الأبحاث والدراساتالإصداراتاللجنة الدستورية وأفق الحل السياسيوحدة الهوية المشتركة والتوافق

العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية للفصائل السورية: أضغاث السياسة

الملخص:

لم تعد العلاقات الدولية حكراً على “الدولة”؛ إذ انخرطت “الفواعل المسلحة ما دون الدولة” في العلاقات الدولية، وباتت تعتمد سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية؛ لتطرح نفسها في بعض السياقات حركاتٍ سياسيةً قادرةً على النهوض بوظائف الدولة، والاعتراف بها على المستوى الدولي. تأتي هذه الورقة ضمن الجهود البحثية لتحليل سلوك الفصائل السورية في مجال السياسة الخارجية، عبر المنهج الوصفي التحليلي وعبر المقابلات المعمقة؛ من أجل تقييم هذا السلوك، وتحديد العوامل التي أثرت فيه سلباً أو إيجاباً.

بعد تمهيد نظري مختصر حول مفهوم السياسة الخارجية للفواعل المسلحة ما دون الدولة والعوامل المؤثرة به؛ تضمنت الورقة خمسة أقسام تناولت بالتحليل العوامل الأبرز المؤثرة في السياسة الخارجية لهذه الفواعل، وهي: المؤسساتيّة، والجغرافيّة، والاقتصاديّة، والشرعيّة، والدبلوماسية الرقمية.

على الرغم من النجاح الجزئي والمؤقت لبعض الفصائل السورية خلال السنوات العشر الماضية في حيازة بعض العوامل المساعدة في صياغة سياسة خارجية، خصوصاً في المجالات الجغرافية والاقتصادية والدبلوماسية الرقمية؛ إلا أنها في المقابل لم تستطع إيجاد روافع أخرى يمكن أن تمثل فارقاً لها على المستوى الخارجي.

كذلك أوضحت الورقة افتقاد الفصائل -باعتبارها فاعلاً مسلحاً من غير الدول- لأبرز العوامل التي يمكن أن تسهم في صياغة سياسة خارجية متزنة، خصوصاً على المستوى المؤسساتي الذي مثّل نقطة الضعف الأساسية؛ حيث إن غلبة نمط القيادة الفردي على ملف العلاقات الخارجية، وافتقاد الرؤية والخبرة والمصداقية والقدرة على التأثير ساهم في ضعف السياسة الخارجية التي يمكن أن تقود إلى حجز مكان لهذه الفصائل في الإقليم.

مقدمة:

تراجعت هيمنة الدولة بوصفها ركيزةً مفاهيميةً وعمليةً في ظل تزايُد مركزية الجهات الفاعلة غير الحكومية في إدارة العلاقات الدولية، ولاسيما الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تمتلك قدرات عسكرية فعالة خارج السيطرة الهرمية المباشرة للدولة، وعلى الرغم من الاعتراف بأهمية هذه الجهات في العلاقات الدولية منذ السبعينات على الأقل، والاتفاق بأنها تنفّذ ما يشبه السياسة الخارجية مع الدول والجهات غير الحكومية الأخرى في كل من أوقات الحرب والسلم؛ فإن القدرة على فهم ماهية هذه الجهات وتحديد خصائصها وسماتها وتصنيفاتها ما زالت تمثّل فجوة على المستويين النظري والعملي.[1]

تُعرَّف الفواعل المسلحة بأنها: “مجموعة منظّمة ذات بنية أساسية للقيادة تعمل خارج سيطرة الدولة، وتستخدم القوة لتحقيق أهداف سياسية أو ما يُزعم أنها سياسية”[2]. كما تتنوع أصناف وأشكال هذه الفواعل بشكل كبير نتيجة غياب معايير محددة للتصنيف من جهة، ولاتساع ظاهرة هذه الفواعل ودورها في مناطق عديدة من العالم كالشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا[3].

تتضمن الفواعل المسلحة أشكالاً متعددة، من أبرزها: الجهات المسلحة غير الحكومية (حركات التحرر)[4]، والتي تنقسم بدورها عدة أقسام، أبرزها: المجموعات المسلحة التي تسعى إلى القضاء على نظام الحكم؛ إما لكونه استبدادياً أو لعدم قدرته على إدارة البلاد[5]. كما هو حال “الفصائل السورية” التي نقصد بها في هذه الورقة: الفصائل التي صرّحت في أدبياتها وبيانات تأسيسها أنها تسعى لإسقاط نظام الأسد، ممن هي غير مصنَّفة على لوائح الإرهاب ولا تمتلك مشروعاً انفصالياً، وشاركت لاحقاً في اجتماعات الرياض 1 و2 ووقّعت على بيانَيهما[6]؛ فتشمل تقريباً جميع الفصائل المنضوية حالياً تحت مظلة “الجيش الوطني السوري”.

منذ ظهور الفصائل السورية واتساع رقعة المناطق التي تسيطر عليها، وزيادة نفوذها قبل التدخل العسكري الروسي، ثم تراجعه لاحقاً بعده كانت السياسة الخارجية لهذه الفصائل محل نقاش من زاوية “استقلال القرار في العلاقة مع الدول” بين فريقَين: الأول: يذهب إلى وجود مقومات ذاتية وداخلية تمتلكها الفصائل تؤهلها لوضع سياسة خارجية مستقلة في التعاطي مع الدول، والثاني يرى ضعف هذه المقومات وعدم القدرة في البناء عليها لوضع رؤية خارجية مستقلة عن الدول، خصوصاً الداعمة منها.

كنا قد استعرضنا في الإصدار الأول مجموعة العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية للكيانات المسلحة عبر نظرة بانورامية مقارنة، ولحظنا وجود العديد من العوامل التي تؤثر بطريقة أو بأخرى في السياسة الخارجية للكيانات المسلحة، وبنسب متفاوتة بحسب السياق الزمني والمكاني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والذاتي المتعلق بالفاعل نفسه[7].

ومتابعة في المسار ذاته يصبح من الأهمية بمكان النظر في إسقاط هذه العوامل على الفصائل السورية التي اختيرت بوصفها دراسة حالة لعدة أسباب: أنها تمثل حالة مستمرة حتى الآن في المشهد السوري على الرغم من تراجع دورها، وللقدرة على الوصول إلى بعض شخصياتها التي وافقت على إجراء المقابلات بما يعطي بُعداً عملياً تطبيقياً، إلى جانب تمسكها حتى الآن بالمشروع الوطني السوري من خلال توقيعها على بياني الرياض 1 و2[8].

تسعى هذه الورقة للإجابة عن السؤال الرئيس التالي: ما مدى توفر العوامل الرئيسة ذات الصلة بالسياسة الخارجية للفواعل المسلحة ما دون الدولة لدى فصائل الثورة السورية[9]؟ وكيف تعاطت هذه القوى مع هذه العوامل؟

تهدف هذه الورقة إلى تحليل العوامل الرئيسة التي أثرت على السياسة الخارجية للفصائل العسكرية السورية، بما يسمح بتقديم قراءة تحليلية لها، وبيان كيفية تعامل القوى السورية المسلحة معها، بما يفيد في استخلاص الدروس المستفادة.

تبرز أهمية الورقة في أنها تسعى إلى تقييم العوامل الخارجية للفصائل، وفهم الديناميات التي رافقت هذا المسار خلال السنوات الإحدى عشرة السابقة، بما يؤدي إلى الوعي بها على المستوى العام، وتقييمها بصورة منهجية بعيداً عن الشعارتية[10].

كما تسهم هذه الورقة في تسليط الضوء على أسس العلاقات الخارجية للفصائل بما قد يساعد إلى إخراجها من نطاق التبعية إلى نطاق أكثر توازناً، وبما ينعكس إيجاباً على القضية السورية.

اتبعت الورقة المنهج الوصفي التحليلي الذي يهدف إلى تحليل الظاهرة وفهم سياقاتها وتحديد العوامل المؤثرة فيها واستشراف مآلاتها، تمهيداً لوضع توصيات للتعامل معها، وقد اعتمدت نوعين من المصادر؛ أولية: تضمنت مقابلات فردية -مباشرة أو عبر الاتصال الهاتفي- مع شخصيات من مواقع اتخاذ القرار في الفصائل السورية، مع مراعاة التوزع الفصائلي والمناطقي للإحاطة بالموقف بصورة شاملة. وأخرى ثانوية: تشمل المصادر المفتوحة من دراسات ومقالات وتقارير صحفية عربية وأجنبية.

1- السياسة الخارجية للفواعل المسلحة ما دون الدولة : نظرة على المفهوم والعوامل

تتضمن السياسة الخارجية مجموعة من الأهداف تعكس القيم والمصالح المحورية للوحدة الدولية؛ إذ إن غاية السلوك السياسي للوحدة السياسة الدولية تتمثل في تحقيق تلك الأهداف التي تعبرّ عن المصالح والطموحات والتطلعات، ويجتهد صنّاع القرار من خلال تفاعلهم في البيئة الدولية لبلوغها[11].

ثمة تعريفات متعددة لمفهوم السياسية الخارجية، منها أنها: “مجموع نشاطات الدولة الناتجة عن اتصالاتها الرسمية مع مختلف فواعل النظام الدولي، وفقا لبرنامج محكم التخطيط ومحدد الأهداف، والتي تهدف إلى تغيير سلوكيات الدول الأخرى أو المحافظة على الوضع الراهن في العلاقات الدولية”[12].

حديثاً لم تعد هذه الميادين حكراً على الدولة؛ إذ انخرطت الفواعل المسلحة ما دون الدولة في العلاقات الدولية، وباتت تعتمد سلسلة من الأنشطة الدبلوماسية؛ لتطرح نفسها حركاتٍ سياسيةً قادرةً على النهوض ببعض وظائف الدولة، والاعتراف بها على المستوى الدولي. وتعتمد من أجل تحقيق ذلك على مجموعة من الأدوات لتسهيل التعامل الدبلوماسي مع المجتمع الدولي، وأكثر تلك الأدوات شيوعاً هو الاعتماد على شركة علاقات عامة تدير وجودهم في الخارج، وعلى أفرادها المقيمين في الخارج لإدارة المكاتب الخارجية، وصناعة الآراء العامة الخارجية بالاعتماد على آليات التسويق عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي[13].

من جهة أخرى فإن المنظمات غير الحكومية الدولية تتعامل بطرق متعددة أيضاً مع الجهات المسلحة غير الحكومية في بيئات النزاع؛ بدءاً من الاتصالات والاتفاقات الخاصة، إلى التعاون طويل المدى الذي يوفر الأمن لموظفي المنظمات غير الحكومية والوصول إلى السكان المحليين وتعزيز عمليات السلام[14].

يبدو أنه لا اتفاق بين الباحثين على العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية في حالة الكيانات المسلحة على عكس حالة الدول؛ إلا أن العديد من العوامل أضحت موضع تأثير ملحوظ، وهي تُلخص فيما يلي:

  • مؤسساتياً: ركزت المدرسة “المؤسسية القديمة”[15] على دور الأطر الرسمية والإدارية لمؤسسات الدولة الحديثة في التأثير على السلوك السياسي، وقد امتدت إسهامات هذه المدرسة إلى مجال العلاقات الدولية[16]، التي أشارت إلى دور مؤسسات الدولة -بحسب المدرسة المؤسساتية الجديدة- في رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية[17] . ينسحب الأمر على التنظيمات وفواعل ما دون الدولة؛ إذ إن لهذا العامل تأثيراً مباشراً في سياساتها الخارجية، فكلما امتلكت التنظيمات جهازاً منظماً مؤسساتياً كانت قدرة تأثيرها في السياسة الخارجية أكبر.
  • جغرافياً: يؤثر هذ العامل بمختلف معطياته -كالموقع الجغرافي- في الدول وعلاقاتها الخارجية، وهذا التأثير ينطبق -بصورة عامة- على المجموعات المسلحة غير الحكومية[18]، كما يرتبط بشكل أكثر دقة في حالة الفواعل ما دون الدولة بمستوى السيطرة الإقليمية، بوصفه يعني التأثير بعدد أكبر من السكان، بما يعنيه ذلك من زيادة ضمانات الأمن السلبية للفواعل، خصوصاً في المجال الإنساني، وبالتالي فرض نفسها بوصفها قوى أمر واقع على الدول[19].
  • إلى جانب العوامل السابقة يُعد العامل الاقتصادي “شريان الحياة” لدى الجماعات المسلحة غير الحكومية[20]، كما ينعكس على سياساتها الخارجية؛ فإن كان مصدر تمويلها ذاتياً تزداد استقلالية قرارها، أما إن كان مصدر التمويل خارجيا بشكل رئيسي فإنه لا يخلو من التكاليف، كـضعف الجماعة في اتخاذ القرار وصولاً لتغيير الأولويات الميدانية والسياسية بما يتماشى مع سياسة المانح.

كما ينعكس هذا العامل على بنيتها الداخلية؛ حيث يظهر ذلك في أن أولوية المورد المادي ودرجة التركيز عليه -خاصة عند التشكيل- تؤثر في نوعية الأفراد الذين يختارون المشاركة معها، وفي نوع التنظيم واستراتيجيات العمل المسلح التي ستتشكل؛ فأولوية الموارد المالية تجذب غير الملتزمين والانتهازيين عادةً[21].

  • كذلك قد يدفع التزام الفواعل المسلحة بالمعايير الدولية المجتمع الدولي إلى اتخاذ سياسة منفتحة معها، بما قد يسهم في الاعتراف بها جهة فاعلة سياسياً، ووصولها إلى الجهات الدولية لكسر العزلة والتهميش[22].
  • بالإضافة إلى كل ما تقدم فإن الجماعات المسلحة غير الحكومية تعمل عادة على وضع التواصل مع البلدان الأجنبية على قائمة أولوياتها، وغالبا ما تبذل جهوداً من خلال وسائل الإعلام الرقمية تستهدف الدول والنخب والرأي العام، بديلاً عن قنوات الدبلوماسية التقليدية، وهو ما يزيد من فرص ظهورها وتأثيرها في المجتمع الدولي، وقد اصطلح على تسمية هذه الاتصالات بـ”الدبلوماسية العامة الرقمية” التي تقوم على ثلاثة أبعاد هي: إدارة الأخبار، والتواصل الاستراتيجي، وبناء العلاقات[23].

تسعى هذه الفواعل لتقديم روايتها للأحداث ولطرح نفسها بديلاً موثوق عن الأنظمة؛ إذ يكون للرسائل التي تبعث بها إعلامياً القدرة على جذب الجمهور إذا تضمنت توضيح النظام الجديد الذي يُراد بناؤه، والتركيز على الفظائع المرتكبة من الحكومات، وإظهار تكتيكاتها غير المسلحة كقدرتها على تغيير قيادتها وانتخاب قيادات جديدة[24]؛ حيث يكون لمثل هذا الأمر تأثيره في كسب التعاطف الدولي وإظهار التأييد الشعبي الواسع[25].

2- مدى توفر مقومات السياسية الخارجية في حالة الفصائل السورية: لا أسس ولا سياسة

نركز على خمس عوامل رئيسة نبحث في مدى توفرها في حالة الفصائل السورية، وهي: العامل المؤسسي باعتباره أبرز خصائص الفواعل المسلحة وشرط وجودها أصلاً، والعامل الجغرافي بالتركيز على جانبي الحدود والسيطرة، والعامل الاقتصادي بوصفه مرتبطاً بالعمل الجغرافي من جهة وبالأهداف الرئيسة لسياسات الفصائل الخارجية من حيث استجلاب الدعم بمختلف أشكاله، إلى جانب العامل الشرعي الذي يركز على سعي الفاعل إلى تحصيل نوع من الاعتراف الداخلي والخارجي بشرعيته، وأخيراً العامل الإعلامي التي يُطلق عليها عادة “الدبلوماسية الرقمية”.

2-1- العامل المؤسساتي في السياسة الخارجية للفصائل: الأمنية الغائبة، وما تزال

يُقصد بذلك: “درجة التنظيم الهيكلي في وحدات عسكرية وظيفية محددة توضح حدود السلطة والمسؤولية”، فإن حالة المأسسة والتنظيم داخل الفصائل السورية -ولدى الفواعل المسلحة ما دون الدولة بشكل عام- تُعد عاملاً مؤثراً في قدرتها على النفاذ إلى الخارج ورسم جدوى هذا النفاذ[26]، فضلاً عن تأثيره في مواقف الدول المتدخلة في الملف السوري.

كان ضعف المأسسة وما يزال أبرز الأزمات التي عصفت بالفصائل على المستويين الداخلي والعام (المستوى الهيكلي)[27]، وأسهم في ذلك عوامل ذاتية منها: طبيعة الثورة الشعبية غير المركزية، وتعقيدات المشهد الاجتماعي في سوريا، والدور السلبي للقادة، وانقسام الفصائل المسلحة أيدلوجياً، وحضور البُعد المناطقي، وأنماط التفكير الضيقة، والصراع المحتدم فيما بينها على النفوذ والموارد …إلخ، وعوامل خارجية أبرزها سياسة الدعم الموجه من قبل الدول[28].

تجدد هذا الفشل مع المحاولة الأخيرة لمأسسة الفصائل العسكرية عبر إنشاء الجيش الوطني الذي جاء بدعم خارجي (تركي)[29]؛ إذ يستمر الانقسام والاصطفافات والتصادم والتوتر بين الفصائل[30]، مع غياب العناصر الأساسية للمأسسة كوجود القيادة المركزية الموحدة القادرة على فرض قرارات عسكرية[31].

لعب العامل المؤسسي داخل الفصيل أو على مستوى الفصائل السورية ككل دوراً مؤثراً في السياسة الخارجية وطبيعتها، ويمكن تلخيصه في خمس مظاهر رئيسة:

  • نمط القيادة: حظيت الفصائل التي وُجد فيه دور واضح لأقسام أو مجالس فعالة ضمن الهيكل الإداري -مثل مجلس الشورى أو المكتب السياسي- بعلاقات خارجية أقوى من تلك التي طغت عليها مركزية قائد الفصيل[32]؛ حيث إن وجود هياكل متخصصة يمكن أن يساعد على العمل التراكمي الجماعي أثناء اتخاذ القرارات، شرط ألا يؤدي إلى بيروقراطية زائدة، أو يكون غطاء للتلكؤ في اتخاذ القرار، أو تأخير صدوره نتيجة الصراع الخفي الداخلي ضمن الفصيل ذاته[33].

وأسهم تركز القيادة في شخصية واحدة في إضعاف العلاقات الخارجية، بسبب ارتباط هذا الملف بمزاجية القائد تارة، وبخضوع القرار لتقديرات متسرعة من قبله تارة أخرى، الأمر الذي لم يساعد على إيجاد حالة من الديمومة والاستقرار، لاسيما وأن هذا الملف كان يُدار غالباً من قبل قائد الفصيل ذاته، المنشغل أساساً بالأمور الميدانية والعسكرية والمالية بحكم أولويتها لديه، فلا يُتاح له الوقت الكافي للتركيز على السياسة الخارجية[34]، وذلك على عكس الفصيل الذي أناط ملف العلاقات الخارجية بمكتب علاقات خارجية، فأسهم ذلك في استقرار الملف وديمومته النسبية، ومناقشة أية قضية قبل اتخاذ القرار[35].

غير أن هذه الصورة المثالية لحالة المأسسة قلما توفرت لدى فصيل معين أو على مستوى الفصائل بشكل عام؛ فقد كان وجود مثل هذه المجالس المعنية بالعلاقات الخارجية غالباً هو أحد انعكاسات حالة التعدد والتشتت والفوضى التي اتصفت بها الفصائل، فكانت إناطة هذا الملف بمجلس أو مكتب تعبيراً عن تعدد مراكز القرار داخل الفصيل أحياناً، وعن ضعف الثقة بين القائمين على الفصيل ذاته أحياناً أخرى[36]. أما على صعيد وجود مجالس أو مكاتب تنسيقية عابرة للفصائل فقد كانت جزءاً من الفوضى التي اتسمت بها الحالة الفصائلية، فقلما كان يصدر قرار أو يتم تبني سياسة خارجية معينة ويكون فيها توافق بين مختلف الفصائل، كما ظهر في بعض الاستحقاقات الخارجية؛ كالموقف من مؤتمر جنيف2، واجتماعات أستانا[37].

  • القدرة على التأثير: يرتبط هذا العامل بحجم الفصيل وقدرته العسكرية ومدى تأثيره الميداني، وهو أحد أهم المعايير التي تفسر أصلاً الاهتمام به على صعيد العلاقات الدولية؛ بمعنى آخر أن غياب القدرة على التأثير تلغي وصف الكيان “فاعل”، وتجعله خارج دائرة الاهتمام على أقل تقدير.

كان هذا العامل حاضراً في الحالة السورية؛ فارتبط حجم الثقل العسكري للفصيل بطريقة تشبيك علاقاته مع الدول التي لم تجد مصالح طويلة الأمد يمكن البناء عليها مع مثل هذه الفصائل، نظراً لضعفها وهشاشتها، فكان التعاطي معها في ملفات جزئية تهم الدولة ذاتها، مثل: المعلومات، والأسرى، والصحفيين[38]. وقد تبدّى هذا الأمر بصورة واضحة في الفترة 2013-2014 حيث كان تركيز الدول في التعاطي مع الفصائل التي لها حضور قوي، على عكس الفصائل الصغيرة والضعيفة[39].

وتنسحب القاعدة ذاتها على الحالة العامة للفصائل السورية بشكل عام؛ حيث إن تراجع قوتها وحضورها -خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي- أفقدها إمكانية الحضور في السياسة الخارجية.

  • وجود رؤية لملف العلاقات الخارجية: تتطلب المؤسساتية أيضاً وجود رؤية استراتيجية للسياسات الخارجية، ووجود ممارسة مؤسساتية لها، بما يُخرجها من طور العشوائية أو العلاقات الفردية[40].

بغضّ النظر عن الأسباب التي أسهمت في فقدان غالبية الفصائل السورية رؤية واضحة لملف العلاقات الخارجية فإن ذلك أسهم في عشوائية القرارات على المستوى الخارجي أحياناً وتناقضها أحياناً أخرى، كما حصل في موقف الفصائل من المشاركة في مسار الحل السياسي؛ ابتداءً برفض البعض المشاركة في جنيف2، ثم رفض فكرة المجموعات الأربع التي طرحها ديمستورا، وصولاً لقبول قرار مجلس الأمن 2254 والمشاركة في هيئة المفاوضات العليا وهيئة التفاوض، ثم الانخراط في اللجنة الدستورية[41]؛ فقد مثّلت قرارات الفصائل تناقضاً في موقفها من مسار الحل السياسي خلال خمس سنوات، من رفض حتى المشاركة في المفاوضات وصولاً إلى المشاركة في اللجنة الدستورية[42].

  • الخبرة: عانت الفصائل السورية بشكل عام من نقص الخبرة في مجال السياسة الخارجية، وهو ما أسهم في ضعفها؛ إذ كان تركيز غالبية القائمين على الفصيل محصوراً في قضية “تحصيل الدعم العسكري والمالي وزيادته”، حيث مثلت هذه الفكرة الدافع والمحرّك الرئيس لقضية السياسة الخارجية. كما أن هذا الملف كانت تحكمه في وقت محدد -خصوصاً مع صعود خطاب التطرف- رواسب أيديولوجية، فضلاً عن التعاطي معه بأسلوب ردات الفعل من دون وجود استراتيجية واضحة[43].
  • المصداقية: كان للفساد الذي يحدث داخل الفصائل أثر كبير في مصداقيتها، وبالتالي في استمرارية علاقاتها الخارجية؛ حيث كانت بعض الفصائل تقوم بعمليات بيع السلاح عند الحدود بعد استلامه مباشرة، وتدّعي أنها فقدته في المعارك، لتقوم لاحقاً بإعادة شرائه عند الحاجة بأموال الدعم وبالأرقام التسلسلية ذاتها، وهو ما أثّر في نظرة الدول للفصائل باعتبارها كيانات زبائنية لا يمكن الوثوق بها[44] .
شكل رقم 1 يوضح المظاهر الرئيسة للعامل المؤسساتي ومدى توفرها في الحالة السورية

2-2-  العامل الجغرافي في السياسة الخارجية للفصائل: فقدان الفعالية في مشهدَين

امتلكت الفصائل في وقت مبكر أوراقاً مهمة بحكم سيطرتها على معابر ومناطق استراتيجية عديدة، وذلك خلال مرحلة صعودها وتمددها التي استمرت حتى نهاية عام 2015؛ حيث سيطرت تدريجياً على مركز مدينتين “إدلب والرقة”، وشطر من العاصمة الاقتصادية حلب وأطراف العاصمة دمشق[45]، وكانت تحظى بعمق في جبال الساحل السوري[46]، مع التحكم بمجموعة خطوط مواصلات، وقسم كبير من آبار النفط[47]، إلى جانب غالبية المعابر الحدودية مع تركيا وكاملها مع الأردن[48].

لتتغير خريطة السيطرة الجغرافية مع صعود داعش وسيطرتها على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا عام 2014، والتي آلت لتنظيم “قسد” لاحقاً[49]، ثم بعد عام 2016 بعد التدخل العسكري الروسي الذي قلب موازين القوى العسكرية على الأرض[50]، ابتداءً بالخروج من حلب نهاية عام 2016، مروراً بفقدان السيطرة على محيط العاصمة ومن ثم الغوطة[51]، ليتبعها فقدان السيطرة على العمق الساحلي[52]، ومن ثم درعا والقنيطرة[53]، وأرياف حماه وحلب الجنوبي وإدلب الجنوبي[54]، ومن ثم محيط مدينة حلب بالكامل وخسارة اوتستراد دمشق حلب الدولي[55] (يُنظر الشكل رقم 2).

وعلى الرغم من طول الفترة وتنوع الأوراق المهمة المرتبطة بالعامل الجغرافي فإن الفصائل السورية لم تحسن استغلالها بالعموم؛ ولعل مجموعة من العوامل أسهمت في عدم الاستفادة تتمثل بالنقاط الرئيسة الآتية:

  • تعدُّد الفصائل المسيطرة: أسهم تعدُّد الفصائل العسكرية السورية وضعف مأسستها الداخلية، وعدم وجود كيان حقيقي جامع للفصائل -على المستوى الهيكلي- في فشل غالبية الفصائل في توظيف ورقة الجغرافية لفتح علاقات مع دول الطوق أو خارجها[56]. بل على العكس أسهم ذلك في توظيف هذه الورقة من قبل الدول التي وجدت في تعدد الفصائل فرصة مناسبة لها لاستغلال الأخيرة والتلاعب بها وفرض أجندتها عليها.
  • تضارُب المصالح بين ما تريده الفصائل من الجغرافية وما تريده الدول: دفعَ تركيز الفصائل على إيجاد مصادر للدعم المادي إلى تسخيرها أهم الأوراق التي تملكها، بما في ذلك العامل الجغرافي، على اعتبار أن غالبيتها إن لم نقل جميعها لم تمتلك مصادر تمويل ذاتية وكافية[57]، فكان هاجس التمويل والحصول على الدعم هو محور تحركاتها الخارجية الذي كانت تسخّر لأجله كل الأوراق والمكتسبات التي تمسكها الفصائل، في حين أن تركيز الدول كان منصبّاً في حماية الحدود ومنع التهريب “أولوية ضبط الحدود أمنياً”، حيث حرصت الدول على عدم امتداد فوضى السلاح وتجارة البشر والتهريب إلى داخل حدودها، كما في حالتَي تركيا والأردن، وهذا يتناقض مع نظرة الفصائل إلى الحدود باعتبارها ورقة للتكسب ومصدراً للدخل المالي[58].
  • قلة الوعي بأهمية الورقة الجغرافية: لم يمتلك الكثير من القيادات في الفصائل وعياً كافياً بأهمية العامل الجغرافي؛ حيث اقتصر في مخيلتهم على دوره في “إطعام الفصيل” أو “الحصول على مكاسب صغيرة كمبالغ مالية”، أو بعض الحوافز “كإدخال الجرحى والمساعدات”[59] ، كما أدى ضعف الوعي بهذه الورقة إلى تعاطي الفصائل مع هذا الملف بطريقة مضرّة لدرجة السعي لـ “استغلالها للابتزاز المالي”[60] من الدول الساعية لتحقيق مصالحها، الأمر الذي انعكس سلبا على الفصائل وفتح الباب أمام جماعات أخرى لاستغلال العامل الجغرافي وحاجة الدول لضبط حدودها، كما أدى لتحويل غالبية الفصائل إلى قوى وظيفية تستفيد منها الدول في تحقيق مصالحها، من دون أن تكون قادرة على تحقيق مصالح الشعب السوري ولو في الحد الأدنى[61].
شكل رقم 2 يوضح المضامين الرئيسة للعامل الجغرافي وتغيرها خلال مرحلتي الصعود والتراجع

2-3-  العامل الاقتصادي في السياسة الخارجية للفصائل: هدفٌ ومحرِّكٌ بلا حوامل

يساعد تنوُّع التمويل للجهات الفاعلة المسلحة من غير الدول على تطوير سياساتها وتحسين استراتيجيات تعاملها مع مختلف الفواعل، سواءٌ كانت مشابهة لها “فواعل مسلحة من غير الدول” أو دولية؛ فكلما زادت مصادر تمويل الفاعل زادت هوامش تحركه خارجياً، والعكس بالعكس[62].

في بدايات الثورة امتلكت الفصائل هامشاً اقتصادياً مقبولاً؛ نظراً لعدم حاجتها لأموال كبيرة لقلة عدد أفرادها، ولحصولها على تبرعات من أفراد ودول، ومع توسُّع الفصائل في بدايات عام 2013 واتساع رقعة سيطرتها الجغرافية ازدادت مواردها، عبر السيطرة على بعض آبار النفط والمعابر الحدودية، إلى جانب موارد ناتجة عن التهريب.

غير أن هذا الوضع لم يدم طويلاً؛ حيث إن توسُّع تنظيم داعش جغرافياً، وسيطرته على غالبية الجغرافية السورية على حساب الفصائل أسهم بشكل مباشر في تراجع موارد الفصائل المالية، ليزداد الأمر سوءاً مع التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول عام 2015، حين بدأت الجغرافية بالانحسار، ومعها السيطرة على المعابر والمناطق والموارد؛ ليكتمل الأمر بتوقف الدعم الخارجي عبر غرفتي “الموك والموم” في أواخر عام 2017[63].

توجهت الفصائل بشكل عام لتلبية الاحتياجات من خلال مسارات جديدة؛ فتورط بعضها بالضلوع بأنشطة “إجرامية” كتهريب المخدرات[64]، في حين سعت غالبيتها للحصول على مصادر الدعم الخارجية التي أضحت محور التحركات الخارجية للفصائل[65]، وأحد الأسباب التي تدفعها بطريقة أو بأخرى للتودد للجهة المانحة عبر بيانات تضامنٍ تارة وتهنئةٍ تارة أخرى، كنوع من إظهار الود و”ردّ الجميل”[66]؛ غير أن كل ذلك لا ينفي وجود محاولات فصائلية استثنائية لتعويض الدعم الخارجي عبر مصادر تمويل مختلفة، مثل المعابر الداخلية أو الخارجية مع تركيا، تسمح -إن وُجدت- بتحقيق جزء يسير من استقلالية القرار الخارجي. (يُنظر: الشكل رقم 3).

أدى اعتماد الفصائل بصورة شبه كلية على الدعم الخارجي إلى القبول بتسليم أوراقها بشكلٍ شبهِ كليٍّ للداعم، بما يعنيه ذلك من خطورة انقطاع الدعم، وانتهاء الفصيل عملياً، وفي أحسن الأحوال ضعفه وتراجعه عند رفض التماهي مع سياسات الداعم وأجنداته أو قبولها والتماهي معها، والتي قد تكون سبباً في ضياع البوصلة التي تتمثل في الأهداف التي أُنشئ الفصيل من أجلها (الدفاع عن الشعب السوري في مواجهة نظام الأسد، والسعي للتخلص من حكم الاستبداد)، مع ما يرافق ذلك من خسارة للقاعدة الشعبية[67]. وتبعاً لذلك تقلصت هوامش المناورة لدى جميع الفصائل تقريباً أمام الدول الداعمة، وأصبحت معظم قرارات الحرب والسلم “تتماهى مع توجهات الداعم أو الجهة المتوقع أن تقدم الدعم”[68].

شكل رقم 3 يوضح المضامين الرئيسة للعامل الاقتصادي وتغيرها

2-4- شرعية الفصائل[69] في السياسة الخارجية: مؤثِّر ولكن!

حازت الفصائل العسكرية على صعيد الشرعية الداخلية على تأييد شعبي في بداية انطلاق العمل المسلح؛ لدفاعها عن المدنيين، وللتقدم العسكري على الأرض، والسعي لتقديم الخدمات للحاضنة وحفظ الأمن[70]؛ إلا أنه مع اتساع هذه الفصائل وسيطرتها على الأراضي ظهرت الكثير من الأخطاء والتجاوزات التي أدت لاحقاً إلى نتائج عكسية[71].

انعكس الخلل في مستوى الشرعية الداخلية على السياسة الخارجية؛ إذ خسرت الفصائل شرعيتها أمام الجهات الدولية الحكومية وغير الحكومية، نتيجة ارتكاب تجاوزات في بعض الأحيان أو انتهاكات لحقوق الانسان في أحيان أخرى، كتجنيد الأطفال أو الإخفاء القسري[72]، وإن كانت أحياناً تُبدي تجاوباً مع المتطلبات النظرية لاكتساب الشرعية الدولية، مثل إظهارها التمسك بقواعد القانون الدولي الإنساني رغم ضعف الالتزام الفعلي[73].

أما على صعيد اكتساب الشرعية القانونية “تمثيل الدولة في المحافل الدولية والأمم المتحدة، والاعتراف بالوثائق التي تصدرها دولياً …إلخ” فإن الفصائل ونتيجة عدم قدرتها على تحقيق ذلك باعتبار ذلك حكراً على الدولة؛ فإنها في المقابل امتلكت فعلياً مجموعة من نقاط القوة، كالمشروعية الشعبية النسبية، ومحاربة تنظيم داعش، وعدم تصنيفها “فصائل إرهابية” على اللوائح الأممية والأمريكية والأوروبية، وانخراطها لاحقاً في الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض السورية التي تُعد الطرف الشرعي الذي يمثل المعارضة في العملية السياسية بحسب قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015. (يُنظر الشكل رقم 4)

إلا أن جميع هذه النقاط التي تُعد نقاط قوة -عند توفرها- لم تنعكس على السياسة الخارجية للفصائل، وذلك لأسباب عديدة، من أهمها:

  • أولوية الأمني على السياسي: سادت فكرة سائدة لدى الفصائل هي: عدم وجود جدوى من “العلاقات الدبلوماسية”، باعتبارها لن تنتج أشياء ملموسة ومباشرة كالحصول على دعم مالي أو عسكري، وأنها مجرد “درء للمفاسد لا غير”. على العكس من ذلك انصبّ اهتمامها بالقنوات الأمنية للدول؛ فقد سعت لبناء علاقات جيدة معها[74]، ولعل ذلك يعود إلى النظرة الدونية إلى العمل السياسي، والتي طغت على ذهنية غالبية القيادات العسكرية، إلى جانب الضغوط اليومية على قادة الفصائل لتأمين الاحتياجات العسكرية واللوجستية للفصيل[75].

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان التعاطي في كثير من الأحيان مع الممثلين السياسيين لبعض الدول بعقلية الشخصية العسكرية التي تتعامل مع شخص مدني[76]، وينطلق من أن الحصول على السلاح كفيل بحسم المعركة ومن ثم بفرض أمر واقع[77]، وأنه لا فائدة مرجوة من فتح علاقات مع الدول التي لا تقدم دعماً عسكرياً مباشراً؛ انطلاقاً من قاعدة أن النصر يأتي بالسلاح، وليس بالقلم[78].

  • المزاودات الداخلية[79]: قامت المزاودات الداخلية في الفكر الجمعي السوري على أركان عديدة في تلك الأوقات، مثل: الاستقلالية ومواجهة الأجندة الخارجية، وقد لعبت تلك المزاودات دوراً أساسياً في وضع معوّقات لسياسات الفصائل الخارجية، سواءٌ أكانت مزاودات على المستوى الأفقي -بين الفصائل- أو أمام الحاضنة الشعبية[80].
  • الفشل في استثمار ورقة مكافحة الإرهاب: كان لدى الفصائل العسكرية القدرة على استثمار قتالها لداعش على المستوى الدولي بشكل أكبر بكثير مما حصل[81]؛ إذ إن قسماً منها تأخر في المواجهة إلى أن فُرضت عليه، وقسماً آخر واجه داعش من مدخل أيديولوجي بعيد عن منطق مكافحة الإرهاب[82]؛ مما أدى إلى عدم وجود خطاب فصائلي قابل للتسويق خارجياً بأنها يمكن أن تكون قادرة على إيقاف التطرف ومواجهته، على عكس الأطراف الأخرى كنظام الأسد وتنظيم PYD؛ فالأول تحالف مع روسيا بحجة مكافحة الإرهاب، والثاني تحالف مع التحالف الدولي لمواجهة داعش[83]. ويشير بعض المهتمين إلى أنه حتى حينما أُتيحت الفرصة للفصائل لعبت المزاودات الداخلية دوراً مهماً في رفض العرض الذي قدّمه التحالف الدولي آنذاك لدعم الفصائل لمواجهة داعش في عين العرب “كوباني”؛ لأن كبرى الفصائل أحجمت عن المشاركة الفاعلة خوفاً من “لعنة التحالف مع الناتو”[84].
  • الفشل في استثمار عدم التصنيف: على الرغم من أن عدم التصنيف على لوائح الإرهاب سمح للفصائل بتلقي الدعم، ولكنها لم توظف ذلك في قضايا استراتيجية، من حيث تقديم شرح للمجتمع الدولي عن خطابها ورؤيتها، بما يسهم في قبولها ومشاركتها[85].
شكل رقم 4 يوضح المضامين الرئيسة للعامل الشرعي

2-5- دبلوماسية الفصائل السورية الرقمية: حضور بلا فاعلية

على الرغم من الاهتمام الفصائلي الكبير بالجانب الإعلامي عبر الحرص على تغطية أكبر قدر من معاركها والعمل على إظهارها أمام المجتمع، أو حتى اتباع سياسة إعلامية للتوثيق أمام المانح لاستخدام السلاح، وصولاً إلى ممارسة الحرب النفسية بشكل بدائي وعشوائي؛ إلا أن ذلك لم يكن يعني على الإطلاق وجود سياسات إعلامية تندرج ضمن إطار السياسات الخارجية، كما حصل في تجارب عديدة للفواعل المسلحة ما دون الدولة[86].

لم تمتلك الفصائل جهازاً مختصاً بالتواصل الخارجي عبر المنصات الحديثة لاستهداف الرأي العام الدولي وصناعته؛ فقد وظّفت بعضها الإمكانات الإعلامية -في حال وجودها- في المزاودات والحروب البينية، خاصة على مستوى التنافس المناطقي[87]، بدلاً من التركيز على الشعوب الأجنبية لكسب الرأي العام الضاغط[88].

هذا الوعي المحدود بدور وسائل التواصل الاجتماعي وما يُبثّ من خلالها في صناعة الرأي العام وانعكاسه على اكتساب التضامن الواسع أدى إلى وجود ممارسات سلبية مباشرة، مثل: احتواء الكثير من المقاطع على خطاب أيديولوجي معادٍ للغرب أو يحمل صبغة طائفية أو يتضمن جرائم حرب كالإعدامات الميدانية وتجنيد الأطفال[89]، أو غير مباشرة مثل رفع رايات تتشابه مع راية داعش، أو وضع عصائب سوداء مكتوب عليها باللغة العربية بحروف بيضاء “الجيش الحر”. فمثل هذه الممارسات أسهمت في التأثير سلباً في الرأي العام الغربي الذي لا يستطيع تمييز التفاصيل في مثل هذه الرسائل المشوِّشة[90]؛ وهو ما أوجد هوامش لدبلوماسية نظام الأسد الموازية في الاستثمار لربط الفصائل بالإرهاب.

غير أن النقطة الأهم هي عدم إيلاء الفصائل أي اهتمام لإبراز تكتيكات غير عنيفة أمام الرأي العام الدولي، والتي تُعد إحدى أفضل الرسائل التي تُوجَّه للخارج بوصفها معزّزة للشرعية، كما هو حال الانتخابات[91]. لذلك اقتصرت أبرز ممارسات كسب الرأي العام الخارجي من الفصائل على إصدار بيانات تظهر تأييدها وتضامنها مع دول داعمة للثورة السورية؛ كما حصل في إصدار بيانات تؤيد إعلان السعودية لـ”عاصفة الحزم”[92]، إلى جانب أخرى ترفض العمليات الإرهابية في بعض الدول الأوربية وتدينها[93]؛ إلا أن ذلك لا يندرج إلا ضمن تكتيك الابتعاد عن التصنيف أو محاولة استجلاب الدعم[94]. (يُنظر الشكل رقم 5).

شكل رقم 5 يوضح المضامين الرئيسة للدبلوماسية الرقمية

الخاتمة:

لعل النتيجة الأساسية التي اتصفت بها السياسة الخارجية للفصائل في مختلف المراحل هي “الضعف”؛ وذلك نتيجة عوامل متعددة استعرضنا في هذه الورقة، أسهمت بمجملها في الوصول إلى ذلك. ولا شك أن بعض هذه العوامل موضوعي مرتبط بالسياق كما هو حال العوامل الجغرافية والاقتصادية، إلا أن العوامل الذاتية كان لها الحضور الأكبر مثل قضية المأسسة والشرعية.

تتمثل السمة الثانية لعوامل السياسة الخارجية للفصائل السورية في “التأرجح والتراجع”؛ حيث إنه مع صعود الفصائل في بداية عام 2013 كانت ثمّة فرصة مواتية لتعزيز حضورها الخارجي، بحكم وجود روافع متعددة أبرزها الجغرافية والموارد الاقتصادية، وقبل كل ذلك الشرعية بحكم مقارعتها لنظام مستبد وقاتل، وتبنّيها فكرة “الدفاع عن الشعب”؛ غير أن نقاط القوة المتعددة هذه ضاعت كلها في ضوء التنازع والتشتت والتنافس -العامل الأساس في إضعاف السياسة الخارجية- وصعود التطرف، ليكتمل المشهد التراجعي بالخسائر الميدانية؛ العسكرية والاقتصادية والجغرافية.

في السنوات الأخيرة وعلى الرغم من تقلُّص المساحة التي تسيطر عليها الفصائل[95] فإنها تسعى إلى ضبط ملف الحدود، عبر السعي لتوظيف هذه الورقة في تسويق نفسها لدى الطرف التركي بوصفه جهةً يمكن الاعتماد عليها، لاسيما وأن هذه الفصائل كانت تصرّح في لقاءاتها مع الجانب التركي بأنّ أمن الحدود لا يمكن ضبطه دون التنسيق بينها وبين حرس الحدود التركي[96]؛ ولعل في ذلك إشارة إلى حضور العامل الجغرافي في سياسات الفصائل الخارجية. إلا أنه في ظل عدم وجود مركزية للجيش الوطني ومؤسسة تدير هذه الملفات، وتفرُّد كل فصيل بالشريط الحدودي والمعبر الذي يسيطر عليه فإنه لا يمكن استثمار هذا العامل بالشكل المطلوب لتوظيفه خارجياً واستخدامه ورقة قوة تعاون وتنسيق تعود بالنفع والثقة لكلا الطرفين.

إلى جانب ورقة الحدود فثمّة إمكانية نسبية حالياً لاستثمار عاملي الشرعية والدبلوماسية الرقمية اللذين يمكن البناء عليهما جزئياً، ولكن من غير أن يُتوقع وجود نتائج واضحة؛ نظراً لغياب تأثير عوامل وازنة كالعوامل المؤسساتية والاقتصادية والجغرافية التي لا يمكن في ظل فقدانها -خصوصاً في الحالة السورية- أن نتوقع حضوراً حتى لبذور سياسة خارجية.

ملحق: أبرز العوامل التي تساعد الفصائل السورية على صياغة سياسة خارجية

 
العامل الرئيس
العوامل الفرعية المعيارية
1.                
العامل المؤسساتي
وجو د هيئة أو مكتب سياسي فعلي مختص بصياغة وإدارة السياسة الخارجية
2.                
وجود كيان حقيقي جامع للفصائل على المستوى الهيكلي.
3.                
القدرة على التأثير من خلال وحدة القرار، وإمكانية استخدام القوة للتأثير
4.                
وضع رؤية استراتيجية للملف الخارجي؛ وذلك من خلال تخطيط قائم على أسس علمية واضحة تراعي مبادئ عديدة، كالمرونة والتكيف والشمولية.
5.                
وجود كفاءات وخبرات في العمل السياسي، وهو ما يساعد على مأسسة السياسة الخارجية وتجنب الأخطاء الناجمة عن عدم الاختصاص.
6.                
إدارة العلاقات على أساس من المصداقية، خصوصاً في حال وجود اتفاقات أو صفقات ولو كانت غير مكتوبة.
7.                
العامل الجغرافي
التحكم بمعابر حدودية مع عدة دول.
8.                
التحكم بشبكة الطرق والمواصلات الرئيسة.
9.                
إيجاد تقاطعات بين ما تريده الدول من ورقة الحدود والجغرافية وما تسعى له الفصائل من خلال التركيز على الملف الأمني، وتحصيل مكاسب تدريجية في المجال الاقتصادي.
10.             
العامل الاقتصادي
الحصول على موارد عبر التبرعات غير الرسمية.
11.             
توفر الثروات الطبيعية، خصوصاً النفط والغاز.
12.             
القدرة على الاستثمارات الذاتية المشروعة.
13.             
الشرعية الداخلية والخارجية
معايشة هموم الحاضنة الشعبية والالتحام بها.
14.             
تقديم الخدمات المتاحة وحفظ الأمن والاستقرار.
15.             
وقف كافة أشكال ومظاهر الانتهاكات، وضبط ممارسات العناصر المسيئة.
16.             
فتح العلاقات الخارجية، ومحاولة التواصل المستمر مع القوى الدولية الرسمية وغير الرسمية.
17.             
الانفتاح على المنظمات الدولية وتسهيل مهامها، والالتزام بقواعد القانون الدولي.
18.             
الانفتاح والتعاون مع القوى السياسية الرسمية.
19.             
التركيز على الدفاع عن الحاضنة وتبنّي أهداف الثورة وقيمها.
20.             
اللجوء إلى أدوات كسب الشرعية، خصوصاً الانتخاب وتمكين القوى المحلية.
21.             
الدبلوماسية الرقمية
الاهتمام باستهداف الرأي العام الخارجي بلغاته المختلفة عبر أدوات وتكتيكات مدروسة.
22.             
التفاعل مع الأحداث الدولية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
23.             
إبراز الجانب السياسي في أنشطة الفواعل ودعم ومساندة العمل المدني.

[1] MAY DARWICH. Foreign Policy Analysis and Armed Non-State Actors in World Politics: Lessons from the Middle East. University of Birmingham, Foreign Policy Analysis, p.2
[2] Armed Non-State Actors: Current Trends & Future Challenges, DCAF & Geneva Call, N0 5,2015, p.7; MAY DARWICH. Op.Cit. p.3; Benedetta Berti, What’s in a name? Re-conceptualizing non-state armed groups in the Middle East, PALGRAVE COMMUNICATIONS, 29 Nov 2016. P.1; Rajeev Chaudhry, Violent Non-State Actors: Contours, Challenges and Consequences, CLAWS Journal l Winter 2013, p.167.
[3] د. جهاد عودة وآخرون، الفواعل العنيفة من غير الدول: رؤية استطلاعية، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، المجلد 31، العدد 3: ص 566.
[4] يشير مصطلح الفواعل المسلحة ما دون الدولة إلى: مجموعات أمراء الحرب، والميليشيات، والقوات شبه العسكرية (الرديفة) العاملة خارج القوات النظامية، وشبكات المرتزقة وعصابات الاتجار بالأسلحة والبشر، وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وحركات التحرر “التمرد”.
يُنظر: المرجع السابق، ص567 وما بعدها. وشهرزاد أدمام، الفواعل العنيفة الم من غير الدول: دراسة في الأطر المفاهيمية والنظرية، مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 8،  4/2014: ص 73 وما بعدها.
[5] تتضمن حركات التحرر عادة أشكالاً أخرى، منها: الجماعات التي عليها الصبغة الانفصالية وتطمح إلى إقامة دولة مستقلة كقوات سوريا الديمقراطية “قسد” وبعض القوى المنضوية ضمنها، والجماعات التي تفتقر إلى الطموح السياسي، أو التي تكون دوافعها أيديولوجية بامتياز وذات رؤية ما فوق وطنية “عالمية” مثل تنظيم داعش.  
للتوسع يُنظر: شهرزاد أدمام، الفواعل العنفية من غير الدول: دراسة في الأطر المفاهيمية والنظرية، مرجع سابق: ص 73.
[6] يمثّل بيانا الرياض 1-2 معياراً مناسباً لتحديد الفصائل التي تقبل بالمشروع الوطني الذي يمكن أن يمثل قوى الثورة والمعارضة؛ إذ يتضمنان تحقيق الانتقال السياسي وفق بيان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، والمحافظة على وحدة سورياً أرضاً وشعباً، وبناء نظام تعددي يقوم على المساواة والعدالة وسيادة القانون والفصل بين السلطات.
[7] د. أحمد قربي ومحمد صباغ، العوامل المؤثرة في العلاقات الخارجية للكيانات المسلحة: نظرة بانورامية مقارنة، مركز الحوار السوري، 16 /2/ 2021.
[8] من هذا المنطلق لم نركز في هذه الورقة على التنظيمات الأخرى مثل “قسد” و”هتش”؛ لامتلاكهما مشاريع لا تتوافق مع المشروع الوطني السوري، كذلك تم استبعاد التركيز على القوى السياسية؛ لأن هامش الحركة في السياسة الخارجية عادة ما يكون أكبر أمام القوى العسكرية مقارنة بالسياسية، لذا نرى أن دراسة الأولى يمكن إسقاطه على الثانية من باب أولى، فضلاً عن عدم توفر رغبة لدى بعض الشخصيات الفاعلة من القوى السياسية بإجراء مقابلات بحثية لاعتبارات خاصة بهم.
[9] نود التنبيه إلى مسألتين: الأولى: أن الورقة لن تمرّ على جميع العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية، وإنما تقتصر فقط على أبرزها مما كان لها حضور مباشر في حالة الفصائل السورية؛ لذلك فإننا لن نستعرض عوامل: القوة العسكرية، والعامل الثقافي، والعامل الأيديولوجي.
والثانية: أنه لا يوجد عامل واحد صريح يؤثر في السياسة الخارجية، وإنما الأمر هو حصيلة تأثير عدة عوامل؛ فعندما تتم الإشارة على سبيل المثال إلى وجود تأثير إيجابي للعامل الجغرافي فهذا لا يعني نجاح السياسة الخارجية نتيجة ذلك، وإنما القول بأن هذا العامل كان له تأثير إيجابي بغض النظر عن بقية العوامل التي ربما أدت إلى الفشل أو إضعاف تأثير الحضور الإيجابي للعامل الأول؛ فالأمر مرتبط بعوامل أخرى قد تفوق هذا العامل أو ذاك أهميةً وتأثيراً.
[10] ننبّه هنا إلى أن معظم الدراسات التطبيقية التي بحثت السياسة الخارجية لفواعل ما دون الدولة المسلحة قد ركزت على فواعل أخرى في منطقة الشرق الأوسط، مثل: “حزب الله اللبناني” وتنظيم داعش، وهيئة تحرير الشام “هتش”؛ وهذا ما يزيد من أهمية الورقة في مجال الدراسات والبحث لأنها سعت للتركيز على الفصائل السورية.
[11] خضير سلمان، السياسة الخارجية المصرية حيال المنطقة العربية منذ انتهاء الحرب الباردة ، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة النهرين، 2015، ص 6 وما بعدها، شوهد في: 21/11/2022.
[12]  تتميز السياسة الخارجية عن مفاهيم شبيهة كالعلاقات الدولية التي تُعد مفهوما أكثر شمولاً، أو الدبلوماسية التي تتسم بخاصية السلمية؛ في حين لا تقتصر السياسة الخارجية على ذلك.
يُنظر: عربي لادمي محمد، السياسية الخارجية: دراسة في المفاهيم، التوجهات والمحددات،  المركز الديمقراطي العربي، 27/12/2016، شوهد في: 20/11/2022.
MAY DARWICH, Op.Cit. p.4.
[14] Claudia Hofmann and Ulrich Schneckener, NGOs and Nonstate Armed Actors: Improving Compliance with International Norms Author(s), US Institute of Peace (2011) ,p.3
[15] تُعرف المؤسسات بأنها الإطار الذي من خلاله يتصرف الأفراد، وأنها ساحة للتفاعل السياسي ووسيط بين المصالح.
يُنظر: محمد أكرم العدلوني، “العمل المؤسسي”، بيروت، دار ابن حزم، 2002: ص 14.
[16]مفهوم المؤسسية، رؤيا للبحوث والدراسات، 29/9/2019، شوهد في: 11/2/2022.
[17] تضمنت المدرسة المؤسساتية ثلاثة اتجاهات: الأول يركز على فكرة “المؤسساتية العقلانية” التي تدرس مفهوم السلوك العقلاني الذي تضيفه المؤسسات على الفاعلين بداخلها، والثاني يتناول “المؤسساتية التاريخية” الذي يرى أن إرث المؤسسة وماضيها يؤثر في خياراتها المستقبلية، والثالث ” المؤسساتية الاجتماعية” التي ترى أن التطورات الحاصلة في المجتمع التي تؤدي إلى الانسجام والتماثل الهيكلي بين المنظمات تسهم في كفاءة المؤسسات وقوتها وشرعيتها.
يُنظر: نعيم شلغوم، الاتجاهات النظرية الجديدة في تحليل مفهوم الدولةالنظرية المؤسساتية الجديدة نموذجا” المجلة الجزائرية للأمن الإنساني، العدد السادس، 2018.
[18] د. أحمد قربي ومحمد صباغ، مرجع سابق.
[20] Michael N. Abonyi, Financing Revolution, Subversion, and Terror: How Armed Non-State Actors Fundraise , The Yale Review of International Studies, 12/2018.
[22] – Claudia Hofmann and Ulrich Schneckener, NGOs and Nonstate Armed Actors: Improving Compliance with International Norms Author(s),   Op.Cit  , p.3
[23]  MICHÈLE BOS AND JAN MELISSEN, Rebel diplomacy and digital communication: public diplomacy in the Sahel , International Affairs, Volume 95, Issue 6, November 2019, Pages 1331–1348.
[24] تُعرّف الانتخابات الشعبية “المتمردة” بأنها: انتخابات يصوّت فيها المدنيون المحليون لممثلي” المتمردين” على مستوى ما من التسلسل الهرمي التنظيمي للمتمردين خلال الحرب الأهلية، وتتضمن هذه العملية مزايا عديدة منهاـ: تعزّز الصمود أمام السلطة في الحرب الدائرة، وتؤدي إلى إشراك المدنيين برسم طريقة إنهاء الحرب وما بعدها.
من التجارب مثلاً: تجربة جبهة تحرير الشعب الإريتري، والاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي (ZANU) في زيمبابوي، فهم يقومون بإجراء انتخابات على مستوى القرية يصوّت فيها السكان المدنيون لممثلي “المتمردين” من قراهم.
يُنظر:
Kathleen Gallagher Cunningham and other, Voting for Militants: Rebel Elections in Civil War, Journal of Conflict Resolution, 2021.
[25] Benjamin T. Jones and Eleonora Mattiacci, A Manifesto, in 140 Characters or Fewer: Social Media as a Tool of Rebel Diplomacy, Cambridge University Press,  12 April 2017; Stephen Arves, Kathleen Gallagher Cunningham, Rebel tactics and external public opinion, Research & Politics,Volume 6, Issue 3, July-September, 2019.
[26] شهرزاد أدمام، الفواعل العنفية من غير الدول: دراسة في الأطر المفاهيمية والنظرية، مرجع سابق: ص 53.
[27] على سبيل المثال: تم تأسيس وإعلان خمس مجالس قيادة عسكرية تحت مسميات عليا أو مشتركة خلال عام واحد فقط وهو 2012، كما فشلت المحاولات اللاحقة من قبل الائتلاف الوطني لتشكيل هيكل عسكري يتنظم تحت قيادة سياسية، أو الوصول على أقل تقدير لحالة تنسيق عالٍ على صعيد السياسة الخارجية والمسارات الدولية.
يُنظر: أنوار بدر، عسكرة الثورة السورية والأخطاء القاتلة، صالون سوريا، 25/4/2018، شوهد في: 2/11/2022، وتشارلز ليستر، الأزمة المستمرة تحليل المشهد العسكري في سوريا، مركز بروكنجز الدوحة، مايو 2014، شوهد في: 11/2/2022، ص 4 وما بعدها.
[28] يُنظر: الرؤية المستقبلية لفصائل الثورة، مركز الحوار السوري، 1-9-2015، ص13 وما بعدها.
Elizabeth O’Bagy, MIDDLE EAST SECURITY REPORT 9 , the Free Syrian Army, United States of America by the Institute for the Study of War, 2013,p.4
[30] يُنظر: علي درويش، الجيش الوطني مسلوب الإرادة في ملفات سيادية، عنب بلدي، 30/5/2021، شوهد في: 11/2/2022. وجبهتان وعزم”.. البيت الداخلي لـالجيش الوطنيينقسم إلى 3 كتل، السورية نت، 10/9/2021، شوهد في: 11/2/2022.
[31] ضياء عودة وآخرون، الجيش الوطني جسم عسكريطارئأماستراتيجي “، عنب بلدي، 13/10/2019، شوهد في: 13/2/2022.
[32] قد لا يكون من المناسب تعميم هذه القاعدة، ولكن من خلال استقراء عدة حالات فصائلية كان هنالك وضوح في وجود سياسة خارجية ما للفصيل الذي لديه حد جيد من المأسسة مقارنة بتلك التي افتقدت لذلك، وتأكد هذا الأمر من خلال المقابلات التي أجراها فريق البحث.
[33] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[34] المصدر السابق.
[35] في هذا السياق يرى البعض أن هذا الأسلوب ولّد حالة من البيروقراطية الزائدة وتأخير القرار، وأن الدول كانت ترغب في كثير من الأحيان بربط الملف الخارجي بالقائد نفسه من دون تعليقه على أي مجلس أو هيئة داخل الفصيل.
من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[36]  من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[37] على سبيل المثال: شهدت الفصائل السورية فضلاً عن القوى السياسية كأعضاء الائتلاف الوطني انقسامات حادة في الموقف من المشاركة في جنيف2 وشروط هذه المشاركة، حيث أعلن بداية 19 فصيلاً بما فيها أكبر الفصائل كجيش الإسلام ولواء التوحيد وحركة أحرار الشام وألوية صقور الشام وألوية أحفاد الرسول عدم حضور مؤتمر جنيف2 ورفض التفاوض مع النظام، معتبرين أن الجلوس معه يُعد متاجرة بدماء الشهداء وخيانة تستوجب المثول أمام محاكم الفصائل، إلا أن اجتماعاً لاحقاً جرى في أنقرة بالتزامن ّ مع اجتماع الهيئة العامة للائتلاف وضم الفصائل الكبرى (الجبهة الإسلامية، وجبهة ثوار سورية، وأجناد الشام، وجيش المجاهدين، وهيئة الأركان) انتهى بـ”تأييد” بعضها المشاركة كهيئة الأركان والقوى التابعة لها، في حين التزم البعض الآخر بعدم الاعتراض أو الصمت (الفصائل الإسلامية).
ثم مع التحضير لإطلاق مسار أستانة نهاية عام 2016 انقسمت الفصائل قسمين: الأول يرغب في المشاركة في المفاوضات، والآخر يرفضها، لينتهي الجدل مع قرار غالبية الفصائل في ختام اجتماعاتها بأنقرة المشاركة في الاجتماع باستثناء حركة أحرار الشام.
يُنظر: مؤتمر السلام السوري جنيف2 وتحديات البيئة المحلية والإقليمية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وحدة تحليل الدراسات السورية، شباط 2014، ص 7. وأحمد يعقوب، فصائل سورية ترفض مؤتمر جنيف 2، الجزيرة نت، 29/10/2012، شوهد في: 12/7/2022. وفصائل المعارضة السورية تقرر المشاركة في اجتماع أستانة، العربية الحدث، 16/1/2017، شوهد في: 7/12/2022. وأحرار الشام ترفض المشاركة بأستانا وتؤيد المشاركين، الجزيرة نت، 18/1/2017، شوهد في: 8/12/2022.
[38] على الرغم من فقدان عوامل الثقل الحقيقة كانت طريقة التفكير التي تسيطر على القيادات في علاقاتهم الخارجية ناتجة عن “تضخم الذات” من قاعدة أنها أطراف وازنة لا يمكن تجاوزها، وهي توهُّم مخالف لطريقة نظرة الدول.
مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[39] مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[40] بشكل عام يمكن تعريف الإستراتيجية بأنها: “علم وفن استخدام الوسائل والقدرات المتاحة، في إطار عملية متكاملة يتم إعدادها والتخطيط لها، بهدف توسيع هامش من حرية العمل يعين صنّاع القرار على تحديد أهداف سياستهم العليا في أوقات السلم والحرب”.، كذلك ترتبط الرؤية الاستراتيجية ارتباطاً وثيقاً بمعايير الحوكمة أو المؤسساتية الذكية إذ تُعد أحد شرائطها الرئيسة.
يُنظر: صباح بالة، الاستراتيجية الدولية، الموسوعة السياسية، 5/8/2017، شوهد في: 7/12/2022، ومفهوم الحوكمة المؤسساتية، الشبكة العربية للتمييز والاستدامة، بلا تاريخ نشر، شوهد في: 7/12/2022.
[41] في بداية عام 2013 كان هنالك توجُّه لدى أهم الفصائل -خصوصاً الإسلامية منها- لرفض المشاركة في مسار جنيف، ثم في تشرين الأول 2015 أعلنت جميع الفصائل تقريباً مع الائتلاف الوطني رفض فكرة المجموعات الأربع التي طرحها ديمستورا، ثم لتشارك غالبية الفصائل في مؤتمرَي الرياض 1-2، وتنخرط في هيئة المفاوضات العليا وهيئة التفاوض من بعدها، وصولاً إلى مشاركتها في اللجنة الدستورية.
[42] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[43] على سبيل المثال: رفض فصيل عسكري عام 2013 التعاون الأمني مع إحدى الدول الأوروبية تحت ذريعة أن أولوياته تتمثل بالدعم، وأن الحصول على سلة إغاثة أكثر جدوى من علاقات تقتصر على البعد الأمني؛ كذلك رفضت مجموعة من كبرى الفصائل الإسلامية لقاءات سياسية مع ممثلين عن إقليم كردستان العراق بذريعة أنهم من اليسار وشيوعيون.
من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ع) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[44] المصدر السابق.
[45] يُنظر على سبيل المثال: الجيش الحر يسيطر على مدينة الرقة شمال شرق سوريا بشكل كامل، الجمهورية، 4/3/2013، وحصار أحياء داخل مدينة حلب، الشبكة السورية لحقوق الانسان، 22/9/201، وصالح  العبدالله، “ادلب 2015” عام انتصارات وتحرير، بلدي حكاية وطن، 29/12/2015، ومعركة دمشق على الأبواب والأسد خسر 30 ألف مقاتل، 4/3/2013.
[47] المعارضة تسيطر على 70% من نفط سوريا، عربية سكاي نيوز، 7/4/2013، شوهد في: 27/11/2022.
[48] على سبيل المثال: قامت الفصائل بالسيطرة على العديد من المعابر والمناطق الحدودية، مثل: معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في 19/7/2012، والسيطرة على كامل الحدود الجنوبية مع الأردن بما فيها معبر نصيب الحدودي في 1/4/2015.
 يُنظر: محمد بلو، معبر باب الهوى بعد التحرير.. نقل وتجارة وحركة غير متوقعة، أورينت نت، 7/2/2013، شوهد في: 27/11/2022، ورامي سويد، المعارضة السورية تسيطر على كامل الحدود الجنوبية مع الأردن، العربي الجديد، 1/4/2015، شوهد في: 27/11/2022
[54] عدنان الحسين، النظام السوري يسيطر على خان شيخون ويحاصر بلدات ريف حماة الشمالي، الجزيرة، 20/8/2019، شوهد في: 7/12/2022.
[56] يقول أحد قادة الفصائل العسكرية: “ما الذي يدفع دولة بإمكانياتها الكبيرة للسعي لفتح علاقة مع فصيل من بضع مئات أو آلاف، خاصة مع عدم وجود تمثيل سياسي حقيقي له ورؤية استراتيجية”.
من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[57] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[58] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[59] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ر) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[60]  من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[61] يقول أحد قادة الفصائل العسكرية: “امتلاك الفصائل الحدود والمعابر جعل منها دون أن تدري جهة تابعة لطرف ما لتسهيل مصالحه… تدريجياً تحولت الفصائل لطرف وظيفي دون أن ينتبهوا”.
من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[62] Michael N. Abonyi, Op.Cit.
[63] محمد العرسان، مصدر لـ”عربي21″: توقف دعم “الموك” للمعارضة بسوريا رسمياً، عربي 21، 3-1-2018، شوهد في: 4-12-2022.
[64] يُنظر كل من: فراس فحام، المخدرات في سوريا (الإنتاج – التهريب – الأهداف)، مركز جسور للدراسات، 12/2022، شوهد في: 4/2022، وكندة حواصلي وآخرون، الهدم من الداخل: المخدرات السلاح الخفي  الذي يدمر المجتمع السوري، مركز الحوار السوري ومنظمة ميد جلوبال، تشرين الثاني 2022.
[65] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[66] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[67] Michael N. Abonyi, Op.Cit.
[68] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[69] ما نقصده بالشرعية هنا هو: “القبول”؛ سواءٌ على المستوى الخارجي أو الداخلي، بحيث يكون الفاعل ما دون الدولة مقبولاً “لا يُشترط قانوناً” من قبل أشخاص القانون الدولي باعتباره يمثل -ولو من خلال القوة أو الموافقة من قبل المحكومين- جزءاً من الشعب السوري، بما يستتبع ذلك من عدم تصنيفه منظمة إرهابية.
للتوسع في معنى الشرعية وأنواعها يُنظر: د. إحسان النائب، مفهوم السلطة وشرعيتها: إشكالية المعنى والدلالة، ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي العلمي الأول “قبول الشعب كمصدر لشرعية الحكومات”، جامعة السليمانية، 2017، ص76 وما بعدها.
[70] من حيث المبدأ يصعب في حالة الثورات الفصل الحدّيّ بين الجانبين المدني والعسكري، وهو ما حصل منذ فترة مبكرة من عمر الثورة السورية؛ فقد بدأت الفصائل العسكرية تتدخل بشكل تصاعدي في الجانب المدني، وتُعد هذه النقطة جدلية؛ بين مَن يرى أن الفصائل كان يجب أن تحكم المناطق بفعل عوامل موضوعية عديدة، ومَن يرى أن هذه الممارسات كانت من أهم أسباب فقدان الشرعية.
 دولياً تركز الأدبيات حول حوكمة الجماعات المسلحة على الفوائد التي تجلبها سلوكيات الحكم للجماعة؛ في المقام الأول من حيث زيادة الشرعية المحلية، وزيادة الفعالية القتالية، وتحسين جمع المعلومات. ومع ذلك فإن الممارسة تشير إلى أن الحكم يمكن أن يقيد هذه الجماعات بالإضافة إلى تمكينهم، والأهم من ذلك أن المزيد من الحكم لا يُترجم مباشرة إلى مزيد من القوة لها، حيث تضع قيوداً على قدرتهم على القتال في المدى القصير.
يُنظر:
Cyanne E. Loyle  and other, New Directions in Rebel Governance Research, Cambridge University Press:  08 September 2021.
[71] للتوسع في علاقة الفصائل مع الحاضنة الشعبية يُنظر: د. أحمد قربي وآخرون، سبل استعادة الثقة بين الحاضنة الشعبية وقوى الثورة والمعارضة،  مركز الحوار السوري، 15/6/2022.
[72] يُنظر على سبيل المثال: فريق الأمم المتحدة يخلص إلى أن حالات الاختفاء القسري في سوريا واسعة الانتشار ويجري استخدامها كتكتيك حرب، الأمم المتحدة، 19/12/2013، وسوريا -الجماعات المسلحة تدفع بالأطفال في المعارك “التجنيد المتنكر في صورة التعليم”، هيومن رايتس وتش، 22/6/2014، والعفو الدولية تتهم فصائل من المعارضة السورية بارتكاب عمليات خطف وتعذيب، السورية نت، 5/6/2016، ولجنة تحقيق دولية تتهم القوات السورية ومقاتلي المعارضة بارتكاب جرائم حرب في حلب، BBC عربية، 1/3/2017،شوهد: 7/12/2022
[73] مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[74]  المصدر السابق.
[75] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[76] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[77] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[78] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[79] يمكن تعريف المزاودات في الحالة السورية بأنها: مجموعة الادعاءات المرتبطة بالطُّهر والنقاء والبطولة، بما يتوافق مع المخيال الشعبي ويتنافى بالضرورة مع قواعد علمية ومنطقية، وتُستخدم للهجوم وتشويه سمعة الخصوم.
[80] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[81] على سبيل المثال: ما زالت “قسد” تستثمر في محاربة داعش حتى اليوم دولياً؛ إذ تهدد باستمرار بأنها ستوقف مكافحة خلايا التنظيم بحال التعرض لهجوم تركي، وبأن أي هجوم عليها يعيق جهوداً طويلة في مكافحة الإرهاب.
يُنظر على سبيل المثال: الهجوم التركي في سوريا.. هل يمثل “قبلة الحياة” لداعش؟ سكاي نيوز، 25/11/2022، شوهد في: 29/11/2022.
[82] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (أ) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[83] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[84] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[85] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[86] للدلالة على ذلك يمكن استحضار حالتَين: الأولى هي “الحركة الوطنية لتحرير أزواد” في مالي، والتي اتبعت نشاطاً ممنهجاً في اتصالاتها وعلاقاتها خارج الحدود؛ حيث أنشأت منذ بداية تأسيسها مكتباً سياسياً بدأ في تحليل جميع الجوانب السياسية، وفي مقدمتها كيفية التعريف بالحركة لدى المجتمع الدولي ومخاطبة الإقليم بوصفها عملية ضرورية للاعتراف بالاستقلال، وفي الأشهر الأولى من القتال عام 2011 ضد الجيش المالي أظهرت الحركة قدراتها على احتلال ثلثي البلاد، وحرصت على بثّ ذلك عبر منصات للتواصل مع الجماهير الأجنبية بمنشورات مكتوبة بالفرنسية والعربية والإنجليزية، وقد حصلت على متابعة كبيرة. حيث أدت شهرة الحركة لأخذها على محمل الجد في الأخبار الدولية، وحرصت الحركة على إقامة علاقات مع فرنسا، وخاطبت الرأي العام الفرنسي؛ حتى إن “موسى أغ ساري” أحد أشهر المتحدثين باسمها أذاع نبأ استقلال أزواد على التلفزيون الفرنسي، إلا أن هذه الجهود قد تضررت بسبب علاقة الحركة مع جماعات إسلامية مصنفة على أنها “إرهابية”، رغم ذلك ونتيجة استخدام الحركة للغة القانون الدولي وتمسكها بقانون حقوق الإنسان لتعزيز حججها، تتابع الحركة عملها ممثلةً وحيدةً لأزواد في منظمة الدول الإفريقية، وقد طورت الحركة عام 2013 علاقاتها الخارجية تجاه مجموعات المجتمع المدني، وأقامت منصات مفتوحة للتفاعل عن  بُعد مع الجماهير الأجنبية.
في مثال آخر على دبلوماسية الجهات المسلحة غير الحكومية: نجد في ليبيا أن دبلوماسية الحركات الليبية كانت محورية في إقناع الولايات المتحدة بالاضطلاع بدور أكثر نشاطاً؛ حيث كان تويتر أداة رئيسة استخدمها المجلس الانتقالي عنصراً أساسياً في استراتيجية هادفة لكسب الرأي العام ومواقف النخب الأمريكية، عبر التغريد بشكل مستمر باللغة الإنجليزية، والتركيز على تبديد المخاوف بشأن فوائد دعم المقاتلين الليبيين، من جهة التركيز على الديمقراطية وحقوق الانسان، وفضح انتهاكات نظام القذافي.
يُنظر كل من:
[87] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قياديين (أ، ب، ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[88] Michèle Bos and Jan Melissen, How Sahel rebel groups use online diplomacy, International Affairs, Nov 25, 2019.
[89] -منها: الحادثة الشهيرة التي قام فيها عنصر من الجيش الحرّ بحمل قلب أحد شبيحة الأسد، وقد استثمر فيها نظام الأسد بشكل كبير في المحافل الدولية، وعملية قتل طفل مقاتلاً في لواء القدس “ذبحاً” بالسكاكين في ساحة المشهد في مدينة حلب.
يُنظر: بول وود، وجهاً لوجه مع المقاتل أبو صقر السوري الذي أكل قلب جندي، بي بي سي، 6/6/2013، شوهد في 29/11/2022، وأميركا تحقق في ذبح طفل حلب وتهدد “زنكي” بقطع المساعدات، العربية نت، 21/7/2016، شوهد في: 29/11/2022.
[90] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[91] – Kathleen Gallagher Cunningham and other, Voting for Militants: Rebel Elections in Civil War, Journal of Conflict Resolution, 2021.
[92] منها: فيلق الشام والجبهة الشامية وأحرار الشام وجيش الإسلام.
[93] على سبيل المثال: أصدرت كبرى الفصائل بياناً يدين الهجمات التي حدثت في العاصمة الفرنسية باريس يوم 13/10/2015، والتي راح ضحيتها 128 قتيلاً وأكثر من 200 جريح.
[94] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ب) في الفصائل، تشرين الأول 2021.
[95] ينقسم الشريط الحدودي جزئين: الأول يمتد من ريف اللاذقية مروراً بريفي إدلب وحلب الشمالي والشرقي حتى مدينة جرابلس، وتنقسم السيطرة عليه بين هيئة تحرير الشام “هتش” وفصائل من الجيش الوطني السوري، والثاني يصل تل أبيض في ريف الرقة برأس العين في ريف الحسكة، ويخضع لسيطرة فصائل الجيش الوطني بشكل كامل مع انتشار للقوات التركية. تحاول الفصائل توظيف ورقة الحدود عبر ضبطها أمنياً، والاستفادة منها اقتصادياً من خلال المعابر؛ إلا أن تعدد الفصائل المسيطرة يُضعف من حضورها لحساب “هتش” التي يعطيها العامل المؤسساتي قدرة أكبر على توظيف هذه الورقة. 
[96] من مقابلة أجراها فريق البحث مع قيادي (ج) في الفصائل، تشرين الأول 2021.

مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وحائز على اعتمادية المعهد العالي للحقوق في الشرق الأوسط، وعمل سابقاً مدرساً في كلية الحقوق في جامعة حلب الحرة. يركز في أبحاثه الحالية على دراسة ديناميكيات العلاقة بين المجتمع السوري والنصوص القانونية والدستورية منها على وجه التحديد.

صحفي سوري ومساعد باحث في وحدة التوافق والهوية المشتركة، تتركز اهتماماته البحثية على سياسات القوى المحلية والفاعلة في الملف السوري، شارك بإنجاز العديد من الأوراق البحثية المتعلقة بالحراك السوري وكتب العديد من التقارير التحليلية.
عمل في مجال كتابة تقارير المعلومات في الصحافة الالكترونية وإعداد النشرات التلفزيونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى