروا بالزلزال، فضلاً عن صعوبة الوصول إليهم.
صُممت الاستبانة لرصد متغيرات التقرير المراد تحليلها، واشتملت على ثلاثة أقسام، تضمنت أسئلة منبثقة عن متغيرات التقرير. وقد اشتملت الاستبانة على (20) سؤالاً.
ضمّت عينة التقرير (400) مفردة بحثية، وتم تمثيل خصائص العينة حسب التمثيل المتوازن لكل الخصائص (متغيرات الجنس، والعمر، والمستوى التعليمي، والحالة المهنية، والحالة الاجتماعية، والوضع القانوني، ومكان الإقامة).
ثانياً: السوريون في تركيا؛ تجاذبات الحاضر وقرارات المستقبل
وفق آخر تحديث لإدارة الهجرة التركية في نيسان/ أبريل 2023 فإن في تركيا (3.411.029) سوري/ة تحت صفة الحماية المؤقتة، تركز العدد الأكبر منهم في مدن: إستنبول، وغازي عنتاب، وشانلي أورفا[6].
اتبعت تركيا عند بداية الثورة السورية عام 2011 سياسة “الباب المفتوح” لكل مَن أراد اللجوء إلى تركيا، بافتراض أن المسألة السورية ستُحلّ في وقت قصير[7]. وكان موقف المجتمع التركي تجاه السوريين في البداية إيجابياً، بناءً على فهمهم لواجب كرم الضيافة وحبّ مساعدة الآخرين، والقيم الإسلامية المتمثلة بالتوصيف السائد للعلاقة بينهما آنذاك ” مهاجرين وأنصار”؛ لكن هذا الموقف تبدّل مع التزايد المستمر لأعداد اللاجئين وطول مدة إقامتهم، ومع حملات التحريض التي قامت بها بعض الجهات والمعلومات الكاذبة التي أسهمت في شيطنة السوريين، وظهرت مواقف كراهية للسوريين ونفور من وجودهم على الأراضي التركية[8].
وتكشف دراسة تناولت آراء المجتمع التركي حول ديمومة وجود السوريين في تركيا عام 2014 أن 84% من الشعب التركي اعتبروا السوريين ضيوفاً، ويجب إعادتهم إلى بلادهم عند انتهاء الحرب، ويجب عدم منحهم الجنسية. في حين أن جزءاً كبيراً من اللاجئين السوريين لا يرغبون في العودة، ويريدون العيش دائماً في تركيا، وإن انتهت الحرب في سوريا[9].
مع تغيرات بوصلة الصراع السياسي والعسكري على الأرض السورية (انسداد أفق الحل السياسي، وسلطات الأمر الواقع في مناطق سوريا الأربع، وتغير التحالفات الدبلوماسية والمصالح الدولية للأطراف الفاعلة في الحالة السورية)؛ قررت الحكومة التركية إعادة تقييم سياستها تجاه طالبي اللجوء، إذ أدركت أن حل القضية السورية لن يتمّ على المدى القصير.
قامت بعض الجهات المعارضة باستهدافٍ منهجيٍّ للاجئين السوريين “حملات استفزازية”، واستخدمت الكثير من المعلومات المضللة، واعتبرتهم من أكثر المشكلات التي تؤثر في حياة الشعب التركي؛ في محاولةٍ لتحقيق بعض المكاسب في السياسة الداخلية. كان هناك تركيز على السلبيات الفردية التي وقع فيها بعض السوريين، وتضخيم لبعض الأمور، وقد أسفرت حملات التحريض عن حدوث توترات هذه في المناطق أدت إلى اشتباكات بين سوريين وأتراك، واستُـهدف بعض السوريين وأماكن عملهم، مما تسبب لهم بالكثير من الخسائر المادية[10].
بشكل عام أثرت هذه الحملات التحريضية كثيراً في رأي الشارع التركي حيال اللاجئين السوريين؛ ففي دراسة حول التباعد الاجتماعي بين السوريين والأتراك أجرتها مؤسسة KONDA (شركة في تركيا متخصصة في استطلاعات الرأي العام والاستشارات) ظهر أن مستوى التباعد الاجتماعي في تركيا قد ازداد في عام 2019، مقارنة بالسنوات السابقة، وفي عام 2016 -وفقاً لنتائج هذه الدراسة- كان الأتراك يقبلون بوجود السوريين معهم في مدينة واحدة بنسبة وصلت إلى 72.4%، و57.1% يقبلون بوجودهم في الحي أو مكان العمل أو المدرسة، و40.8% كجيران أو أصدقاء، و13.7% في المنزل أو داخل الأسرة.
وعندما أعادت المؤسسة KONDA طرح السؤال نفسه مرة أخرى بعد ثلاث سنوات أظهرت النتائج أن الموقف الإيجابي تجاه العلاقة مع السوريين في تركيا انخفض إلى النصف؛ إذ انخفضت نسبة الذين يقولون “يمكنني العيش مع سوريين في نفس المدينة” من 72% إلى 40%، وفي الحي نفسه من 57% إلى 31%، وفي البناء نفسه أو كصديق من 41% إلى 21%، وفي المنزل نفسه من 14% إلى 7%[11].
في السياق ذاته ثمّة قسم ليس بقليل من الأتراك ينظرون إلى الوجود السوري في تركيا على أنه تهديد للمجتمع التركي اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً[12].
وفي دراسةٍ نُشرت في حزيران/ يونيو 2020 وأُجريت في إسطنبول على 1636 مواطناً تركياً وُجّه سؤال يتعلق بالمشاعر التي يشعر بها المشاركون تجاه المهاجرين السوريين، ومن خلال النتائج تبين أن الشعور الأكثر إحساساً -لدى المشاركين الأتراك في الدراسة- هو القلق، بينما أقل شعور هو الكراهية. وبلغت نسبة الذين شعروا بالغضب الشديد 33%، والذين شعروا بالكراهية الشديدة 24%. ومن النتائج التي يجب أخذها بعين النظر أن نسبة الذين يشعرون بمشاعر شديدة من التعاطف مع السوريين بلغت (35%) وهم يأتون في المرتبة الثانية، بعد الذين يشعرون بالقلق الشديد 47% [13].
إن أحد أهم العوامل الكامنة وراء المواقف والسلوكيات السلبية تجاه المهاجرين هو شعور الأتراك بأن لجوء السوريين في تركيا أصبح نوعاً من التهديد، وقد شكلت هذه التصورات والمواقف السلبية في المجتمع أحياناً سبباً في صراعات بين السكان المحليين والسوريين، ليس بسبب المصالح الاقتصادية[14] وحسب؛ حيث إن العوامل الثقافية والأمنية كانت سبباً أيضاً في هذه الصراعات، وقد حدثت توترات بين الأتراك والسوريين، خاصة في مدن مثل غازي عنتاب وشانلي أورفا وإسطنبول، حيث كان وجود اللاجئين السوريون فيها كثيفاً منذ بداية الهجرة السورية.
توصلت دراسة قامت بها خديجة أكيجي بعنوان (التهديدات المتصورة لدى المجتمع التركي تجاه السوريين والحلول المقترحة) عام 2019 إلى أن الوجود السوري في الأراضي التركية يُـعدّ تهديداً ثقافياً بنسبة 25%، وتهديداً للنظام الاجتماعي والأخلاقي بنسبة 20%، وتهديداً اقتصادياً بنسبة 48%، وتهديداً أمنياً بنسبة 32%، وتهديداً أمام الوصول إلى الخدمات الأساسية بنسبة 24%[15].
وقد تسببت بعض التصريحات السياسية حول حجم الإنفاق على الوجود السوري بالمزيد من التوتر، لاسيما وأن الأرقام المعلنة كانت متضاربة ولم يتم توضيح الجهة التي قدّمت هذه الأموال، والتي تندرج غالباً ضمن بند المساعدات الأوروبية، وهو ما استخدم من قبل بعض الأطراف لزيادة التحريض ضد الحزب الحاكم واتهامه بتفضيل اللاجئين السوريين وتقديم تسهيلات لهم في مجالات التعليم والصحة على حساب المواطنين الأتراك[16].
تُعد تركيا مدخلاً لعبور اللاجئين إلى أوروبا؛ فقد استقبلت العديد من طالبي اللجوء والمهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة، خاصة من الأفغان الذين تزايدت أعدادهم مجدداً بعد استعادة حركة “طالبان” السلطة، ومع تنوع الخلفيات العرقية للمهاجرين غير الشرعيين وظهور بعض السلوكيات التي اعتُبرت غريبة على المجتمع التركي من بعضهم وتسببت ببعض الإزعاجات؛ فقد سمح لبعض الجهات السياسية الكارهة للاجئين باستغلال هذه السلوكيات والأخطاء، ورفع وتيرة خطابها العنصري الذي يشيطن اللاجئين بشكل عام، والسوريين بشكل خاص؛ إذ حُمّلوا أوزار أخطائهم وأخطاء غيرهم دون تمييز كونهم الفئة الأكثر عدداً والأبرز وجوداً في المجتمع.
ورغم انخفاض وتيرة الخطاب التحريضي “بين فترة وأخرى” على المستوى الشعبي، وجهود الحكومة التركية في تتبُّع مثيري خطاب الكراهية؛ إلا أن المجتمع التركي لم يتقبّل وجود مجموعات تتابع حياتها بشكل مختلف عن ثقافة المجتمع الحاضن أو تتحدث بلغة أخرى، وارتفعت وتيرة الحساسيات الاجتماعية التي أذكت النعرات العنصرية عند بعض المتعصبين، الذين صبُّوا جام غضبهم على السوريين، ورأوهم الشريحة الأكثر تهديداً وذلك بسبب أعدادهم الكبيرة.
وفي ظل سطوة هذا الخطاب العنصري حاولت بعض الجهات السورية والتركية تجسير الهوّة بين الطرفين، وتوضيح واقع السوريين في التعليم والعمل والحياة الاجتماعية الخاصة بهم في المجتمع التركي؛ ولكن العقل التعميمي كان هو السائد، فنُسبت كل السلوكيات السيئة إلى السوريين، لأنهم الأكثر كثافة بين اللاجئين في تركيا.
بعد ذلك تعالت الأصوات بضرورة عودة السوريين إلى بلادهم على اعتبار أن هناك مناطق آمنة[17]، أو أن مناطق النظام لم تعد تُصنَّف أماكن تحت الخطر، مترافقة مع خطاب (دعائي) من رأس نظام الأسد بالترحيب بعودة اللاجئين وإصدار قوانين العفو والترحيب بعودة السوريين من الخارج[18].
ضمن هذه الأجواء المشحونة سلباً تجاه اللاجئين السوريين في تركيا على مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً جاء زلزال السادس من شباط/ فبراير 2023، الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري ليزيد من اضطراب أحوال السوريين، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجري في منتصف شهر أيار/مايو 2023؛ فكل ذلك شكّل بيئة غير مستقرة ستؤثر مفرزاتها في خيارات السوريين وقراراتهم المستقبلية.
ثالثاً- نتائج التقرير الميدانية:
نستعرض أبرز النتائج التي وصل إليها التقرير عبر تحديد خصائص العينة وظروفها الحياتية الحالية، ثم إلقاء نظرة على الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها، إلى جانب تصوراتها وانطباعاتها عن تعامل الطرف التركي معها في ظروف ما بعد الزلزال وما قبل الانتخابات، وأخيراً خياراتها المستقبلية في ضوء هذه المستجدات.
1- الخصائص العامة لعيّنة التقرير:
توزعت عيّنة التقرير حسب متغير الجنس إلى 60.75% من الذكور و39.25% من الإناث.
شكل رقم (1) توزع عينة التقرير بحسب متغير الجنس
وتوزعت الفئات العمرية لعيّنة التقرير على الشرائح العمرية حسب الأجيال، كما هو موضح في (الشكل رقم 2).
شكل رقم (2) المستوى العمري لعينة التقرير
وبحسب الحالة الاجتماعية كانت نسبة المتزوجين/ات هي الأعلى 73.75%، وتوزعت النسب المتبقية على الحالات الاجتماعية الأخرى.
شكل رقم (3) الحالة الاجتماعية لعينة التقرير
وتنوعت المستويات التعليمية لعينة التقرير كما هو موضح في (الشكل رقم 4).
شكل رقم (4) المستوى التعليمي لعينة التقرير
وتم استهداف أشكال مختلفة من السوريين “عينة التقرير” حسب وضعهم القانوني في تركيا؛ سواءٌ ممن هم تحت بند الحماية المؤقتة أو المجنسين أو غيرهم، كما هو موضح في (الشكل رقم 5).
شكل رقم (5) الوضع القانوني لعينة التقرير
وبلغت نسبة العاطلين عن العمل في عينة التقرير 40.75%، مقابل 47.25% يعملون بشكل دائم أو متقطع (شكل رقم 6).
شكل رقم (6) الحالة المهنية لعينة التقرير
شملت عينة التقرير السوريين ممن كانوا في مناطق الزلزال المختلفة وممن هم خارجها، وقُسمت مناطق الزلزال إلى: المناطق التي تأثرت بالزلزال بشكل كبير وتشمل: “هاتاي ومرعش”، والمناطق الأخرى التي ضربها الزلزال وكانت الأضرار فيها أقل نسبياً من المناطق الأولى وهي: “عنتاب، وأورفا، وأديامان، وكليس، والعثمانية، وأضنة، وإيلازيغ، وديار بكر).
شكل رقم (7) توزع العينة حسب مكان الإقامة وقت حدوث الزلزال
وبالعودة إلى الشريحة التي كانت تقيم في الولايات المتضررة من الزلزال فإن النتائج تشير إلى بقاء 58.22% من عينة التقرير في مناطق الزلزال في بيوتهم أو استأجروا بيوتاً أخرى، أو أقاموا لفترة مؤقتة لدى أقاربهم أو معارفهم في المنطقة نفسها.
في المقابل تضرر غالبية أفراد العينة المستطلعة آراؤها والتي كانت تقيم في ولايات تركية ضربها الزلزال، وفقد العديد منهم منزله الذي كان يقطن به، وتشير النتائج إلى أن العينة التي تضررت من الزلزال تقطن حاليا في مراكز الإيواء الجماعية، أو بعض الحلول الإسعافية كالسكن في خيمة أو “كرفانة”، واختار البعض السفر إلى الولايات التركية التي لم يضربها الزلزال.
شكل رقم (8) توزع العينة حسب مكان الإقامة الجديد يعد الزلزال
2- خسائر بشرية ومادية.. وظروف حياتية معقّدة:
فَقدَ 17.76% من عينة التقرير في “مناطق الزلزال” فرداً أو أكثر من أسرهم أو أقاربهم، وضمن هذه الشريحة كان عدد المفقودين كبيراً؛ إذ فَقدت نسبة 28.3% سبعة أو أكثر من ذويهم جرّاء الزلزال و19.6% بين 4 إلى 6 أفراد.
أما مَن فَقدت من فرداً إلى ثلاثة أفراد فكانت 52.1%.
شكل رقم (9) أعداد المفقودين من العينة التي فقدت أفرادها
أما بالنسبة إلى الخسائر المادية فقد كانت كبيرة أيضاً؛ سواءٌ في دمار البيوت أو لحاق أضرار كبيرة بها، وكذلك الأضرار في أثاث المنزل، أو فقدان النقود والمدّخرات، والبضائع والسلع المختلفة للتجار، فضلاً عن فقدان الأوراق الثبوتية الشخصية؛ والتي يمكن لها أن تعرّض أصحابها لمخاطر مختلفة، منها: عدم التجديد في بعض الوثائق الرسمية الصادرة عن إدارة الهجرة التركية، أو بعض الوثائق التي تتطلب مراجعة لقنصلية نظام الأسد في إسطنبول، وربما التعرض -في أسوأ الحالات- لخطر الترحيل.
شكل رقم (10) الخسائر المادية لعينة الزلزال
ولم يكد السوريون في تركيا يتعافون “إلى حد ما” من آثار الدمار والعنف الذي مارسه نظام الأسد بحقهم، وأودى بحياة مئات الآلاف من البشر وتدمير البيوت وفقدان المكان والمأوى؛ حتى جاء الزلزال ليعيد إلى ذاكرتهم تلك التجارب المريرة ويتركهم من جديد عرضة للتخطيط لحاضرهم ومستقبلهم بالعلاقة مع تبعات الزلزال على المستوى العملي والنفسي والاجتماعي.
ورغم أن الخسائر المادية والعينية قد أثرت في السوريين على اختلاف الصفة القانونية التي يحملونها إلا أن تأثيرها على حملة بطاقات الحماية المؤقتة قد يبدو أكبر، لاسيما وأن المجنسين لديهم إمكانية الحصول على تعويضات من قبل الحكومة، سواءٌ الذين خسروا ممتلكاتهم كالمنازل، أو الذين يحتاجون إلى مأوى ( كرفانة) أو بدل مالي للإيجار، بينما لم يُتح لشريحة واسعة من حملة الكيملك الحصول على تعويضات؛ لأن عدداً من عقود الإيجار أو عناوينهم لم تكن مثبتة بشكل قانوني.
شكل رقم (11) خسارة العمل بسبب الزلزال
وبدت آفاق مواصلة الحياة على درجة من الصعوبة في المراحل المقبلة، لاسيما مع فقدان 53.29% من السوريين “عينة التقرير” أعمالهم بسبب الزلزال وتبعاته، وهو ما دفع الأسر السورية إلى الاعتماد على المساعدات المختلفة، سواءٌ من الأهل والأقارب أو من الهيئات والجهات السورية والتركية والدولية المعنية ذات الشأن، وقد ترافق ذلك مع فقدان المنازل المستأجرة من قبل السوريين وارتفاع تكلفة الإيجار بما لا يتناسب مع مخرجات الدخل لدى غالبية السوريين.
وتشير النتائج عموماً إلى أنه حتى الشرائح التي لا ما زالت تعمل فهي غير قادرة على تدبير أمور حياتها اليومية من رواتبها؛ “بسبب ضعف الرواتب”، فتم اللجوء إلى صرف المدخرات أو الاقتراض أو اللجوء إلى المساعدات كمصدر داعم.
شكل رقم (12) تدبير الأمور الحياتية بعد الزلزال
3- الزلزال وعودة خطاب العنصرية إلى الواجهة:
تركَ الزلزال الذي ضرب الولايات التركية الجنوبية آثاره ومفاعيله على العلاقات بين الأتراك والسوريين، وكانت عرضة من قبل للتجاذب والتنافر بين صعودٍ وانخفاضٍ في مستوى خطاب وسلوك العنصرية والكراهية من قبل الأتراك بحق السوريين المتوزعين على ولايات الدولة.
وللحقيقة فقد أسهمت عدة متغيرات في صعود خطاب العنصرية والكراهية في مرحلة ما قبل الزلزال، كان أهمها الآلة الدعائية لجهات عديدة من أحزاب وتيارات المعارضة، أو الشخصيات المتنفّذة في أروقة الحياة السياسية والاقتصادية في تركيا[19].
ثمّة مؤشرات متعددة أن الأسباب المؤدية إلى تصاعد هذا الخطاب في تلك المرحلة “ما قبل الزلزال” كانت تصفية حسابات سياسية واقتصادية بين سياسات الحكومة التركية ومعارضيها، وجد اللاجئون -خاصة السوريين- فيها أنفسهم طرفاً أساسياً في المعادلة في الصراع الإيديولوجي الذي تعيشه السياسة التركية في المرحلة الآنية[20].
بناءً على ذلك كثّفت الدعاية المعارضة التركية حملاتها، وسخّرت أدواتها الإعلامية “لتحقيق غايات سياسية داخلية” لشيطنة صورة اللاجئين السوريين وربطهم بتردّي الأحوال الاقتصادية في البلاد من ناحية، و”التأثير الثقافي” السلبي لهم على الحياة التركية[21] من جهة أخرى.
وما بين تصاعد خطاب العنصرية والكراهية وانخفاضه ضرب زلزال مدمر ولايات تركيا الجنوبية التي يقطن فيها النسب المرتفعة من السوريين[22]. وفي الوقت الذي تم التركيز على حجم الخسائر البشرية والمادية من قبل الجهات الحكومية المعنية وجدت بعض أطياف المعارضة التركية أن الزلزال فرصة مناسبة لتأليب الرأي العام التركي في علاقته مع الحزب الحاكم، ترافقاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها في 14 مايو/ أيار 2023.
وعطفاً على التطورات الحاصلة في التعامل مع مرحلة ما بعد الزلزال من قبل الحكومة التركية بدأ الحديث عن السوريين في خطاب المعارضة والإعلام وكأنهم أحد مسببات ضعف التعامل مع الكارثة التي ضربت تركيا[23].
وفي ظل الحالة النفسية ومناخ الخوف السائد وجد الإعلام التحريضي له مكاناً وبيئة مناسبة في مرحلة ما بعد الزلزال “التي لا نزال نعيشها حتى اللحظة”، لتحقيق غايته في تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء بحق السوريين مجدداً؛ لِـمَا له من مفاعيل مهمة في التأثير على الرأي العام التركي مع اقتراب موعد الانتخابات[24].
وهذا ما وجدناه لدى وصف عينة التقرير طرق تعامل المحيط التركي مع السوريين في مناطق الزلزال؛ فقد برزت المشاعر السلبية التي وصلت إلى السلوك السلبي المباشر بحق السوريين.
ويمكن هنا تقسم ارتدادات الزلزال على السوريين في شقين:
الأول: يتعلق بالتعامل اليومي مع السوريين في تلك المناطق، ومثالها الأكبر هو السلوك المباشر من قبل أصحاب العقارات الأتراك “المنازل بشكل خاص”؛ فقد أقرّت عينة التقرير بأنه تم طرد السوريين من بيوتهم في مناطق الزلزال “بنسب كبيرة”، مترافقة مع ارتفاع كبير جداً في إيجار المنازل للسوريين، فقد استغل بعض مالكي المنازل زيادة الطلب على المنازل وفرضوا على السوريين المقيمين أحد خيارين إما زيادة الأجرة زيادة كبيرة وإما إخلاء المنزل مباشرة من أجل تأجيره بأسعار أعلى، كما هو موضح في (الشكل رقم 13).
يبدو أن محنة الزلزال قد أرخت بظلالها على بنية العلاقات بين الأتراك والسوريين في أماكن وجودهم، سواءٌ في مناطق الزلزال أو غيرها، وتصاعدت موجة الاستغلال من قبل تجار الأزمات؛ فتمّ رفع إيجارات البيوت للأجانب، وبشكل خاص للسوريين والعرب في تركيا بشكل غير مسبوق، دون أن تكون هناك رقابة تضبط تعاملات السوق العقاري[25].
نود التنبيه أن مشكلة “إيجار البيوت” باتت مؤرقة للأتراك والسوريين على السواء؛ ولكن ضعف حالة اللاجئ السوري المادية بالأساس، وعدم وجود حوامل اجتماعية أو مدخرات مادية يمكن أن تسانده في هذه المحنة، إلى جانب ضعف تعاطف المّلاك الأتراك مع السوريين عموماً مقارنة بالحال مع الأتراك؛ كل ذلك جعل تأثير المشكلة السلبي عليهم أكبر. أضف إلى ذلك إمكانية تحرك المواطن التركي قانونياً ضد أصحاب العقارات، بينما يجحم السوري درءاً للمشكلات أو لعدم تحصيله حقوقه في إطار القانون، يدعم ذلك وجود تجارب سابقة “على الأقل في محيط وخبرة الباحث وبعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي”. |
الثاني، موجة النفور والكراهية والتنمّر؛ فقد تصاعد شعور السوريين بنفور المحيط التركي منهم في تلك المناطق، وتزايدت دعوات ترحيل السوريين؛ ترافقاً مع خطاب الكراهية الموّجه بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل التنمّر اللفظي “الشتائم والألفاظ المهينة”، وأيضاً تعرّض البعض للعنف “كالضرب والتعدي أو محاولة التعدي”.
لم يخلُ المشهد العام الذي ازدادت فيه العنصرية من بعض المظاهر الإيجابية، مثل “ازدياد التآزر بين الأتراك والسوريين” في محنة الزلزال؛ ولكن تبقى سلوكيات العنصرية والتذمر هي الأكثر حضوراً في المشهد الاجتماعي التركي حالياً[26].
شكل رقم (13) تعامل المحيط التركي مع العينة بعد الزلزال
وزاد الأمر تردّياً مع ترافق خطاب العنصرية والتصريح بعدم التعامل مع السوريين ورفض تأجيرهم البيوت بسبب أنهم “سوريون” أو أجانب[27]؛ كل هذا يحدث في ظل عدم وجود قانون يجرّم أو يُدين العنصرية.
كل ما سبق أسّس لتغيرات في علاقة السوريين بمحيطهم التركي؛ فقد أفادت “عينة التقرير” أن ثمّة شعوراً بالنفور من السوريين في الحياة اليومية بنسب متزايدة، مترافقة مع سوء معاملة كبير في قضايا الإيجار وأماكن التسوق، وتعرضهم للتنمّر المادي والمعنوي “مطالبات بترحيل السوريين، وشتائم، واعتداء ومحاولات للاعتداء”، (الشكل رقم 14).
وأقرت نسبة متوسطة من العينة ببقاء الحال على ما هو عليه في تعامل المحيط التركي معهم.
شكل رقم (14) يبين وصف العينة لمشاعر المحيط التركي تجاه السوريين
ولم تُلحظ فروق ذات دلالة في رأي العينة بموقف المحيط التركي بالعلاقة مع متغير الجنس؛ فقد تعرض الذكور والإناث بشكل متساوٍ لسلوكيات عنصرية وكراهية وتغيرات في التعامل معهما.
أما بالعلاقة مع متغير العمر، وعند الدرجات “نعم بشكل كبير، أحيانًا بشكل متوسط“؛ فقد تحسّست الفئة العمرية الشابة (18-27) أكثر من الفئات العمرية الأخرى التغيرات السلبية من المحيط التركي تجاهها، فظهرت النسب مرتفعة في الخيارات كافة؛ وربما يعود ذلك إلى اختلاط هذه الفئة أكثر من غيرها بالأتراك، سواءٌ في العمل أو التعليم أو النشاطات الأخرى. مع التنبيه إلى أن الشرائح العمرية الأربع قد صرّحت بتغيرات سلبية تجاهها في المتغيرات التي طرحت عليها.
.
شكل رقم (15) الفئات العمرية ووصف العينة لمشاعر المحيط التركي السلبية تجاههم
ولم تظهر فوارق ذات دلالة بالعلاقة مع متغير الحالة الاجتماعية والمستوى التعليمي؛ إذ تعرضت الفئات المختلفة في المتغيرَين المذكورَين للمتغيرات المذكورة آنفاً من قبل المحيط التركي.
أما العلاقة مع متغير الوضع القانوني فقد تساوت “تقريبا” جميع الأوضاع القانونية في إحساسها بالتغيرات السلبية من المحيط التركي تجاهها، عند الدرجات “نعم بشكل كبير، أحيانًا بشكل متوسط”. ويبدو أن موضوع حصول بعض السوريين على الجنسية التركية لم يكن له نتائج إيجابية كبيرة، أو كوابح لدى المحيط التركي في سلوك العنصرية والكراهية؛ بل ربما أتى بمفاعيل سلبية بسبب الاحتقان المدعوم بمعلومات تحمل من الافتراء والمغالطات حول تجنيس السوريين أو العرب وتمتعهم بميزات تفوق المواطنين الأتراك، إلى جانب تمتعهم بحق الانتخاب؛ ولعل ذلك مثّل أسباباً إضافية لتعرض السوريين الحاملين للجنسية لسوء تعامل وخطاب عنصرية وكراهية كباقي الفئات الأخرى السورية بأوضاعها القانونية المختلفة كما هو موضح في (الشكل رقم 16).
شكل رقم (16) الوضع القانوني ووصف مشاعر المحيط التركي السلبية تجاه السوريين
وتعرضت عينة التقرير “بحسب الحالة المهنية” للتغيرات السلبية من قبل المحيط التركي، وذلك بحسب المواقف اليومية التي تعرضوا لها “عند درجة نعم بشكل كبير وأحيانًا بشكل متوسط“. واللافت هنا هو ملاحظة طلاب “الجامعة” للمشاعر السلبية تجاههم من قبل محيطهم التركي وبنسب عالية، مع أن مجتمع الطلاب يفترض مساحات أكبر من المعرفة والموضوعية “نظرياً”، وبالتالي تراجع خطاب العنصرية؛ وهو ما يؤشر على سيادة مناخ عام لدى المحيط التركي في تبنّي خطاب الكراهية والعنصرية كما تصدّره وسائل الإعلام وجهات سياسية متعددة.
شكل رقم (17) الحالة المهنية ووصف المشاعر السلبية للمحيط التركي تجاه السوريين
أما بالنظر إلى العلاقة مع المناطق التي شملها التقرير فقد بيّنت النتائج الميدانية تعرُّض مناطق التقرير كافة لتغيرات واضحة في أسلوب التعامل من المحيط التركي، “عند درجة نعم بشكل كبير” كما هو موضح في (الشكل رقم 18).
شكل رقم (18) مناطق التقرير ووصف المشاعر السلبية للمحيط التركي تجاه السوريين
وقد ترافقت تلك المشاعر مع إجراءات “من قبل المحيط التركي” بعيدة عن التعاطف ومراعاة ظروف الزلزال وأثرها في تشرُّد الكثير من السوريين، “في الوقت الذي يُفترض به أن توحّد محنة الزلزال الأطراف جميعها”، لكن ما حدث كان عكس ذلك؛ فتم طرد الكثير من السوريين من البيوت المستأجرة، ورفع تكلفة الإيجار في حال وافق أصحاب المنازل على تأجير السوريين ، وهي مشكلة باتت واضحة في المرحلة الحالية.
حتى في المناطق التي لم يصبها الزلزال تعرض السوريون لتغيرات في المحيط التركي تجاهها بشكل سلبي؛ وهو ما يُفسر بتأثير تزايد الخطاب التحريضي ضد السوريين أينما وُجدوا.
يبدو أن ثمّة شعوراً عاماً مشتركاً يسود بين السوريين في تركيا، وبشكل خاص في مناطق الزلزال في هذه المرحلة، أنهم ورقة يتم التلاعب بها من قبل جميع الأطراف الداخلية في تركيا، سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية واجتماعية. وهو ما تمت ملاحظته لدى عينة التقرير بالعلاقة مع خصائصها المختلفة (متغير الجنس، والعمر، والمستوى التعليمي، والوضع القانوني، والحالة الاجتماعية والمهنية)؛ إذ تقاربت تصورات العينة هنا بشكل شبه متطابق حول تردّي أحوال السوريين في تركيا وتعرضهم المستمر لسلوك العنصرية والكراهية.
4- البحث عن الاستقرار والأمان
تدفع كل الأسباب السابقة وتداعياتها المختلفة الكثير من السوريين “عينة التقرير في مناطق الزلزال” إلى التفكير في خيارات وسيناريوهات عديدة لمستقبلهم بعد حدوث الزلزال، خاصة فيما يتعلق ببقائهم أو مغادرتهم تركيا؛ فقد “فكّر وخطّط وقرّر” ما نسبته 58.2% من العينة بالهجرة إلى أوربا، و46.4% بالهجرة إلى أي بلد آخر (الشكل رقم 19)، وهو ما “يعكس الشعور بضيق أفق الحياة في المستقبل القريب في تركيا، وعدم القدرة على تحمُّل الضغوطات المتزايدة التي يختبرها السوريون نتيجة بعض التصرفات العنصرية وخطاب الكراهية الذي يتعرضون له.
و”فكّر وخطّط وقرّر” ما نسبته 62.5% بالانتقال إلى مدينة تركية أخرى، ربما يكون خطاب وسلوك العنصرية والكراهية أقل وطأة من باقي المدن. أما مَن “فكّر وخطّط وقرّر” بالعودة إلى سوريا فلم تبلغ نسبتهم 28.6%، وهي نسبة لا تُعد منخفضة قياساً إلى الأوضاع غير المستقرة في سوريا عموماً من الناحية الأمنية والاقتصادية والعسكرية[28].
ولم تختلف هذه النسب باختلاف الصفة القانونية التي حملها المستجيبون؛ فقد كانت الإجابات متقاربة بين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة ” الكيملك” والإقامة السياحية أو حتى الجنسية التركية.
شكل رقم (19) تفكير عينة التقرير بسيناريوهات لحياتهم بعد حدوث الزلزال
تحمل النسب السابقة أعلاه دلالات عن سيادة شعور الترقب والحذر والتخوّف لدى السوريين؛ مما أسّس لعمليات التفكير والتخطيط والقرار بالخروج من تركيا، ويبدو أن انخفاض مساحات الإحساس بالأمان وبالتالي الاستقرار أو الرغبة فيه قد تراجعت بشكل ملحوظ جداً، وهو ما أدى لوجود خطط وبدائل لدى السوريين؛ يبدو أنها جاهزة ليقوموا بها وينفذونها حال حدوث تغيرات في الساحة التركية تتركهم يفاضلون بين الخيارات المتاحة أمامهم[29].
وهنا نقطة أخرى لابد من التنبيه إليها بشكل خاص وهي تدنّي نسبة مَن يفكّرون أو يخطّطون للعودة إلى سوريا، وهذه قضية يجب أن تُؤخذ على محمل الجد من قبل أي سياسة تتعلق بإعادة السوريين في تركيا؛ إذ إنه وفي ظل عدم وجود ضمانات دولية للحماية فإن السوريين هنا يفضّلون “ربما” البقاء في ظل عدم ترحيب بهم، أو عودتهم لتلك المغامرات غير المأمونة بالهجرة إلى أوربا أو بلدان أخرى فيها مساحات أكبر من الأمان والاستقرار.
أما بالعلاقة مع متغير الوضع القانوني في تركيا فقد أظهرت النتائج الميدانية أن مَن يحملون الجنسية التركية هم أكثر من “فكّروا وخطّطوا وقرّروا” الانتقال إلى مدينة تركية ثانية بنسبة 66.1%. أما أكثر نسبة ممن “فكّروا وخطّطوا وقرّروا” العودة إلى سوريا فكانت من الذين أوضاعهم غير قانونية ولا يملكون أية أوراق بنسبة 50%، ثم من الحاصلين على الكيملك بنسبة 30.7%.
ولم يؤثّر الوضع القانوني لعينة التقرير في تفكيرهم وقرارهم بالهجرة إلى أوربا، بما في ذلك الحاصلون على الجنسية التركية؛ فقد كانت نسبتهم 50.8%، وهو ما يؤشر على غياب نطاق الأمان لديهم وضعف الثقة بتطبيق القوانين عليهم بوصفهم “مجنّسين” التي تساويهم في الحقوق مع المواطنين الأصليين، وزادت النسب لدى مَن لا يمتلك الأوراق 75% ومن حاملي الكيملك بنسبة 60.5%. أما النسبة الأكبر لمن “فكّروا وخطّطوا وقرّروا” بالهجرة إلى أي بلد “خارج تركيا” فكانت لحاملي الإقامات بنسبة 84.6%.
وبقيت متغيرات التقرير الأخرى “المستقلة” متقاربة بشكل كبير في النسب المئوية، وهو ما يشير “هنا وفي اتجاهات أخرى في التقرير” إلى وجود “شعور جمعي” سوري يتسم بتنامي القلق والتخوف والترقب لنتائج المرحلة القصيرة المقبلة.
5- غياب الاستقرار.. والخروج من تركيا
أسّس الشعور المتزايد بالتخوف والتوجس والترقب من الوضع التركي الداخلي في “المرحلة الحالية” وتأثيره على السوريين في ظهور متغير “الشعور بعدم الاستقرار”، ليكون في مقدمة الأسباب الدافعة لهم للتفكير بمغادرة تركيا.
وهذا يعني وجود متغيرات “بينية” أفرزت هذا العامل/ السبب، منها: “تزايد خطاب العنصرية والكراهية، والتذبذب السياسي الذي تعيشه تركيا حالياً، وتردّي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة”.
وهكذا فإن تراجع الإحساس بالأمان “كمقدمة للشعور بالاستقرار” بات يمثل بالنسبة إلى السوريين ما مفاده أن الحياة في تركيا ما زالت مؤقتة، ولابد من التفكير بخيارات جديدة وأماكن جديدة طلباً للاستقرار، “وهو مطلب جذري لدى الجميع وليس اللاجئين فقط” (الشكل رقم 20).
كان ارتفاع إيجار البيوت هو السبب الثاني من أولويات الأسباب الدافعة لمغادرة تركيا؛ إذ باتت مسألة “الإيجار” تؤرّق جميع السوريين الذين يتم تأجير البيوت لهم “في حال وافق صاحب البيت على تأجير شخص سوري”، وارتفعت قيمة الإيجار بشكل مضاعف وأكثر قليلاً، مع إحجام واضح من قبل المكاتب العقارية عن تأجير السوريين.
وكان السبب الثالث هو سلوك العنصرية والكراهية من قبل المحيط التركي “لعينة التقرير”، وهو سلوك بدأ بالتزايد مع اقتراب موعد الانتخابات، ووجد بيئة خصبة له مع محنة الزلزال، مترافقاً مع هجوم إعلامي على اللاجئين “السوريين خصوصاً”.
شكل رقم (20) الأسباب الدافعة لمغادرة تركيا
وبعبارة أخرى فإنه على الرغم من بروز “الشعور بعدم الاستقرار” دافعاً لعدم مواصلة الحياة في تركيا إلا أنه “في الواقع” نتيجة ومخرج لجملة من المتغيرات الأخرى، الاقتصادية بشكل خاص “تردّي الأحوال الاقتصادية، وفقدان العمل وصعوبة إيجاده”[30].
وفي الأحوال كافة لا يمكن إهمال الأسباب الأخرى، بغضّ النظر عن وزنها النسبي في العينة، وفي مقدمتها سلوك الكراهية والعنصرية من المحيط التركي، والحالة السياسية التي تعيشها تركيا داخلياً وخارجياً، كالتخوف من نتائج الانتخابات وطرح ورقة اللاجئين السوريين في الحملات الانتخابية، والخوف من التغيرات السياسية التي قد ينجم عنها تقارب مع “نظام الأسد”، وهو ما يترك المخاوف تأخذ طريقها إلى تصورات السوريين وهواجسهم ومخاوفهم في حال العودة القسرية.
ويقتضي التنبيه هنا إلى أن ما نسبته 21.1% من العينة كانت قد حسمت قرارها بالبقاء في تركيا، وهي نسبة منخفضة جداً بالمقارنة مع الوجود السوري الطويل هنا.
وحسب الوضع القانوني كل على حدة نلاحظ أن الحالة القانونية لم يكن لها دور في مسألة قرار البقاء “؛ على اعتبار أن المجنّسين مثلاً لديهم استقرارا أكبر من غيرهم، وبالتالي يمكن أن تكون نسبتهم هي الأكبر؛ لكن النسبة الأكبر في كل حالة قانونية قررت البقاء كانت الأعلى لدى مَن وضعهم غير قانوني، ثم مَن يحمل الكيملك، ثم مَن يحملون الجنسية (الشكل رقم 20).
شكل رقم (21) قرار البقاء في تركيا بالعلاقة مع الوضع القانوني
وحتى نكون على تصور واضح للمشهد السوري فإن ضمن نسبة 21.1% التي قررت عدم مغادرة تركيا “على اعتبارها نسبة 100%” قد ظهر أن نسبة من لديهم “كيملك” هي النسبة المرتفعة في قرار البقاء 78%؛ لأن خيارات المغادرة لديهم محدودة جداً، فليس أمامهم سوى الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر براً أو بحراً، إلى جانب أن مغادرتهم تركيا تعني حرمانهم من العودة إليها لعدة سنوات، وهي مخاطرة كبيرة (الشكل رقم 22)، وهو ما يشير في الغالب -حسب اعتقادنا- إلى مشاهدة السوريين لتغير الأحوال في دول العالم دون استثناء، ووقوعها في مشكلات وأزمات شائكة؛ بحيث باتت كل البقاع متشابهة، وغير مستقرة نسبياً؛ فلا بأس إذاً بالبقاء ريثما يحدث ما ييسر سبل الحياة لهم.
شكل رقم (22) قرار البقاء في تركيا بالعلاقة مع الوضع القانوني (نسبة كلية 100%)
6- زوبعة الانتخابات التركية.. والقلق السوري المتنامي
اجتمعت الكثير من الأسباب التي أدخلت السوريين في تركيا دوامة من القلق والترقب، وبالتالي غياب الاستقرار أو تراجع هوامشه بشكل كبير. وكان من الممكن تجاوز مرحلة ما بعد الزلزال والارتباكات التي ارتبطت بها ومفاعيلها على وضع السوريين في تركيا بشكل عام؛ لولا أن بدأت عملية التجاذب السياسي في انتظار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/ أيار 2023[31] .
أسهمت الحملات الانتخابية والدعايات الترويجية للمرشحين والأحزاب السياسية والتحالفات الجديدة في السياسة التركية بثقلها على السوريين المقيمين على الأراضي التركية؛ لاسيما مع استخدام ورقة اللاجئين عموماً والسوريين خصوصاً لجذب أصوات الناخبين عن طريق ترويج حملات مثل ترحيل السوريين وإعادتهم إلى بلادهم، وفتح حوارات مع “نظام الأسد”، وغيرها من الحملات التي يتصدر السوريون فيها المشهد بشكل واضح، أو يكونون جزءاً من تفاصيله[32].
وقد عبّر أفراد عينة التقرير عن تخوفاتهم المختلفة بالحديث عن مشاعرهم تجاه الانتخابات التركية، وتراوحت مخاوفهم بين القلق على مصيرهم وحتى التخوف من أعمال اعتداءات عليهم في حال “لم تمرّ الانتخابات بخير” (الشكل رقم 21).
ويبدو القلق على المصير من قبل أفراد العينة مفهوماً في ظل تضمين البرامج الانتخابية المعارضة مسألة “الترحيل والإعادة القسرية”، وحتى التطبيع مع “نظام الأسد” على أجندتها الإعلامية وحملاتها الدعائية[33].
وبات من الواضح أن تنامي العنصرية والكراهية قد أفرز العديد من المشكلات على المستوى الحياتي للسوريين، منها التخوفات المتعلقة بالعمل والسكن، وهو ما قد يدفع بالكثير منهم إلى اتخاذ قرارات بالهجرة أو العودة إلى سوريا مكرهين، قياساً على تضييق مساحات مسببات الحياة لديهم.
لقد ظهرت العديد من التقارير والتصريحات المختلفة عن مساعدات تقدم للسوريين أو فرص عمل لهم على حساب العمال الأتراك[34]، وغير ذلك من الشائعات والمغالطات التي من شأنها -باعتقادنا- الترويج لوعي تركيّ جمعيّ لافظ للوجود السوري بناءً على تضارب مصالحه مع مصالح المكوّن السوري في قضايا الاقتصاد وسوق العمل.
شكل رقم (23) مشاعر السوريين تجاه الانتخابات التركية
وتكشف النتائج أيضًا عن ضعف ثقة السوريين “عينة التقرير” بسيادة القانون وحيادية المؤسسات “في العلاقة مع السوريين” في حال فوز المعارضة، وربما يعود إلى التصريحات العدائية والعاطفية من قبل مرشحي المعارضة ضد اللاجئين، دون أن يكون هناك توضيحات قانونية أو دستورية من قبل مسؤولين أو مختصين في هذا الشأن. وربما بسبب ذلك تتزايد تلك المشاعر والتخوفات من المستقبل المرتبطة بنتائج الانتخابات[35].
وبالعلاقة مع متغير الفئات العمرية فقد كانت التخوفات تزداد مع الفئات العمرية الأصغر “رغم وجود التخوفات لدى الجميع”، وبرزت فئة (18-27) كأكثر فئة عمرية قلقاً وتخوفاً من نتائج الانتخابات المقبلة.
وكذلك الأمر مع متغير المستوى التعليمي؛ إذ كانت التخوفات تزداد كلما كان المستوى التعليمي أدنى، فكان المستوى التعليمي “تاسع وما دون” هو الأكثر قلقاً وتوجساً من نتائج الانتخابات، مع التنبيه إلى وجود تلك المخاوف لدى المستويات التعليمية كافة.
وبالعلاقة مع الوضع القانوني فقد كانت مشاعر القلق والخوف هي المسيطرة على جميع الأوضاع القانونية لعينة التقرير، بما في ذلك الحاملون للجنسية التركية (عند درجات بشكل كبير، بشكل متوسط، بشكل قليل) (الشكل رقم 24).
شكل رقم (24) مشاعر السوريين تجاه الانتخابات التركية والوضع القانوني[36]
وعطفاً على اختبار مشاعر عينة التقرير تجاه الانتخابات التركية تم السؤال عن توقعات العينة في حال فوز المعارضة التركية في الانتخابات.
وقد أظهرت النتائج الميدانية (الشكل رقم 25) توقعات سلبية جداً من قبل عينة التقرير في حال فوز المعارضة في الانتخابات التركية المقبلة، وفضلاً عن التوقعات بوجود قرارات وقوانين تضيق على السوريين حياتهم في تركيا، والتطبيع مع نظام الأسد، وإعادتهم قسريا إلى سوريا؛ فقد برزت توقعات وجود “أعمال عنف تجاه السوريين” في حالة الفوز.
في المقابل كانت التوقعات الإيجابية منخفضة جداً، كتحسين وضع السوريين أو بقاء الحال على ما هو عليه دون تغيير.
ويأتي انخفاض التوقعات الإيجابية متقاطعاً مع تصريحات متكررة من قبل مستشاري مرشح المعارضة “كمال كيليتشدار أوغلو”؛ إذ صرّح “”أحمد أونال تشفيكوز” المستشار الخاص لكيليتشدار أوغلو أن الأولوية في السياسة الخارجية ستكون إعادة العلاقات مع سوريا، معتبراً أن المصالحة حتمية من أجل ضمان عودة 3.7 مليون لاجئ سوري يقيمون في تركيا، وفي غضون أقل من عامين[37].
وقد تطابقت النسب بالعلاقة مع المتغيرات المستقلة للدراسة، وهو ما يؤكد بشكل مستمر وجود شعور جمعيّ سوريّ يتسم بالقلق والخوف في علاقتهم بالوضع السياسي الراهن في تركيا.
شكل رقم (25) توقعات العينة في حال فوز المعارضة في الانتخابات التركية
وتقاطعاً مع التخوفات والتوقعات المختلفة للسوريين “عينة التقرير” فقد رسم السوريون خيارات متعددة في الوقت الحالي؛ إذ إن غالبيتهم تنتظر نتائج الانتخابات وما ستسفر عنه في رسم شكل الحياة العامة في تركيا (الشكل رقم 26).
شكل رقم (26) خيارات العينة في الوقت الحالي والمستقبلي
لقد فكرت نسبة 30.5% بالهجرة إلى أوربا و30.8% بالخروج من تركيا بسبب تبعات تردّي سبل حياة للسوريين في تركيا، ليس أسوأها الوضع الاقتصادي، وأهمها التضييق عليهم وتصاعد خطاب الكراهية وسوء المعاملة التي يواجهونها في المواقف المختلفة التي يتعرضون لها.
شكل رقم (27) الوضع القانوني وخيارات العينة في الوقت الحالي والمستقبلي
ومن حيث العلاقة مع الوضع القانوني لعينة التقرير نلاحظ أن طبيعة الوضع القانوني قد أعطت فروقات قليلة في اختيارات العينة؛ فقد كانت الخيارات متقاربة لدى الجميع، وتراوحت النسب بشكل لا يرتبط بهذا المتغير “الوضع القانوني” في الاختيارات المختلفة، سواءٌ بالعودة إلى سوريا أو الهجرة (الشكل رقم 27). وهو ما يجعلنا نعتقد أن اختيارات العينة بالعلاقة مع الوضع القانوني لم يكن لها التأثير الكبير، وإنما يبدو أن التجارب الفردية في الحياة في تركيا وتصورات الأفراد بالاختيار نابعة من شؤون فردية بحتة قد يسهم الوضع القانوني في ترجيح كفة اختيار على آخر.
شكل رقم (28) مكان الإقامة وخيارات العينة في الوقت الحالي والمستقبلي
أما بالعلاقة مع المناطق التي شملها التقرير فقد كانت نسبة انتظار نتائج الانتخابات أعلى لدى المناطق التي لم يصبها الزلزال، وهو أمر مفهوم في ظل انخفاض مستوى الضغوط عليهم مقارنة بمناطق الزلزال. وبالمثل فقد ارتفعت خيارات الرحيل من تركيا بشكل أكبر في مناطق الزلزال الرئيسة ومناطق الزلزال الأخرى عنها في المناطق التي لم يصبها الزلزال، وهو ما يشير إلى استشراف العينة هناك انخفاض مسبّبات البقاء حسب تجربتهم الصعبة وقت حدوث الزلزال وما تبعه من مفرزات، مترافقاً مع عملية التجاذب الكبير في الانتخابات.
استنتاجات التقرير:
توصل التقرير إلى جملة من النتائج، أهمها:
- فَقد 17.76% من عينة التقرير “مناطق الزلزال” فرداً أو أكثر من أسرهم أو أقاربهم، وكان حجم الفقد كبيراً من حيث الأعداد؛ إذ فقد 28.3% سبعة أو أكثر من ذويهم جرّاء الزلزال و19.6% بين 4 إلى 6 أفراد.
- كانت الخسائر المادية كبيرة (دمار البيوت، وأضرار في أثاث المنزل، وفقدان النقود والمدّخرات، وفقدان البضائع والسلع المختلفة للتجار، وفقدان الأوراق الثبوتية الشخصية).
- فَقد 53.29% من السوريين “عينة التقرير” لأعمالهم بسبب الزلزال وتبعاته، وهو ما دفع الأسر السورية إلى الاعتماد على المساعدات المختلفة، سواءٌ من الأهل والأقارب أو من الهيئات والجهات السورية والتركية والدولية المعنية ذات الشأن؛ وقد ترافق ذلك مع فقدان المنازل المستأجرة من قبل السوريين وارتفاع تكلفة الإيجار.
- تصاعد شعور السوريين بخطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء بحق السوريين.
- برزت المشاعر السلبية التي وصلت إلى السلوك السلبي المباشر بحق السوريين؛ فقد أقرّت عينة التقرير بأنه تم طرد السوريين من بيوتهم في مناطق الزلزال “بنسب كبيرة”، مترافقة مع ارتفاع كبير جداً في إيجار المنازل للسوريين؛ ربما كوسيلة للضغط عليهم للعودة إلى سوريا.
- تصاعدت دعوات ترحيل السوريين تزامناً مع تعرّض بعضهم للعنف “كالضرب والتعدي أو محاولة التعدي”، وبقيت سلوكيات العنصرية والتذمر هي الأكثر بروزاً وحضوراً في المشهد الاجتماعي التركي حالياً.
- تزايد العنف “المعنوي والمادي” في المناطق التي ضربها الزلزال بشدة “هاتاي ومرعش” بنسب أكبر من ولايات الزلزال الأخرى.
- فكّر السوريون “عينة التقرير في مناطق الزلزال” بسيناريوهات عديدة بعد حدوث الزلزال؛ مثل الهجرة إلى أوربا، والهجرة إلى أي بلد آخر، والانتقال إلى مدينة تركية أخرى، والعودة إلى سوريا.
- كان “الشعور بعدم الاستقرار” في مقدمة الأسباب الدافعة للسوريين “عينة التقرير” للتفكير بمغادرة تركيا؛ وهو ما يعني وجود متغيرات “بينية”، منها: “تزايد خطاب العنصرية والكراهية، والتذبذب السياسي التي تعيشه تركيا حالياً، إضافة إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة”، وكان من مخرجاتها الشعور والإحساس المتزايد بأن الحياة في تركيا ما زالت مؤقتة ويغيب فيها هامش الأمان والاستقرار.
- أفادت “عينة التقرير” أن ثمّة شعوراً بالنفور من السوريين في الحياة اليومية بنسب متزايدة، مترافقة مع سوء معاملة كبير في قضايا الإيجار وأماكن التسوق، وتعرضهم للتنمّر المادي والمعنوي “مطالبات بترحيل السوريين، وشتائم، واعتداء ومحاولات اعتداء”.
- عبّر أفراد عينة التقرير عن تخوفاتهم المختلفة بالحديث عن مشاعرهم تجاه الانتخابات التركية، وقد تراوحت مخاوفهم من القلق على مصيرهم حتى التخوف من أعمال اعتداءات عليهم في حال لم تمرّ الانتخابات بخير.
- كان القلق على المصير من قبل أفراد العينة نابعاً من تضمين البرامج الانتخابية المعارضة مسألة “الترحيل والإعادة القسرية” والتطبيع مع “نظام الأسد”.
- أكثر ما يؤرّق السوريين هو توقعهم لأعمال شغب واعتداء بحقهم في حال فوز المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة.
- توقعت عينة التقرير إجراءات سلبية في حال فوز المعارضة في الانتخابات التركية المقبلة “قرارات وقوانين تضيق على السوريين حياتهم في تركيا، والتطبيع مع نظام الأسد، وإعادتهم قسرياً إلى سوريا، وأعمال عنف تجاه السوريين”.
- فكّرت نسبة 30.5% بالهجرة إلى أوربا و30.8% بالخروج من تركيا.
ملحق استبانة التقرير الميدانية
القسم الأول- البيانات العامة | ||
101 | الجنس | ذكر |
أنثى | ||
102 | العمر | 18-27 عاماً |
28-37 عاماً | ||
38-47 عاماً | ||
48 عاماً فأكثر | ||
103 | الحالة الاجتماعية | عازب/ة |
متزوج/ة | ||
مطلق/ة | ||
أرمل/ة | ||
104 | الوضع القانوني | كيملك |
وضعي غير نظامي / لا يوجد معي أي أوراق | ||
إقامة سياحية / إقامة عمل / إقامة إنسانية / إقامة طالب | ||
جنسية | ||
105 | الحالة المهنية | عمل دائم |
عمل جزئي/ متقطع/ موسمي | ||
بلا عمل | ||
طالب | ||
106 | مكان الإقامة وقت حدوث الزلزال | الولايات التركية التي لم تتعرض للزلزال |
هاتاي ومرعش | ||
ولايات الزلزال الأخرى (عنتاب، أورفا، أديامان، كليس، العثمانية، أضنة، ألازيغ، وديار بكر) | ||
107 | مكان الإقامة الحالي (في حال أجاب أنه من مناطق الزلزال) | (خيمة أو كرفانة) مقدمة من جهات أو منظمات تركية |
(خيمة أنشأتها بنفسي / مركز إيواء جماعي) أنشأته بعض المنظمات السورية | ||
(بقيت في منزلي/ عدت إلى منزلي/ أقيم عند أقاربي /أو استأجرت) في المحافظة نفسها | ||
انتقلت إلى (منزل جديد /منزل أقاربي) في محافظة جديدة | ||
القسم الثاني- الأضرار من جراء الزلزال | ||
201 | هل فقدت أحد من أسرتك أو أقاربك في الزلزال؟ | نعم |
لا | ||
202 | عدد المفقودين | 1-3 |
4-6 | ||
7 فأكثر | ||
لا يوجد مفقودين | ||
203 | ما هي الخسائر المادية بسبب الزلزال؟ | لم أتعرض لأية خسائر |
نقود | ||
مجوهرات | ||
سيارة | ||
بضائع وسلع | ||
أوراق ثبوتية | ||
أخرى: | ||
204 | هل خسرت عملك بسبب الزلزال؟ | نعم |
لا | ||
205 | كيف تتدبر أمورك المادية بعد الزلزال؟ | لازلت أعمل |
أصرف من مدّخراتي | ||
مساعدات من هيئات سورية | ||
مساعدات من هيئات تركية ودولية | ||
استدانة “اقتراض” | ||
مساعدات من الأهل | ||
أخرى: | ||
206 | مقارنة بالوضع ما قبل الزلزال، كيف تصف تعامل محيطك التركي بعد حدوث الزلزال؟
| ازدياد التآزر بين الأتراك والسوريين |
شعور بالانزعاج من السوريين | ||
تزايد دعوات ترحيل السوريين | ||
طرد السوريين من البيوت المستأجرة | ||
رفع إيجار البيوت | ||
سلوك لفظي عنيف (شتائم وتنمر) تجاه السوريين | ||
سلوك مادي عنيف (ضرب، تعدي) تجاه السوريين | ||
207 | هل فكّرت أو خطّطت أو قرّرت لما يأتي بعد حدوث الزلزال؟
| الانتقال إلى مدينة تركية أخرى |
العودة إلى سوريا | ||
الهجرة إلى أوربا | ||
الهجرة إلى أي بلد آخر باستثناء أوروبا | ||
208 | من بين الأسباب التالية، ما أهم سببين يمكن أن يدفعاك لمغادرة تركيا؟ | فقدان عملي |
خسارة ممتلكاتي | ||
صعوبة إيجاد عمل في الوقت الحالي | ||
سلوك الكراهية والعنصرية من المحيط التركي | ||
ارتفاع إيجارات البيوت | ||
التغيرات في السياسية التركية والتقارب مع نظام الأسد | ||
التخوف من نتائج الانتخابات وتغير الحكومة التركية الحالية | ||
الشعور بعدم الاستقرار | ||
لن أغادر تركيا | ||
209 | من بين الأسباب التالية، ما هو “السبب الثاني” الذي يمكن أن يدفعك لمغادرة تركيا؟ | فقدان عملي |
خسارة ممتلكاتي | ||
صعوبة إيجاد عمل في الوقت الحالي | ||
سلوك الكراهية والعنصرية من المحيط التركي | ||
ارتفاع إيجارات البيوت | ||
التغيرات في السياسية التركية والتقارب مع نظام الأسد | ||
التخوف من نتائج الانتخابات وتغير الحكومة التركية الحالية | ||
الشعور بعدم الاستقرار | ||
لن أغادر تركيا | ||
القسم الثالث- الخطط المستقبلية | ||
301 | كيف تصف مشاعر المحيط التركي تجاه السوريين في المرحلة الحالية؟
| نفور من السوريين |
تزايد خطاب العنصرية | ||
تنمر لفظي (شتائم، دعوات للرحيل) | ||
تنمر مادي (محاولة اعتداء أو اعتداء) | ||
سوء معاملة في قضايا الإيجار | ||
سوء معاملة في أماكن التسوق | ||
تآزر وتعاطف مع السوريين | ||
لا تغيير في تعامل المحيط التركي مع السوريين | ||
302 | يرجى وصف مشاعرك تجاه نتائج الانتخابات التركية القادمة؟
| قلق على مصيري |
التخوف من الإعادة القسرية | ||
التخوف من أعمال اعتداء | ||
التخوف من التضييق في السكن | ||
التخوف من التضييق في العمل | ||
اطمئنان، فأنا في دولة قانون ومؤسسات | ||
303 | هل تفكر حاليا بما يأتي؟
| العودة إلى سوريا |
الهجرة إلى دول أوروبا | ||
الهجرة إلى أي بلد آخر باستثناء أوروبا | ||
اتخاذ قرارت لحياتي المستقبلية بعد الانتخابات | ||
304 | ما هي توقعاتك في حال فوز المعارضة التركية في الانتخابات؟
| لن يتغير شيء |
تحسين وضع السوريين | ||
إعادة السوريين قسرياً إلى سوريا | ||
أعمال عنف تجاه السوريين | ||
قرارات وقوانين تضيق عليهم | ||
التطبيع مع نظام الأسد | ||
وضعهم في مدن محددة أو في المخيمات |
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة