الأبحاث والدراساتالإصداراتالقوى الدولية الفاعلة في الملف السوريوحدة تحليل السياسات

تصدير الثورة والتحولات في السياسة الإيرانية

تقرير تحليلي

مقدمة:

شكّلت حالة صعود الثورة الإيرانية في العام 1979م تحوُّلاً خطيراً في المنطقة عموماً، لاسيما بعد تبنّي النظام الإيراني الجديد استراتيجية “تصدير الثورة” إلى البلدان المجاورة، الأمر الذي مثّل تهديداً أمنياً لتلك الدول، وصولاً إلى ما نشهده حالياً من تغلغل الأذرع الايرانية المسلحة وغير المسلحة في مختلف الدول العربية، ابتداءً من العراق، وليس انتهاءً بسورية واليمن [1].

وفي السياق ذاته حملت الثورة الايرانية مع مجيئها شعارات أيديولوجية جاذبة، كنصرة المظلومين والمستضعفين، عزّزها ما ظهر من توترٍ مع الولايات المتحدة، وقطعٍ للعلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وتحويل السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطين، وحدوث عدة احتكاكات إيرانية مع الولايات المتحدة، كان أبرزها أزمة السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين في طهران. وذلك بالتزامن مع ممارسات ذات دلالات متناقضة؛ كالإصرار على الحرب الإيرانية العراقية، ثم لاحقاً حدوث التعاون الأمريكي الإيراني في العراق وأفغانستان،الأمر الذي أثار جدلاً حول حقيقة تعاملات النظام الإيراني مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وديناميكات العلاقة بينهما، مع ظهور بعض المحاولات لاخترال توصيف العلاقة بتوصيفات بسيطة، كالعداء، أو التحالف السري أو التبعية، وهو ما بات يُعرف بـ “نظرية المؤامرة”؛ التي ترى أنَّ كل ما يحدث من مواجهات أمنية وعسكرية وسياسية بين الطرفين لا تعدو أن تكون تمثيليات ضمن خطة للهيمنة على العالم العربي وتقاسم النفوذ فيه[2]. وفي المقابل يتحدث آخرون عن “صراع وجودي” حقيقي مستمدٌّ من الإيديولوجيا، وله أبعاد دينية تعيق إيران و”إسرائيل” تحديداً من الوصول إلى حلٍّ شامل لإنهاء حالة التوتر المستمر بينهما[3].

تأتي هذه الورقة جزءاً من سلسلةٍ للإضاءة على هذا الموضوع، في محاولةٍ للوصول إلى فهم واقعي موضوعي متكامل للأحداث والديناميكات، وكشف الغموض عن العلاقة المعقّدة المتداخلة التي جمعت إيران و”إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية. وقد أُعدت هذه الدراسة التحليلية بناءً على استقراءٍ وتحليلٍ للأحداث والمنعطفات المتعلقة بالعلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية قبل ثورة الخميني، وأثناءها، وبعدها، من خلال الرجوع إلى ما توفر لدى الفريق البحثي من الدراسات والتحليلات والوثائق التي كُتبت عن تلك الأحداث من مختلف الباحثين أو السياسيين، باعتبارها معلومات تحتاج التحقق والمقارنة والمعالجة التحليلية للخروج بنتائج، وهو ما سعى إليه فريق البحث للوصول إلى الحقائق قدر المستطاع.

وبعد أن استعرضنا في الجزء السابق العلاقة الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية؛ بدءاً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، مروراً بحكم الشاه، وانتهاءً بانتصار الثورة الإيرانية وصعود الخميني إلى سدة الحكم في طهران[4]؛ فإننا سنركّز في هذا الإصدار على منهج “تصدير الثورة” الذي تبناه الخميني للتوسع إقليمياً ولنشر أيديولوجيته السياسية إلى الجوار العربي، لما أحدثته جهود التمدد الإيراني في المحيط العربي من اصطدامٍ بالنفوذ الأمريكي وطموحات القوى الإقليمية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى نشوء ديناميكية جديدة في طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية.

أولاً. منهج “تصدير الثورة” وتأثيره على العلاقة الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية:

شكَّل مفهوم “تصدير الثورة” رؤية القيادة الإيرانية الجديدة للتمدد إقليمياً ومحاولة مدّ نفوذها إلى الجوار العربي؛ فعلى الرغم من تغيّر النظام السياسي الإيراني بعد ثورة 1979م والإطاحة بنظام الشاه، وتبنّي الرؤية الدينية “على الطريقة الخمينية”؛ فقد بقيت الأهداف الاستراتيجية الإيرانية الكبرى متشابهة إلى حدٍّ بعيد؛ وتتمثّل في محاولة النهوض بإيران كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في المنطقة [5].

1. 1. حلم القيادة الإقليمية الإيرانية، من الشاه إلى الخميني:

إنَّ الطموحات الإيرانية في الحصول على دور “القيادة الإقليمية” وتوظيفه لصالح جهودها لانتزاع دور دولي مؤثر لم تنقطع بانقضاء عهد الشاه، بل استمرت مغلفة بالتوجه الثوري الإيراني بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م وصعود الخميني إلى سدة الحكم في إيران.

وبينما بدا واضحاً سعي الشاه للحصول على التفوق الإقليمي الإيراني وفرض هيمنته على الخليج العربي وعلى أجزاء من المناطق المطلة على المحيط الهندي، من خلال الاعتماد المباشر على الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي، ومحاولة التودد والتقارب مع المحيط العربي، وذلك عبر منح مساعدات مالية وعسكرية سخية للعديد من البلدان العربية، وتوقيع عدّة اتفاقيات تعاونية مشتركة مع الجار العراقي[6]؛ فإن إيران في ظل الخميني سعت للوصول إلى قيادة العالم الإسلامي من خلال تبنّيها نموذجها الخاص عبر “ولاية الفقيه”[7]، معتمدةً بذلك على “الخطاب الثوري المظلومي” وتقويض الأنظمة العربية التي تعارض هذه الطموحات الإيرانية عبر منهج ما يُسمى “تصدير الثورة”[8]، وهو ما أكّد الخميني استحالة تراجع إيران عنه([9])، وقال في الذكرى السنوية الأولى للثورة: “إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم”[10]؛ لأن أيديولوجيّة الثورة الإيرانية هي أيديولوجية عابرة للحدود، فالمراد بـ”تصدير الثورة”[11]: تنفيذ برامج وسياسات من طرف مؤسّسي الثورة بغاية التأثير في المجتمعات الأخرى؛ “انطلاقاً من أنَّ إيران هي قلب العالم الإسلامي بوصفها القلب المذهبي للإسلام الصحيح؛ فهي المخلّص لدول العالم الإسلامي من الديكتاتوريات التي تحكمها، لتخلص لها القيادة وإنقاذ العالم”[12]. ويُضاف إلى ذلك أبعاد نظرية الإمامة التي تعتقد أنَّ الإمام ليس إماماً للشيعة وحسب، بل له سلطة عالمية تمتد إلى المسلمين عموماً[13]. ولإعطاء مفهوم “تصدير الثورة” أولوية على باقي الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني الجديد غلَّفه الخميني بمادة أساسية من مواد الدستور الإيراني؛ وهي المادة التي تنص على وجوب “تصدير الثورة الإسلامية” و”إقامة الحكومة الإسلامية العالمية”، الأمر الذي حدّد الطبيعة العقائدية لتكوين الجيش الإيراني ومهام الحرس الثوري الإيراني[14]، معتبرًا أن القوات المسلّحة لا تلتزم بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضًا أعباء رسالتها التي حددها المشرع وهي “بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”[15].

1. 2. اصطدام النظرة الإيديولوجية بالواقع السياسي:

تشير قراءة الواقع ودراسة التاريخ إلى أنَّ المصالح الاستراتيجية لدولةٍ ما ضمن مجالاتها الحيوية الإقليميّة والدولية لا تتغيّر بتغيّر النظام أو الحكومة[16]، وهو ما أكّدته الحالة الإيرانية؛ فعلى الرغم من إسقاط الملكية البلهوية وتحول إيران إلى جمهورية “إسلامية” تحت حكم الخميني؛ فقد بقيت الحقائق الجيوسياسية ثابتة منيعةً أمام النظرة الإيديولوجية والخطابات النارية التي جاء بها الخميني في معاداته لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة، حيث إنَّ إيران باستراتيجياتها التي جاء بها الخميني لتصدير الثورة الإيرانية ونشر إيديولوجيتها السياسية عن طريق استنهاض الروح الدينيّة الطائفية “الشيعية”، وتبنّي الشعارات الطائفية مع استبطان الهوية القومية الإيرانية[17]، وجدت نفسها محاطةً بدول عربية معادية لنموذجها السياسي[18]؛ إذ شعرت الحكومات العربية بالذعر والقلق، ولاسيّما دول الخليج العربي، وكذلك العراق الذي يضم أعداداً كبيرة من الشيعة تستهدفهم “الدعاية الخمينيّة”[19]. ونتيجةً لذلك فإنَّ الجهود التي بذلتها إيران لتغيير الواقع الإقليمي ولتغيير كامل النظام في المنطقة، عبر “تصدير الثورة” إلى الجوار العربي من خلال إثارة النعرات الطائفية ومعاداة أنظمة الدول المحيطة لها والعمل على إسقاطها؛ جعل منها دولةً منبوذةً يخافها ويتحاشاها الجميع [20]، وكان هذا –على ما يبدو- أحد محددات العلاقة التي جمعت لاحقاً “إسرائيل” بإيران على طاولة المصالح المشتركة؛ وهو الخوف المشترك من المحيط العربي المعادي.

وانطلاقاً من المحدد السابق فيبدو أنَّ “إسرائيل” لم تعتبر تبنّي طهران مفهوم “تصدير الثورة” ومحاولة التمدد إلى الجوار العربي مهدداً لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية العليا في المنطقة[21]، بل إنَّ أي خطوة إيرانية قادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإضعاف الدول العربية المعادية لها قد تصبُّ تماماً في مصلحتها وهدفها الاستراتيجي[22]؛ المتمثّل بالضغط على الحكومات العربية للقبول بشرعيتها والتطبيع العلني معها، وهذا يعني إخراج “إسرائيل” من العزلة التي تكبّلها وتمنعها من التمدّد في محيطها أيضاً[23].

في الواقع تتصدر المنطقة العربية ــــــ وفق الوثائق الإيرانية ـــــ أهداف قوة إيران الناعمة لتصدير ثورتها[24]، ولا سيّما العراق؛ الذي مثّل محور اهتمام إيران منذ القدم لتصورها أن العراق هو العثرة الأساسية للمدّ الإيراني في الخليج[25]؛ وانطلاقاً من تلك الطموحات الإيرانية الإقليميّة في التمدّد في المحيط العربي وجد صانع القرار الإيراني فرصته للحشد والدعاية لتصدير الثورة كوسيلة لنشر النفوذ الإيراني من خلال إظهار العداوة العلنية لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية وقطع العلاقات الدبلوماسية، بدلاً من التعاون العلني معها[26]، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية ــــــ باستثناء مصر ــــــ في حالة عدم تطبيع مع “إسرائيل”، في محاولة إيرانية –على ما يظهر- لكسب الشرعية القيادية لشعوب العالم العربي، وإيهامها أنَّها الدولة الوحيدة القادرة على لعب دورٍ مركزي في مواجهة “إسرائيل”[27]، وهو ما كان واضحاً في رفضها القاطع بناء تحالفات وشراكات مع مصر وقطع العلاقات الدبلوماسية معها بعد توقيعها اتفاقية السلام مع “إسرائيل” عام 1979م[28].

وفي السياق ذاته يبدو أن تراجع الموقف الإيراني في العالم وتزايد عزلة إيران الدولية بفعل العقوبات الأمريكية بعد حادثة احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران قد دفع حكومتها الثورية إلى البحث  عن مصالحها، وإن كان سيؤدي ذلك إلى تناقض صارخ مع ما تتبناه من خطاب يركز على شيطنة الولايات المتحدة و”إسرائيل”، مما دفعها لإعادة إحياء تعاونها السريِّ مع تل أبيب بعد أعوام من القطيعة والمعاداة، وهو ما وجدته تل أبيب فرصةً ذهبيةً لإعاد إحياء تعاونها القديم مع طهران[29]، مناقضةً بذلك سياسة واشنطن القائمة على عزل إيران دولياً لتأمين تحرير الرهائن الأمريكيين، وهو ما سبّب توتّراً ملحوظاً في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية[30].

بناءً على ما سبق فإنَّ الخوف الإيراني ـــــ الإسرائيلي المشترك من المحيط العربي المعادي بقي محور  العلاقة البرغماتية التي جمعت طهران وتل أبيب[31]؛ إذ إنَّ “إسرائيل” وعلى الرغم من كسرها طوق العداوة العربية المحيطة بها من خلال إبرام معاهدة السلام مع مصر، الدولة العربية الأقوى والأكثر كثافةً سكانيّة[32]؛ فإنَّ “الخطر العراقي” المتنامي من الجهة الشرقية صار يقلقها ويزعزع أمنها القومي، لأن “إسرائيل” ظلّت تعاني من إشكالية وقوعها تحت تهديد حرب عليها ضمن نطاقها الجغرافيّ الضيق، الأمر الذي جعلها تبحث عن ثقلٍ إقليميٍّ موازٍ للعرب، وهو ما وجدته في إيران؛ إذ إنَّ الموقع الاستراتيجي الذي تتمتّع به إيران، إضافة إلى روابطها الاقتصادية والعسكرية القديمة وثرواتها النفطية، ومعاداتها التقليدية للعراق[33] وللاتحاد السوفيتي الذي دعم تسليح الدول العربية في حربها ضد “إسرئيل”[34]؛ كل هذا جعل -على ما يبدو- من استغناء “إسرائيل” عنها أمراً بالغ الصعوبة[35]. وفي الجهة المقابلة عملت طهران على الموازنة بين علاقتها البرغماتية السريّة مع تل أبيب وهدفها الإستراتيجي بعيد المدى المتمثّل في قيادة العالم الإسلامي عن طريق تصدير ثورتها إلى المحيط العربي؛ حيث اعتمدت على تبنّي خطاب معادٍ لـ”إسرائيل” لا يتطابق مع سياستها الفعلية العملية، وهو ما كان واضحاً في الخطابات الاستهلاكية النارية للقيادة الإيرانية والإدانة العلنية لسياسة “إسرائيل” في المنطقة، واستخدامها كرافعة سياسية وتموضع دبلوماسي، في سبيل رفع مكانة إيران الريادية في العالم العربي والإسلامي وخفض الأخطار التي تواجهها من المحيط العربي، مع إبقائها على القنوات الخلفية السريّة للتواصل والتعاون مع “إسرائيل” في المسائل الأمنية، لإيجاد محور موازٍ للمحور العربي؛ الذي كان يتصدره العراق آنذاك[36].

ثانياً. الحرب العراقية – الإيرانية وتأثيرها على علاقات إيران مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”:

اندلعت الحرب العراقية ــــ الإيرانية في أيلول عام 1980م بعد أن تراكمت مسبّباتها بين طرفين لم يشتبكا بشكل مباشر منذ أواسط القرن التاسع عشر[37]؛ ولسنا في صدد مناقشة الأسباب المباشرة للحرب والمسؤول عن اندلاعها[38]، لكنّ من المهم أيضاً ملاحظة أنَّ الوحدة الترابية العراقية تهدّدت جدّياً من إيران حتى قبل اندلاع الحرب بينهما؛ لأنَّ محاولات إيران الخمينيّة تصدير ثورتها إلى الجار العراقي، كونه يعدُّ البوابة الرئيسية لدخولها إلى المنطقة العربية، وضعَها على طرفي نقيضٍ مع النظام العراقي؛ الذي اتهم النظام الإيراني بالتدخل في الشؤون الداخلية العراقية، وتحريض المكون الشيعي على التمرد[39].

ومن ناحية أخرى فإنَّ الظروف الصعبة التي كانت تعاني منها إيران بعد تدهور علاقاتها الدبوماسية مع العديد من دول العالم، كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والتكتّل العربي بعد سياسات الخميني العدائية؛ قد أضعفت فيما يبدو خياراتها السياسية، ووضعتها في موقف صعب أمام طموحات النظام العراقي الهادفة إلى التمدد في منطقة الخليج العربي واستعادة شط العرب من إيران، بعد خسارة أجزاء منه في اتفاقية الجزائر 1975م، وهو ما قد هيّأ لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية[40].

1.2 الصفقات الإيرانية الأمريكية الإسرائيلية السرية خلال الحرب العراقية الإيرانية:

عزّزت الحرب العراقية ــــ الإيرانية من تصور إيران و”إسرائيل” للخطر العراقي المشترك عليهما؛ إذ إنَّ الدعم السوفيتي العسكري للعراق[41]، إلى جانب التمويل الهائل الذي قدّمته الدول الخليجية للجيش العراقي، جعل العراق ينفق المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة والتجهيزات العسكرية، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى ازدياد حجم جيشه عدة أضعاف عما كان عليه قبل الحرب، وهذا بدوره قد عزّز من القدرات الهجومية العراقية؛ التي تضمنت مخزونات من الأسلحة الكيميائية والصواريخ البالستيّة، وبالتالي فقد باتت “إسرائيل” أيضاً في متناول الضربات العراقية[42].

وربما أسهم توحّد الموقف العربي -لاسيّما الخليجي- الداعم للعراق عقب اندلاع الحرب[43]، إلى جانب تدهور العلاقة بين طهران والمنظمات الفلسطينية على خلفية موقف القيادة الفلسطينية المؤيد للعراق في حربه مع إيران[44] في عودة المحور الإسرائيلي ـــــ الإيراني إلى طور التعاون والتحالف السري؛ إذ إنَّ محاولات إيران صد الهجوم العراقي قد بات محكوماً عليه بالفشل دون توسيع قنواتها مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، من أجل شراء الأسلحة وقطع الغيار لأسلحتها الحربية؛ وبالتالي فقد هرعت “إسرائيل” لنصرة إيران وتقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لها، أملاً فيما يبدو بإنهاء حالة التوتر في علاقاتها مع طهران، وربما خوفاً من خروج العراق منتصراً من الحرب، ما يعني زيادة سطوته على منطقة الخليج العربي، إضافةً إلى كون العراق بات يمتلك جيشاً يقدّر بأربعة أضعاف الجيش الإسرائيلي[45]، وهذا بدوره قد جعل خطورة “الجبهة الشرقية” بالنسبة لتل أبيب أكبر من أي وقت مضى.

إنَّ التعاون والتنسيق بين طهران وتل أبيب ضد “العدو العراقي” المشترك كان واضحاً في أيام الحرب الأولى؛ إذ إنَّ سعي العراق للتوسع في منطقة الخليج العربي ومحاولته التمدد إقليمياً قد أثار كما يظهر المخاوف الإيرانية الإسرائيلية حيال ذلك، وهو ما تجسّد عمليّاً في تقديم الاستخبارات الإيرانية معلومات إلى السلاح الجوي الإسرائيلي مكّنته عام 1981م من إلقاء القنابل فوق مفاعل “تموز1” العراقي لعرقلة تنفيذ البرنامج النووي العراقي[46].

وعلى صعيد آخر ظهر أنَّ الاستراتيجية الأمريكية في الحرب العراقية الإيرانية قامت على أساس التوازن في دعمها لكل من العراق وإيران، والعمل على عدم تحقيق نصر حاسم لأحد الطرفين على الآخر؛ ربما رغبة منها في إنهاك الطرفين بعضهما بعضاً، والتأكد من عدم خروج قوة وحيدة مسيطرة على منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، إيرانيةً كانت أو عراقية[47]، وهو ما كان واضحاً في دعمها الاستخباراتي والعسكري شبه التام للعراق منذ بداية الحرب؛ قابله تغاضي إدارة ريغان الأمريكية عن التحركات الإسرائيلية لتقديم الدعم العسكري والسماح لها بشحن أسلحة سرية وقطع غيار أمريكية لطهران[48].

2.2. الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان وأثره على العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية:

في 6 حزيران من عام 1981م بدأت “إسرائيل” حملةً عسكريةً بريّة وجويّة لاجتياح الأراضي اللبنانية، وكان من ضمن الأهداف “الإسرائيلية” المعلنة لهذا الاجتياح تدمير البنية العسكرية الفلسطينية في لبنان تدميراً تاماً، ومنعها من استخدام أراضي الجنوب اللبناني كقاعدة لضرب مناطق شمال “إسرائيل”، والعمل على إقامة نظام حكم لبناني جديد يعقد معاهدة سلام معها[49]. وفي خضم الغزو “الإسرائيلي” للأراضي اللبنانية قامت جماعات مختلفة بحمل السلاح لمقاومة الهجوم؛ ومن ضمن هذه الجماعات ظهرت مجموعات شيعية لبنانية ارتبطت مذهبياً وأيديولوجيّاً بالحكومة الإيرانية، ويبدو أنَّ هذا الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران سرعان ما تقاطع مع رؤية إيران وهدفها الاستراتيجي في تصدير ثورتها وزرع بذرة “ثورة إسلامية” على نهج ثورتها في بلد عربي كلبنان[50]؛ حيث سارعت طهران لتقديم الدعم العسكري واللوجستي السريع والمباشر عبر “الحرس الثوري الإيراني” لهذه المجموعات الناشئة، التي توحدت لاحقاً “بفضل المساعدات والدعم الإيراني” متخذةً من “حزب الله” اسماً لها[51].

ونتيجةً للاجتياح الإسرائيلي أرسلت إدارة ريغان الأمريكية 1800جندياً من مشاة البحرية إلى لبنان، إلى جانب قواتٍ فرنسية وبريطانية؛ خوفاً من تحوُّل المواجهات مع “إسرائيل” إلى صراع إقليمي متعدد الأطراف، ولكن لم تلبث تلك القوات أن تعرضت لهجمات انتحارية عديدة، كان من ضمنها التفجير الانتحاري عام 1983م في ثكناتٍ تُؤوي قوات أميركية وفرنسية في بيروت،خلّفت مئات القتلى والجرحى الأمريكيين والفرنسيين[52]، وسرعان ما توجّهت أصابع الاتهام لـ”حزب الله” اللبناني؛ فقد اتهمت الإدارة الأمريكيّة الحزب بالوقوف خلف تلك الهجومات الانتحارية، وعلى الرغم من عدم تبنّي “حزب الله” تلك العمليات ونفي صلته بها[53] فيظهر أنَّه قدّم لإيران ما هو أغلى من ذلك؛ إذ استطاع تقديم الكثير من الرهائن الأمريكيين الذين وفّروا لها ورقةً تفاوضيّةً قيمة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وأداة ضغط لدفع الولايات المتحدة لاحقاً لعقد صفقة أسلحة مع إيران، عُرفت بصفقة إيران ـــــ كونترا[54].

3.2. إيران ــ كونترا؛ صفقة السلاح التي أنهت حكم الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان”:

على الرغم من العلاقات الأمريكية الإيرانية المتوتّرةً، ولاسيّما بعد الدعم الأمريكي للعراق في حربه مع إيران؛ إلا أنَّ الإدارة الأمريكية وجدت نفسها مضطّرةً لفتح قنوات سرية للتواصل مع طهران بعد احتجاز “حزب الله” رهائن أمريكيين وغربيين في لبنان، ويبدو أنَّ “إسرائيل”وجدت فرصةً سانحةً للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن لإطلاق سراح الرهائن؛ ربما لإبعاد واشنطن عن دعم العراق، ومحاولةً منها لإعادة طهران إلى الحظيرة الغربية كسابق عهدها زمن الشاه، وبناء علاقات استراتيجية موسعة مع النظام الإيراني الجديد.

وعلى الجانب الآخر نجحت المفاوضات الإيرانية ــــ الأمريكية بوساطة “إسرائيلية”عام 1985م في التوصل لعقد صفقة سريّة تقضي بشراء إيران أسلحة من الولايات المتحدة مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين في لبنان[55]، وتمت الصفقة رغم قوانين الكونغرس الذي كان يحظر حينها بيع الأسلحة لإيران، إضافة إلى أنها شكلت خرقاً لعقوبات الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لإيران. وبعد تفجّر الفضيحة توقفت الولايات المتحدة عن التعامل مع إيران وبيع الأسلحة والعتاد لها [56].

تُحيلنا قضية “إيران ـــــ كونترا” إلى الوقوف وراء الهدف الإيراني الحقيقي في التواصل مع الإسرائيليين على الرغم من رفضها المستمر الاعتراف بذلك؛ إذ إنَّ السياسة الخارجية الإيرانية في تلك الفترة تأرجحت بين التوفيق لحاجاتها الأمنية قصيرة المدى؛ والتي تمثّلت بموازنة التهديد العراقي المباشر عليها ببناء تحالفها السريِّ مع “إسرائيل”، وبين مستلزماتها الإستراتيجيّة بعيدة المدى، المتمثلة في الفوز بالقبول العربي والإسلامي لقيادتها الإقليميّة؛ وهو ما تمَّ في الغالب عن طريق لعب ورقة معاداة  “إسرائيل” علنياً، وفي السياق ذاته شاركت “إسرائيل” إيرانَ في هواجسها الأمنية تجاه العراق، إلى جانب تخوفها من التقارب الأمريكي العراقي على حساب مصالحها الاستراتيجية، وهو ما كان واضحاً في محاولاتها المتكررة كسب إيران وإعادتها ثانية إلى المعسكر الغربي، والعمل على التوسط بينها وبين الولايات المتحدة وإيجاد بيئة تفاوضية بين الطرفين، بعد الذكريات المذلّة لأزمة الرهائن الأمريكيين التي بقيت حاضرةً في الذهن الأمريكي. ولكن وعلى الرغم من حالة الجفاء السياسي التي مرت بها العلاقة الأمريكية الإيرانية عقب أزمة الرهائن؛ فقد أبقت الإدارة الأمريكية قنوات سرية للحوار والتفاوض مع إيران بالتنسيق مع “إسرائيل” لرغبتها أولاً في إطلاق سراح الرهائن الأمريكين والغربيين لدى طهران، إضافة إلى حرصها فيما يظهر على إنهاك الطرفين المتصارعين، لكن جهودها باءت بالفشل بعد فضيحة إيران ــــ كونترا وما سبّبته من حرج للولايات المتحدة.

وفي العام 1983م استعادت القوات الإيرانية زمام المبادرة من العراق، واستطاعت طرد القوات العراقية وتحويل المعارك إلى الأراضي العراقية، وقد تقدّم العراق بالعديد من العروض لوقف الحرب والتوصل إلى السلام بين الجانبين؛ لكنها لاقت الرفض من الجانب الإيراني، الذي آثر مواصلة الحرب على الأراضي العراقية طمعاً في كسب المعركة لصالحه[57]، وقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية على التحرك دولياً لإيقاف الحرب عندما بدأت فى التأثير المباشر على مصالحها في الخليج، ولاسيما في خضم تصاعد “حرب الناقلات”[58]،حيث زادت من دعمها الاستخباراتي والعسكري للعراق، ومنعت حلفاءها -لاسيّما الإسرائيليّين- من توريد المعدات العسكرية لإيران بعد القرار الإيراني في مواصلة الحرب داخل الأراضي العراقية، وسرعان ما جفّت مصادر طهران من السلاح والعتاد، وزادت حاجتها الماسّة للأسلحة بعد استمرار الحرب واستخدام العراق الأسلحة الكيميائية، واستهدافه المدن الإيرانية الكبرى بالصواريخ البالستية المدمّرة[59].

ثالثاً. السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” بعد الخميني:

في 20 آب عام 1989م وبعد شهور من المفاوضات المكثّفة وافق الطرفان العراقي والإيراني على قرار مجلس الأمن 598 الداعي للوقف الفوري للأعمال العسكرية، والانسحاب إلى حدود البلدين الدولية، والانخراط في مفاوضات بإشراف دولي[60]. وفي المجمل يمكن القول: إنَّ طريقة انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وخروج إيران من الحرب باقتصاد مدمّر مفلس، وتحوّلها إلى دولة منبوذة معزولة نتيجة سياستها في تصدير ثورتها، إلى جانب رحيل الخميني عن المشهد السياسي عام 1989م؛ كل ذلك يبدو أنه قد أدى فعليّاً إلى إحداث تأثير جوهري في التفكير الإيراني، مع صعود النهج البراغماتي المنفتح الذي تمثّل بانتخاب “علي أكبر هاشمي رفسنجاني” رئيساً للبلاد عام 1989م.

1.3. التحول من الخطاب الأيديولوجي إلى الخطاب الواقعي:

بعد قبول طهران وقف الحرب، ومع رحيل الخميني كانت إيران تتجه نحو خطابٍ أكثر واقعيةً، وذلك في إطار جهود الرئيس الإيراني “هاشمي رفسنجاني” الذي أراد تغيير السياسة التي حكمت إيران طوال فترة الحرب[61]؛ إذ برزت على رأس أولويات عمله السياسي ضرورة إخراج إيران من عزلتها الدولية من خلال ترميم روابطها مع الحكومات العربية، والاهتمام بسياسة بناء الثقة المتبادلة، وبناء علاقات مباشرة مع دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والاستفادة من الاستثمار الغربي وجذب الاستثمارات الخارجية لإنعاش الاقتصاد الإيراني. ويبدو أنَّ فشل الاستراتيجية الخمينية في تصدير الثورة وإعطاء إيران الدور الإقليميَّ القيادي في المنطقة عبر الإطاحة بالحكومات الإقليميّة قد أدّى لاحقاً إلى تبنّي رفسنجاني نهج تصدير نموذج إيران عبر تقديم نفسها كدولة إسلامية عصرية مستقلة؛ حيث قاد حملة انفتاح على دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما عبرت عنه اللقاءات والزيارات المكثفة للمسؤولين الإيرانيين للسعودية التي تُوّجت لاحقاً بتوقيع الاتفاقية الأمنية بين الجانبين خلال زيارة تاريخية لولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز إلى إيران عام 2001م[62].

وعلى الصعيد الاقتصادي نحت السياسة الخارجية الإيرانية في تلك الفترة نحو إعادة بناء الاقتصاد الإيراني المنهار نتيجة الحرب، وكان لابدَّ من تحسين العلاقات مع واشنطن وحل النزاعات العالقة معها، عبر فتح باب الحوار والتفاوض لجذب الاستثمارات الأجنبية للحد من تدهور الوضع الاقتصادي؛ وهو ما عملت عليه القيادة الإيرانية الجديدة عبر تبنّي سياسة براغماتية وأكثر انفتاحاً وليونةً في التعامل مع الغرب[63]، ورفض السياسة الخارجية القائمة على التوتر ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية [64].

ومن رحم هذه التغيرات والتحولات التي هزّت “الجمهورية الإسلامية الوليدة” خرج شعار رفسنجاني “البناء”، وأصبح الانفتاح على الخارج هدفاً للحكومة الإيرانية الجديدة؛ لتحسين علاقاتها مع الغرب ومع الأنظمة العربية المجاورة، وإنهاء حالة التصدير العنيف للثورة، ويظهر أنَّ الجهود الإيرانية التي رمت إلى تحرير سياستها الخارجية من التوجهات الأيديولوجيّة، والتحول لمنطق الدولة بدلاً من منطق الثورة ومعاداة المخالفين؛ قد حققت نجاحاً أوليّاً تمثّل في عودة الدفء للعلاقات الإيرانية الخليجيّة بعد سنين من العداوة والجفاء[65]. وأما بالنسبة لعلاقتها مع واشنطن فقد حاولت إيران تمهيد الطريق أمام تحسين علاقاتها معها عبر التوسط لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في لبنان، أملاً منها بوقف التوتر المتبادل بين الطرفين، ولكنَّ الإيماءات الإيرانية لم تلقَ المقابل المرجو من الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته المؤسسة الإيرانية الحاكمة إصراراً أمريكيّاً على التصعيد ضدها على الرغم من “السلوك المثالي” الذي سلكه النظام الإيراني بالنسبة للولايات المتحدة إبان حرب الخليج الثانية عام 1990-1991م، وكذلك في حربَي أفغانستان والعراق عام 2002 و2003م[66].

يُعد ما سبق إضاءة تاريخية تحليلية على الحرب العراقية الإيرانية، وما تسببته من عزلة إيران وتحولها إلى الخطاب الواقعي بدلاً من الخطاب الثوري الإيديولوجي، والتأثير المباشر لتلك الحرب في العلاقات الإيرانية الأمريكية ـــــ الإسرائيلية، على أن يتم استكمال استعراض التأثيرات في الجزء اللاحق.

الخاتمة:

مثّلت نظرية “تصدير الثورة” على الدوام مصدر احتكاك سلبي مع الجوار العربي بعد سعي إيران الخميني للوصول إلى قيادة العالم الإسلامي، من خلال تبنّيها نموذجها الخاص للتشيع السياسي عبر اعتمادها “الخطاب الثوري المظلومي”، ومحاولتها تقويض الأنظمة العربية التي تعارض الطموحات الإيرانية الإقليمية التوسعية.

وبدا واضحاً أنَّ الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها إيران نتيجة تدهور علاقاتها الدبوماسية مع العديد من دول العالم بعد سياسات الخميني العدائية قد أضعفت خياراتها السياسية، ووضعتها في موقف صعب أمام طموحات حكومة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الهادفة إلى التمدد في منطقة الخليج العربي واستعادة شط العرب من إيران، وهو ما قد هيّأ لاندلاع الحرب العراقية الإيرانية، التي حاولت مختلف الأطراف الدولية الفاعلة الاستثمار في تطويل أمد الحرب فيها وتكلفتها الباهظة على الجانبين العراقي والإيراني، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي اعتمدت بشكل رئيسي في تعاملها مع الحرب على الحرص على إنهاك الطرفين، بحيث لا يمكن لأحدهما الخروج بنصر حاسم على الآخر، وقد ترجمت الإدارة الأمريكية ذلك عملياً بإبقاء قنوات سرية للحوار والتفاوض مع إيران بالتنسيق مع “إسرائيل”، وتغاضيها عن التحركات الإسرائيلية لتقديم الدعم العسكري والسماح لها بشحن أسلحة سرية وقطع غيار أمريكية لطهران خلال حربها مع العراق، في حين كانت واشنطن تقدّم الدعم الاستخباراتي والعسكري بمستوى عالٍ للعراق.

وأسهمت محركات علاقة إيران مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” في إفشال مشروع تصدير الثورة من خلال التحكم في مسار الحرب العراقية الإيرانية، ومنع ترجيح كفة إيران، واستنزاف الطرفين، وصولاً إلى اضطرار الخميني إلى القبول بـ “تجرع كأس السم” في إيقاف الحرب مع العراق.

وفي السياق ذاته بقي الخوف الإيراني – الإسرائيلي المشترك من المحيط العربي المعادي هو محور العلاقة البراغماتية التي جمعت طهران وتل أبيب على طاولة المصالح المشتركة، حيث ظلّت “إسرائيل” تعاني من إشكالية وقوعها تحت تهديد حرب عليها ضمن نطاقها الجغرافيّ الضيق، الأمر الذي جعلها تبحث عن ثقلٍ إقليميٍّ موازٍ للمحيط العربي المعادي، وهو ما وجدته في إيران.  وهذا ما قد يفسر التغاضي الإسرائيلي بداية عن مشروع إيران التوسعي ومحاولتها التمدد إلى الجوار العربي؛ إذ إنَّ “إسرائيل” لم تعتبر فيما يبدو تبنّي طهران مفهوم “تصدير الثورة” مهدداً لأمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية العليا في المنطقة، بل إنَّ أي خطوة إيرانية قادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وإضعاف الدول العربية المعادية لها قد تصبُّ تماماً في مصلحتها وهدفها الاستراتيجي؛ المتمثّل بالضغط على الدول العربية للقبول العلني بشرعيتها والتطبيع العلني معها، وهذا يعني إخراج “إسرائيل” من العزلة التي تكبّلها وتمنعها من التمدّد في محيطها أيضاً. وعلى الجانب المقابل تأرجحت السياسة الإيرانية في تلك الفترة بين محاولة التوفيق بين حاجاتها الأمنية قصيرة المدى التي تمثّلت بموازنة التهديد العراقي المباشر عليها ببناء تحالفها السريِّ مع “إسرائيل”، وبين مستلزماتها الإستراتيجيّة بعيدة المدى المتمثلة في الفوز بالقبول العربي والإسلامي لقيادتها الإقليميّة؛ وهو ما أرادته في الغالب من لعب ورقة معاداة “إسرائيل” دعائياً وسياسياً.

ويظهر أن الآثار المدمرة التي جاءت بها حرب الخليج الأولى على إيران سياسياً واقتصادياً، وتحولها إلى دولة منبوذة معزولة قد أدى فعلياً إلى إحداث تأثير جوهري في التفكير السياسي الإيراني، المتمثل في صعود النهج البراغماتي المنفتح والذي مثّله وصول “علي أكبر هاشمي رفسنجاني” إلى سدة الحكم في طهران؛ وهو الذي تبنّى سياسةً خارجية منفتحة على العالم، ولاسيما الدول الخليجية، ورفضَ السياسة الخارجية القائمة على التوتر والمواجهة مع الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص، في محاولة لتصدير نموذج إيران عبر تقديم نفسها كدولة إسلامية عصرية مستقلة.

 وبعد الوقوف على منهج “تصدير الثورة” الذي تبنّاه الخميني للتوسع إقليمياً ولنشر أيديولوجيته السياسية، إلى جانب الوقوف على أبرز محددات العلاقة الإيرانية الأمريكية ــــ الإسرائيلية في ظل حكم الخميني وبعده؛ يجدر بنا الانتقال إلى دراسة الأحداث التاريخية بعد انتهاء الحرب البادرة، وتحول النظام الدولي من ثنائي إلى أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة، وصعود التيار الإصلاحي بقيادة رفسنجاني وما حمله ذلك من تأثيرات في مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية ـــــ الإسرائيلية، وهذا ما سنخصص له الجزء الثالث من هذه السلسلة.

لتحميل التقرير:

التقرير التحليلي “تصدير الثورة والتحولات في السياسة الإيرانية”

لتحميل التقارير السابقة:

التقرير التحليلي “كواليس دعم الولايات المتحدة الأمريكية للخميني”

لمشاركة الصفحة:

https://wp.me/pcxUs1-171


[1] فيما يتعلق بالوضع في سورية، ونظراً لما تشكله السياسة الإيرانية في التغلغل الثقافي داخل النسيج السوري من مخاطر كبيرة على الهوية الوطنية السورية، وفي إطار  الجهود للمساهمة في تعزيز الهوية الوطنية السورية الجامعة ورصد الأخطار المحدقة بها؛ فقد نشر مركز الحوار السوري دراسة كاملة في أربعة إصدارات متتالية بعنوان “التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا: أدواته، مخاطره، سبل مواجهته“، 10/5/2020، وهي متابعة لأوراق سابقة أصدرها المركز بعنوان: “ميليشيات المشروع الإيراني في سوريا” في ثلاثة إصدارات، بين 11/2019 ــــــ 1/2020.
[3] ثمة نظرية تتحدث عن “صراع وجودي” بين الفريقين مستمد من الأيديولوجيا وله أبعاد حضارية ضاربة في العمق؛ فإسرائيل لم تعد ترى تهديداً لكيانها خارج إيران ومعسكر حلفائها، وإيران ترى أن مشروع تمددها “الحضاري” ككيان “امبراطوري” ليس له معيق خارج إسرائيل المدعومة من مراكز دولية وإقليمية عدة. من مقال: عريب الرنتاوي، إيران وإسرائيل… محاولة للفهم، الدستور، 23/02/2020.
[4] للاطلاع على الجزء الأول من سلسلة “إضاءات على العلاقات الإيرانية مع الولايات المتحدة وإسرائيل” يُنظر: كواليس دعم الولايات المتحدة للخميني، مركز الحوار السوري، 04/11/2020.   
[5] تُعد نظرية الواقعية الجديدة (Neo-realism) أكثر النظريات قربًا لتفسير السلوك السياسي لإيران في محيطها الإقليمي، ويعود السبب في ترجيح هذه النظرية على غيرها إلى أنها أكثر النظريات تصالحًا مع موضوع السياسة الخارجية بشكل عام، والتي تُعدّ الاستمرارية واحدة من أبرز سماتها. فالسياسة الخارجية للدول في النظام العالمي الحديث تتصف بالاستمرارية، وما يحدث من ثورات أو انقلابات في الأنظمة إنما يؤثر وفق النظرية الواقعية الجديدة في الدوافع والتصورات، لا في المسارات. يُنظر: نبيل برغال، الواقعية الإيرانية والاتفاق النووي بحث في الدوافع والمسارات، رؤية التركية، 2015. وعن أصول النظرة الواقعية بنوعيها التقليدي والجديد يُنظر:
Waltz, Kenneth., 1988. “The Origins of War in Neorealist Theory”, Journal of Interdisciplinary History. 18 (4).
[6] كنا قد أشرنا في الورقة السابقة في فصل “تأثير النهج الاستقلالي والحكم الفردي للشاه” إلى أن الشاه أدرك حاجة إيران إلى قبول العرب بطموحاته السياسية؛ فبدأ العمل على بناء نهج تقاربي مع البلدان العربية المحيطة بإيران، تمثّل في توقيع “اتفاقية الجزائر” بين إيران والعراق؛ والتي تضمنت رفع الشاه الدعم عن أكراد العراق في حربهم ضد نظام صدام حسين، والمشاركة الإيرانية في التصويت لمشروع القرار العربي في الأمم المتحدة الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية. يُنظر: تريتا بارزي، حلف المصالح المشتركة ـــــ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة” مترجماً، ص72، 2006.
[8] سخّرت إيران لاحقاً زهاء 50 قناة ناطقة بالعربية، وعلى أشكال عدة؛ ثقافية ودعوية وتعبوية وسياسية، وبرامج أطفال ومسلسلات تاريخية لتصدير الثورة الخمينية إلى الجوار العربي، كما تمتلك إيران ما يفوق 11 ألف موقع إلكتروني و2100 مركز دراسات تعمل باللغة العربية لخدمة مشروعها في المنطقة على حساب بلدان العربية ونشر أيديولوجيتها بين مختلف الأوطان العربية. يُنظر: التغلغل الثقافي الإيراني في سوريا (1): الأدوات الدينيّة، مركز الحوار السوري، 10 أيار 2020: ص7.
[9] يُنظر: البعث الشيعي في سورية (1919ــ2007)، المعهد الدولي للدراسات السورية، 2009، ص65.
[10] أسامة شحادة، المشكلة الشيعية، كتاب الراصد3، 2008: ص264.
[11] يُنظر: منعم أحمد حسن، الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية القيود والفرص (2010 ــــ 2015)، رسالة جامعية، جامعة الشرق الأوسط، 2016: ص41. وعبد الله يغين، القوة الصلبة والقوة الناعمة لإيران، مجلة رؤية تركية، 5/2/2016: ص92. ومحمد بسام يوسف، المشروع الإيراني الصفوي الفارسي مقدماته وأخطاره ووسائل التصدي له، 2010: ص13. و أحمد موسى، التوظيف الإيراني للفارسية … دور اللغة في تصدير الثقافة والثورة، مجلة الدراسات الإيرانية، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، السنة الثانية، العدد الخامس، ديسمبر 2017: ص6.   
[12] يُنظر: محمد جواد لاريجاني، مقولات في الاستراتيجية الوطنية (شرح نظرية أم القرى الشيعية)، ص41، ترجمة وتحليل: نبيل العتوم، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، لندن، 2013. ويُنظر التقرير: قراءة في الدستور  الإيراني: القوات المسلحة ذراع النظام القمعية، جريدة الشرق الأوسط، 2016.
[13] وهذا ما أكّده الخميني في كتابه (الحكومة الإسلامية)؛ إذ أشار إلى أنه “لو قام الشخص الحائز لهاتين الخصلتين (العلم بالقانون والعدالة) بتأسيس الحكومة تثبت له نفس الولاية التي كانت ثابتة للرسول الأكرم (ص)، ويجب على جميع الناس إطاعته. فتوهم أن صلاحيات النبي (ص) في الحكم كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين (ع) وصلاحيات أمير المؤمنين (ع) أكثر من صلاحيات الفقيه، هو توهم خاطئ وباطل”. يُنظر: شفيق شقير، نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها في الفكر السياسي الإيراني المعاصر، مركز الجزيرة للدراسات، 2004.
[14] يُعد “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، الذي تأسس في الأيام الأولى من قيام الجمهورية “الإسلامية” الإيرانية بأمر من الخميني، منظمةً متعددة الأوجه، لها مشاركة في العديد من المجالات المختلفة؛ فهو جهاز أمني، ومنظمة استخباراتية، وقوة اجتماعية وثقافية، وتكتل صناعي واقتصادي معقد. لكن دوره الأبرز يتجلى في كونه منظمة عسكرية، وتتلخص مهمة هذه المنظمة العسكرية في حماية الثورة الإيرانية ممثلة بقائدها المرشد العام، وحفظ الأمن الداخلي، وتثبيت الثورة ضد أعدائها الداخليين، وحماية منجزاتها عبر التعبئة الفكرية وتجنيد مختلف شرائح المجتمع الإيراني لدعمها، والتخلص من معارضي النظام، وتصدير مفاهيم الثورة الإسلامية إلى خارج إيران. يُنظر التقرير: قصة الحرس الثوري الإيراني: لمحة عامة ـــــ مركز الجزيرة للدراسات.
[15] مقولات في الاستراتيجية الوطنية (شرح نظرية أم القرى الشيعية)، مرجع سابق، ص103 ــــــ 114.
[16] وهو ما عبر عنه الدكتور عزمي بشارة في مقدمته لكتاب “العرب وإيران” بأن “إيران تستثمر في موقعها الاستراتيجي والاقتصاد كأدوات للحفاظ على مصالحها. وهذه الأدوات هي في الوقت ذاته أهداف؛ لأن الأدوات هي نفسها مصالح يشكل ناتجها الجمعي المصلحة القومية الصرفة للوحدات الدولية في النظام الدولي، ولا يفترض أن يتفاجأ المرء حين يتم ذلك حتى من قوى شيعية سياسية. فهذا العنصر قائم في تعريف الهوية الإيرانية أكانت ديمقراطية أم شيعية سياسية، أو أكانت أصولية أم غير أصولية”. كتاب: “العرب وإيران، مراجعة في التاريخ والسياسة“، ص10، مجموعة من الباحثين ـــــ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2010.
[17] وهو ما أشار إليه الباحث عزمي بشارة في أنَّ “إيران تستثمر داخلياً في هوية قومية إيرانية شاملة، لكنها لا تستثني العودة إلى الاستثمار في ماضٍ فارسي إمبراطوري، ولا يفترض أن يتفاجاً المرء حين يتم ذلك حتى من قوى شيعية سياسية. فهذا العنصر قائم في تعريف الهوية الإيرانية أكانت ديمقراطية أم شيعية سياسية أو أكانت أصولية أم غير أصولية”. كتاب: العرب وإيران مراجعة في التاريخ والسياسة، ص10 11، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
[18] كما أنَّ من الحقائق الجيوسياسية التي بقيت تهدد إيران وتخيفها على الرغم من سقوط الملكية البلهوية هي الطموحات السوفيتية الهادفة للوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي؛ فقد خشيت إيران من استغلال موسكو الاضطراب السياسي في طهران من أجل تحقيق هدفها. وعلى الصعيد الأيديولوجي نظر الخميني إلى إلحاد موسكو على أنه خطر يهدد الإسلام، أما على الصعيد السياسي فقد واجه كل من الشاه والخميني معارضة يسارية مدعومة من موسكو. كتاب “حلف المصالح المشتركة ـــــ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة“، ص51، القسم التاسع ـــــ تحولات إيديولوجية، استمرارات جيوسياسية، تأليف “تريتا بارزي”، 2006.
[19]  كتاب: العرب وإيران، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مرجع سابق، ص149.
[21] يبدو أنَّ تبنّي إيران مفهوم تصدير الثورة إلى الجوار العربي كان محل ارتياح بالنسبة لتل أبيب التي رأت في الاستراتيجية الإيرانية الجديدة تهديداً للحكومات العربية التي سترى في إيران تهديداً أكبر على مصالحها الاستراتيجية من “إسرائيل”، وهو ما قد يعني توجّهاً عربياً نحو التطبيع مع “إسرائيل” للوقوف بوجه التمدد الإيراني في المنطقة.
[22] أشار تقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات، حول الانجذاب الجيواستراتيجي الايراني تاريخياً للأقاليم المحيطة، إلى أنَّ إقليم الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن) قد شكل مركز جذب تاريخي لإيران ــــ بغض النظر عن مَن كان يتولى السلطة فيها ــــ الأمر الذي يبدو أنه قد قرأه الإسرائيليون، وعلموا أن نزاعاً عراقياً إيرانياً قادماً لا محالة. يُنظر: وليد عبد الحي، بنية القوة الإيرانية وآفاقها، 2013.
[23] هذا مع الأخذ بعين النظر أنَّ مسألة التطبيع العربي مع “إسرائيل” وما سيؤديه ذلك إلى إخراج “إسرائيل” من العزلة المفروضة عليها قد يبدو مرتبطاً أيضاً بعدة عوامل داخلية وخارجية أخرى، كموقف الإدارة الأمريكية وتوجهاتها تجاه العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى توجهات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومواقفها من العملية السلمية، وهو ما سنناقشه بشيء من التفصيل في الفصول اللاحقة.
[24]علي حسين باكير، اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية القدرات وحدود التأثير، مركز الجزيرة للدراسات، 4/11/2013.
[26] لطالما رفعت إيران الخمينية شعار “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” في خطب قادتها كافة، وجعلت من ذلك قاعدة لإنشاء تحالفاتها الإقليمية، التي أُطلِق عليها “محور المقاومة” في مواجهة إسرائيل تحديداً؛ ليجتذب غالبية التيارات القومية واليسارية العربية إلى مشروع شرق أوسط إيراني “إسلامي”، تتصدّره إيران بعد أن تزيح القوة الإسرائيلية عنه افتراضياً. يُنظر التقرير: خامنئي: إسرائيل “غدّة سرطانية” في الشرق الأوسط ـــــ القدس العربي، 22 أيار 2020، والتطبيع العربي مع إسرائيل …. المسار والوجهة، قناة “AA ” التركية، مقال تحليلي، 24/12/2018.
[27] استطاعت إيران عبر تبنّي الخطاب الثوري المعادي لأمريكا و”إسرائيل” كسب قطاعات واسعة من الرأي العام لصالحها على الصعيد الإقليمي، وذلك لخلق بيئة مناسبة لتقبل الدور الإيراني الإقليمي. يُنظر: علي حسين باكير، اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية … القدرات وحدود التأثير، مركز الجزيرة للدراسات، 11/04/2013، مرجع سابق.
[28] في أيار من عام 1980م قطعت إيران كافة العلاقات مع مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع “إسرائيل”، حيث عملت مصر على كسر عزلتها بالتوجّه لإيران بعد وفاة الشاه لإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين، لكن حكومة الخميني رفضت عرض السادات متهمة مصر بخيانة الفلسطينيين. يُنظر: محمد ماهر، فهم انخراط مصر المحدود في الحملة ضد إيران، معهد واشنطن للدراسات، 21/آذار/2019.
[29] في عام 1980م وبعد شهور من أزمة الرهائن قام “أحمد كاشاني” النجل الأصغر لآية الله العظمى “أبو القاسم الكاشاني بزيارة “إسرائيل” لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد برنامج العراق النووي في أوزيراك، وقد أثمرت رحلته عن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بيغن” على شحن إطارات لطائرات الفانتوم المقاتلة، إضافة إلى شحن أسلحة للجيش الإيراني، وفي المقابل بادل الخميني الخطوة الإسرائيلية بالسماح لعدد كبير من اليهود الإيرانين بمغادرة إيران والسماح لهم بالتوجه نحو “إسرائيل” والولايات المتحدة. يُنظر: تريتا بارزي، حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق، ص52.
[30] سبَبَت الصفقات بين تل أبيب وطهران حينذاك حالة من التوتر في العلاقات الإسرائيليلة الأمريكية، ردّت عليها الولايات المتحدة بتعليق المبيعات المستقبلية من قطع الغيار لـ “إسرائيل”. حلف المصالح المشتركة، ص53.
[31] من المهم هنا تأكيد أنَّ شيوع فكرة المقاومة والتحرير في الشارع العربي في ذلك الوقت لم يكن ليسمح للحكومات العربية بالتوجه علناً نحو “إسرائيل” أو التطبيع معها، ويدل على ذلك العزلة التي عانتها مصر بعد توقيع اتفاقية السلام مع “إسرائيل” عام 1979م.
[32] تُعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 أول خرق عربي للموقف من دولة “إسرائيل”، حيث تعهدت بموجبها الدولتان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما تمهيداً لتسوية شاملة. يُنظر التقرير: معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية… أولى المعاهدات ــ الجزيرة، 3 2004/10/.
[33] يُشار إلى أنَّ الأطماع الإيرانية ونياتها تجاه العراق كانت واضحة بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921م، إذ لم تعترف إيران بدولة العراق الحديثة إلا بعد سبعة أعوام، وسلكت كثيراً من طرق الابتزاز في محاولة لتأسيس موطئ قدم لها فيها تحت ذريعة حماية حقوق الجالية الإيرانية، كما أنَّ الخلاف على قضية شط العرب مع العراق كان من الخلافات المتكررة والمستمرة بين البلدين. كتاب العرب وإيران، مرجع سابق، ص148.
[34] John W. Finne, Soviet Could Spur Move to Aid Israel, The New York Times, 11.11.1973.
[35] وهو ربما ما يفسّر الجهود الإسرائيلية الحثيثة لإنقاذ النظام البلهوي؛ فقد كانت تل أبيب منقسمةً في تلك الفترة بين أولئك الذين يريدون توجيه ضربةٍ معاكسة لإنقاذ النظام البهلوي ك “أرييل شارون” الذي اقترح إرسال مظلّيين إسرائيليين لإنقاذ الشاه، وأولئك الذين اعتقدوا أن النظام الجديد سينهار سريعاً وستحل محلّه قيادة تتبنّى الحقائق الجيوسياسية لإيران وتعترف بحاجتها لإسرائيل. حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق، القسم الثامن ـــــ عودة آية الله، ص45.  
[36] يُنظر: حلف المصالح المشتركة، مرجع سابق، ص52.
[37] وإن كان لا يمكن نفي وجود حرب بالنيابة تولتها التمردات القبلية على هذا الطرف من الحدود المشتركة بينهما أو ذاك، وخصوصاً ما كان يحدث من تمردات القبائل الكردية بدفعٍ من الحكومة الإيرانية في منطقة شهرزور. كتاب: العرب وإيران، مرجع سابق، ص150ـ
[38] يؤرخ كل طرف بداية الحرب بتاريخ مختلف في محاولة لإلصاق مسؤولية شن الحرب بالطرف الآخر؛ ففي حين يؤرخ الإيرانيون يوم 22 أيلول 1980م باعتبار الرد العراقي واسع النطاق موعداً لشن الحرب؛ فإن العراقيين يؤرخون الرابع من أيلول 1980م، إذ باشرت القوات الإيرانية قصف المدن والمنشآت النفطية والعسكرية العراقية بالمدفعية من أراض عراقية تحتلها إيران. كتاب: العرب وإيران، مرجع سابق، ص150.
[39] يُنظر كتاب: المثلث الإيراني، العلاقات السرية الإسرائيلية الإيرانية الأمريكية، الكتاب الأول، ص291، للصحفي: شموئيل سيجف، ترجمة غازي السعدي، 2016.  ويُنظر أيضاً: ي
أيضاالسياسة الإيرانية تجاه العراق في ظل الاحتلال الأمريكي 2010 2003 دراسة في المتغيرات الجيوسياسية، رسالة ماجستير في دراسات الشرق الاوسط (2012)، أحمد إبراهيم حمدونه، ص25.
[40] يُنظر مثلاً: الحرب العراقية الإيرانية… طموح صدام وأحلام المرشد ـــــ موسوعة الجزيرة، 26/01/2016.
[41] يُشار إلى أنَّ الموقف السوفييتي من الحرب اتخذ بدايةً شكلاً حيادياً، نظراً لحساسية موقفه من الطرفين؛ حيث يشكل إثارة إيران الواقعة على حدوده الجنوبية تهديداً أيديولوجياً على الجمهوريات الإسلامية السوفييتية، وفي الوقت ذاته عمل السوفييت على تقديم الدعم العسكري للعراق الحليف التاريخي، كونه يُعد سوقاً لبيع السلاح السوفيتي. وبالمجمل كان الموقف السوفيتي شبيهاً بالموقف الأمريكي نوعاً ما؛ إذ لا يمكن وصفه بالداعم الفعلي للعراق، بل هي محاولة سوفيتية للاستفادة من إنهاك الطرفين (العراقي والإيراني) في الحرب. يُنظر: رسالة جامعية توضح بالوثائق الموقف الأمريكي من الحرب العراقية الإيرانية، محمود الدسوقي، بوابة الأهرام، 25/06/2018.
[42] يشير “باتريك كوبيرن” مراسل الشؤون الدولية إلى أنَّه ” كان لغطرسة الزعيم العراقي ما برّرها بعض الشيء، فقد حولت الحرب العراق إلى قوة عسكرية رائدة في الخليج بعض الوقت، وبعد أن شنّ الحرب بجيش من عشرة أفواج أنهاها بجيش مكون من 55 فوجاً و4 آلاف دبابة، وصواريخ يمكنها أن تصل إلى طهران أو تل أبيب، لكنه خاض في الوقت نفسه الحرب بالاستدانة والقروض، وأفضت الخلافات الغاضبة مع الدول العربية النفطية في شأن هذه الديون إلى اجتياح العراق للكويت عام 1990″. يُنظر: أثر الحرب الإيرانية – العراقية في الشرق الأوسط، باتريك كوبيرن، 2020. و”حلف المصالح المشتركة ـــــ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة“، مرجع سابق، ص64.
[43] كان تطور الأوضاع الداخلية الإيرانية عقب انتصار الثورة والحرب العراقية الإيرانية أسباباً رئيسة لتأسيس مجلس التعاون الخليجي؛ الذي ضمَّ قادة دول الخليج الست (المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، عُمان). وقد كان من أهم دواعي إنشاء المجلس الخليجي من وجهة النظر الرسمية: إنشاء قوة عسكرية بحرية مشتركة لحماية مضيق هرمز والدفاع عنه. يُنظر التقرير: مجلس التعاون الخليجي، دواعي التأسيس من وجهة النظر الرسمية ــــــ مركز الجزيرة للدراسات، 14/10/2014.
[44] حاول ياسر عرفات لعب دور الوسيط في حرب الخليج الأولى عام 1980م، ما أدى لحدوث توتر في العلاقات بين المنظمة وإيران؛ إذ اعتبرت طهران أن عرفات سبّب حرجاً للنظام الإيراني المساند للقضية الفلسطينية، وكان المطلوب تأييداً فلسطينياً قاطعاً لإيران، عدا عن طلب الأخيرة من المنظمة قطع علاقتها بدول الخليج العربي، وتعمق هذا التنافر بتقارب القيادة الفلسطينية مع القيادة العراقية آنذاك. يُنظر: إيران والقضية الفلسطينية: ما بين الأيديولوجيا والمصلحة القوميةــــــــــ روكسانا سلامة، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث.
[45] أدركت “إسرائيل” أن إيران “الحقيقية” ذات التوجه الجيوسياسي ستستأنف التعاون الاستراتيجي الذي كان قد بدأه الشاه معها، وهذا ما جعل من الأهمية بمكان بالنسبة إلى “إسرائيل” دعم إيران في الحرب؛ لأن هزيمة الإيرانيين لن تعني تعزيز الجبهة العربية المعادية لإسرائيل وحسب، بل وتقلل من فرص إحياء التحالف الإسرائيلي مع إيران لأن النظام بالتالي سيكون ضعيفاً. كتاب “حلف المصالح المشتركة ـــــ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، مرجع سابق، ص58.
[46] “عملية أوبرا”: اشتركت فيها ثماني طائرات إسرائيلية دمرت المفاعل تدميراً كاملاً في أول هجوم ضد منشأة نووية بالعالم، وقد بررت “إسرائيل” هجومها بإحباط محاولة العراق استغلال هذا المفاعل لإنتاج أسلحة نووية يستخدمها ضدها، ويعتقد أنَّ “إسرائيل” استعانت بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية للمنشأة النووية في هجومها.  يُنظر التقرير: عملية أوبرا… غارة إسرائيلية دمرت مفاعل “تموز” العراقي ـــــــ مركز الجزيرة للدراسات، 14/12/2016.
[47] وهو ما أكدته صحيفة (نيويورك تايمز) في تقريرها حول الدعم الأمريكي المبكر للعراق في حربه مع إيران؛ حيث أشارت إلى أن “إدارة ريغان قررت تقديم معلومات استخباراتية سرية إلى العراق في ربيع عام 1982، والسماح ببيع أسلحة أمريكية الصنع إلى بغداد، في محاولة لمساعدة الرئيس صدام حسين”، كما ذهبت الصحيفة إلى أن “الإدارة الأمريكية  ـــــ بعد فترة وجيزة من توليها السلطة في يناير 1981ــــــ قررت سرًا السماح لإسرائيل بشحن أسلحة وقطع غيار أمريكية بقيمة عدة مليارات من الدولارات إلى إيران، وهذا بدوره  يقدم دليلاً على أن واشنطن لعبت دورًا أكبر بكثير مما كان معروفًا في السابق في التأثير على مسار الحرب الإيرانية العراقية الطويلة والمكلفة”. يُنظر التقرير:
Seymour M. Hersh, U.S. Secretly Gave Aid to Iraq Early in Its War Against Iran, The New York Times, 26.01.1992.
[48]جاءت حادثة إسقاط الدفاعات الجوية السوفييتة عام 1981م لطائرة أرجنتينية كانت تستخدم لنقل السلاح وقطع الغيار الإسرائيلي لإيران لتكشف عن وجود اتفاق تفاهمي سري بين تل أبيب وطهران نصَّ على بيع “إسرائيل” أسلحة وعتاد لإيران؛ (منتهكةً بذلك الحظر الأمريكي على تزويد إيران بأسلحة ومعدات حربية لحين إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في طهران). وفــي مقابلة مع جريدة (الهيرالد تربيون) الأمريكية في 24/8/1981م اعترف الرئيس الإيراني الســابق أبــو الحســن بني صــدر أنه أحيــط علماً بوجــود هذه العلاقة بين إيران و”إســرائيل”، وفــي 3 حزيــران 1983م اعتــرف رئيــس الوزراء الصهيوني “مناحيم بيجن” بأن “إســرائيل” كانت تمد إيران بالسلاح، وعلل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي أســباب ذلك المدد لإيــران فــي تلك الحقبة بأن “من شــأن ذلك إضعــاف العــراق”. يُنظر: العلاقات الأمريكية الإيرانية، الوجه الآخرـــ د. ضيف الله الضيعان، ص10.
[49] يُنظر: تاريخ الاجتياحات الإسرائيلية للبنان ـــــ مركز الجزيرة للدراسات، 25/07/2006.
[50] يشرح سفير إيران لدى لبنان الأمر فيقول: “إذا ركزنا على النقطة التي تقول إن لبنان قلب البلدان العربية، ومنصة يجري فيها توزيع الأفكار المختلفة إلى أنحاء العالم العربي؛ يمكننا الاستنتاج بأن وجود حركة إسلامية في ذلك البلد سيثمر عن ظهور حركات إسلامية في مختلف أنحاء العالم العربي”. كتاب التحالف الغادر، مرجع سابق، ص56. ويُنظر أيضاً: رؤية في حاضر ومستقبل حزب الله اللبناني، علي حسين باكير.
[51] في البيان التأسيسي للحزب الذي جاء بعنوان “مَـن نحـن ومـا هـي هويتنا؟” في 16 شباط 1985م عرّف الحزب عن نفسه فقال: “…إننا أبناء أمـة حزب االله التي نصر االله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم… نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل بالولي الفقيـه الجامع للشرائط، وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية االله العظمى روح االله الموسوي الخميني مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة“. كتاب: حزب الله تحت المجهر، رؤية شمولية مغايرة للعلاقة مع إيران وإسرائيل، علي حسين باكير، ص19.
[53]  تجدر الإشارة هنا إلى أن الوضع السياسي في لبنان آنذاك مختلف تماماً عن الوضع الحالي؛ حيث إن إيران لم تكن صاحبة اليد العليا، بل كان النظام السوري المهيمن الفعلي في لبنان عبر حليفه الأول “حركة أمل”، وقد أدى التنافس الإيراني مع النظام السوري في لبنان إلى تصاعد التوترات، وفي خاتمة المطاف إلى اشتباكات مسلّحة بين “حركة أمل” و”حزب الله”. يُنظر: أي علاقات الأمس واليوم بين حزب الله وسوريا؟، مهند الحاج علي، مركز مالكوم كير ـــ كارنيغي للشرق الأوسط، 2019.
[54] See A Brief History of Israeli-Iranian Cooperation and Confrontation 8.
[55] ينظر على سبيل المثال: إيران غيت.. المصالح فوق المبادئ ــــــ مركز الجزيرة للدراسات، 1/02/2016.
[56] بدأت الفضيحة تظهر إلى العلن بعد نشر مجلة الشراع اللبنانية في 3 تشرين الثاني 1986م تحقيقاً حول الموضوع، ذكرت فيه أنه تم اكتشاف هذه العملية السرية بعد إسقاط جسر جوي من الأسلحة على نيكاراغوا، وفي 25 تشرين الثاني 1986م دافع ريغان عن العملية في خطاب متلفز، وجادل بأنه وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لإيران ونفوذها في العالم الإسلامي “اخترنا تفحص إمكانية إقامة علاقة أفضل بين بلدينا”. وقد أنكر الإيرانيون إجراء أية مفاوضات مع “إسرائيل”، فأعلن رفسنجاني في أواخر تشرين الثاني “إننا لم نفاوض إسرائيل أبداً … من أجل شراء أسلحة؛ وفي حال تبين لنا أن الأسلحة التي وصلتنا جاءت عبر إسرائيل فلن نستخدمها في جبهات القتال”. كتاب”حلف المصالح المشتركة – التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، مرجع سابق، ص67.
[57] يذكر المعارض الإيراني موسى الموسوي في كتابه “الثورة البائسة”: “أن الشعب الإيراني عندما أراد الوقوف بجانب اللبنانيين والفلسطينيين في محنتهم لدرء الهجمات الإسرائيلية ظهرت تساؤلات عن سبب رفض الخميني اقتراح العراق بوقف الحرب حتى يتسنى للعراق مساعدة لبنان، حيث وجّه الخميني كلمة للشعب الإيراني يقول فيها: “لا تلهيكم الحرب الصغيرة عن الحرب الكبيرة؛ فمحاربة العراق أهم لنا بكثير من محاربة إسرائيل”. كتاب: الثورة البائسة، ص125.
[58] بدأ كل من العراق وإيران بتصعيد جديد تمثل باستهداف الشحنات التجارية لبعضهما البعض، وخاصة ناقلات النفط، وقد أسفرت الهجمات عن مقتل أكثر من 400 بحار مدني وتدمير مئات السفن التجارية، إضافة إلى خسائر اقتصادية كبيرة. وتكمن أهمية هذه المرحلة من عمر الحرب بما شكّلته هذه الهجمات من تهديدات وأخطار على الاقتصاد الدولي الذي يعتمد بشكل حاسم على صادرات النفط الخليجية التي تعبر مضيق هرمز، وهو ما اضطر نهاية إلى تدخل الولايات المتحدة لحماية الناقلات الكويتية من الهجمات الإيرانية، مما أذن لاحقاً بالضغط على طهران لقبول إنهاء الحرب عام 1988م. يُنظر:
Elaine Sciolino, From Air and Sea, Iran-Iraq ‘Tanker War’ Heats Up, The New York Times, 3.9.1987.
[59] كتاب “حلف المصالح المشتركة ـــــ التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، مرجع سابق، ص 61 62.
[60] كلفت الحرب كلا الطرفين خسائر بشرية واقتصادية قدرت بحوالي نصف مليون جندي عراقي وإيراني، مع عدد مماثل من المدنيين، وعدد أكبر من الجرحى؛ رغم ذلك لم تجلب الحرب أي تعويضات أو تغييرات في الحدود. ويُشار إلى أنَّ الخميني وافق على قرار مجلس الأمن على مضض مشبّهاً ذلك “بتجرّع كأس من السم”. يُنظر: الحرب العراقية الإيرانية.. طموح صدام وأحلام المرشد ــــ مركز الجزيرة للدراسات.
[61] ذكرت الباحثة “فاطمة الصمادي” أنَّ تيار اليسار الإسلامي التقليدي بقيادة “الخميني” سيطر على الخطاب السياسي الإيراني طوال العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، وأمسك بزمام السلطة والمؤسسات بشكلٍ كبير على مختلف الصعد، ولكن عند نهاية الحرب الإيرانية العراق، ومع رحيل الخميني كان التيار اليساري يفقد أكبر حامٍ له؛ فقد شهدت إيران العديد من الإصلاحات كعملية تعديل الدستور الذي تم فيه إلغاء منصب رئيس الحكومة ونقل صلاحياته إلى رئيس الجمهورية. وللاطلاع أكثر على أهم التيارات اليسارية الإيرانية والتحولات التي طرأت عليها وما آلت إليه مع صعود الإصلاحيين إلى السلطة يُنظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ص127.
[62] يُنظر التقرير على سبيل المثال: السعودية وإيران توقّعان اتفاقية أمنية قريباً ـــ الجزيرة، 13/04/2001.
[63] رفض التيار اليساري الحداثي، الذي يُعد رفسنجاني الأب الروحي له، السياسة الخارجية القائمة على التوتر، ونادى بحوار الحضارات بديلاً عن الصدام والتعارض، وتحدّث عن نقد الحضارة الغربية، لا رفضها ونفيها، ودعا إلى معرفة المدنيات الأخرى ومدارس المعرفة الغربية، وشدّد على تنويع العلاقات وتوسيعها مع الدول الأوروبية والآسيوية. وقد شكّلت سياستها الخارجية رفضاً صريحاً لراديكالية السياسة الخارجية وتطرفها وفق طروحات اليسار التقليدي. يُنظر: التيارات السياسية في إيران، فاطمة الصمادي، ص 129-133.
[64] في إجابة عن سؤال حول العلاقة مع أمريكا يقول رفسنجاني: “بالنسبة لنا لا يوجد عدو دائم أو صديق دائم، الدائم بالنسبة لنا هو مصالحنا الوطنية”. ويقول رفسنجاني أيضاً في المقابلة التي نشرتها فصلية الدراسات الدولية: إنه قام في السنوات الأخيرة من عمر الخميني بمخاطبته من خلال رسالة خطية، طرح خلالها سبع موضوعات نصح الخميني بأنها يجب أن تحل في حياته، لأنها بغير ذلك ستتحول إلى معضلة، وكان في مقدمة هذه القضايا العلاقة أمريكا”. ويعتقد رفسنجاني “أن هذا الشكل من العلاقة لا يمكن أن يستمر؛ فأمريكا هي القوة الأولى في العالم، وما دامت لدول مثل الصين وروسيا حوارات وعلاقات مع أمريكا فلماذا لا يكون لنا كذلك؟”. يُنظر: العلاقات الإيرانية الأمريكية، قطيعة لا تمنع الصفقات“، فاطمة الصمادي، ص6.
[65] أشار السفير الإيراني  لدى الأمم المتحدة  آنذاك “جواد ظریف” إلى “أنَّ السياسة الخارجية الإيرانية تطورت بحيث باتت تنظر إلى الدول بدلا من أن تنظر إلى الجماهير، وهذا هو سبب ما تراه من تحسن مستمر في العلاقات بين إيران والعالم العربي ودول الخليج العربي، حيث كانت هناك محاولة من جانب إيران لإيجاد حضور قوي لها في العالم الإسلامي وفي حركة عدم الانحياز، وسعت إيران بشكل أساسي بعد انتهاء حربها مع العراق إلى إعادة تعريف موقعها في المجتمع الدولي باعتبار أنها قوة إقليمية، وإقامة علاقات جيدة مع الدول الأخرى في المنطقة”، كتاب: “حلف المصالح المشتركة، التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة”، مرجع سابق، ص70.
[66] سيتم الإضاءة على هذا الموضوع في الجزء اللاحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى