الإصداراتالتقارير الموضوعيةوحدة تحليل السياسات

الحراك “الإسرائيلي” في سوريا بعد سقوط الأسد.. مخاطر استراتيجية ومسارات المواجهة الممكنة

 تقرير صادر عن وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري

تشهد سوريا حملة عدوان وقصف “إسرائيلي” مُكثّف تستهدف مواقع عسكرية في مختلف المناطق شملت تدمير عشرات الطائرات الحربية والمروحية والأسطول البحري السوري إلى جانب منشآت استراتيجية مثل مراكز البحوث والدفاع الجوي[1].

ويُبرّر الاحتلال “الإسرائيلي” هذه العمليات برغبته في منع وقوع الأسلحة بيد “جهات معادية ومتطرّفة”[2]، في ظل غموض حول مستقبل الحكم في سوريا وموقف السلطة الجديدة من “إسرائيل”.

بالتوازي مع القصف، قامت “إسرائيل” بتحرُّكات ميدانية غير مسبوقة في جنوب غربي سوريا، تمثّلت بالتوغُّل في مناطق بمحافظة القنيطرة وريف دمشق الغربي والسيطرة على المنطقة العازلة وجبل الشيخ بريف دمشق[3]، فيما تُشير مصادر “إسرائيلية” إلى أن القوات “الإسرائيلية” باتت على مسافة نحو 30 كم من دمشق بعد التوغُّلات الأخيرة[4]، وسط ادعاءات “إسرائيلية” بأن هذا التوغُّل “مؤقت”[5].

مخاطر استراتيجية متعددة:

إن تحرُّكات “إسرائيل” في سوريا تنطوي على مخاطر كبيرة تُهدّد مستقبل الدولة السورية المقبلة، ومن أبرزها:

  • تقوية فكرة تقسيم سوريا: قد يؤدّي الوجود “الإسرائيلي” الدائم في سوريا إلى إنشاء “كانتونات” في جنوب غرب سوريا، وهو هدف يتماشى مع رغبة “إسرائيل” في إضعاف الدولة السورية وضمان تفكُّكها، ومما يعزز من ذلك وجود تواصلات مُريبة بين “إسرائيل” ومكوّنات سورية وفق ما أعلنت تل أبيب[6]، دون وجود نفي أو توضيح لطبيعة تلك التواصلات من الأطراف السورية ذات الصلة.
  • خسارة أراض جديدة: التوغُّل “الإسرائيلي” في سوريا يُهدّد بضم هذه الأراضي بشكل نهائي في مرحلة زمنيّة مُعيّنة، خاصة مع وجود سلطة ضعيفة في سوريا غير قادرة على مواجهة “إسرائيل”.
  • تدمير البنية العسكرية: القصف “الإسرائيلي” يُضعِف البنية العسكرية الأساسية لسوريا ويحاول إعطاء صورة بأنها ستكون “منزوعة السلاح”، ما يجعلها مستقبلاً غير قادرة على مواجهة أي تهديدات أو انتهاكات “إسرائيلية” في أراضيها.

توصيات للحفاظ على السيادة السورية:

ومع انشغال معظم القوى السورية المحلية بسقوط نظام الأسد وعملية الانتقال الجارية وتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنه يجب عدم إغفال هذا الملف لكونه سيكون أحد العوامل المؤثّرة بشكل أساسي في شكل الدولة المقبلة، ومما يجدر ذكره هنا:

  • التأكيد على مبدأ رفض التنازل عن الأراضي والتصدّي لأي محاولات لشرعنة احتلال “إسرائيل” للأراضي السورية التي دخلتها بعد سقوط النظام المخلوع بزعم التهديد الأمني، أو حتى التي استولت عليها قبل عقود خاصة الجولان الذي أعلن نتنياهو أنه بات “إسرائيلياً إلى الأبد”.
  • من المُتفهَّم أن القوى الجديدة في سوريا لا تريد استفزاز أو إظهار مواقف عدائية لـ “إسرائيل” على الأقل في الوقت الراهن نظراً لعوامل عديدة أبرزها أنها دولة مُنهكة وغير قادرة على المواجهة حالياً مع “إسرائيل”؛ إلا أنه من الضروري أن تكون هناك بيانات تعلن موقفها بشكل واضح ضد التوغل “الإسرائيلي” في جنوب سوريا، والقيام بما يلزم لتقليل المخاوف التي تتذرّع بها ”إسرائيل“ من خلال الإسراع في إنهاء الحالة الفصائلية وتشكيل المؤسسة العسكرية التي تجمع مختلف أبناء الشعب السوري، بما يسحب الذريعة من ”إسرائيل“ بأن الفصائل الحالية لا يُؤتمن جانبها.
  • المطالبة بوقف استهداف البُنية التحتية والعسكرية السورية والمبادرة بالتواصل مع الجهات الأممية والفواعل الدولية المؤثرة للكف عن تدمير مقدرات الدولة السورية، التي تحتاج لعقود من أجل التعافي وإعادة بناء مؤسساتها، فضلاً عن أن القصف الحالي قد يؤدي لإحراق سجلات مهمة تساعد في جهود محاسبة مجرمي النظام المخلوع.
  • تنشيط الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية من خلال العمل على حشد دعم إقليمي ودولي لإدانة التحركات “الإسرائيلية”[7]، وضمان احترام سيادة سوريا ضمن قرارات الأمم المتحدة، وهذا يتطلب بشكل أساسي جهوداً من مختلف القوى السياسية بما فيها الحكومة الانتقالية التي أُعلن عنها اليوم 10/12/2024[8].

خاتمة:

ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للمُقدّرات السورية على يد الاحتلال “الإسرائيلي” لا يُضعف الدولة السورية المستقبلية فحسب، بل يُعمّق جراحها ويُهدّد مستقبلها كدولة ذات سيادة، مما يُحوّل فرحة السوريين بالخلاص من نظام الاستبداد إلى فرحة منقوصة مثقلة بالمخاوف من التحديات القادمة، خاصة أن التحرُّكات “الإسرائيلية” الأخيرة لا تقتصر على تدمير البنية العسكرية، بل تكشف عن نية واضحة لسلب مزيد من الأراضي السورية وفرض واقع جديد يخدم مصالح الاحتلال على حساب وحدة وسيادة الدولة.

وكل ما يجري يتطلّب استجابة عاجلة ومتماسكة من الشخصيات والقوى الوطنية السورية السياسية والمجتمعية، تبدأ بحراك سياسي ودبلوماسي على الساحة الإقليمية والدولية، وتفعيل جميع الأدوات الممكنة لوقف التوغل “الإسرائيلي” الذي يتزامن مع حديث نتنياهو بشكل متكرر عن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، ما يُثير مخاوف السوريين بأن تكون سوريا في صُلب ذلك المشروع.

كما إنه من المهم الإشارة إلى أن إدانة الانتهاكات “الإسرائيلية” لم يَعُد مهمة السلطة الحالية فحسب، بل يمكن للقوى السياسية والمجتمعية إصدار بيان مشترك يُطالب الجهات الدولية بتحمُّل مسؤولياتها والضغط على “إسرائيل” لإيقاف تمدُّدها وقصفها للمواقع السورية.


[1] الاحتلال الإسرائيلي يعلن تدمير أسطول سفن الجيش السوري، تلفزيون سوريا، 10 / 12 / 2024، شوهد في: 10 / 12 / 2024
[2] مع سقوط نظام الأسد… إسرائيل توسع احتلالها للجولان، إندبندنت عربي، 9 / 10 / 2024، شوهد في: 10 / 12 / 2024
[4] نفت إسرائيل بشكل رسمي وصولها قواتها إلى بعد نحو 25 كم من دمشق، زاعمة أن دخول قواتها هو ضمن المنطقة العازلة فقط، ينظر:
[7] خاصة مع مواقف العديد من الدول العربية التي عبرت عن رفضها للحراك “الإسرائيلي” في جنوب غرب سوريا، فضلاً عن الموقف الأممي.
[8] كان لهيئة التفاوض السورية في الأشهر الماضية حراك دبلوماسي مكثف في جنيف مع مختلف القوى الغربية، وبإمكان الهيئة تفعيل تلك التواصلات مرة أخرى لتوضيح طبيعة ما يجري وإدانته.

باحث مساعد في مركز الحوار السوري، يعمل ضمن وحدة تحليل السياسات، كتب وشارك في العديد من الأوراق المتعلقة بتحليل سياسات الفاعلين في سوريا، يحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة الفرات السورية، عمل كاتباً وصحفياً ومدققاً لغوياً لعدة سنوات في العديد من المواقع والقنوات الإخبارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى