عن بعض أوجه التشابه بين البروباغندا الروسية في أوكرانيا وسوريا
إضاءات تحليلية ضمن مسار الراصد تصدر عن وحدة تحليل السياسات
منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية تردّد اسم سوريا كثيراً في الدوائر السياسية والإعلامية الدولية والمحلية، تمثّل ذلك في عقد المقارنات والمفارقات المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا والتدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد في سوريا، كما استحضر الكثير من الإعلاميين والسياسيين اسم سوريا منذ بداية الحرب في التنبيه لهول الجرائم التي من الممكن أن تقوم بها روسيا في أوكرانيا، والتي سبق أن قامت بها في سوريا.
جانب آخر من جوانب الربط بين الحرب الروسية في أوكرانيا والتدخل العسكري في سوريا هو التشابه في أوجه الدعاية الروسيّة الموجهة بين البلدين، حيث تتكرر ذات الادعاءات والأساليب الإعلامية الروسية، والتي تهدف من خلالها إلى تضليل الرأي العام، والتشويش الإعلامي في المحافل الدولية.
يمكن وصف الدعاية الإعلامية الروسية الموجهة بأنها ضخمة، متكررة، غير موضوعية، وبدون اتساق[1]، وهذا ما يمكن ملاحظته في السلوك الإعلامي الروسي في كلا البلدين، فعلى سبيل المثال في موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية، ما فتئت الدعاية الإعلامية والرسمية الروسية تكرر الاتهامات لفصائل المعارضة في سوريا بالتخطيط لتنفيذ هجمات كيميائية في سوريا بدعم من القوى الغربية، ثم إلصاق التهمة بعد ذلك بنظام الأسد[2]، في تجاهلٍ فجٍ للأدلة والتقارير الدولية الصادرة عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية[3]، فضلاً عن مصادمة قواعد المنطق وحقائق الواقع.
ومنذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، بل وحتى قبل ذلك[4]، قامت روسيا وعلى مستويات متعددة إعلامية ورسمية بتكرار ذات النمط من الاتهامات “حول الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية” في سوريا للحكومة الأوكرانية، ووصل بها الأمر إلى طلب عقد جلسةٍ في مجلس الأمن حول ملف الأسلحة البيولوجية التي تتهم الولايات المتحدة بتطويرها في أوكرانيا[5]، مما جعل الحلفاء الغربيين يتخوفون من استخدام روسيا لتلك الأسلحة في أوكرانيا لتحقيق أهدافها العسكرية، انطلاقاً من تكرار ذات الأسلوب المستخدم في سوريا سابقاً[6].
ومما يظهر في سوريا، أن روسيا كانت تطلق هذا السيل من الاتهامات في أوقات وسياقات عسكرية وسياسية متعددة[7]، تهدف من خلالها بالمجمل إلى خلط الأوراق وقلب الحقائق وتبرئة نظام الأسد من جرم استخدام الكيميائي وإلصاق تهمة “الإرهاب” بحق فصائل المعارضة، إضافة إلى التشويش على التقارير الدولية والأممية التي تدين نظام الأسد[8].
وفيما يتعلق بأوكرانيا، يمكن القول إن تكرار هذا الأسلوب من الاتهامات ينطلق ابتداءً من طبعٍ متأصلٍ في الدعاية الروسية تعود أصوله إلى فترة الاتحاد السوفييتي الذي لم تكن ماكينات البروباغندا الخاصة به تتوقف عن تزييف الحقيقة[9]، كما أن هذه الاتهامات تهدف إلى التشويش على سيل الإدانات الغربية للآلة العسكرية الروسية، وتشتيت الجهود الدبلوماسية الساعية إلى توحيد الرأي العام ضد موسكو، إذ إنّ مجرد مناقشة الادعاءات الروسية وعقد جلسة حولها في مجلس الأمن تعد نقطة انتصار نسبي لموسكو، تكسب فيها الوقت وتشغل خصومها بتفنيد ادعاءات لا أساس لها.
هذا فضلاً عن أن الدعاية الإعلامية الروسية تسعى إلى تشكيل الرأي العام المحلي -داخل روسيا-، والدولي خارجها بما يوافق تصوراتها، وهو هدف تتفاوت نسبة نجاحه داخلياً وخارجياً، حيث من الممكن القول إن الدعاية الروسية قد حققت فيما يبدو نجاحاً داخلياً مع رجوح كفة سرديتها حول الحرب في أوكرانيا بعد إغلاق المجال أمام أي وسيلة أخرى لنشر المعلومات المخالفة لسرديتها[10]، أما خارجياً؛ فقد هدفت الدعاية الروسية إلى إغراق المجال العام بالأخبار المزيفة التي تدعم وجهة النظر الروسية للحرب في أوكرانيا، وقد نجحت في ذلك في بقاع متعددة بأنحاء العالم خصوصاً في دول إفريقيا والصين[11].
وختاماً، يمكن القول إن ماكينة الدعاية الروسية تفرض عدداً من التحديات والمخاوف، أولها يكمُنُ في تزييف الحقيقة وطمس حقائق الواقع، مما يساهم في التفلُّت من المحاسبة والمساءلة، كما أنها تساهم بحكم ضخامتها وكثرة تكراراها في التشويش وبث الشائعات المغرضة، فضلاً عن أنها تُستخدم في بعض الأوقات للتغطية على بعض الجرائم التي تقوم بها هي أو وكلاؤها بحق المدنيين والأبرياء، مما يرفع من خطورة نمط الدعاية الروسي على مختلف الأصعدة.
وعلى الرغم من أنّ البعض قد يظن أنَّ من البداهة أنْ لا يتم تصديق الرواية الروسية والقبول بها بسبب ما تتسم به من غياب للموضوعية والاتساق، إلا أنَّ الواقع يثبت عكس ذلك[12]، مما يؤكد ضرورة وضع الخطط والمشاريع والبرامج التي تواجه هذه الدعاية وتحاربها من منبعها وعند المتلقين كذلك.
لمشاركة التقرير: https://sydialogue.org/3cjo
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد