إعادة فتح المعابر مع نظام الأسد: قراءة في السياق والفرص والتحديات
تقرير تحليلي صادر عن وحدة التوافق والهوية المشتركة
الملخص:
يسعى هذا التقرير التحليلي إلى الوقوف على طبيعة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي في مناطق قوى الثورة والمعارضة، وتأثرها سلباً أو إيجاباً بالتبادل التجاري مع مناطق النفوذ الأخرى؛ وذلك اعتماداً على المنهج الوصفي التحليلي.
استعرض القسم الأول واقع المعابر الداخلية قبل إغلاقها؛ ففي المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام “هتش” هيمنت الأخيرة على اقتصاد المنطقة؛ إذ أضحت المعابر أداة احتكار ومصدر تمويل أساسي. أما في مناطق انتشار الجيش الوطني، حيث الواقع الفصائلي، فلا احتكار للقطاع الاقتصادي ولا تحكُّم بالمعابر من قبل جهة واحدة؛ لذلك اتسم الوضع بالتنافس بين القوى العسكرية على الموارد الاقتصادية. وحالياً باتت خطوط التهريب منظمة وشبه علنية وممارسة بشكل رسمي من الفصائل بوصفها وسيلة للحصول على موارد مادية تسهم في تغطية النفقات، فأصبحت بديلاً عن المعابر من جهة استمرار عبور الأشخاص والبضائع والسلع.
أوضح القسم الثاني من التقرير مواقف الفاعلَين الروسي والتركي من قضية فتح المعابر؛ فأما روسيا فتسعى إلى ربط ملف المعابر الداخلية بتمديد آلية ادخال المساعدات عبر معبر باب الهوى. وأما تركيا فقد يصبح ملف المعابر مدخلاً لاستمرار تفاوضها الأمني مع نظام الأسد، إذ ربما تستخدم التطبيع الاقتصادي مدخلاً لملفات سياسية وأمنية.
استعرض القسم الثالث مواقف الحاضنة الشعبية من قضية فتح المعابر الداخلية؛ فأوضح أن حجج المعارضين تركّز على المخاوف الأمنية والاقتصادية والسياسية، خصوصاً في ظل ما تشهده مناطق المعارضة من تشتُّت إداري وحوكمي واقتصادي وأمني، في حين تذهب حجج المؤيدين لفتح المعابر للتذكير بأنه لا فائدة من إغلاق المعابر في ظل استمرار عمل خطوط التهريب، وما يترتب على ذلك من وجود المخاطر نفسها، مع حصر الفوائد الاقتصادية -على قلتها- بالجهات المسيطرة على هذه الخطوط.
خلص التقرير إلى أنه في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها مختلف مناطق النفوذ، وحالة الجهات الحاكمة فيها فإن نظام الأسد يملك هامشاً تفاوضياً أكبر في استغلال هذه المعابر لمصلحته مالياً واقتصادياً، في حين تأتي “هيئة تحرير الشام -هتش” بالمرتبة الثانية، تليها مناطق انتشار الجيش الوطني بالدرجة الثالثة والأخيرة.
بناءً على ذلك أوصى التقرير برفض فتح المعابر؛ نظراً للمخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية المرتبطة به، مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة تنظيم الحراك الشعبي السلمي الرافض لذلك، وذلك عبر إيجاد هيئة شعبية تنسق مختلف الفعاليات بطريقة سلمية حضارية بعيدة عن التخريب والأفعال السلبية، وتقوم بتوعية الحاضنة الشعبية في مناطق المعارضة بمخاطر فتح المعابر في السياق الحالي، إلى جانب الضغط على قوى الثورة والمعارضة التي يمكن أن تتجاوب مع الضغوط الخارجية الدافعة باتجاه فتح المعابر.
كذلك أشار التقرير إلى إمكانية فرض فتح المعابر كلياً أو جزئياً؛ فاقترح بعض التوصيات التي يمكن أن تساعد في التخفيف من السلبيات التي يمكن أن ترافق ذلك.
مقدمة:
تلعب المعابر الداخلية في الدول التي تشهد نزاعات مسلحة أدواراً جوهرية؛ من ترسيخ السيطرة، وخلق اقتصاد الظل، وتأمين الموارد للأطراف والجماعات المختلفة، إلى استخدامها أوراقاً للمساومة بشأن قضايا سياسية وأمنية، وهو الأمر الذي بدا واضحاً في الحالة السورية منذ بدايتها وحتى اليوم[1].
نشأ خلال السنوات السابقة في سوريا عدد كبير من المعابر الداخلية التي تربط بين مناطق المعارضة[2] والمناطق الأخرى في سوريا (قسد، ونظام الأسد)، وقد شهدت هذه المعابر من حيث الوجود والنشاط حالة من التغير المستمر نتيجة تبدُّل السيطرة العسكرية عليها، أو تبعاً للحالة الأمنية أو السياسية المتغيرة، لكن بشكل عام كانت المعابر تشهد حركة تجارية وبشرية نشيطة ما قبل عام 2020.
في شمال غرب سوريا وجدت خلال السنوات الخمس الأخيرة مجموعة من المعابر التي تربط ريف حلب الغربي وإدلب مع مناطق نظام الأسد، وأشهرها حالياً معبر ترنبة الواصل بين مدينتَي سراقب وسرمين، ومعبر ميزناز في ريف حلب الغربي. وأما في شمال حلب فهناك معبر واحد مع مناطق سيطرة نظام الأسد هو معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي الشرقي قرب مدينة الباب، والذي افتتح في الشهر الأول من عام 2018[3]، ثم أغلق نهائياً في آذار من عام 2020 في معرض انتشار فيروس كورونا، في الوقت الذي عاد فيه نشاط معبرَي (الحمران، وعون الدادات) مع مناطق سيطرة “قسد” للعمل التجاري المتبادل[4].
تعود قضية المعابر التي تربط مناطق المعارضة مع مناطق نظام الأسد للمشهد من جديد بعد قيام “هيئة تحرير الشام-هتش” مؤخراً بإعادة تجهيز معبر “ترنبة” الذي يصل سرمين بسراقب عبر إزالة السواتر الترابية وإزالة وتفكيك شبكة الألغام تمهيداً لإعلان إعادة افتتاحه[5]، وبعد الافتتاح المؤقت لمعبر أبو الزندين، في ظل وجود مؤشرات على توجُّه تركيّ لفتح هذه المعابر مع مناطق سيطرة نظام الأسد[6]؛ ليترافق كل ذلك بنقاشات ضمن الفضاء العام حول مخاطر هذه الخطوة وفوائدها، ولينقسم الرأي العام تجاهها بين مؤيد ومعارض.
بهدف الوقوف على طبيعة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي في مناطق المعارضة وتأثرها سلباً أو إيجاباً بالتبادل التجاري مع مناطق النفوذ الأخرى يسعى هذا التقرير للإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما هو السياق العام الحالي لأشكال وأساليب التبادل بين مناطق سيطرة المعارضة والمناطق الأخرى؛ لاسيما مناطق سيطرة نظام الأسد؟
- ما هي مواقف أبرز الدول الفاعلة من قضية فتح المعابر؟
- ما هي مواقف السوريين -خصوصاً في مناطق المعارضة- من قضية فتح المعابر؟ وما هي حجج المؤيدين لذلك والمعارضين؟
- ما هي أبرز النتائج التي يمكن أن تترتب على فتح المعابر وإغلاقها؟ وما هي الخطوات التي يُفترض العمل عليها إذا فُرض فتح المعابر الداخلية؟
تتمثل أهمية هذه التقرير في أنه يساعد في رسم صورة عامة للأبعاد الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية ذات الصلة في قضية المعابر الداخلية، بما يساعد في بناء فهم صحيح للموقف قد يسهم في تقريب وجهات النظر بين السوريين حول هذه القضية، والخروج بتوصيات عملية ترشد القرار بخصوص هذه القضية.
اتبع التقرير المنهج الوصفي التحليلي الذي يهدف إلى تحليل الظاهرة وفهم سياقها وتحديد العوامل المؤثرة فيها واستشراف مآلاتها، تمهيداً لوضع توصيات للتعامل معها، وقد استند التقرير إلى نوعين من المصادر؛ مصادر أولية: تضمنت مقابلات فردية -مباشرة أو عبر الاتصال الهاتفي- أو مجموعة نقاش مع مختلف أصحاب المصلحة من عسكريين وتجار ونقابيين. ومصادر ثانوية: تشمل المصادر المفتوحة من دراسات ومقالات وتقارير صحفية.
ينقسم التقرير ثلاثة أقسام رئيسة: نستعرض في الأول السياق العام الذي يتم فيه التبادل بين مناطق النفوذ، في حين نوضح في القسمَين الثاني والثالث مواقف الدول الفاعلة تجاه ملف المعابر الحدودية والداخلية، ومواقف السوريين حوله على التوالي، لنختم بعرض أبرز النتائج التي وصل إليها التقرير، مع عرضٍ لأهم الخيارات والتوصيات التي يُفترض بقوى الثورة والمعارضة العمل عليها.
أولاً: السياق العام الحالي للتبادل بين المناطق وأشكاله؛ التبادل النشط عبر التهريب:
على الرغم من إغلاق المعابر المتعددة بين مناطق السيطرة المختلفة بموجب قرارات من قبل السلطات القائمة فيها كما في مناطق وجود الجيش الوطني، أو نتيجة خسارتها بفعل الاجتياح العسكري في مناطق سيطرة “هتش”؛ إلا أن أشكال الانتقال المختلفة لم تتوقف، سواءٌ عبر التبادل التجاري أو عبر شبكات التهريب.
1- واقع المعابر الداخلية؛ أدوات في خدمة الفواعل المحلية:
قبل إغلاق المعابر عام 2020 كانت معاملة نظام الأسد لمناطق المعارضة كدولة مجاورة من حيث الضرائب والجمارك، وقد تمكّن نظام الأسد عبر هذه المعابر من رفد خزينته بملايين الدولارات؛ حيث إن المعابر الواصلة بين مناطقه ومناطق المعارضة تدرّ أموالاً لخزينته أكثر من المعابر الحدودية مع الدول المجاورة؛ لكثرة عدد السيارات العابرة منها، ولارتفاع نسبة الجمركة على البضائع الداخلة والخارجة من مناطقه وإليها[7] .
تُعد المواد الزراعية المحلية والمنتجات التركية مثل الألبسة وقطع الغيار ومواد الطاقة الشمسية من أبرز السلع التي تتدفق من مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، بينما يورّد الأخير إليها التبغ والمواد الغذائية التقليدية والمنظفات والأدوية[8].
في المناطق الخاضعة لسيطرة “هتش” تهيمن الأخيرة على اقتصاد المنطقة، وتمارس دور القطب التجاري الواحد[9]، وتتحكم في مختلف القطاعات الاقتصادية، وبشكلٍ خاص الاستيراد ثم التجارة الداخلية بعد عام 2021[10]، وما يترتب على ذلك من سيطرة كاملة على المعابر، سواءٌ عبر الحدود أو الخطوط[11]، حيث أضحت المعابر أداة احتكار ومصدر تمويل أساسي[12].
مع وجود عدد كبير من الفصائل ضمن مناطق انتشار الجيش الوطني، فلا احتكار للقطاع الاقتصادي ولا تحكُّم بالمعابر من قبل جهة واحدة، لذلك يتسم الوضع بالتنافس بين القوى العسكرية على الموارد الاقتصادية؛ فقد أسّست معظم فصائل الجيش الوطني السوري “مكاتب اقتصادية” مسؤولة عن إدارة الموارد المالية، وتدير هذه المكاتب أعمالاً تجارية، وتفرض رسوم عبور على البضائع، وتُهرّبها من المنطقة وإليها[13].
تُعدّ أبواب الاستيراد مفتوحة لجميع التجار في هذه المناطق؛ ليس من تركيا فحسب، وإنما من مختلف دول العالم عبر المعابر الدولية التي تصلها بتركيا “السلامة وجرابلس والراعي”، إلى جانب معبر باب الهوى الذي حصرته “هتش” على الطبقة التجارية المرتبطة بها[14].
2- واقع شبكات التهريب؛ بدائل مكلفة:
مثّلت خطوط التهريب بدائل عن المعابر الداخلية بين مناطق النفوذ؛ حيث استمرت عمليات التبادل التجاري وعمليات التهريب البشرية والتجارية عبرها[15]، ولكن بوتيرة أقل مما كانت عليه أثناء فتح المعابر بسبب ارتفاع تكاليف التهريب. مع ذلك فقد بقيت هذه المعابر قائمة؛ لما تمثله من مصلحة مشتركة لمختلف الأطراف القائمين عليها، ولما تدرّه من موارد، المستفيد الأكبر منها الجهات التي تتحكم بها.
يمكن وصف هذه الخطوط بأنها منظمة وشبه علنية لدرجة أن مصطلح التهريب معها يرتبط فقط باعتبارها غير مشروعة وفق القرارات والأنظمة في مناطق المعارضة[16]؛ إلا أنها ممارسة بشكل رسمي من الفصائل بوصفها وسيلة للحصول على موارد مادية تسهم في تغطية النفقات[17].
فعلى مستوى عبور الأشخاص: في حال تأمين رسوم العبور يمكن لأي شخص العبور عبر هذه الخطوط وفي مختلف الاتجاهات؛ إلا أنه قد يتعرض أحياناً لمخاطر عديدة، بدءاً من عمليات الاحتيال وصولاً إلى خطر الموت أو الإيذاء الجسدي على الخطوط المختلفة، أو خطر الاعتقال والإعادة في حال فشل العملية لعدم وجود تنسيق لبعض المهربين الصغار مع القوى العسكرية في الجانبين[18]. بغضّ النظر عن ذلك كانت هذه الخطوط محلاً لعبور الأشخاص حتى في حال وجود “مخالفات قانونية” بحسب ما هو متعارف عليه ضمن مناطق النفوذ، فعلى سبيل المثال: شهدت هذه الخطوط عودة بعض المهجرين بفعل العمليات العسكرية لنظام الأسد وحلفائه من مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرته في ريف حلب الجنوبي أو ريف حماه، وإن كانت محدودة[19]. في المقابل استطاع الكثير من شبيحة نظام الأسد وعناصره وغيرهم الوصول إلى مناطق المعارضة، وأحياناً منها إلى تركيا[20].
وعلى مستوى عبور البضائع: هي مفتوحة ومحددة بشكل غير رسمي بموجب قواعد يعرفها التجار[21]، ولعل هذه الطريقة في مرور البضائع تصبح أقل حساسية إذا ما قُورنت بتهريب بعض السلع والمنتجات التي تحتاجها المنطقة، كما حدث في عمليات تهريب القمح من مناطق المعارضة إلى مناطق نظام الأسد في ظل أزمة الغذاء العالمية بعد الحرب الأوكرانية[22]، حيث أصدرت العديد من القوى المدنية بيانات تعدّ التهريب بمثابة خيانة[23]، في الوقت الذي أعلنت فيه الفصائل بذل جهود للتصدّي، وأن الحديث عن تهريب القمح يخضع للتهويل والمبالغة[24].
لقد أدّت خطوط التهريب والرسوم غير الشرعية بين مناطق النفوذ إلى هيكلة النشاط الاقتصادي في مناطق المعارضة؛ إذ إن طول فترة إغلاق المعابر جعلت من السياق العام لطبيعة نقل البضائع أو استيرادها والتكاليف المفروضة مؤشراً مهماً للتجار للتخطيط قصير ومتوسط المدى، والمراجعة بين الإنتاج المحلي والاستيراد من تركيا أو مناطق سيطرة نظام الأسد أو التصدير بأي اتجاه آخر في عملية معقدة[25].
تشير مجمل هذه المؤشرات إلى أن خطوط التهريب كانت بديلاً عن المعابر من جهة استمرار عبور الأشخاص والبضائع والسلع، سواءٌ المتعارف على السماح بها أم لا، وتراجُع نشاط الحركة في هذه الخطوط لا يعني تراجع وارداتها؛ لأن تراجع الحركة كان يُعوَّض برفع الرسوم.
ثانياً: المواقف الروسية والتركية تجاه فتح المعابر الداخلية؛ تأييد تحت الاختبار:
ترتبط قضية المعابر الداخلية بالمعابر الحدودية من جهة وبالمواقف والمصالح للدول الفاعلة في الشأن السوري أو دول الجوار عموماً من جهة أخرى[26]، وهي في حالة المعابر المرتبطة بالشمال السوري تتمثل بكل من تركيا وروسيا على وجه الخصوص.
تسعى روسيا إلى ربط ملف المعابر الداخلية بتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى[27]؛ إذ تعمد إلى مفاوضة الجانب التركي وابتزازه للضغط من أجل المعابر الداخلية مقابل تمديد المعبر الحدودي “باب الهوى”، حيث تطالب بشكل رئيس بحصر إدخال المساعدات الدولية عبر معابر يسيطر نظام الأسد عليها، في محاولةٍ لإعادة تأهيله دولياً، وبالتزامن كخطة رديفة تبحث روسيا عن مكاسب للنظام على الصعيد الاقتصادي من بوابة المعابر الداخلية، وقد أعلنت في آذار الماضي عن اتفاق مع الجانب التركي لفتح هذه المعابر[28]، وهو الملف الذي استحضرته روسيا لطاولة مباحثات أستانا 16 عام2021[29].
من جانب آخر فإن فتح المعابر الداخلية قد يسهم بدوره في إنجاح خطة موسكو في تعزيز إدخال المساعدات عبر الخطوط، وهي الخطوة التي نجحت روسيا في تضمينها للمرة الأولى في قرار مجلس الأمن رقم 2585 بتاريخ تموز 2021[30]؛ وذلك لدعم دعواها قدرة نظام الأسد على إدخال المساعدات عبر الخطوط إلى مناطق المعارضة؛ وهو ما حصل فعلاً[31].
من جانب آخر تمثل الموقف التركي في التعاطي مع هذا الملف بالاستجابة والمماطلة مع الجانب الروسي، بما يندرج تحت السياسة القائمة بين البلدين في شمال غرب سوريا منذ سنوات؛ إذ طلبت تركيا في عام 2021 بفتح المعابر مع مناطق نظام الأسد، لكنها لم تضغط بشكل جدّي في سبيل ذلك، ومع وجود الضغط الشعبي عبر المظاهرات ضد هذه التوجهات فقد أُغلق الملف أو تم تأجيله على الأقل[32].
إلا أن التغيرات الأخيرة في العلاقات التركية الروسية، وتبعاً للتصريحات التركية حول التقارب مع نظام الأسد وانخراطها في لقاءات أمنية مباشرة في دمشق فقد انعكس بشكل مباشر على ملف المعابر الداخلية[33]؛ إذ يشهد ملف المعابر تطورات في سياق تهيئة المناخ المناسب لاستمرار التفاوض الأمني بين نظام الأسد والجانب التركي بوساطة روسية[34]، بحيث يُستخدم التطبيع الاقتصادي مدخلاً لملفات سياسية وأمنية بين الجانبين، بالإضافة إلى قضية إعادة اللاجئين والنازحين إلى مناطق ريف حماه وريف إدلب الجنوبي[35].
وسبق لتركيا أن مهّدت للموضوع؛ فقد طالبَ بعض قيادة جيشها المنتشر في إدلب بتقبُّل فكرة فتح المعابر مع نظام الأسد[36]، وذلك أثناء اجتماعهم في شهر تموز من عام 2022 مع وجهاء من جبل الزاوية[37]، إلى جانب رعايتها مبادرة سابقة لإيجاد صندوق مالي موحد للفصائل، بحيث يرتبط ذلك بإيرادات جميع المعابر مع “قسد” أو التي ستُفتتح مع نظام الأسد؛ لكنّ التوجُّه عُرقل بسبب طلب بعض الفصائل تشكيل جهاز موحد لإدارة المعابر يتضمن صندوقاً موحداً، الأمر الذي ترفضه فصائل أخرى[38].
ثالثاً: مواقف المؤيدين والرافضين لفتح المعابر؛ الجدل المحتدم دائماً:
عاد الجدل ليحتدم بين السوريين في مناطق المعارضة حول خطوة فتح المعابر بين مؤيِّد لهذه الخطوة ومعارِض لها، ليسرد كل فريق حججه.
1- أبرز حجج المعارضين لإعادة افتتاح المعابر[39]؛ مخاوف أمنية واقتصادية وسياسية:
يركّز معارضو افتتاح المعابر الداخلية عادة على مجموعة من المخاطر السياسية والاقتصادية والأمنية المرتبطة بفتح المعابر، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- افتتاح المعابر خيانة لدماء الشهداء: عند المحاولات السابقة في عام 2021 لفتح المعابر عبَّر المتظاهرون عن هذه الفكرة، من خلال رفع لافتات مثل “لا لفتح المعابر”، و”فتح المعابر خيانة لدماء الشهداء”.؛ وهو الموقف المعلن من كثير من الأشخاص[40] والقوى، ومنها النقابية[41].
- وجود المخاطر الأمنية: يحذّر الرافضون من أن افتتاح المعابر الداخلية سيؤدي إلى زيادة انتشار تجارة المخدرات في مناطق المعارضة، واختراق مناطقها أمنياً من خلال زيادة فرص إدخال المتفجرات والسيارات المفخخة والشبيحة[42]، ويرون أن هذا الخطر سيؤدي لأضرار جسيمة، لاسيما وأن دولاً مثل الولايات المتحدة مضت في فرض إجراءات جديدة ضد نظام الأسد للحدّ من نشاطه في مجال تجارة المخدرات[43]، بوصفها أصبحت خطراً عابراً للحدود[44]، فكيف يمكن حماية هذه المناطق في ظل الإمكانات المحدودة لكشف المخدرات التي أعيت كثيراً من دول المنطقة.
- فتح المعابر ينقذ نظام الأسد ويخفف من آثار العقوبات السلبية عليه: يرى أصحاب هذا الرأي أن فتح المعابر سينعكس سلباً على الحياة المعيشية واقتصاد مناطق المعارضة، في الوقت الذي سيكون فيه متنفَّس اقتصادي وسياسي لنظام الأسد، يؤدي لتهرُّبه من العقوبات الاقتصادية الدولية التي أدخلته في أزمات لا تنتهي[45]، ويستدلّون بأن الضغط الروسي الحثيث لفتح المعابر نابع من كونها تمثل شرايين حياة تلتفّ على العقوبات من جانب، وأنها ستسمح بإنجاح المخطط الروسي في حصر مرور المساعدات الإنسانية الأممية عبر نظام الأسد وإنهاء إدخالها عبر معبر باب الهوى من جانب آخر[46].
ومن جانب آخر فإن نظام الأسد يعاني بشدة من نقص العملات الأجنبية بفعل العقوبات الدولية، ولذلك سيسمح افتتاح المعابر له بتحصيل القطع الأجنبي من مناطق المعارضة، وسيعمل بالتوازي على إدخال الدولار المجمّد إلى مناطق المعارضة[47].
- إمكانية استفادة نظام الأسد وميليشياته من الرسوم المفروضة على مرور البضائع وترفيقها؛ إذ سيتقاضى رسوماً من جميع السيارات الداخلة والخارجة من مناطقه، وتلك التي سيتولى حمايتها، وقد تصل إلى 2000 دولار، باستثناء تلك المحملة بالمحاصيل الزراعية القادمة من الساحل، لتشجيع دخولها وتسويقها بأسعار منافسة تمكنها من حيازة ميزة تنافسية في مواجهة المحاصيل المنتجة محلياً في الشمال أو تلك المستوردة من تركيا أو عبرها[48].
- غياب القدرات التنظيمية لإدارة المعابر: يستند هذا الرأي إلى أن المعابر التي بقيت مفتوحة مع “قسد” أو المعابر التي كانت مفتوحة مع نظام الأسد شهدت تجاوزات وفساد مستمر، وذلك يعود إلى سوء الإدارة. ومع غياب جهة موحدة تشرف على إدارة المعابر لن تنعكس الإيرادات على النفع العام في مناطق انتشار الجيش الوطني، أما في مناطق “هتش” فإن افتتاح المعابر لن يعدو كونه مورداً مالياً تضيفه إلى مواردها المختلفة[49].
- المعابر بوابة لزيادة الاقتتال الفصائلي: يخشى البعض من أن افتتاح المعابر التي ستكون محدودة، بدلاً من خطوط تهريب متعددة سيؤدي إلى إشعال فتيل النزاع بين الفصائل للسيطرة على الموارد؛ بمعنى آخر فإن عدد نقاط التهريب الكبيرة يسمح بتفتيت الإيرادات ويخفف من حدة الصراع، في حين أن معبراً واحداً أو ثلاثة معابر يعني في ظل غياب آلية توزيع واضحة تركُّز الموارد في يد فصيل أو اثنين وحرمان البقية[50]، حيث تعطي الاشتباكات التي حصلت في محيط معبر أبو الزندين وفي محيط سراقب مؤخراً مؤشراً لما هو قادم، وانعكاسه على حركة النشاط الاقتصادي الرديئة أصلاً في مناطق المعارضة[51].
- مناطق المعارضة أكبر الخاسرين: ستكون مناطق انتشار كل من الجيش الوطني و”هتش” هي الخاسر الأكبر، ويكون نظام الأسد هو المستفيد من فتح المعابر الداخلية؛ ففضلاً عما ذُكر أعلاه قد تتحول هذه المناطق إلى سوق لتصريف بضائع النظام إلى جانب بضائع حليفه الإيراني بأسعار متدنية، مما قد يعرض المنشآت المنتجة في الشمال السوري إلى التوقف، كما قد تشهد أسعار الخضروات في مناطق المعارضة ارتفاعاً بسبب زيادة الطلب عليها[52]، وهو ما قد يسهم في سوء الأوضاع الاقتصادية في مناطق المعارضة السيئة أصلاً، ويزيد من أعباء الطبقة الفقيرة التي تواجه في الأصل صعوبات كبيرة في سبيل تأمين حاجاتها الأساسية بالحد الأدنى[53] .
2- أبرز حجج المؤيدين لإعادة افتتاح المعابر؛ جدوى الإغلاق في ظل التهريب:
يرى قسم من السوريين في مناطق المعارضة أن افتتاح المعابر ليس شرّاً مطلقاً، بل فيه فوائد اقتصادية يمكن أن تعود على مناطق المعارضة وساكنيها، ويؤيدون موقفهم بالحجج الآتية:
- لا رابط بين افتتاح المعابر والتطبيع مع نظام الأسد: المعابر الداخلية بين مناطق النفوذ المختلفة ليست أمرأ طارئاً أو حديثاً، وقد كانت موجودة طوال السنوات الماضية، وفي الفترات التي كانت فيها قوى الثورة والمعارضة غير منخرطة في مسارات سياسية وأمنية كآستانة أصلاً، فهي عبارة عن إجراء وُجد لضرورات اقتصادية ملحّة وبدافع استمرار دورة الحياة[54].
- عدم وجود فروق واضحة بين معابر التهريب القائمة والمعابر الاقتصادية العادية: يستند هذا الرأي إلى أن عمليات التهريب البشرية والتجارية مستمرة ولم تتوقف، وبالتالي فإن فكرة وقف التبادل التجاري مع مناطق أخرى لم تُطبق أصلاً، فضلاً عن أن عائدات التهريب تذهب عشوائياً ودون رقابة إلى مجموعات وشبكات، بعيداً عن إمكانية الاستفادة منها في الخدمات العامة[55]، وأن افتتاح المعابر سيسهم في الحدّ من التهريب ويؤدي إلى إمكانية حصر الإيرادات بشكل يمكن أن يسمح بالضغط الشعبي لمعرفة مصيرها وكيفية استخدامها في التنمية، أو في تمويل الفصائل بما ينعكس إيجابياً على أوضاع عناصرها على أقل تقدير[56].
- لا يمكن تحويل مناطق المعارضة إلى مناطق معزولة: يؤدي رفض فتح المعابر إلى خنق السكان في الشمال السوري، لاسيما وأن الجانب التركي لم يقدّم بديلاً سوى تحويل المنطقة إلى سوق استهلاك من طرف واحد؛ إذ تدخل البضائع التركية من المعابر الحدودية دون أي قيود من أي نوع، بينما تفرض الحكومة التركية منعاً لإدخال المنتجات السورية إلى تركيا إلّا ما تقتضيه حاجة سوقها، مما يؤدي دائماً إلى رفع أسعار هذه المنتجات “المسموح بدخولها إلى تركيا” في السوق المحلية[57]؛ لذا سينعكس افتتاح المعابر بشكل إيجابي على النشاط الزراعي والصناعي في الشمال السوري بسبب وجود أسواق جديدة أكبر[58]، وهو ما تؤكده بعض الإحصائيات الصادرة عن حركة الاستيراد والتصدير سابقاً[59].
- عزل المناطق يعزز مخطط التقسيم عبر تفتيت التماسك الاجتماعي السوري: في ظل توقف الأعمال العسكرية، ومع انسداد أفق المسار السياسي يصبح إبقاء المعابر مغلقاً عاملاً مساهماً في ترسيخ التقسيم داخل الحدود، وهو الأمر الذي يرفضه السوريون دائماً[60]. فضلاً عن أن لفتح المعابر أبعاداً إنسانية؛ لأن كثيراً من العائلات عالقة بين المناطق، وعليه فإن منع توصل العائلات السورية يشكل خطراً فعلياً على التماسك الاجتماعي السوري[61].
- الأصل هو وجود المعابر والتبادل النشط: تبحث الدول عادةً ﻹنعاش اقتصادها عن أسواق للاستيراد والتصدير، بالتالي تقتضي الحالة الطبيعية تنشيط الحالة الاقتصادية عبر إيجاد معابر تسهم في تيسير الحركة التجارية والبشرية، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، بما ينعكس على تنمية المشاريع الصغيرة وتحسين دخل المواطنين وإيجاد فرص عمل جديدة، وبالتالي تخفيف حدّة الواقع الاقتصادي السيئ، والإسهام نوعاً ما في الحدّ من ارتفاع الأسعار المبالغ فيه في مناطق المعارضة[62].
النتائج والتوصيات:
تبقى قضية فتح المعابر قراراً سياسياً خاضعاً لفكرة تحصيل المصالح، أكثر من ارتباطها بخطوط حمراء لا يجوز انتهاكها؛ ومع ذلك يبقى الواقع هو الحاكم على تقييم التعامل معها.
استصحاباً لحالة المعابر عندما كانت مفتوحة قبل إغلاقها مع بداية عام 2020 يمكن القول: سابقاً عندما كانت المعابر مفتوحة كان المستفيد الأكبر من ذلك الأطراف المسيطرة عليها بدرجة أولى؛ لأنها تمثّل أحد مصادر تمويلها الأساسية من جهة، وأداة لفرض نوع من الاحتكار لبعض المواد التي تمسك بتجارتها، وفي الدرجة الثانية كانت ثمّة فائدة اجتماعية في الحرية النسبية لدخول الأفراد وخروجهم، حيث إن ذلك خفّف من معاناة الكثيرين، سواءٌ من المقيمين في مناطق سيطرة نظام الأسد والذين يريدون العودة إلى مناطق المعارضة، أو العكس.
في ظل الظروف الحالية التي تمرّ بها مختلف مناطق النفوذ، ومع حالة الجهات الحاكمة لها يمكن القول: يملك نظام الأسد هامشاً تفاوضياً أكبر في استغلال هذه المعابر لمصلحته مالياً واقتصادياً بحكم سيطرته على جميع المعابر التي سترتبط معه، سواءٌ في إدلب أو ريف حلب الشمالي، مما يعطيه قدرة على المناورة، خصوصاً في ظل حالة التنافس بين المنطقتين “إدلب ومناطق غصن الزيتون ودرع الفرات” اقتصادياً، إلى جانب نظرته إلى هذه المناطق على أنها خارجة عن الطاعة، وتجب معاقبتها بأية طريقة، بما في ذلك اقتصادياً[63]، وبالتالي سيحاول توظيف هذه المعابر لتحقيق هذه الغاية، إلى جانب قدرته الأكبر على ضبط المعابر أمنياً، لوجود جهات أمنية موحدة تابعة له، إضافة إلى قوة قبضته الأمنية.
تأتي “هيئة تحرير الشام -هتش” في المرتبة الثانية من جهة امتلاكها هامشاً في الاستفادة من المعابر بما يخدم مصلحتها بالدرجة الأولى ومصالح الناس في المناطق التي تسيطر عليها بالدرجة الثانية، وذلك لعدة عوامل؛ يأتي في مقدمتها إدارتها الموحدة، وخبرتها في استخدام المعابر أداة تمويلية واحتكارية، فضلاً عن قدراتها الأمنية في ضبط المعابر.
تأتي مناطق انتشار الجيش الوطني في المرتبة الثالثة والأخيرة في هذا المجال؛ ففي ظل حالة الترهُّل الإداري والأمني التي تعيشها، ومقارنة بإمكانيات الجهات الأخرى كنظام الأسد و”هتش” تُعد هذه المناطق هي الطرف الأضعف في المعادلة اقتصادياً وأمنياً.
كلُّ ما تقدم يشير إلى وجود مخاطر حقيقية وفرص محتملة مرتبطة بقضية فتح المعابر مع نظام الأسد، يأتي في مقدمة المخاطر-وهي ذات بُعد استراتيجي خطير على جوهر القضية السورية-: المصلحة السياسية التي سيحصل عليها نظام الأسد وحليفته روسيا؛ إذ يمكن أن تسهم هذه الخطوة بشكل أو بآخر في تهرُّب نظام الأسد من العقوبات والمساهمة في تطبيع علاقاته مع دول الإقليم، لاسيما وأن السياق الحالي الإقليمي والدولي يدفع في هذا الاتجاه، وتعطي المجال لروسيا لتوظيف ذلك في تبرير موقفها المعارض لتمديد الآلية الدولية لإدخال الهيئات الأممية مساعداتها بشكل مباشر عبر الحدود على اعتبار وجود معابر داخلية مفتوحة بين مناطق النفوذ، كما قد تشعل هذه المعابر صراعات جديدة في مناطق انتشار الجيش الوطني، وتؤدي لتكتلات وتحالفات جديدة للتنافس على احتكار الموارد؛ وهذا من الناحية الأمنية والسياسية.
ومن الناحية الاقتصادية قد تواجه بعض الصناعات الصغيرة في مناطق المعارضة تحديات متعددة بسبب ذلك؛ على سبيل المثال: قد تتراجع الصناعات البلاستيكية؛ نظراً لانخفاض أسعارها في مناطق سيطرة نظام الأسد، وبالتالي فإن السماح بعبورها إلى هذه المناطق وفق التعرفة التي كانت سائدة قبل إغلاق المعابر سيعطيها ميزة تنافسية على المنتجات المحلية، مما قد يسهم في توقف هذه الصناعات، وبالتالي تقليل فرص العمل المرتبطة بها[64].
في المقابل لا يمكن النظر إلى هذه المخاطر والتحديات من دون الحديث عن السياق الراهن أصلاً المرتبط بوجود خطوط التهريب، والذي يجعل كل هذه المخاطر قائمة باستثناء السياسية منها، على اعتبار ارتباط الأخيرة بتطبيع العلاقات الاقتصادية وإضفاء بُعدٍ شرعي عليها -ولو شكلياً- من خلال فتح المعابر.
وفق ما تقدم: فإننا نعتقد أن المخاطر الاقتصادية والأمنية والسياسية المرتبطة بفتح المعابر مع نظام الأسد تفوق المصالح التي يمكن تحصيلها؛ استصحاباً للحالة التي كانت عليها المعابر قبل إغلاقها في عام 2020 والتي لم تتغير معطياتها حتى الآن إجمالاً، فضلاً عن ضعف الحالة الحوكمية والأمنية لدى الأجهزة التي ستشرف على هذه المعابر من جهة مناطق المعارضة، وحالة التفرق والتشتت وعدم التنسيق السائدة بينها، إلى جانب وجود توجهات إقليمية ساعية للتطبيع الاقتصادي مع نظام الأسد، حيث يمكن لهذه المعابر أن تسهم في تيسيرها، وجعلها مقبولة حتى على مستوى الرأي العام الداخلي والخارجي[65].
يتطلب المضي في خيار رفض فتح المعابر ضرورة تنظيم الحراك الشعبي السلمي الرافض لذلك؛ عبر إيجاد هيئة شعبية تنسّق مختلف الفعاليات بطريقة سلمية حضارية بعيدة عن التخريب والأفعال السلبية، وتقوم بتوعية الحاضنة الشعبية في مناطق المعارضة بمخاطر فتح المعابر في السياق الحالي، إلى جانب الضغط على قوى الثورة والمعارضة التي يمكن أن تتجاوب مع الضغوط الخارجية الدافعة باتجاه فتح المعابر.
إذا كان الخيار السابق هو الخيار الأنسب الذي يجب العمل عليه في ضوء المعطيات الحالية فإن ذلك لا يحول دون إمكانية فرض خيار فتح المعابر كلياً أو جزئياً[66]، والذي يُفترض في حال حدوثه السعي للتخفيف من سلبياته عبر الخطوات الآتية[67]:
- توظيف الأدوات الشعبية المشار إليها سابقاً بهدف الحيلولة دون استفادة نظام الأسد وحليفته روسيا سياسياً من فتح المعابر، إلى جانب تنظيم أعمال حشد ومناصرة احترافية في الخارج في السياق ذاته.
- السعي لمنع دخول المساعدات الإنسانية الأممية عبر خطوط النزاع من حيث الأصل، والسماح بذلك في حال فرضه وبالحدود الدنيا، على أن يترافق ذلك بتقارير حقوقية وإنسانية تظهر الحاجة لإبقاء مرور المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود، والتذكير المستمر بانتهاكات نظام الأسد السابقة والحالية لمختلف القرارات الدولية الداعية لتيسير مرور المساعدات الإنسانية.
- ربط فتح المعابر واستمرارها بتحسين الواقع الأمني، مثل إيقاف القصف بشكل كامل وبكل أنواع الأسلحة على مناطق المعارضة.
- إيجاد آلية للضبط والسيطرة على كل خطوط التماس مع مناطق نظام الأسد من قبل إدارة وقوة موحدة، أو على الأقل إيجاد آلية للتنسيق فيما بينها تغلق معابر التهريب بمختلف أشكالها كافة، وتضبط المعابر اقتصادياً وأمنياً.
- تبادل قوائم المطلوبين أمنياً لدى الفصائل؛ بما يسمح بوجود تنسيق أمني عالٍ في كل مناطق المعارضة لضبط الحركة البشرية، وعدم السماح بالتلاعب على ثغرة الفوارق بين منطقتي انتشار الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام “هتش”[68].
- إشراف الحكومة السورية المؤقتة بشكل مباشر أو غير مباشر على إدارة المعابر الداخلية في مناطق انتشار الجيش الوطني عبر جهاز موحد وصندوق موحد، بحيث تُوزع الإيرادات على مختلف الوزارات، وتوجيه الدعم للطبقات الأكثر فقراً.
- تفعيل حوارات تخطيطية مجتمعية تضم إلى جانب المؤسسات الرسمية مختلف أصحاب المصلحة من التجار والصناعيين والمزارعين والنقابات؛ بهدف تحديد مجموعة المخاوف والتأثيرات المحتملة، وتصميم الخطط المرتبطة بسياسات التبادل التجاري بما يحقق توزاناً في مصالح الجميع ويسهم في تحسين أوضاع السوريين.
- وضع آلية لعدم استفادة نظام الأسد المباشرة من فتح المعابر، مثل: منع دخول بعض المنتجات إلى مناطق المعارضة المنتجة محلياً، ومنع إخراج السلع والمنتجات الأساسية من مناطق المعارضة إليه …إلخ، وضمان آلية لكيفية تقييد خروج الدولار إليه أو إعادة التعامل بعملته.
- وضع آليات لضبط الرقابة الصحية ومعايير الجودة على هذه المعابر، والتعامل مع السلع المتدفقة منها بوصفها بضائع قادمة من خارج الحدود.
- مطالبة الجانب التركي بتأمين الدعم الأمني لضبط هذه المعابر، مثل: تزويد الإدارات فيها بتقنيات كشف المخدرات والمتفجرات.
- اعتماد آليات الشفافية الإدارية والمالية تمكّن من إطلاع الحاضنة الشعبية على الحركة التجارية والبشرية القائمة في هذه المعابر عبر تقارير دورية.
لتحميل التقرير:
مؤسسة بحثية سورية تسعى إلى الإسهام في بناء الرؤى والمعارف بما يساعد السوريين على إنضاج حلول عملية لمواجهة التحديات الوطنية المشتركة وتحقيق التنمية المستدامة
تعليق واحد